التعليم المغربي في غرفة العمليات من جديد

03 نوفمبر 2015 17:28
التعليم المغربي في غرفة العمليات من جديد

التعليم المغربي في غرفة العمليات من جديد

أحمد هيهات

هوية بريس – الثلاثاء 03 أكتوبر 2015

الفهرس:

– الواقع الموجود

– المستقبل الموعود

– بواعث وخلفيات

– تعليق وأمنية

– محض تساؤلات

– ختامه اقتراحات

الواقع الموجود:

يقول المثل العربي: “استقبال الموت خير من استدباره”، ويبدو أن النظام المغربي قد استوعب هذه الحكمة وعقد العزم على الأخذ بمحتواها، وذلك من خلال الاعتراف بأن سكتة قلبية جديدة تصرع تعليمنا المغربي منذ أمد مستطيل متماد، بلغت به حد الموت الإكلينيكي الذي يقتضي دخولا مستعجلا إلى غرفة الإنعاش، وتدخلا جراحيا عميقا ودقيقا، وذلك استنادا إلى توصيف أعلى سلطة في البلاد -انطلاقا من الخطابين الملكيين لعشرين غشت من سنتي 2012 و2013- لتعليمنا بأنه قد ارتد وانكفأ وساء وانحدر إلى دركة وضيعة استدعت تعبيرا قويا وحادا من قبيل: “إن ما يحز في النفس أن الوضع الحالي للتعليم أصبح أكثر سوءا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة” (خطاب 2013).

بالرغم من الإصلاحات الكثيرة المتعاقبة والقياسية بالنظر إلى المساحة الزمنية التي استوعبت هذه الإصلاحات التي انطلقت منذ 1957 مرورا بإصلاح سنة 1960-1964 ثم إصلاح 1966، ليعقبه إصلاح 1985 في إطار تطبيق سياسة التقويم الهيكلي التي انطلقت سنة 1983، وجاء بعده الميثاق الوطني للتربية والتكوين الممتد بين 1999 و2009 ليأتي بعده المخطط الاستعجالي 2009- 2012، وبعده برنامج عمل وزارة التربية الوطنية 2013- 2016، الذي أعلن عن نهايته بتبني الرؤية الاستراتيجية 2015-2030.

وبعد كل هذه الإصلاحات وما رصد لها من اعتمادات مالية وما بذل فيها من مجهودات بشرية، وما بدد فيها من أوقات غالية، لم تفلح هذه الإصلاحات ولم ترفع للأمة لواء ولا منارا ولم تعظم لها شعارا، بل كانت النتيجة بعد كل ذلك خفي حنين، وكان التقييم النهائي بصيغة التحقير “أكثر سوءا” ما يعني أن هذه الإصلاحات قد أفرزت عكس ما كان مأمولا ومنتظرا منها، ورجعت بالتعليم القهقرى أزيد من عشرين سنة إلى الوراء، بما يفيد أن الإصلاحات تقول ما لا تفعل، وقديما قال جرير:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا***أبشر بطول سلامة يا مربع

المستقبل الموعود:

تحت ضغط هذا الوضع الكارثي المأزوم كان لزاما على الدولة الدخول في مشروع إصلاحي جديد هروبا من الفراغ، وإظهارا للرغبة الحقيقية والإرادة الأكيدة والعزيمة الماضية على الخروج من هذا السرداب البهيم والمتاهة المضلة، من أجل ذلك اقترح المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي -بصفته الاستشارية ووظيفته التوجيهية والإرشادية، وباعتباره مؤسسة مختصة في تتبع وتقويم السياسة التعليمية- مشروع إصلاح قائم على الرؤية الاستراتيجية الاستشرافية 2015-2030 لإنقاذ التعليم المؤسس بنيانه على شفا جرف هار منهار في مهاوي الفشل والتيه والسلبية.

وقد ركز المشروع على ضرورة الانتقال من نشدان مدرسة النجاح كما كان في المخطط الاستعجالي إلى غاية أخرى هي المدرسة الجديدة المناسبة لمواطن الغد، وذلك من أجل تحقيق الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص والارتقاء الفردي والمجتمعي، وتخليق المدرسة الجديدة وتطهيرها من الممارسات والظواهر السلبية كالعنف والغش والانحراف وتخريب الممتلكات العامة.. وتربية المتعلمين على المواطنة وترسيخ منظومة القيم النبيلة تملكا وإجراء وممارسة لا مجرد تعريف وتحسيس ومؤانسة، بالإضافة إلى بناء مدرسة المستقبل التي تقوم على تطوير المعارف والمهارات من خلال التجريب والابتكار والاستعمال المناسب للتكنولوجيا الجديدة، مع التركيز في المدى القريب على زمرة من المشاريع ذات الأولوية الملحة : كتوفير النجاعة والفعالية والجودة، والدمج بين التربية الوطنية والتكوين المهني، والتمكن من اللغات والتواصل وتخليق المدرسة، وإحداث نواد للتفتح خاصة باللغات والأنشطة الثقافية والفنية والرياضية.

