اليسار يحتضر.. من يلقنه الشهادة؟

19 سبتمبر 2015 19:57
اليسار يحتضر.. من يلقنه الشهادة؟

اليسار يحتضر.. من يلقنه الشهادة؟

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – السبت 19 شتنبر 2015

صلاح بوسريف شاعر وناقد يساري، في مقاله المنشور تحت عنوان: “اليسار يحتضر..” ، يزعم أن اليسار الذي أضحى متشرذما ضعيفا بنتائج هزيلة في الانتخابات، مثل في وقت سابق ندا للدولة، وأنتج فكرا وثقافة كانت الأرضية التي ستبنى عليها أركان الديمقراطية وحقوق الإنسان، في بلد أصبح بفضل تلك القوة ينعم بالاستقرار ويمثل استثناء في المنطقة..

في حين لم يكن للإسلامويين الذين جاء بهم النظام من أجل ضرب اليسار وإضعافه أي دور يذكر في تلك التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، وهم اليوم يعملون على ضرب تلك المكتسبات بعد أن قطفوا ثمرة نضال من سبقوهم..

يقول بهذا الصدد:

(الإسلامويون، لم يكونوا ظاهِرِين في الصُّورَة، بل كانوا يعملون تَحْتَ الأرض، وكانوا، بعكس ما يدَّعُون، اليوم، وهُم فوق الأرض، سِلاحاً آخر من أسْلِحَة النِّظام، اسْتُعْمِل في كثير من المُناسَباتِ، لتحريف المشروع اليَسَارِي، التَّقَدُّمِي، الحداثي، التَّنْوِيرِيّ، وتَشْوِيهِه، ولم تكن مشكلتهم تتعلَّق، لا بـ«ثورة»، وهذا مفهوم يكرهونه، ولا بـ«صحوة»، أو «إصلاح»، وهي من المفاهيم التي لم يَسْتَعْمِلُوها، إلاَّ حين أتاحَ لَهُم دَمُ اليسار، أن يَنْعَمُوا بهامشِ حُرِّيَةٍ، لَم يكونوا سَبباً فيه، ولا قَدَّمُوا دَما من أجْلِه، بل إنَّ في طَيَّاتِ الحِوار المُطَوَّل مع عبد الإله بنكيران، في مجلة «زمان»، ما يَكْشِف عن «تعاونه» مع المُحَقِّقين! وهذا فيه ما فيه من قراءات، تأويلاتٍ.

ما زَرَعَـه اليسار المغربيّ من غَلّاتِ الحُرِّيَة، وما قَلَبَهُ من تُرَبِ هذه الحُرِّياتِ، وحقوق الإنسان، وما كَرَّسَهُ من فكر نقدي، ومن هوامش ديمقراطية، وغيرها، مِمَّا يعمل الإسلامويون على تخريبه، والتَّراجُع عنه، بما في ذلك الحقوق النقابية المختلفة، حصَدَه حزب «العدالة والتنمية»، الذي انتظر إلى أنْ نَضَجَت التِّينَة، فَسَقَطَت بين يدَيْه، دون عَناء تَسَلُّق الشَّجَرة، أو مَلَمَلَتِها، بالأحرى..).

1ـ قوله:

 (الإسلامويون لم يكونوا ظاهرين في الصورة، بل كانوا يعملون تحت الأرض)

يريد أن الإسلامويين لقطاء ركبوا على نضال اليسار وقطفوا الثمرة، وهذا زعم يكذبه الواقع والتاريخ،

أما الواقع فلأن الشعب اختارهم دون سواهم، ولو كانوا غرباء ومشروعهم ضبابي غير واضح لما حصدوا تلك الأغلبية في الجماعات والأصوات، بل هم محتكون منذ عقود بالطبقات الشعبية يفرحون لفرحها ويحزنون لحزنها، من خلال جمعياتهم ونقاباتهم وأحزابهم، ولو لم يشعر الشعب بصدقهم وإخلاصهم وتفانيهم في خدمته لرمى بهم إلى مزبلة التاريخ، كما فعل مع أحزاب باعت مصداقيتها ونضالها من أجل حفنة من المناصب وما راكمته من مصالح، وهذا هو السبب الحقيقي لاحتضار اليسار، أما الصراع على الزعامات الذي أرجع إليه الأستاذ احتضار اليسار فما هو إلا نتيجة للصراع حول المناصب والامتيازات والمصالح.

وأما التاريخ فشاهد على تجذر الحركة الإسلامية في تربة النضال والجهاد قبل الاستقلال وبعده، واسأل التاريخ عن الزعيم الإسلاموي علال الفاسي وشيخ الإسلامويين بلعربي العلوي والمجاهد الكبير أبي شعيب الدكالي، فهل هؤلاء وغيرهم انطلقوا في نضالهم وبسط مشروعهم الإصلاحي من القرآن والسنة أم من كتاب “رأس المال” لكارل ماركس؟ بل منهم قادة كبار انضموا لليسار في وقت من الأوقات، وهم من خريجي المساجد وحلق الذكر، مثل سيدي الحبيب الفرقاني وسيدي عمر الساحلي وغيرهم كثير.. وهل مؤسس الشبيبة الإسلامية التي تفرعت عنها جماعات الإسلام السياسي بالمغرب إلا عضو سابق، بل قيادي في صفوف اليسار؟

2ـ قوله:

(الدولة ليست في حاجة إلى أئمة ووعاظ دينيين، يتركون المساجد ليحتلوا الجماعات والجهات والمناصب الوزارية..).

