ماذا قبل وماذا بعد انتزاع الكيماوي من النظام السوري؟

08 أكتوبر 2013 18:17

د. محمد وراضي

هوية بريس – الثلاثاء 08 أكتوبر 2013م

ما قبل فترة زمنية، مدلولها الجهد المبذول لإنتاج السلاح الكيماوي، مقابل السلاح النووي الذي تملكه إسرائيل. إنها مدة نعرف الآن نهايتها المفترضة بتدخل الاتحاد الروسي لدعم حليفه المشرف على الانهيار! والذي بات على وشك السقوط بفعل ضربات الثوار على أبواب دمشق العاصمة. لكن بدايتها تظل لنا مجهولة. فهل كانت فور انتهاء حرب عام 1973م والتي لم يستطع جيش حافظ الأسد من خلالها استرجاع هضبة الجولان، وإن بدعم من جيوش دول عربية عدة، من ضمنها الجيش المغربي الذي عرف بحضوره في أكثر من مشهد حربي إفريقي وأسيوي؟

أم إن بدايتها كانت بعد حين من توقف تلك الحرب التي لم يجن وراءها المصريون تحديدا -بعد اتفاقية مخيم داود- غير الذل والهوان! بحيث تمثل بعض منهما في وضع سيناء! وفي الوعد الأمريكي المعسول بإيجاد حل سريع للقضية الفلسطينية! وفي الوعد الآخر مثله بجلاء جيش الاحتلال الصهيوني الوشيك عن الأراضي السورية واللبنانية! في إطار مسمى حل مشكلة الشرق الأوسط؟؟؟

فكان أن استكان النظام المصري الديكتاتوري للودعة بعد حين من تدفق الأموال الأمريكية عليه بالملايين! وكان أن شرع النظام السوري العنصري -كما يدعي- في التهيئ لليوم الموعود ظاهريا على الأقل! يوم المواجهة مع العدو الصهيوني لاستعادة أرضه التي يتعرض فيها سكانها السوريون للمهانة والاحتقار! شأنهم شأن سكان الضفة والقطاع قبل تحريره على يد البواسل الذين أذاقوا المحتلين الأمرين!

فتكون قصة تصنيع السلاح الكيماوي مرتبطة بدعمين: دعم روسي، ودعم إيراني، وبتكلفة مالية يتم اقتطاعها من أموال الشعب الذي لم يذق حتى الآن طعم الحرية والكرامة منذ أن وضع البعثيون أيديهم على زمام أموره، حتى وإن تناوبت على البلد انقلابات ينجح في تنفيذها النفر الذين وصلوا إلى مبنى الإذاعة قبل غيرهم بالدبابات وبالمدرعات!؟

المهم أن ترسانة النظام الكيماوية آخذة في الازدياد، بموازاة مع بقية الترسانات العسكرية المتعددة الأنواع والمصادر. والشعب السوري قبل غيره، كان ينتظر اليوم الموعود الذي يمحو فيه النظام البعثي العلماني الهمجي عار هزيمته مرتين: هزيمة 1967م. وهزيمة عام 1973م. لكن اليوم الموعود لم يحن بعد أوانه لغاية كتابة هذه المقالة. وهزائم تلو أخرى تنزل بزعيم الممانعة المفترض. فقد أرغم على سحب آلاف الجنود المجندة من لبنان. حيث أشفى ما وقع به غليل خصومه من حكام الخليج ومن علماجيين أمريكيين وغربيين! ومن صهاينة قبل غيرهم من أعداء تحرر الشعوب واستقلالها، إن نحن رغبنا في كشف الحجاب، أو في رفع النقاب عن واقع غاب عن الكثيرين فهمه! كما أشفى غليل خصومه تعرض معمل نووي سوري -في طور النشأة- لهجمة صهيونة، لم يجرؤ الأسد الطاغية على الحيلولة دون وقوعها! وكأن رداراته معطلة؟ أو كأنها من نوع الخردة التي تشتريها الجيوش العربية من تجار أسلحة القتل والدمار؟ أو كأن حراس الوطن وحماة الديار نائمون، تماما كما نام حماة مصر في أحضان المومسات صباح اليوم السادس من حزيران عام 1967م. والذي تم فيه تدمير الطيران الحربي من طرف نسور الجو الإسرائيليين، وهو بعد قابع في مرابضه؟