بواعث وخلفيات:

ما أجمل هذا الكلام الآنف وما أبهاه، وما أجود هذه الأهداف وما أكملها لو يتحقق منها ربعها أو حتى سدسها، أو لو أنها جاءت في معرض تطوير التعليم الراسخ القدم، والرقي به في سلم التقدم، واللحاق بركب الأمم الظافرة الظاهرة، لكنه ومن أسف كلام أجوف وأفرغ من فؤاد أم موسى وأبعد ما يكون من الواقع الذي لا يخفى لأنه أظهر من الشمس في رابعة النهار، وقد استعصى من قبل كلام أهون من هذا وأكثر يسرا وقابلية للتنزيل والتطبيق، والأنكى من ذلك والأمرّ أنه مجرد ردة فعل وحماسة عابرة بعد الخطابين الملكيين القاسيين في حق منظومة التربية والتكوين، والدعوة إلى وقفة موضوعية مع الذات لتقييم المنجزات وتحديد مكامن الضعف والاختلالات، دون الدعوة إلى فتح تحقيقات أو افتحاصات من أجل تحديد المتسببين في هذه الاختلالات وتضييع مقدرات الأمة ردحا من الزمن.

و أيضا بعد توالي التقارير والتقييمات ونتائج الدراسات الدولية الكارثية المخجلة إلى حد التواري، والتي رمت المنظومة التربوية المغربية عن قوس واحدة بسيل من الرتب المتأخرة والدرجات المتدنية في أغلب المؤشرات التربوية مقارنة مع باقي الدول العربية والإفريقية، وبعد انصرام المدة الزمنية المخصصة للمخطط الاستعجالي وبقاء دار لقمان على حالها رغم الكلام الكثير والمال الغزير والمداد الوفير.

تعليق وأمنية:

إن جنوح الدولة وميلها بصورة فجة متهافتة إلى تجاوز مشاريع الإصلاح الفاشلة “منتهية الصلاحية “، ورميها أو تكديسها في رفوف المتلاشيات دون العودة إليها ومراجعتها، والوقوف عند الأسباب الثاوية وراء هذا الفشل يثير في النفس شعورا غامرا بالريبة والمرية، فقد يكون مصدر الخلل في المنهجية المتبعة فيتم استبدالها بغيرها، وقد ينجم عن العامل البشري المكلف بتنزيل هذا الإصلاح فيتم تعويضه بغيره أو تأهيله، وإذا لزم الأمر محاسبته ومعاقبته إذا ثبت منه قصد التقصير وتعمده.

ولكني أعجب ولا ينقضي عجبي كلما رأيت الدولة تسارع إلى اتهام مشاريع الإصلاح في حد ذاتها والتي يبلغ حظ بعضها من الكمال والفائدة والجدوى ما لو طبقته دولة متقدمة لربما بلغت به ذرى جبال الرقي السامقات، وكأن الغرض ومنتهى الغاية هي استنساخ المشاريع وتدبيجها وتسطيرها وتجريبها في دائرة مفرغة لا متناهية، وإذا استمر الوضع على هذه الحال كنا كما قال الأعشى في معلقته :

كناطح صخرة يوما ليوهنها***فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

محض تساؤلات:

انطلاقا من طبيعة العلاقات التي كانت تربط بين الإصلاحات السابقة والتي وصمتها القطيعة والمصارمة والجفاء يحق لنا إثارة بعض التساؤلات وذلك من مثل:

ما طبيعة العلاقة التي ستجمع بين الرؤية الاستراتيجية الجديدة 2015-2030 والمخطط الاستعجالي وبرنامج عمل الوزارة 2013-2016؟ هل ستجمعهما علاقة استمرارية وتراكم ورسملة واستثمار للرصيد المتوفر من الخبرات والتجارب؟ أم أن القائمين على الأمر سيفضلون إرجاع عدّاد الإصلاح إلى حالة الصفر من جديد ونقض كل العرى الواصلة بين حبال الإصلاحين؟ وما هي الضمانات التي قدمتها الدولة والحكومة الحالية لتأمين نجاح الإصلاح الجديد؟ وما هو الجديد الذي يميز تنزيل هذه النسخة الأخيرة ويجعلها مختلفة عن غيرها من النسخ السابقة؟

