حكومة العالم… «الأمم المتحدة» ضد الأمم الفقيرة

01 أكتوبر 2015 14:38
حكومة العالم... «الأمم المتحدة» ضد الأمم الفقيرة

حكومة العالم... «الأمم المتحدة» ضد الأمم الفقيرة

ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)

هوية بريس – الخميس 01 أكتوبر 2015

اعتمدت الجمعية العامة الأجندة الجديدة والتي اتخذت شعارا لها: «تحويل عالمنا: جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة» ويتضمن الجدول 17 هدفا و169 غاية للقضاء على الفقر ومكافحة عدم المساواة ومعالجة المناخ على مدى الخمسة عشر سنة المقبلة.

ونصت مقدمة الوثيقة على ما يلي: «نحن عاقدون العزم على تخليص البشرية من طغيان الفقر والعوز والشقاء وتأمين كوكبنا، ونحن مصممون على اتخاذ خطوات جريئة وتحويلية لازمة لتحول العالم إلى مسار مستدام، ونحن نشرع في هذه الرحلة الجماعية، نتعهد أن لا يتخلف أي أحد عنها».

وكعادتها، جعجعة كبيرة حول شعارات: محاربة الظلم، القضاء على الفقر، محاربة الأمراض…، ولا يرى العالم بعد هذه الجعجعة طِحنا، غير طحن الأوطان بالحروب وطحن الأسرة بالسيدا و”المثلية” (اللواط والسحاق)، وطحن الثروات بالتواطؤ على غزو الشعوب ونهب مقدرات البلدان وإجهاض مشاريع النهضة خصوصا التي تؤسس خارج دائرة العلمانية.

أجندة الأمم المتحدة في الـ15 عاما المقبلة ستكون كمثيلاتها السابقة تكريس لهيمنة الدول المتحدة على باقي دول العالم، هذه الدول المتحدة التي تعني في البداية والنهاية وعلى الدوام الدول الخمسة الكبار، التي سماها روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأسبق بالأمم المتحدة قبل إنشاء المنظمة، وكان يعني: الصين، وفرنسا والاتحاد السوفييتي -روسيا الحالية- والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، هذه الدول المتحدة هي الدول نفسها التي تستحوذ على قيادة المنظمات الدولية وتصنع قراراتها، وتستعمل ما تسميه “الشرعية الدولية” للتحكم في بلدان العالم وحكوماتها، هي مَن تشعل الحروب ومَن تستحوذ على خيرات العالم، وهي من تتحكم في قرارات مجلس الأمن عن طريق حق الفيتو الذي تقاسمته بينها دون بقية بلدان العالم، ليصبح مجلس الأمن مجلس خوف للمستضعفين الذين لا يريدون أداء فروض الطاعة والولاء للرجل الأبيض.  

فمنذ نهضة العالم الأوربي والأمريكي، لم يعرف العالم سواء قبل منظمة الأمم المتحدة ولا بعدها معنًى للسلام، حيث لا تنتهي حرب إلا لتبدأ أخرى، وتبقى أشرس الحروب وأفظعها: الحربان العالميتان الأولى والثانية، حيث بلغ عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية فقط، زهاء 60 مليون، وترفعه بعض الدراسات إلى 85 مليون قتيل.

وبعد هذا الهرج العظيم، وبعد تجربة فاشلة لمنظمة عصبة الأمم، وبعد أن عم الدمار الشامل كل ربوع العالم، اجتمع الحلفاء وقرروا إنشاء منظمة الأمم المتحدة في 26 أكتوبر 1945، وذلك بعد المصادقة على دستورها من قبل الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن -الصين، فرنسا، الاتحاد السوفييتي، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية-.

وكان من أهم أهدافها الحفاظ على السلام العالمي، مرتكزة في ذلك على أمرين أساسيين هما:

– نزع الأسلحة، خصوصا أسلحة الدمار الشامل.

– وحماية حقوق الإنسان.

منذ ذلك الحين توالى إنشاء المنظمات والوكالات واللجان التابعة للمنظمة، وعقدت العديد من المؤتمرات، وصرفت الملايير تلو الملايير، ووضعت الخطط والتوصيات والقرارات والمعاهدات، لكن لا شيء تغير على أرض الواقع.

فالدول المتحدة الكبرى تنزع أسلحة المقاومة بينما تطور أسلحتها البيولوجية والكميائية والنووية، وتطالب الدول المنهكة بعقود الاحتلال والاستنزاف، بإقرار حقوق الإنسان والمرأة والطفل بينما تشن هي الحروب على العراق والشيشان والصومال، وتتواطؤ مع الكيان الصهيوني لإبادة الفلسطينيين، وحصار أطفال غزة، وانتهاك حقوق المرأة الفلسطينية.

بان كي مون يرى ويسمع بجرائم البوذيين ضد المسلمين ولا يتحرك، والأمم المتحدة تتابع الإبادات تلو الإبادات التي يتعرض لها المسلمون في كل بقاع العالم لكن لا تحرك إعلامها ولا دبلوماسيتها إلا إذا مس الإنسان الغربي أو الصهيوني.

