ما الروس إلا غطاء للأمريكان في مصر

14 نوفمبر 2013 16:21

هوية بريس – مركز التأصيل

الخميس 14 نونبر 2013م

الحديث عن قيام مصر بلي ذراع الولايات المتحدة عبر اللجوء لبديل دولي استراتيجي مثل روسيا هو حديث للاستهلاك المحلي، يتم استخدام مثل هذه الأساليب الدعائية لتعزيز صورة السلطة المصرية باعتبارها بطلا أسطوريا خارقا يقول للشيء كن فيكون ويقول للأمريكان ارحلوا فيرحلوا، فالأمر لا يعدو أن يكون مسرحية تبرر موافقة الولايات المتحدة على الانقلاب.

 بالنظر لما بثته وكالات الأنباء العالمية من جلسة الاستماع التي جرت في الكونجرس الأمريكي حول مصر ندرك أن ثمة مراكز براجماتية في دوائر القرار الأمريكي تريد وبشدة التطبيع مع سلطة الانقلاب في مصر، وأن ثمة مراكز ضغط ترى أن تأييد الولايات المتحدة للانقلاب سقوط أخلاقي سببه تأييد الولايات المتحدة لنظم فاشية تنتهك كل ما يعوق سلطتها من حقوق الإنسان.

كان الحل الوحيد أن يتم إنتاج تمثيلية سياسية يحاولون بها إقناع العالم أن الولايات المتحدة أيدت الانقلاب لأنها وقعت في معضلة بين ما هو مصلحي وما هو مثالي؛ حيث إن الجميع لن يلوم الولايات المتحدة آنذاك لأنها اختارت مصلحة شعبها حتى لو كان على حساب حرية شعب آخر من شعوب كوكب الأرض.

إن التوجه نحو روسيا الذي أغضب الولايات المتحدة حقيقة كان إبان عهد مرسي؛ لأنه كان توجها حقيقيا نحو تنويع مصادر التسليح. وهو لم يغضب الولايات المتحدة فقط، بل أغضب الجيش الذي كان حريصا على المعونة الأمريكية بقدر ما كان حريصا على السلاح الأمريكي.

أيهما أهم لمصر: الروس أم الأمريكان؟

رصدنا في الإعلام صوتين مصريين يتحدثان عن العلاقات المصرية الروسية. الصوت الأول كان صوتا صاخبا هادرا صدر عن مجموعة من الخبراء الاستراتيجيين ضيوف القنوات الفضائية المصرية يرى أن توجه مصر نحو روسيا عقاب مصري للولايات المتحدة التي صوروها ولا يزالون كحليف لإدارة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وهذا الصوت الفضائي لم يكن موجها للخارج بقدر ما كان موجها للسيدات المصريات في البيوت والعمال في المصانع والفلاحين في الحقول، هو مادة لصناعة بطل في عين شعب يرونه يفتقد إلى بطل، أو يحاول جهاز الدعاية العسكرية المصرية أن يقوم من خلالها بتحويل متخذ القرار بتعزيز العلاقات مع روسيا إلى بطل، وهذا تكتيك سياسي معروف للتغطية على الأزمات الداخلية، وتبرير أخطاء صاحب القرار أو إلهاء الجماهير عن هذه الأخطاء.

أما الصوت الثاني، فكان صوت المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية د. بدر عبد العاطي الذي نقلت عنه الفايننشيال تايمز قوله إن الحديث عن استبدال العلاقات المصرية الأمريكية بالعلاقة مع روسيا هو “محض هراء” (Nonsense على حد اقتباس الفايننشيال تايمز في مقال حمل عنوان Egypt turns to Russia as relations with Washington sour). وكذا قول السفير الروسي بمصر في تصريح لوكالة “أنباء موسكو”: “موسكو لا تلعب لعبة البدائل، ولن تكون بديلا عن دور وعلاقة الولايات المتحدة بمصر”، مشيرا إلى أن مصر بوسعها أن تكوَّن علاقة متطورة مع دول العالم ومن بينها روسيا.

ولقطع الطريق على الحجج الداعمة لهذه التمثيلية الاستراتيجية، فإن المراقبين المحليين والدوليين لديهم أرشيف كامل بالمآسي التي لم تتمكن روسيا من إنقاذ كل من سوريا وإيران منها نتيجة العقوبات التي وجهتها الولايات المتحدة إليهما عبر المجتمع الدولي. ولا ننسى أن موارد التهديد الأمريكي لمصر أكبر من موارد التهديد الأمريكي لإيران النووية؛ حيث لا تزال مصر تقبع على بعد أمتار من ماكينة الحرب الإسرائيلية التي يرى عسكريوها وخبراؤها القوات المسلحة المصرية بعيون الخبراء الأمريكيين الذين -بدورهم- يرون الجيش المصري غير أهل للدخول في علاقة ندِّية عسكرية مع الكيان الصهيوني (بحسب وثائق ويكيليكس).

يضاف إلى ذلك أن التقنية العسكرية الروسية ليست بديلا واعدا رخيصا مقارنة بأسلحة رامبو فخمة الشكل عالية التقنية والتي يأتي معظمها عبر برامج المعونات العسكرية الأمريكية لمصر، والتي لا يمكن تجاهل فكرة عدم تجديد القديم منها وإمداده بقطع الغيار اللازمة؛ حتى لو كانت قطع الغيار ذات خواص تصنيعية تختلف عن خواص السلاح الأمريكي نفسه من حيث مواصفاته القياسية.