وما هي الإضافة التي قدمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي كمؤسسة نوعية مختصة في إبداء الرأي والمشورة، مع العلم أن له اليد الطولى في هندسة المخطط الاستعجالي؟ وما هي الوسائل والآليات والأدوات التي استجدت أو تحصّلت عليها الوزارة، والتي من شأنها قيادة هذا التغيير الاستراتيجي لمنظومة التربية والتكوين، وخصوصا ما يتعلق بالمقاربات والموارد البشرية والمالية والتشريعات والقوانين والمساطر..؟ …

ختامه اقتراحات:

من المقترحات التي يمكننا الإشارة إليها في هذا السياق وذكرها -في أغلبها- على وجه التكرار والاجترار لأننا في هذا المجال عفو على من سبق، ولأنها قد وصلت إلينا بعد أن تنقلت عبر مجموعة من العقول والأفهام، وذلك حرصا على إبداء حسن النية والبعد عن الغرض والهوى، واجتناب السلبية والعدمية، من هذه الاقتراحات ما يلي:

– ضرورة الاستفادة من الإيجابيات التي حققها تعليمنا عبر هذه الإصلاحات، وإن كانت غير كافية، والإفادة من المكاسب والتراكمات والتجارب التي توفرت لدى الموارد البشرية المعنية بالإصلاح بصورة مباشرة .

– محاربة شرذمة الانتهازيين الكثر والطفيليين ومصاصي الدماء من لصوص المال العام، وقطع الطريق أمامهم لأنهم يتحينون الإصلاحات الجديدة من أجل الاغتناء والتربح ويتوسلون بهذه المشاريع العامة لإمضاء مشاريعهم الخاصة.

– عدم إسناد مهمة تنزيل المشروع الجديد للمسؤولين والإداريين الذين ثبت ضلوعهم في إفشال الإصلاحات السابقة أو بعضها، وإن كان هذا المطلب في عداد المستحيل، لأن أغلب هؤلاء المسؤولين ممن تشير إليهم الأصابع بالاتهام.

– معاقبة المسؤولين المتورطين في نهب المال العام وتبديد الجهود والأوقات، والرساميل المادية والمعنوية بما يستحقون، ولكن ليس على الطريقة المغربية الاستثنائية التي تثيب وتجزي المسيئين والمقصرين بالمكافأة والترقية إلى مناصب أسمى وأجور أعلى .

– اعتماد إصلاح استراتيجي استشرافي متعال عن الزمن السياسي – الحكومي القصير، وإصلاح مستمر من خلال المتابعة الدائمة من قبل جهة أو هيئة مختصة، غير مرتهنة بتوجيهات جهات أسمى حتى لا تكون أفكارها مجرد رجع صدى لهذه الجهات، ومن أجل أن يكون لها صوتها المستقل وإرادتها الحرة ومبادرتها الأصيلة.

– تبني إصلاح شمولي وفق مشروع مجتمعي، إذ لا يمكن إصلاح التعليم في معزل عن إصلاح المجتمع بشكل كلي، فالتعامل الانتقائي والتجزيئي لقضايا الأمة من شأنه التقليص إلى حد العدم من احتمال نجاح الإصلاح.

– القطع مع سياسة عفا الله عما سلف التي تشجع المخطئ على التمادي في خطإه بدل العودة إلى الحق وتحمل مسؤولية الخطل والجرم المقترف، وعدم الرجوع إليه وردع غيره عن اقتفاء أثره، وجعله لا يضمن (مجازا) بقاء رأسه على كتفيه في حال المخالفة.

– انخراط النقابات في مشروع الإصلاح باعتبارها شريكا أساسيا في ملف التعليم، وذلك من خلال مناقشة السياسة التعليمية العامة والتوجهات الأساسية والغايات الكبرى، وأن تترفع عن تقزيم دورها في الحديث عن الأجور والرتب والسلالم، وإن كانت من أولوياتها باعتبارها ناطقا رسميا باسم الشغيلة التعليمية، وأن تتسامى عن الأغراض والأهواء التي تحكمها الإيديولوجيا والانتماءات الحزبية والمواقف السياسية المؤقتة التي لا تستقر إلا لتضطرب من جديد.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M