علاقتنا بالمسجد الأقصى والدور المطلوب…

26 أكتوبر 2015 16:08
علاقتنا بالمسجد الأقصى والدور المطلوب...

علاقتنا بالمسجد الأقصى والدور المطلوب...

عبد العزيز الإدريسي

هوية بريس – الإثنين 26 أكتوبر 2015

ما حدث البارحة ويحدث اليوم وسيحدث غدا للمسجد الأقصى خصوصا، وللقدس ولفلسطين عموما، يؤكد أن مسلسل المفاوضات مع العدو الصهيوني لا أفق له، إلا مزيدا من التنازلات وضياعا للحقوق، ويعطي المشروعية الكاملة لخيار المقاومة الشعبية والمسلحة حتى دحر المحتل عن كامل أرض بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، تحقيقا للعدل وإقامة للحق.

والذي يلفت الانتباه أن الذين يرابطون في المسجد الأقصى وينافحون عن المقدسات، ويقومون بعمليات الطعن المباركة والدهس الموفقة، شباب وشابات أغلبهم دون سن العشرين -باحتضان وإسناد ودعم من الكبار آباء وأمهات-،بمعنى آخر أنهم ولدوا بعد اتفاقية مدريد سنة 1993م،اتفاقية الاستسلام وبيع الوهم للفلسطينيين.

 وإذ نكتب هذه الكلمات نستحضر بداية أبعاد علاقة المسلمين[1] بالمسجد الأقصى وبيت المقدس، ثم لأهم واجبتنا اتجاه القدس وفلسطين.

تتمثل أبعاد العلاقة بين المغاربة خصوصا، والمسلمين عموما في ثلاث مستويات وهي:

1-علاقة عقيدة وعبادة: بالرجوع إلى القرآن الكريم تتجلى هذه العلاقة المقدسة والمؤسسة على الإيمان بالله تعالى ورسالاته من لدن آدم إلى محمد بن عبد الله عليهم الصلاة والسلام، بين المسلمين والقدس وما حوله من أرض مباركة في العديد من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة منها، قوله تعالى:

– “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آيتنا إنه هو السميع البصير[2] إنه رباط قرآني محكم بين هاتين المدينتين المقدستين، واتصال ديني وثيق بين مكة والقدس،ورباط مقدس بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وتوأمة خالدة إيمانية قرآنية بين المسجدين.

– “يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين[3] قال ابن عباس المقصود بالأرض المقدسة أريحا.

– “وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون[4]، قال الحسن البصري وقتادة هي أرض الشام ومصر.

-“ونجينا لوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين”[5]، قال ابن عباس نجينا إبراهيم ولوطا إلى أرض الشام وكانا بالعراق.

ومن الأحاديث الشريفة التي تؤكد هذه العلاقة العقيدية التعبدية والمكانة الرفيعة:

– “لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى” متفق عليه.

– “فضلت الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، وفي مسجدي بألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة” رواه الإمام أحمد.

– وعن أبي ذر الغفاري، قلت يارسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال المسجد الحرام، قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة” متفق عليه.

– وعن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله، وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” رواه الامام أحمد.

– عن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال: “أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة، قلنا: يا رسول الله فمن لم يستطع أن يتحمل إليه، قال: من لم يستطع أن يأتيه فليهدي إليه زيتا يسرج فيه، فإن من أهدى إليه زيتا كان كمن أتاه“رواه ابن ماجة في سننه، في هذا الحديث دلالة واضحة على وجوب إعمار المسجد الأقصى ماديا ومعنويا ونصرته المستمرة الدائمة…

– وكذلك هو قبلة المسلمين الأولى: فعن البراء بن عازب قال: “صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، ثم صرفنا نحو الكعبة” رواه الشيخان.

– عن أنس بن مالك رضي الله عنه،قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عله السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء… رواه مسلم.

– قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: من أهل بحجة أو بعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه أو تأخر، أو وجبت له الجنة” سنن ابن ماجة.

إن المقصد العام من إيراد هذه النصوص المباركة وغيرها هو بيان المنزلة العظيمة لبيت المقدس، وتأكيد الارتباط بالمسجد الأقصى دينا وعقيدة وإيمانا وعبادة.

بل إن المسلمين سيعززون هذه المكانة من خلال ربطها بشعيرة الحج، فمن عوامل توجه المسلمين إلى القدس إنما يرتبط ما يعرف بـ: “تقديس الحج”.