ولا يمكن تجاوز مبدأ الفاعلية والتأثير المرتبطين بضرورة الخروج من دائرة احتمال قيام الولايات المتحدة بمحاصرة النفوذ الدولي لمصر، وهو نفوذ استخدمه نظام الرئيس الأسبق مبارك للحصول على مزيد من المزايا العينية والمالية من حليفته الاستراتيجية: الولايات المتحدة. غير أن الذي تجدر الإشارة إليه أن مصر لم تتمكن من الشب عن الطوق الأمريكي وهي في أوج استقرارها؛ فهل تملك الحكومة المدعومة عسكريا اليوم إمكانية المغامرة بإجراء تحول استراتيجي مثل هذا!

للروس فوائد أخرى

يبقى أن للروس فوائد أخرى لا غنى عنها لمصر في الوقت الراهن، أبرزها الحاجة الملحة لإنعاش القطاع السياحي الذي يمثل 11,3% من الناتج المحلي المصري في الأحوال العادية التي تعرف مصر فيها الاستقرار، والذي تضرر كثيرا بسبب الاضطراب الذي أعقب الانقلاب العسكري ليسجل انخفاضا في عوائده بلغ 85% خلال فترة ما بعد الانقلاب العسكري بحسب تصريحات وزير السياحة المصري السيد هشام زعزوع. فضلا عن إمكانية الاستفادة من تناقض المصالح الدولية للاستفادة من حيازة روسيا لكارت الفيتو في مجلس الأمن إذا ما اقتضت الضرورة.

الغطاء الخليجي غير المقنع

ويمكن القول بأن نفس التوصيف للغطاء الروسي ينسحب على الموقف الخليجي، فقد نشر موقع دي بي جلف منسوبا لـ”مصدر مسؤول بلجنة التنسيق المعنية بالتحضير للقمة العربية الأفريقية الثالثة” المقرر عقدها في الكويت في ديسمبر 2013 عن نية مصر ودول الخليج العربي (السعودية – الإمارات – الكويت – سلطنة عمان – البحرين) الاتجاه نحو روسيا والصين لبناء حلف أمني واستراتيجي مع هاتين الدولتين يخرج من القمة، ويقوم على احترام المصالح المشتركة والتعاون في الشؤون الأمنية، وأن يكون هذا التحالف قائماً على توطيد العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين هذه الدول.

هذا التوجه الاستراتيجي دفع سمو أمير الكويت الشيخ “صباح الأحمد الجابر الصباح”  -وفق تصريحات المصدر- لتوجيه الدعوة للرئيس الروسي للمشاركة في القمة، موضحاً أن التنسيق مستمر حالياً مع الرئيس الصيني، “شى جين بينغ” في أهداف الحلف، لتوجيه الدعوة له أيضاً للمشاركة في القمة.

وقد لفت المصدر “المسؤول” إلى أن اللجنة التنسيقية التي تتحرك في إطار توافق مجموعات دولية يجمعها مصالح مشتركة مثل دول الخليج ومصر، وجدت ضرورة لهذا التحالف في ظل تصاعد قوى الصين وروسيا لتحقيق العديد من المصالح المشتركة، لاسيما أن دول الخليج ومصر  ترغب في فتح علاقات مستقبلية مع الدولتين الكبيرتين، بعد أن وجدت مخاطر في حصر العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، إثر ظهور حالة من عدم الوفاق مع واشنطن لعملها على “زعزعة” أمن الخليج من ناحية، ودعمها “للإرهاب” من ناحية أخرى بشكل غير مباشر.

ويبدو اتهام دول الخليج للولايات المتحدة بـ”دعم الإرهاب” اتهاما ينطوي على تجاوز موضوعي من ناحية، ولا يعكس الطبيعة المركبة لعلاقة هذه الدول بالولايات المتحدة ثانيا؛ بخاصة فيما يتعلق بودائعها الهائلة في المصارف الأمريكية. كما أنه ليس من قواعد الاستراتيجية أن تقوم مجموعة دول إقليمية في لحظة غضب “مفاجئة” بالهروب من أسر الولايات المتحدة التي تحاول احتواء دولة نووية مثل إيران بالارتماء في أحضان روسيا الداعمة لإيران بصورة مباشرة على كل المستويات.

إن أدبيات خبراء العلاقات الدولية ربما تشهد شدا وجذبا فيما يتعلق بقدرة روسيا على ضبط الحليف الإيراني الذي يبتسم بصورة مؤقتة للغرب لتمرير مصالحه؛ لكنها لا تقول باحتمال حدوث هذه القطيعة الاستراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة على النحو المنسوب لمصدر “مسئول”، وتجعله يبدو كما لو كان حديثا للاستهلاك على مستوى استهداف الروح المعنوية للحالمين باستعادة “الربيع العربي” لعافيته.

كما أنه إذا صح الحديث عن استغراق تدريب الجندي المصري على المعدات الروسية سنوات وهو الجندي الذي تعرف على هذه الأسلحة قبل 50 عاما؛ فإن الحديث عن تسليح الجيوش الخليجية بسلاح روسي يعني أزمة في استيعاب التقنية وإجادتها بالأحرى لدى جيوش لم تعرف سوى نمط التسلح الأمريكي المصدر. وإذا كانت نسبة معتبرة من السلاح الخليجي مكدسة في المخازن الكائنة على الأراضي الأمريكية؛ فإن مزيد مشتريات من السلاح الروسي لن تعني أكثر من أن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي سيخسر بضع مليارات تذهب للمنتج الروسي، وهو ما سيقود لضغط أمريكي ذي أنماط معروفة لا تعرف جميعها المجاملة؛ بل تتضمن قدرات فائقة على الضغط؛ هذا إن صح وجود خلاف في وجهات النظر.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M