العِباد المخلصون لأهوائهم وشهواتهم!!

02 نوفمبر 2015 20:48
العِباد المخلصون لأهوائهم وشهواتهم!!

العِباد المخلصون لأهوائهم وشهواتهم!!

عبد الله كوعلي

هوية بريس – الإثنين 02 نونبر 2015

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.

لقد توالت بيانات بعض التنظيمات المحسوبة على التيار اليساري والحداثي، مثل ما يسمى “بيت الحكمة” و”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” وأخواتهما، الداعية إلى إطلاق الحريات الفردية وعدم جعلها محل تقييد ولا مراقبة دينية أو قانونية أو مجتمعية.

ودليلهم في ذلك أن الإنسان المعاصر بلغ من الوعي ما يجعله يستغني عن شريعة ربه، فهو قادر على أن يضع لنفسه منهجا سويا، يَسِير عليه في حياته!! ولكن الحقيقةَ التي لا مراء فيها، هي أن المجتمع عندما يزيغ عن شريعة خالقه، فإنه يفقد رُشدَه وصوابه، ويدخل في اختيارات لا تكون نهاياتها محمودة.

وكمثال على تلك النهايات، ما أوردته بعض التقارير الإعلامية، أنه في المغرب يولد ما يناهز 153 طفلا خارج مؤسسة الزواج، وأن ما يزيد على 24 رضيعا على أقل التقديرات يتم التخلي عنهم بشكل يومي في شوارع المملكة، أما عدد الأمهات العازبات فيقاس بالآلاف، وتشير بعض التقارير الأمنية إلى أن ما يزيد على 65 في المائة من الجرائم التي تقع فوق التراب الوطني تكون بسبب الخمر والمخدرات!

كل هذه الإحصائيات الصادمة تبين بالملموس أن أي مجتمع مرق من شريعة ربه ورغب عنها، إلا وغاب عنه رشده الذى كان قد اِدعاه، وعاش في الضنك والأزمات المختلفة الأشكال.

وأذكر بعض ما ينادي به هؤلاء أو يدافعون عنه:

– حرية الإفطار العلني في نهار رمضان.

– حرية الارتداد عن دين الإسلام.

– حرية ممارسة الزنى العلني.

– حرية السكر العلني.

– تجريم تعديد الزوجات.

– حرية التعري في الشارع العام.

– حرية ممارسة السحاق واللواط.

وغير ذلك كثير.

وإذا ألقينا نظرة عامة على تلك المطالب الغريبة فإننا سنخلص إلى ما يلي:

1- أنها مطالب مستفزة لمشاعر المسلمين وذوي الفطر السليمة، ومثيرة للتقزز لدى سامعيها.

2- كلها مطالب شهوانية لا تتجاوز إشباع رغبات البطون والفروج.

3- أنها محل تحذير الهدى الرباني والإرشاد النبوي، ومحل دعوة الهوى البشري والحزب الشيطاني.

ومن ثم نسجل وبكل أسف خللا غريبا في تفكير هؤلاء، وفجورا رهيبا في طرحهم، وانقلابا خطيرا على قيم الدين والمجتمع، ربما لم تر العصور الإسلامية، بل وحتى الجاهلية مثل هؤلاء الأشخاص ودعواتهم. فقد ذكر علماء التاريخ والسِّير أن كثيرا من العرب في الجاهلية لم يكونوا يتناولون الخمر، بل منهم من يحاربه وينهى الناس عنه، حتى قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فيه من أضرار ظاهرة وبينة للإنسان. وكانت المرأة الجاهلية حريصة على عرضها وشرفها أكثر من بعض من يدعين الوعي والحداثة، في زمن يجهل فيه كثير من “التحرريين” قيمة القيم وقيمة الأخلاق.

وانطلاقا من كون التدين أمرا فطريا لا ينفك عنه أحد، فمن عبد الله تعالى وأطاعه فقد تدين بدين الله الذي ارتضاه لمن برا وخلق، ومن أعرض عن دين الله وشريعته ليتمسك بمنهج آخر، فدينه ما تمسك به، وإلهه من يملي عليه تفاصيل منهجه وتعاليمه. وقد قال بعض أهل العلم : “من لم يعبد الله عبد غيره” لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ.

وإن ممن خسروا دنياه وأخراهم عُبّاد أهوائهم وشهواتهم البطنية والفرجية، فجعلوا اتباعها وطاعتها غايتهم القصوى في الدار الفانية. قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ الهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا)1، روى ابن كثير عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله، قوله في هذه الآية: “لا يهوى شيئا إلا عبده”، وفي نفس الآية يقول حجة الاسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه: “فكل متبع هواه، فقد إتخذ هواه معبوده”2. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما عُبِد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى”3.

فالهوى لا يُملي على صاحبه إلا الدناءة والخلود إلى الشهوات الوضيعة والنزوات البهيمية. يقول فيلسوف الأخلاق إبن مسكويه رحمه الله: “وأن الناس يشاركون في اللذات الخنافس والديدان وصغار الحشرات والهمج من الحيوانات، وإنما ينافسون الملائكة بالعقل والتمييز”4. فالبطولة ليست في إتيان أفحش الفواحش وأبشع الرذائل، ولا في الدعوة إليها والترويج لها، أو استفزاز مشاعر الناس، ولا في محاربة الفضيلة وأهلها، ولكن البطولة كل البطولة تكمن في الرقي بالنفس الإنسانية والسموِّ بها إلى الأعلى، والترفع عن سفاسف الأعمال ووضيعها.

أعود إلى ابن مسكويه وهو يقول: “وسيظهر عند ذلك أن من رضي لنفسه بتحصيل اللذة البدنية، وجعلها غايته وأقصى سعادته، فقد رضي بأخس العبودية لأخس الموالي (يقصد بأخس الموالي الأهواء والشهوات) لأنه يُصيِّر نفسه الكريمة التي يناسب بها الملائكة عبدا للنفس الدنيئة، التي يناسب بها الخنازير والخنافس والديدان وخسائس الحيوانات التي تشاركه في هذا الحال”5.

لذلك أقول لهؤلاء الناس: ألم يأن لكم أن تتعظوا وتنتهوا عما تقولون وتفعلون؟ أم أنكم لم تعلموا بعد أنكم على خطإ كبير، وأنكم على وشك من الغيِّ الموعود به في قوله سبحانه: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)6؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- سورة الفرقان الآية:43.

2- “إحياء عوم الدين”، ط: دار ابن حزم. ص:43.

3- رواه الطبراني في المعجم الكبير، من حديث أبي أمامة.

4- “تهذيب الأخلاق” لابن مسكويه ص:276.

5- المصدر نفسه. ص:277.

6- سورة مريم. الآية:59.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M