فالحروب هي الحروب والاستضعاف هو الاستضعاف، فالدول الفقيرة التي كانت موضوع الحملات الإمبريالية التوسعية، لا زالت ثرواتها تستغل وخيراتها تنهب من طرف الدول الكبرى التي كانت تحتلها طيلة عقود مديدة، لا زال التقتيل هو التقتيل، فحرب الروس على أفغنستان وحرب أمريكا على العراق واحتلال الكيان الصهيوني لفلسطين ومذابح غزة ومجازر البوسنة وإبادات الروس للألبان، وفظائع الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، والإبادات الجماعية في ميانمار وإفريقيا الوسطى تحت سمع وعين الأمم المتحدة.

كل هذه الإبادة وكل هذه الشلالات من الدماء تعطي الدليل تلو الدليل أن الأمم المتحدة عاجزة عن إحلال السلام، وعجزها ليس لضعف الإمكانات أو لاستحالة تحقيق الأهداف، بل لأن من أنشأها أنشأها ليقتل الناس بالقانون، ويحتل الدول بالشرعية، وفي الوقت نفسه يكبل يد المظلوم ويجبره على التحاكم إلى الظالم.

يطور ترسانته النووية وأسلحته الكيماوية وكل أسلحة الدمار الشامل، ثم يدخل العراق بحثا عن أسلحة نووية لا وجود لها ينشر ما أسماه فوضى خلاقة، فيها كل الدمار والتقتيل والنهب لكنها تخلق واقعا جديدا على الأرض يسمح له بالاحتلال واستنزاف الثروات.

لقد أخبرنا التاريخ أن ملفات حقوق الإنسان والمرأة والطفل والأسرة والصحة والإنجاب كلها ملفات يعمل الغرب من خلالها عبر المنظمات الوطنية وغير الحكومية من أجل تفتيت البنيات الاجتماعية والقضاء على القيم والأخلاق داخل المجتمعات المتماسكة والتي ظلت عصية على الغزو الثقافي والحضاري طيلة قرون ما قبل “عصبة الأمم والأمم المتحدة”.

إن تلك الملفات المذكورة هي آلية فعالة لإعداد شعوب الدول الإسلامية التي تشكل خمس سكان العالم، لكي تبقى مجتمعات مستهلكة لما تنتجه الآلة الاقتصادية الرأسمالية، وكل مَن رفض منها أن يكون ولاية تابعة للأمم المتحدة تُهيأ له الانقلابات، وتنشر فيه الفوضى “الخلاقة”.

فعندما نرى العالم يشتعل بالحروب والأقصى الشريف يحرق ويمنع المسلمون من الصلاة فيه، وعندما نرى الحماية التي يلقاها المجرم بشار الفار، رغم ثبوت استعماله للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وعندما نرى السكوت المخزي على مذابح المسلمين على يد الصليبيين في إفريقيا، وعلى يد البوذيين في ميانمار “بورما سابقا”، ثم نقرأ في أحد تقارير الأمين العام للأمم المتحدة المعنون بـ: “الطريق إلى العيش بكرامة بحلول عام 2030: القضاء على الفقر وتغيير حياة الجميع وحماية كوكب الأرض”:

“يجب تأمين وجود بيئة مواتية في ظل سيادة القانون من أجل المشاركة الحرة النشطة والمجدية للمجتمع المدني والقائمين بالدعوة الذين يعبرون عن أصوات النساء والأقليات، وجماعات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية”.

فأي بيئة هذه التي تقبل بتقنين الشذوذ والتطبيع مع الفواحش؟

هل يبقى وجود للإسلام مثلا في المغرب إذا أقر برلمانه السحاق واللواط وسنَّ قوانين تبيح الزنا وتسمح بإقامة أسر من رجلين، وامرأتين، ونظمت تبنيهما للأطفال، وأقرت نظاما جديدا يتماشى مع هذا النمط من الأسر، هل يبقى وجود لإيمان وإسلام بعدها؟

إننا عندما نشاهد فظاعة الواقع ونقارنه بكلام التقارير التي يصدرها الأمين العام، نستيقن أن الأمم المتحدة تقوم بأكبر جريمة في الكون وهي تطويع الشعوب المستضعفة وعلى رأسها الإسلامية لأمريكا وحلفائها، تشغلهم بقضايا اللواط والسحاق وإلغاء عقوبة الإعدام، وتخلق بين نخبهم النقاشات حول هذه القضايا، وتفرق وحدتهم، فيظهر للناس كل من يرفض توصيات الأمم المتحدة بخصوص “المثليين” من اللواطيين والسحاقيات، ويحافظ على مقومات وجوده الدينية والثقافية، على أنه رافض “للديمقراطية” و”حقوق الإنسان”، في حين تواصل جيوش الدول المتحدة غزو بلداننا بلادا بلادا مستنزفة لثرواتنا مبيدة لشعوبنا.

فمتى نعيد التفكير -نحن المسلمين- في الشأن الدولي وفق ما يخدم وجودنا ومصالحنا، بعيدا عن هيمنة الفكر الغربي المنتصر، الذي استطاع أن يرسخ في عقول أغلب نخبنا حقيقة مطلقة يفرضها عليهم كحتمية تاريخية، وهي أن العالم إذا لم يخضع للأمم المتحدة ستفنيه الحروب والفوضى والجوع والشقاء؟

فمرحبا بحروب تليها عزة وقوة، ولا مرحباً بخنوع وخضوع يكرس الذل والهزيمة.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M