مجلس اليزمي يوصي بإلغاء نص قرآني

26 أكتوبر 2015 14:15
مجلس اليزمي يوصي بإلغاء نص قرآني

مجلس اليزمي يوصي بإلغاء نص قرآني

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الإثنين 26 أكتوبر 2015

قال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) (سورة النساء؛ الآية:11).

فالمعني في العنوان قوله تعالى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، متى؟ إن كانوا إخوة ذكورا وإناثا.

ونترك القراء يتابعون الآية لمعرفة باقي الأنصبة التي لم يلتفت لها مجلس اليزمي في توصيته، مما يجعلنا نتساءل عن الغاية من التعميم الذي اعتبر من السمات البارزة للتفكير الشمولي الشوفيني الذي سيق به المغاربة منذ أن ابتلوا بالاستعمارين الاستيطاني والقردي على حد تعبير الفيلسوف الراحل محمد عزيز لحبابي.

فالغزو الفرنسي جاء لإخراج المغاربة من البدائية والهمجية وإعادة وطنهم لبيت الطاعة اللاتيني بعد انقراض الحكم الروماني له، في أفق تحويل البحر الأبيض المتوسط لبحيرة لاتنية، يخدم جنوبها شمالها، لأن الشعوب المتحضرة لا بد لها من شعوب بدائية لاستمرار رفاهيتها وتطور حضارتها، وهو أمر لن يتم ما دام المغاربة مسلمون كما قال “شارل دوفوكو” وغيره من المنظرين الفرنسيين في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن العشرين (راجع كتابنا “غزوة المغرب..”، والمقالات المتوالية في جريدة السبيل).

وما المجالات التطبيقية لتمسيح المغاربة أو على الأقل تشويه إسلامهم على مستوى التطبيقات، سواء تعلق الأمر بالتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقضائية، والتعليمية، أو العادات والتقاليد التي عملت السياسات الإعلامية سواء في عهد الحماية البغيض، أو ما بعد الاستقلال حيث سيطرت التوجهات الراديكالية التي كانت تبشر بالرخاء والعدالة في توزيع الخيرات بين المغربنين، وجعل المغاربة حطبا لخدمة أهداف أجنبية، لم تفتح ملفات ما اقترف فيه من أخطاء وأزهقت فيها من أرواح، قيل عنها بأنها حطب كريم.

إن التوصية الفضيحة التي أصدرها مجلس اليزمي كي تفتح ثلمة في النص القرآني، الهدف من ورائها المرور لباقي محددات الهوية المغربية، لأن المغاربة يرون أن المس بالدين هو الكبيرة التي لا يمكن السكوت عنها، قمة وقاعدة، ومن شذ شذ في النار والخزي والبوار، والمثال الحي الخالد، هو معاملة الخونة وأعوان الاستعمار أثناء السيطرة الاستعمارية وبعدها من قبل المغاربة أجمعين.

فالتماهي القولي النفاقي لا ينطلي على المغاربة، حيث جرب ذلك معهم طيلة مائة سنة، وكانت صلابة المغاربة، وحذرهم من مزاعم المحتلين والعملاء والخونة أن نسوا ما زعمه الرئيس الفرنسي في تصريح له بالجزائر في الاحتفال بالذكرى المئوية لاحتلالها من أن فرنسا هي أكبر دولة إسلامية، ولها الحق في نقل الخلافة الإسلامية للفرنسيين، ليتسنى لهم خلق إسلام ملائم ومطاوع، ومن أجل ذلك نظموا مؤتمرا حول الخلافة الإسلامية سنة 1927.

وهو ما أراد مجلس اليزمي القيام به في آخر ولايته، ليعطي لمن يهمه الأمر أنه أفضل من غيره ولا داعي لتغييره، وهي نفس السياسة المتبعة مع المغرب، سواء عن طريق المؤسسات الفرنسية من قديم، حيث لا يعلوا صوت لديهم عن صوت مؤدي نهبهم للمغرب وإذلالهم لشعبه وسيطرتهم على مقدراته، ومن عارض أو تبرم فالتصرفات الماضية كفيلة بردعه.

بيد أن الرياح لم تعد مواتية لتلك التوجهات والضغوطات، لذلك يمكن القول بأن الذين أملوا على اليزمي توصيته لم يقرأوا لا الحاضر ولا الماضي لذلك جاءت خرجتهم خرقاء لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.

وعليه نقول بأن القسم الذي أقسمه أمام أمير المؤمنين والدستور الذي نظم مجلسه بين مجالس أخرى وحدد اختصاصات كل منها، لم يجعله في حرج من أمره وهو يوصي كتابة باختراق القرآن الذي هو أساس المجتمع والحكم والسيادة والعزة التي جعلته يتبوأ ذلك المنصب بناء على صفح جميل.

لقد ذكرني هذا الموقف الجاحد للمغرب والمغاربة المسلمين وأميرهم الذي يعلم الجميع موقف زمرة مجلس اليزمي منه ومن نظامه، بمقولة مدير الفلاحة الذي حضر معرض فاس في عام 1913 فقال لليوطي لما رأى موكب مولاي يوسف يدخل للمعرض: “أتفهم أنكم مع المدة ستكنسون هذه المظاهر”، فأجابه ليوطي: “إنها الواجهة التي سنعمل من خلفها على تهدئة المغرب واحتلاله”.

والظاهر أن اليزمي ربما استبطن الدرس وأراد أن يبرز أنه بالفعل كان يخدم وراء الواجهة من أجل إيجاد ثلم في مكوناتها الأساسية وأبرزها القرآن الكريم الذي هو أساس قيام دولة المغرب واستمرارها على مر القرون والأزمان، ليكون بذلك قد أعطى إنذارا لمن يهمه الأمر، وهو يغادر المجلس بـ”بصقه في الحساء”-كما يقول الفرنسيون-، حتى لا يستغنى عن مزيد من خرجاته الباهتة، لكن الله لا يهدي كيد الخائنين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M