2- علاقة علم ومعرفة:

أسس المسلمون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس،منذ الفتح الأول[6] المدارس والجوامع، المساجد[7] والمشاهد، بالإضافة إلى الزوايا والتكايا والمكتبات والخزانات، وكانت لهذه المؤسسات وظائف تعبدية واجتماعية وتربوية وسياسية بالإضافة إلى الوظيفة المعرفية تعليما وتعلما، تدريسا ومدارسة، ولذلك نجد الكثير من العلماء شدوا الرحال إلى باحات المسجد الأقصى طلبا للعلم وتعميقا للتخصص،فهذا العلامة المالكي أبو بكر بن العربي المعافري[8] يحكي في إطار رحلته إلى المشرق، فيما يرويه عنه صاحب “نفح الطيب”: تذاكرت بالمسجد الأقصى مع شيخنا أبي بكر الفهري الطرطوشي حديث أبي ثعلبة المرفوع”: إن من ورائكم أياما للعامل فيها أجر خمسين منكم، فقالوا: منهم، فقال: بل منكم -أي من الصحابة- لأنكم تجدون على الخير أعوانا، وهم لا يجدون عليه أعوانا”…[9]

وقد قصد المسجد الأقصى كبار الصحابة والتابعين والعلماء من كل المذاهب والبلدان، والأمراء والخلفاء والملوك، على مر العصور والأزمنة.

وبذلك كان قبلة للعلم والعلماء لا يقل أهمية عن مراكز العلم الكبرى كقرطبة وبغداد والأزهر والقيروان والقرويين.

3- علاقة جهاد ونصرة:

بدأت بواكير هذه العلاقة في التجلي منذ العصر النبوي، حيث تعلق قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس منذ حادثة الإسراء والمعراج وإمامته للأنبياء والمرسلين، فمنذ السنة الخامسة للهجرة بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعث “السرايا” على الطريق بين المدينة والشام، ففي السنة الخامسة كانت غزوة “دومة الجندل” وهي قريبة إلى الشام، وفي السنة السادسة بعث رسول الله مرة أخرى بعثمان بن عفان على رأس سرية إلى “دومة الجندل”، في السنة السابعة كانت غزوة “خيبر” لأن يهودها كانوا يهددون الطريق إلى الشام، وفي السنة الثامنة كانت سرية كعب الغفاري “ذات اصطلاح” من ناحية الشام، وهي التي تسمى الآن “وادي عربة”، وفي السنة نفسها كانت سرية “ذات السلاسل”، بقيادة عمرو بن العاص، كذلك كانت سرية زيد بن حارثة إلى حدود فلسطين[10].

ثم كانت غزوة “مؤتة” في السنة الثامنة للهجرة، وغزوة “تبوك” في السنة التاسعة للهجرة على مشارف الشام وبيت المقدس، حيث قاتل المسلمون الروم، في كلا الغزوتين وفي ذلك إشارة الاهتمام بفتح الشام عموما، وبيت المقدس خصوصا[11].

وفيما بعد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة، غير أن رسول الله اختار الرفيق الأعلى قبل انطلاق بعث أسامة، وهو ما التزم بالوفاء به أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريرا للشام.

 وهكذا ظل المسلمون يتوقون إلى تحرير بيت المقدس منذ الإسراء والمعراج، إلى من الله عليهم بفتحها في عهد عمر بن الخطاب سنة 15هـ، واستمرت القدس تحت الحكم الإسلامي إلى أن احتلها الصليبيون سنة عام 1099م، واستمر الاحتلال الصليبي زهاء قرن من الزمن، إلى أن بعث الله القائد الناصر صلاح الدين الأيوبي، ليحررها من يد المعتدين الغاصبين في معركة حطين سنة 1187م، وقد استنجد صلاح الدين[12] بالعرب والمسلمين عامة، وبخاصة بسلطان الموحدين أبي يعقوب المنصور، هذا الأخير لبى نداء النجدة والنخوة والنصرة، حيث أرسل له أسطولا بحريا مكون 180سفينة محملة بالعدة والعتاد، بالقادة والجنود، بالعلماء والأطباء، ولذلك أكرم صلاح الدين المغاربة بأن أسكنهم حيا ملاصقا لحائط البراق وطلق عليه حارة المغاربة[13].

ثم استمر الوضع كما هو عليه إلى حلت النكبة بالعرب والمسلمين مع وعد بلفور سنة 1918، وعد من لا يملك لمن لا يستحق، ثم الاحتلال وإعلان قيام دول الكيان الصهيوني سنة 1947، حيث انطلقت شرارة الجهاد والمقاومة مع المجاهد عبد القادر الحسيني والشيخ عز الدين القسام، واستمرت هذه الشرارة إلى يومنا هذا رغم خذلان الأصدقاء، وتكالب الأعداء، وطورت المقاومة الفلسطينية من أدائها وأبدعت كل الفصائل في مقاومة الاحتلال، مع الانتفاضات الثلاثة للشعب الفلسطيني، وهكذا جسدت أرض فلسطين الحديث النبوي الشريف: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله، وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس[14].