وها هو الكيماوي متوفر للنظام السوري دون أن يقدم على استخدامه -والعدو المحتل لأرضه يتربص به- وكأنه إنما كدس كميات منه هائلة لمواجهة خصم هو بالذات شعبه! هذا الذي ظل -كبقية الشعوب العربية- ينتظر الخلاص من ربق زبانية حكامه الظلاميين الكذابين! آملا منه في أن تأتي لحظة تجد فيها الأخلاق إلى قلوبهم طريقا ما! أو تترسخ فيها -ولو بالتدريج- مبادئ توصف بكونها إنسانية لا دوابية! وفي طليعتها التسليم بأن الحرية حق طبيعي مقدس للمواطنين في أي بلد! وأن غزو قلوبهم للاستيلاء عليها وامتلاكها حبيا لا يتم ولن يتم إلا بالتواصل عن طريق التعبير الحر والاختيار الحر، لا بالقمع والاعتساف والكذب والديماغوجية!

ولما هبت ريح الانتفاضة الشعبية على السوريين من دولة مغاربية هي تونس، ومن دولة مجاورة لها هي ليبيا، ومن دولة أخرى جارة لليبيا هي مصر. سلك السوريون مسلكا متحضرا مقبولا عقلا ودينا هو المطالبة السلمية المشروعة بالديمقراطية. لكن رأس النظام الهمجي أبى إلا الاستمرار في التعالي والشموخ! وكأن الشعب المشتكي من جبروته مجرد رعية، هي بقطيع الأغنام أشبه! يقودها الراعي إلى حيث يريد؟ ومتى يريد؟ وبالكيفية التي يريد؟ لكن الرعية آثرت عصيان أوامر ورغبات الراعي، فما كان منه غير مواجهتها وكأنها لا تمثل شعبا من بين ادعاءاته أنه يحميه ويوفر له كافة حقوقه!

فتطور الوضع الذي كان مقتصرا على الخروج في مظاهرات، إلى ظهور من يرون ضرورة مواجهة الحديد بالحديد الذي لا يفله غيره، فبدأ العالم برمته يشهد اعتقالات ومداهمات واغتيالات في الشوارع والأزقة والمساكن ودور النسك والعبادة! ثم سرعان أن دخلت البوارج الحربية في إمطار الخصوم بوابل من القذائف! جنبا إلى جنب مع دخول الطيران الحربي في المواجهة بين الثوار وبين نظام لم يصل إلى السلطة بطريق مشروع! شأنه شأن قادة كافة الأنظمة العربية والإسلامية بدون ما استثناء!!! ثم توالي استخدام كافة أسلحة التدمير التي لا تميز بين التجمعات السكانية، وبين مواقع لعناصر الجيش الحر، قل عددها أم كثر! وقد انتهى إلى علم كافة المتتبعين لما يجري كيف أن النظام الظلامي البعثي يلقي ببراميل البارود على المنازل والأفران والمقاهي قصد تخويف المواطنين وحملهم على التبرؤ من المناظلين الذين لا يستهدفون غير تخليص السوريين من جبروت حاكمهم الذي يرغم جلاوزته النساء والرجال على ترديد هذه العبارة: “لا إله إلا بشار”!!!

بينما الموصوف بكونه يتزعم العالم الحر يتفرج. تمثل هذا العالم في الأوربيين أو في الأمريكيين الذين لم يجرؤوا على مواجهة الدب الروسي كقوة داعمة لنظام وفر له في بلده مرفأ دافئا لمراقبة ما يجري في البحر الأبيض وعلى جانبيه أو على شواطئه، مما يفسره استخدامه لحق النقض في مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة! ومما يفسر استمراره جنبا إلى جنب مع إيران في مد النظام الظلامي السوري بالأسلحة الفتاكة.

