مصطفى الحسناوي يحكي معاناته الأليمة ثلاثة أشهر في بيانه الثالث

هوية بريس – عبد الله المصمودي

الجمعة 11 شتنبر 2015

نشرت صفحة الدفاع عن الصحفي المعتقل مصطفى الحسناوي على “الفايسبوك” بيانه الثالث من سلسلة بياناته التي عنونها بـ: “وختامه تضييق وتلفيق وتهم“، وهذا نصه:

“من المعتقل السياسي الصحفي مصطفى الحسناوي إلى من يهمه الأمر تحية طيبة، وبعد:

يؤسفني أن أحيطكم علما بوضعيتي المأساوية والتي تعكس وضعا مناقضا لكل الشعارات التي ترفعها الدولة، ولكل المعايير الحقوقية والأخلاقية والكرامة الإنسانية.

ذلك أني ومنذ يوم السبت 27 يونيو تم نقلي إلى حي صمّم خصيصا للعقوبات، مفتقرا لأبسط الشروط الصحية، وتم إخباري أن المسألة مؤقتة لن تزيد عن أسبوع أو أسبوعين، وفي غضون الأسبوعين المذكورين وتحديدا يوم الجمعة 10 يوليوز 23 رمضان نودي علي للمثول أمام عناصر الشرطة الذين أخبروني أن الأمر يتعلق بالاستماع لشهادتي في قضية سجين الحق العام مهدي بوسيف الذي تعرض للضرب على أيدي حراس السجن، لأتفاجأ مساء نفس اليوم باقتحام عدد من الحراس لزنزانتي قبيل آذان المغرب ويحيلوها إلى ركام وأكوام، بعد أن أتلفوا أغراضي وأهرقوا وجبة فطوري، وحجزوا هاتفا وغادروا.

صباح اليوم الموالي تقدمت بشكاية للمدير ضمنتها ما حصل مساء الجمعة من اعتداء علي وذكرته بوضعيتي غير العادية محروما من الفسحة والتطبيب والاستجمام، ملقى بي في زنزانة وحي خاص بالعقوبات.

انتظر المدير إلى يوم الثلاثاء 14 يوليوز، لينادي علي ليس من أجل شكايتي، بل لتهديدي بخصوص شهادتي لصالح السجين مهدي بوسيف، خاتما تهديده ووعيده بأنه سيحيل حياتي إلى جحيم، وأن ملفات عديدة تنتظرني، وأن انتقامه سيطالني حتى وإن غادر السجن، على يد المدير الذي سيخلفه، وبدأ بتنفيذ أولى خطوات انتقامه بوضعي في مرحاض بطول مترين وعرض متر ونصف، كانت التهمة الظاهرة هي حجز هاتف نقال، رغم أن حجزه مرت عليه خمسة أيام؛ لكن الدوافع الحقيقية الخفية كانت هي الانتقام، خاصة مع ضغط الكثير من الهواتف النقالة التي يعج بها السجن دون أن يتعرض أصحابها لمثل ما تعرضت إليه، بل دون أن يقضوا حتى عقوبة عادية، وليس في مرحاض كما حدث معي.

فأي مؤسسات هذه التي تتعامل بأساليب العصابات وبعقلية انتقامية حاقدة مريضة؟

وأي دولة هذه التي تسمح بهاته الممارسات البائدة، رغم النداءات التي أطلقتها في حينه، والتي لم تجد إلا آذانا صمّاء؟

قضيت 18 يوما بالمرحاض على لحاف خشن واحد دون غطاء، محروما من الفسحة، ودون أن يكشف عني الطبيب كما يلزمه القانون، رغم معاناتي من ضيق التنفس، وسبق أن تعرضت للاختناق، وهذا مسجل في ملفي الطبي؛ 18 يوما بما فيها ليلة القدر وعيد الفطر إيغالا في الانتقام، عكس ما هو معمول به في كل السجون من مراعاة لمثل هاته المناسبات، لكن ذلك طبعا يصدر من مدراء مسؤولين ناضجين يعون مسؤوليتهم عن مؤسسة للتربية والإدماج، وليس من مراهقين يعانون من كل أنواع العقد النفسية، لكن عموما حين تستعيض دولة ما بالشعارات الجوفاء، عن السياسات الناجعة والمراقبة والمحاسبة، فإن هذا الذي سيحدث، الانتقام والانتقام المضاد والأحقاد والضغائن المتبادلة، والضحية في نهاية المطاف الذي هو السجين ليس لديه ما يخسر في معركة التحدي هذه.