الدور المطلوب:

لقد أورد المجاهد الحجة أبو زيد المقرئ الإدريسي، أكثر من 83 طريقة لنصرة فلسطين والأقصى[15]: وذلك من خلال:

1- واجبات الفرد.

2- واجبات الأسرة.

3- واجبات التجار ورجال الأعمال.

4- واجبات الإعلاميين والمثقفين والصحفيين.

5- واجبات العاملين في التعليم.

6- واجبات الأئمة والوعاظ والخطباء.

7- واجبات الجمعيات المدنية والمنظمات النقابية.

8- واجبات الأطفال والشباب…

إن واجب نصرة القدس وفلسطين على جميع المستويات والأصعدة وفي مختلف الأوقات والمنتديات، أمر مستمر ولازم إلى أن يتحقق النصر والتحرير إن شاء الله تعالى، وفي ذلك أمور لا بد من الالتزام بها:

1- العلم بالقضية الفلسطينية ومعرفة تاريخها وحقائقها وأحداثها، ومتابعة مستجداتها وأخبارها.

2- المشاركة في الفعاليات والأنشطة الخاصة بالقضية الفلسطينية، وتلبية النداء في كل وقت وحين.

3- التعريف بالقضية الفلسطينية بالحال والمقال، في الأسرة والحي والعمل و….

4- مقاطعة البضائع الداعمة للكيان الصهيوني بله الأنشطة المساندة له.

5- الدعم المادي والمعنوي للمقاومة ومساندتها بكل الوسائل، باعتبار المقاومة خط الدفاع الأول.

6- الدعاء لأهلنا في أرض الرباط بالثبات والنصر والتمكين، فالدعاء سلاحنا الناجز.

 ختاما نقول إن حركة التاريخ وسنن الله في الإجتماع البشري ونواميسه في التدافع بين الحق والباطل تؤكد أن هزيمة الكيان الصهيوني واندحاره أمر ممكن وحقيقة أكيدة بشرط الأخذ بالأسباب والتوكل على مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، بل وتعطينا أفقا واسعا للنظر والتدبر، وتلهمنا أبعاد للفعل والحركة، وتفتح باب الأمل للنصر وتطهير أرض فلسطين من رجس الصهاينة المعتدين.

فاللهم ارزق أهل المغرب الأقصى صلاة في المسجد الأقصى.

 



[1]– محاضرة رائعة ماتعة تحت عنوان: “علاقة المسلمين بالقدس” للمجاهد الحجة سفير القضية، أبو زيد المقرئ الإدريسي

– سورة الإسراء الآية:1.[2]

[3]– سورة المائدة الآية:21.

– سورة الأعراف الآية:137.[4]

– سورة الأنبياء الآية:71.[5]

– فتحت بيت المقدس في سنة 15 للهجرة في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.[6]

[7]– بالإضافة إلى محافظتهم ورعايتهم لأماكن العبادة لأهل الكتاب، للتوسع يمكن الرجوع إلى كتاب حقائق وشبهات حول السماحة الإسلامية وحقوق الإنسان للدكتور محمد عمارة، العهدة العمرية ص:95 وما بعدها.

[8]– القاضي الفقيه أبو بكر بن محمد بن العربي المعافري المالكي المتوفى543 دفين فاس.

[9]– العواصم من القواسم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم،أبو بكر بن العربي، ص9

[10]– أملاك المغاربة في فلسطين، ظافر بن خضراء ونافذ أبو حسنة، ص27و28.

[11]– للتفصيل أكثر: سيرة ابن هشام، السيرة النبوية لأبي الحسن الندوي، فقه السيرة للبوطي، وفقه السيرة للغزالي.

[12]مما ورد في الرسالة“ولما حطت لدين الكفر تيجان، وحطمت لذويه صلبان؛ وأخرس الناقوس الأذان، ونسخ الإنجيل القرآن، وفكت الصخرة من أسرها… فهنالك غلب الشرك وانقلب صاغرا، واستجاش كافر من أهله كافر واستغضب أنفاره النافرة، واستصرخ نصرانيته المتناصرة؛ وتظاهروا علينا وإن الله ولينا”، وقوله أيضا: “وما رأينا أهلا لهذه العزمة إلا حضرة سيدنا، أدام الله صدق محبة الخير فيه، إذ كان منحه عادة في الرضى به، وقدرته على الإجابة، ورغبة في الإنابة، ولاية لأمر المسلمين، ورئاسة للدنيا والدين”، أنظر (كتاب “الروضيتن لأبي شامة المقدسي”).

[13]– جرف اليهود حارة المغاربة وأزالوها وشردوا سكانها، بعد أربعة أيام من احتلال القدس سنة1967م.

[14]– رواه الإمام أحمد في مسنده.

[15]– لمزيد من التفصيل يرجع لكتاب: أفهم القضية الفلسطينية ليكون عندي موقف، أبو زيد المقرئ الإدريسي طبعة 2015.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M