هزالة أجور التعليم

02 نوفمبر 2013 14:35

ذ. أشرف سليم

هوية بريس – السبت 02 نونبر 2013م

أجر أي إنسان هو حبل وريد حياته، فبوفرته وضخامته؛ يعيش معززا مكرما في حياة رغيدة ملؤها البذخ والنعيم وكسب مقابض الحياة المترفة، وبهزالته ووهنه يعيش حياة التقشف والبؤس والحرمان، حياةَ خصاصة ومخْمصَة.

أجور رجال التعليم ونسائه  تدلف إلى الصنف  الثاني  الذي يعيش حياة الكدح، فأجور موظفي هذا القطاع ما زالت تكتوي من نيْر متطلبات الحياة المتمثلة  بخاصة في السكن، فالزمن الحاضر صار لا يرحم ذوي ما يسمى بالدخل المحدود، فأجورهم لن تمكنهم من امتلاك سكن يقيهم شر الكراء المستطير، ومن ضمان مصاريف الحياة الأخرى كالأكل والشرب ودراسة الأبناء وكسوتهم والسيارة …

منظومة الأجور داخل قطاع التربية الوطنية في حاجة إلى إعادة النظر، فهي ما زالت تكرس الفوارق الطبقية بين موظفيها، وتسهم في امْتهان الكثير من التابعين لها، فقد أُثِر في الموروث الشعبي أن المعلم الذي أوصله الشاعر إلى درجة الأنبياء صار الآن في درك البخلاء، ومبعثَ تندر وإسفاف، ومرجع هذا كلِّه خصاصة المعلم التي تجبره على مد يد العون إلى من هو دونه، بسبب الأجر الزهيد الذي يمنح له آخر الشهر وهو لا يقوى على مقارعة أيامه العاتية.

بعيدا عن غثاء نظرة العامة إلى نحيب رجال التعليم ونسائه الذين يعتبرون حالتهم ترفاً عن شبع، يمكن وصف حالة موظفي القطاع بالكارثية مقارنة مع بعض حالات موظفي القطاعات الأخرى، فأن تغيب تعويضات معقولة عن بعض مهام الأطر التعليمية مثل الإشراف على الامتحانات وحراستها وتصحيحها وترتيبها وإيصالها إلى الأكاديميات، وأيضا غياب منح سنوية، نظيرَ مناسبات مثل عيد الأضحى أو حاجيات أساسية مثل السكن، ولعل الصورة التي تناثرت في صفحات “الفيسبوك” التي تُري معلما يفترش الخلاء في أحد الدواوير حين لم يجد غرفة متهرئة  تقيه البرد القارس والحر القائض كل هذا يعبر عن مأساة رجال التعليم ومظلوميتهم، ومحنهم التي تتطلب تدخلا عاجلا من أعلى السلط في البلاد لإنصافهم ولا سيما أن من مداخل إصلاح التعليم تحسينُ الوضعية المادية لموظفي القطاع ومنحهم تعويضات محفزة على العمل الدءوب والمتواصل.

في الجانب الرسمي أطلقت الوزارة الوصية برامجَ للأعمال الاجتماعية لتحسين وضعية موظفيها، خاصة أطرها التربوية، وهي برامج تبتغي إعطاء تخفيضات في وسائل الترفيه كالسفر والفنادق والمخيمات الصيفية، وفي تمكين موظفيها من امتلاك سكن عبر قروض وتكاليف، وأيضا عبر قروض المرابحة التي أبرمتها مؤسسة محمد السادس لرجال التعليم مع مؤسسة دار الصفاء، لكن رغم هذه التحسينات فهي لم تلق القَبول والاستحسان عند شريحة واسعة من الأطر التربوية، بل يعتبرها بعض رجال التعليم ضحكا على الذقون أو من قبيل المداواة بالتي هي داء، فأما التخفيضات التي تطول وسائل الترفيه فالكثير من الأطر  التربوية لا تستفيد منها بالشكل الأمثل، مثلا الفنادق التي أبرمت معها المؤسسة اتفاقياتها هي فنادق مصنفة ولا يستطيع  رجال التعليم ونساؤه إليها سبيلا سواء أكانت بثمنها الحقيقي الباهض أم بثمنها المخفض الذي يصل إلى 350 درهما لليلة الواحدة،  أما المخيمات وتذاكر السفر فحدث ولا حجر ويكفي أن تخفيضات السفر تقتصر فقط على قطارات الدرجة الثانية خارج أيام العطل الأسبوعية التي يكون فيها الناس في مسيس الحاجة إلى السفر، في حين المخيمات فهي أشبه بمخيمات اللاجئين والكثير من الأطر التربوية تتعفف عن ارتيادها بل يعتبرونها إهانة وازدراءً في حقهم، أما قروض السكن، وفي ظل غلاء العقار، فلا يستطيع الموظف الصمود أمام الاقتطاعات التي ستلقى على كاهله  مما يجعله بين أمرين أحلاهما مرٌّ، كراء مرتفع، أو قرض ذو اقتطاع كبير يصل إلى 40 في المائة إذا سمح أجر الموظف بالقرض طبعا من أجل سكن كريم ولائق.

سلالم الأجور في حاجة ماسة إلى تعديل، فموظفو ما تحت السلم 10، خصوصا السلم 9، يعانون الخصاص الدائم، والفاقة الكبيرة، خصوصا أنهم يتقلدون مهمة تدريس الأجيال، التي تتطلب أن يكون المعلم مثالا للأناقة والبهجة والسرور والحبور، لا مثالا للعبوس والاكتئاب والضجر والقنوط.

ـــــــــــــــــــــــــــ

 * باحث في اللسانيات.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M