يدل على جهل بتنوع الاختصاصات التي تزخر بها صفوف الحركة الإسلامية في شتى المجالات، فبمجرد الاطلاع على مستويات من تقدموا للانتخابات الأخيرة من مرشحي العدالة والتنمية يستطيع أي باحث أن يدرك الفرق بينها وبين من تقدموا باسم باقي الأحزاب.

نقول للسيد بوسريف: أين ثقافة التنوع و حرية الرأي والتعددية، وهي من أركان الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تدعي أن اليسار متشبع بها، حين ترفض الوجود السياسي لمن تربوا في محاضن الدعوة والمساجد والوعظ ، وهل هذه إلا مصادرة لأبسط حقوق الإنسان؟ بل ومصادرة لرأي الأغلبية التي اختارت الأيادي المتوضئة التي لم يدنسها بعد التخوض في المال العام.

إن هذا الحقد تجاه الإسلاميين هو الذي دفع بأنظمة عسكرية شمولية في المنطقة أن تتبنى الأطروحة اليسارية، أو تقرب اليسار إلى مربع السلطة و مواقع القرار لمواجهة خصم عنيد يتمتع بشعبية جارفة، فتطلق يده في المقررات الدينية يعبث بها أو تعطيه سوط الجلاد يلهب به ظهور من يكره معتقداتهم ويحتقر مشروعهم الظلامي.. واسأل التجربة التونسية على عهد الجنرال بنعلي والدور المخزي لليسار هناك في تنزيل ثقافة “عقوق الإنسان”، وهي التجربة التي كان جزء من اليسار عندنا يستلهمها لولا الربيع العربي الذي أركسه.

وأنقل بهذه المناسبة تعليق الأستاذ علي أنكاتو على إحدى تدويناتنا في الموضوع:

“بعض أقطاب اليسار هم من صنع جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية من مجموعة من الطلبة الصحراويين اليساريين .أغلبهم كانوا يدرسون في جامعة محمد الخامس بالرباط.. في أوائل السبعينيات رغبة منهم في خلق جبهة خلفية مسلحة من أجل قلب النظام . وبتواطئ مع القوى الشرقية (الاتحاد السوفياتي وممثليه الصغار في المنطقة مثل ليبيا والجزائر..) وأن لا ينسى أن لليسار دور كبير من إدخال المغرب في دوامة من العنف السياسي الذي أخر تقدم المغرب نحو الأفضل ل 40 سنة من شد الحبل بينه وبين الدولة طيلة ما سمي بسنوات الرصاص (القتل والاعتقال والاختفاء القسري…) وبتشبثه بمواقف سياسية قد تخلى عنها مباشرة بعد سقوط حائط برلين 1989… مما جعله يرتمي في أحضان النظام الذي كان بالأمس عدوه اللدود، ويعقد معه صفقة العمر التي حملت زعماءه إلى كراسي الحكم التي تشبثوا بها ولو على حساب مبادئهم، وهو ما جعل اليسار يصل إلى ما وصفه بورسيف مع إنكاره للأسباب الرئيسية.. كانت ثمرته ميلاد ما سمي آنداك بحكومة التناوب… بزعامة زعماء اليسار”.

3ـ زعمه بأن رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران كان متعاونا مع المحققين، تهمة قديمة ساقطة، للأسباب التالية:

أولا: الحركة الإسلامية بالمغرب نشأت انقلابية ضد النظام، وكان من قادتها الذين قاموا بمراجعات جريئة الأستاذ بنكيران ورفيقه في الدرب المرحوم عبد الله بها، ولقيا من إخوانهم ما لقياه في سبيل إقناعهم بالمصالحة مع النظام، ولا يعتقد عاقل أن أحدا من أبناء الجماعة الإسلامية لم يكشف عمالة وتعاون بنكيران مع المحققين حتى يأتي عبقري يساري فيكتشف ذلك من خلال حوار مع مجلة.

ثانيا: معلوم أن بنكيران وإخوانه طرقوا كل الأبواب من أجل الاعتراف بجمعيتهم أو منحهم حزبا دون جدوى، في حين الأحزاب اليسارية اشتراكية وشيوعية وغيرها تتمتع منذ عقود بالوجود القانوني.

ثالثا: حتى بعد احتضان حزب الدكتور الخطيب لهؤلاء الذين جاء بهم النظام لتحريف نضال اليسار ـبزعم الأستاذـ تم التضييق عليهم، وألبسوا تهمة المسؤولية المعنوية على الأحداث الإرهابية التي عرفتها الدار البيضاء 16 ماي 2003 وطالب حينها قيادي يساري كبير، هو السيد اليازغي بحل حزبهم، وانطلقت ضدهم حركة استئصالية واسعة تولى كبرها اليسار العدمي، وتم استهداف قطعيات الدين الإسلامي باعتبارها مرجعية ظلامية، وكان هذا إحدى مصارع اليسار الذي لم ينتبه إلى عمق ثقافة المجتمع المغربي المحافظ.

رابعا: تم التضييق بعدها على حزب الإسلامويين من أجل تقليص مشاركتهم في الانتخابات، وفسح المجال لحزب جديد يضم عتاة اليسار الراديكالي سيرا على خطى تونس، قبل أن تفاجئهم غضبة الشارع العربي فيما عرف بالربيع، فأوقف ذلك المد، ودخل المغرب في مرحلة جديدة ليحتل حزب العدالة والتنمية الصدارة في انتخابات 2011 ثم في الانتخابات الأخيرة دون أن تتدخل الدولة لصالحه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M