وعندما شعر المتجبر بشار بدعائم عاصمته أو محميته تهتز تحت ضربات الثوار، رأى أن فك الحصار عنها لن يتم إلا بضرب الساكنة في ضواحيها بالسلاح الكيماوي السام القاتل! وضربهم به إقدام على ارتكاب جريمة شنعاء. دون أن يعتبر ما أقدم عليه غلطة تكتيكية وقع فيها بعض من ضباطه. فكان أن استنكر العالم برمته -إلا الظلاميين من أمثاله- تصرفه الوحشي الهمجي الذي لا يقدم عليه ضد شعبه إلا من لا ذرة عنده من قيم أخلاقية ووطنية ودينية وإنسانية! وكأن كل ما يهم السفاح بشار هو بقاؤه على كرسي الزعامة بأي ثمن! حتى ولو تم إفناء السوريين عن بكرة أبيهم كما يقال!

فلم يجد حليفه الروسي -تحت الضغوط الدولية- غير الإذعان لواقع مشهود، حتم عليه ابتكار حل يوقف عزم الأمريكيين على توجيه ضربات إلى مواقع عسكرية استراتيجية لنظام دمشق. وإلى التماس وسيلة تطيل عمره أملا في إيجاد حل سياسي، لا يؤدي إلى إبعاد بشار عن السلطة. وإنما يؤدي إلى ترسيخ بقائه على رأسها بكيفية من الكيفيات التي يرضاها الأوربيون والأمريكيون والإيرانيون (وكلهم منافقون)!!!

لقد حاول الروس -لإيقاف الضربة الأمريكية- التلويح بمد السوريين والإيرانيين بأسلحة ذات تقنية عالية لاعتراض الطائرات والمقذوفات الصاروخية. ومع ذلك لم يلتفت حكام البيت الأبيض بجدية إلى التهديد الروسي. ثم جاء اللقاء المباشر بين قائدي البلدين ليسفر عن اتفاق يرضي الطرفين وأطرافا غيرهما كما هو بين، بحيث يخرج كل طرف منهما من لقائهما التاريخي بما يحفظ ماء الوجه. لكنه اتفاق لن يجني من ورائه الشعب السوري -كمتضرر قبل غيره- شيئا ذا بال. فإبعاد السلاح الكيماوي عن المعركة المحتدمة، لا يعني إبعاد بقية الأسلحة الفتاكة التي تهدم البيوت والمصانع والمعامل والأوراش والمساجد والمدارس والمعاهد، وتفسد المحاصيل الزراعية، وتحول حتى دون تسويق ما ينجو منها لفائدة من تأكد بأنهم سوف يموتون من شدة الجوع والعطش، كما حصل ويحصل في الغوطتين اللتين تعرضتا لأبشع هجمات الجيش النظامي لقربهما من العاصمة.

فصح عندنا أن نستخلص من الاتفاق الأمريكي الروسي ما يلي:

1- الوصول إلى حيث مخازن السلاح الكيماوي قصد تدميره لاحقا من الصعوبة بمكان. وبما أن الأدلة متوفرة على استخدام النظام السوري لهذا السلاح ضد شعبه، فهل يتم الإسراع إلى معاقبته؟ وهذه المعاقبة من يتولاها؟ وكيف تكون؟ ثم هل يسمح الروس بالمعاقبة تلك؟ وإذا لم يسمحوا فهل تقوم باقي الدول بما رفضوا هم القيام به؟

2- تزود النظام السوري بنفس السلاح من طرف حلفائه تزود وارد. والتنازل عن هذا السلاح تحت الضغوط الدولية، أو لا يعتبر خيانة وطنية، خاصة وأن صنعه إنما تم بأموال الشعب الذي له كامل الحق في محاسبة حكامه؟