بحلول عيد العرش يوم الجمعة 31 يوليوز زارني المدير الجديد ليخلي سبيلي، بعد أن استفسر عن سبب تواجدي في ذلك المرحاض، مع بعض رسائل التهديد المبطنة بلغة سلطوية، فضلت أن لا أتوقف عندها.

من عجائب الصدف أن لا تزورني لجنة حقوقية إلا بعد خروجي من المرحاض، فبعد إخلاء سبيلي صباح عيد العرش، زارني مساء نفس اليوم في زنزانتي الأستاذان عبد الحق الذوق وعبد العزيز أدميل عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، غير أنهما لم يطيقا البقاء معي في الزنزانة أكثر من خمس دقائق بسبب الرطوبة وانعدام التهوية والإضاءة، وعبرا عن استيائهما من الوضعية التي أعيشها، ووعداني أنهما سيحدثان المدير وسيتابعان موضوع الزنزانة غير اللائقة، وغيرها من المخالفات على مستويات أعلى بطرقهما الرسمية.

يوم الثلاثاء 4 غشت زارني المدير في زنزانتي تقاسمنا خلالها الحديث لدقيقتين بالتساوي، دقيقة تحدثت فيها عن مطالبي المشروعة (الفسحة، التطبيب، الاستحمام، رفع حالة الحصار حيث أني ﻻ أقضي فترة عقوبتي ليتم التعامل معي بهذا التمييز والاستفزاز والحرمان من الحقوق). ومرر هو في دقيقة من الزمان رسائل التهديد المبطن مجدداً، ما ولد لدي انطباعا أنه متخصص في هذا النوع من التواصل، وﻻ علاقة له بحل المشاكل خاصة أنه يحتجز كتبا لي مدة عشرين يوماً تقريباً.

يوم الأحد 9 غشت تعرضت لاختناق كاد يودي بحياتي بعد تسرب دخان كثيف مجهول المصدر لزنزانتي، وقد أسهمت حالة الزنزانة في مفاقمة الوضع وتم نقلي إلى المصحة على الفور ليلا.

الجمعة 4 شتنبر زيارة جديدة لمسؤول من المندوبية هو الأستاذ عبد الله ضريف، استمع فيها لمعاناتي ومطالبي ووضعيتي التي لم تستطع كل الصرخات والنداءات والزيارات أن تغيرها، حتى أني طالبت المدير بكتبي التي جلبتها لي عائلتي ولازال يحتجزها أمام نظري وأخبرني أنهم بصدد مراجعتها، رغم باقي المعتقلين يستلمون كتبهم في غضون يوم أو يومين، لكنه الاستثناء والتمييز الذي أعانيه رغم تعاقب المدراء ورغم الزيارات التي لا تسفر عن أي نتيجة.

اليوم وبعد مرور قرابة ثلاثة أشهر على هذه الوضعية المزرية محروما من زنزانة تحترم إنسانيتي وكرامتي ومن وضع طبيعي ﻻ أحس به من تمييز وحكرة، ثلاثة أشهر محروما من الاستحمام والفسحة، ثلاثة أشهر أعاني من التضييق والمعاملة السيئة والإهمال الطبي وحجز كتبي من طرف المدير الجديد.

وبعد أن جربت التواصل المباشر والشكايات والتفاعل مع اللجان والمسؤولين، ولم تظهر أي نتيجة في الأفق، رأيت أن أخط هذا البيان للفت نظر كل من يهمه الأمر، لهذا الوضع غير الطبيعي المناقض لشعارات الدولة ومؤسساتها، من أجل التدخل العاجلة لتقويم هذا الوضع المعوج، الذي لا يخدم مسار البلاد، ولا يكرس إلا النظرة النمطية للاستبداد وفساد الدولة، وتحكم العقلية القديمة المتكلسة، عقلية الجلاد المتسلط.

المعتقل السياسي الصحفي مصطفى الحسناوي

السجن المركزي-القنيطرة/08 شتنبر 2015″.