د. البشير عصام: هل المذهب المالكي أبعد عن السنة إن قورن بغيره من المذاهب؟

22 سبتمبر 2015 18:12
في استقبال شهر رمضان

د. البشير عصام: هل المذهب المالكي أبعد عن السنة إن قورن بغيره من المذاهب؟

هوية بريس – د. البشير عصام

الثلاثاء 22 شتنبر 2015

لست أرى المفاضلة بين المذاهب الفقهية على جهة الإطلاق، وأرى أنها جميعها وسائل اجتهادية لفهم مراد الله تعالى من المكلف.

نعم، يمكن المفاضلة باعتبارات خاصة، كأن يقال: ما أفضلها في العبادات أو المعاملات أو القضاء؟ أو ما أثراها في التعامل مع النوازل؟ أو ما أغناها في مجال الأصول والقواعد؟ وما أشبه ذلك.

ويبقى الأمر مع ذلك اجتهاديا لا تثريب فيه على المخالف ولا إنكار.

وظنُّ بعض الناس -المنتسبين إلى السلفية خصوصا- أن المذهب المالكي مخالف للسنة عموما، أو أبعد عن السنة إن قورن بغيره من المذاهب -خاصة الحنبلي والشافعي-، ظنٌّ مخالف للصواب. وله أسباب، منها:

• وضعهم اختيارات فقهية معينة (كاختيارات ابن حزم أو الشوكاني أو الألباني أو الغماريين) على أنها الموافقة للسنة، ومحاكمة مذهب مالك إليها. وهذا غلط منهجي خطير في شقّيه: في عدّ تلك الاختيارات موافقة للسنة، وفي صحة محاكمة فهم إمام إلى أفهام أئمة آخرين!

• التأثر بحملات التشنيع الشديدة على المذهب المالكي، والتي شنها الغماريون خصوصا وسرت إلى تلامذتهم من السلفيين وغيرهم. وصراعات الغماريين مع أتباع المذهب المالكي لها سياقات تاريخية لا بد من استحضارها.

• قلة الاطلاع على كتب المذهب المتقدمة والاكتفاء بكتب المتأخرين، وهي كتب ألفت في عصور الجمود والانحدار العلمي عموما والفقهي خصوصا. فكانت مليئة بالنقائص العلمية والمنهجية. ومن ذلك مثلا: خلوّها من ذكر الأدلة -في الغالب-، لعدم الحاجة إليه بسبب سيطرة المذهب دون منازع على بلاد المغرب، وانعدام المنافِس الذي يُحتاج إلى مجادلته بالدليل! فيظن الناظر في تلك الكتب أن المذهب المالكي لا يستند إلى الأدلة، والحال أن عدم الذكر لا يعني عدم الوجود.

ومن راجع كتابات أمثال: ابن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب وابن عبد البر والباجي وابن العربي والفندلاوي والقرافي والشاطبي وغيرهم، أيقن أن المذهب المالكي لا ينقص عن غيره من المذاهب في مجال الاستدلال وقوة النظر وجودة فهم النصوص والاستنباط منها.

• قلة الخبرة بحال المذاهب الأخرى، فالكثيرون عندنا لا يعرفون من الحنابلة إلا ابن تيمية، ومن الشافعية إلا شراح الحديث كالنووي وابن حجر. وهؤلاء ليسوا الممثلين حقا لهذين المذهبين. فابن تيمية مجتهد مطلق، يصعب حصره في خانة المذهب الحنبلي، وشراح الحديث لا يمارسون الفقه المذهبي في كتبهم، وإنما يمارسون شرح الحديث النبوي، فيتوسعون في الاستنباط والحِجاج.

• العامل العقدي: وهو ارتباط الحنبلية بمعتقد أهل السنة، حتى صار لفظ الحنبلي مرادفا للفظ السنّي، مع كثرة أصناف المخالفين للعقيدة الصحيحة في المذاهب الأخرى! ولا شك أن المفاضلة في مجال الفقه بمثل هذا المعيار العقدي: خطأ، لانفكاك الجهة.

• العامل السياسي: وذلك أن بعض السلطات الحاكمة تفرض المذهب المالكي على الناس فرضا، وتربطه بممارسات مخالفة للشريعة. فيرتبط المذهب في الأذهان بالتسلط ومنابذة الشرع! لكن هذا العامل إنما يلائم نفوس العامة، ولا ينفق في سوق العلم، وبين العلماء.

والمقصود: التذكير بخطورة مواجهة تقليد بتقليد، ومقابلة تعصب بتعصّب، وبوجوب استحضار كون هذه المذاهب طرقا موصلة إلى المراد بإذن الله.

والله الموفق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M