3- على افتراض تمكن المفتشين الدوليين من الوقوف على كافة مخازن السلاح المطلوب تدميره، فهل تقف المواجهة بين النظام وبين الشعب الثائر الذي يرفض أي حل آخر غير رحيل من يقوده؟

4- هل تتوقف روسيا وإيران عن مد بشار بالأسلحة الضرورية للصمود في وجه حملات الجيش الحر ضده؟

5- وإذا كان السلاح يتدفق على النظام من حلفائه، فكيف نتصور النهاية أو الحل المفترض؟ رحيل الأسد عن طواعية؟ أو بقاؤه؟ أو اغتياله؟ أو إلقاء القبض عليه ومحاكمته؟

6- هل سترتفع الأصوات المنددة بالنظام الظلامي السوري لغاية ما يصدر قرار أممي بتجريده من كافة الأسلحة، ومن تمة يعرف نفس مصير النظام الليبي؟

7- أم إن الروس سوف يحاولون استغلال نفس النهج الذي عرفته اليمن الثائرة في وجه حاكمها الظلامي المتجبر: علي عبد الله صالح، والذي ساهم الخليجيون، ومعهم حلفاؤهم الأمريكيون والأوربيون في إنجاحه إلى حد ما، وبمعنى ما، بحيث يفلت المجرم من العقاب، وينعم في بلده بالاستقرار والأمن، مستغلا ما كان قد أثله أو كدسه طوال حكمه الديكتاتوري من أموال، فضلا عن السيولة النقدية التي تنتهي إلى حسابه البنكي كحاكم سابق يحافظ له على راتبه الشهري؟

8- من المؤكد الذي لا يشك فيه، أن فرحة الأمريكيين بانتزاع السلاح الكيماوي السوري لا تقدر بثمن، لأن انتزاعه بمثابة إزالة كابوس مزعج عن حلفائهم في المنطقة التي عملوا طويلا على وضعها تحت رقابتهم المباشرة بعيدا عن أي معترض يعترض مخططاتهم المدروسة تلك.

9- ثم إنه من المؤكد أن الصهاينة لا يخفون فرحتهم بما سيؤول إليه السلاح الكيماوي السوري! وهم الذين يملكون أزيد من 90 قنبلة ذرية! وبمقدورهم في ظرف وجيز -كما يقول الخبراء- صنع 180 قنبلة أخرى إضافية! 

10- قال عمر بن الخطاب -ولنتأمل جيدا قوله-: “ملة الكفر واحدة”! فليبيا أرغمت على التخلص من كافة المظاهر التي تشي بكونها مقبلة على صنع الأسلحة الذرية؟ ثم قلمت أظافرها العدائية للغرب بصفة نهائية! ومعها ملك ملوك إفريقيا: معمر القذافي! ولم يسلم العراق من نفس المصير، بحيث إنه بات من الوضوح، كيف أن أية دولة إسلامية وعربية معادية للغرب، أو تحاول التخلص من قبضة سيطرته عليها، سوف تتعرض لا محالة للدمار بكيفة أو بأخرى! والمدمرون هم المتبجحون بالديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة والمحبة! أما الأنظمة المنبطحة أمام الغرب المسيحي الظالم المعتدي السفاح! فلقادتها أن يعيشوا من دماء شعوبهم بلا حسيب وبلا رقيب، وبلا مساءلة جدية سالمة من النفاق! كما هو شأن الغرب في هذه اللحظات بالذات مع ما يجري في مصر من شيطنة وراءها هدف واحد هو تخوين الإخوان المسلمين والزج بهم في متاهة الاتهام بالإرهاب! هذا البعبع الذي يهدد الغرب ومصالحه في كل مكان! وهو نفسه البعبع الذي ضخم خطورته النظام الليبي واليمني قبل سقوطهما. “ولله الأمر من قبل ومن بعد”!!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M