الداعية حماد القباج: التنسيق بين العمل الرسمي والعمل الجمعوي يقوي الجهود الدعوية

02 أغسطس 2013 15:18

هوية بريس – متابعة

الجمعة 02 غشت 2013م

نشرت جريدة التجديد (عبد الغني بلوط) حوارا مع الشيخ حماد القباج، ولأهميته يسرنا نشره لقرائنا الكرام، وإليكم نص ما نشر:

“يرى الأستاذ حماد بن أحمد القباج في هذا الحوار أن تحديات الخطاب الدعوي تتمثل في ضعف التكوين لدى كثير من الدعاة سواء التكوين العلمي أو التربوي، كما يؤكد أن التنسيق والتعاون بين مكونات الخطاب الدعوي، لا سيما التنسيق بين العمل الرسمي والعمل الجمعوي التطوعي يقوي جهود العمل الدعوي. ويستغرب القباج تورط بعض السياسيين في خطة ممنهجة للتضييق على العمل الدعوي بإيعاز من جهات تحمل إيديولوجيات مناقضة لمبادئه ومقاصده، كما يقول إن مدينة مراكش تتميز برصيد تاريخي يجعلها بيئة أكثر استعدادا للاستفادة من الخطاب الدعوي وقبل هذا هي مهيأة لإيجاد هذا الخطاب وتطويره.

بداية كيف يمكن أن تعرفوا أنفسكم لقراء «التجديد»؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المشرفين، وبعد: ولدت بمراكش سنة 1977م، وتابعت دراستي النظامية إلى الأولى ثانوي، ثم انقطعت بسبب حادث أصبت على إثره بشلل رباعي. تابعت دراستي بشكل انفرادي وحاولت التعمق في دراسة السيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي وبعض العلوم الشرعية والإنسانية. شرعت في حفظ القرآن الكريم على يد أحد مدرسي دار القرآن بحي آسيف هو الأستاذ جعفر بوهلال، الذي كان يتردد على بيتي مراعاة لعلتي جزاه الله خيرا. ختمت القرآن الكريم حفظا وتجويدا برواية ورش عن نافع، من طريق الأزرق على يد شيخي المقرئ الدكتور توفيق العبقري جزاه الله خيرا.

جالست واستفدت من عدد من العلماء؛ منهم شيخنا المربي محمد زهرات، وشيخنا الدكتور محمد المغراوي، وشيخنا الدكتور لحسن وجاج، وشيخنا الفقيه عبد القادر الدراري، وشيخنا المحدث محمد الأمين بوخبزة وشيخنا الفقيه محمد الصمدي رحمه الله، وشيخنا الداعية محمد الجردي.

ماذا عن تجربتكم الدعوية؟

أما تجربتي الدعوية بدأت سنة 1996 في بيت الوالد رحمه الله حيث كنت ألقي دروسا على أفراد الأسرة ثم على أبناء الحي وكانت لي أيضا حصص منتظمة مع أخوات صديقات للوالدة حفظها الله كنت أشرح فيها العقيدة الطحاوية ثم اقترح علي الدكتور محمد المغراوي سنة 1998م أن أعمل مدرسا بدور القرآن الكريم التابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش، وإلى جانب التدريس وإلقاء المحاضرات داخل مراكش وخارجها في الجامعات ودور القرآن اشتغلت بالتأليف وكتبت مؤلفات في مواضيع شرعية مختلفة عقدية وفقهية وحديثية منها «كتاب المغني عن الأسفار في معرفة أحكام وآداب الأسفار»، و«الأدلة القطعية على تحريم التفجيرات التخريبية التي تمارس باسم الجهاد وإنكار المخالفات الشرعية»، و«منزلة المرأة في الإسلام وكشف الشبهات»، و«السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب»، و«عقود أهل السنة منتخب من متن المنبهة» للإمام أبي عمرو الداني. كما اهتممت بالدعوة في العالم الافتراضي من خلال دروس منتظمة في غرف دردشة وتأسيس موقع إلكتروني.

كيف ترون واقع الدعوة بمدينة مراكش؟

في الحقيقة مراكش مشهورة بتاريخها العلمي الذي بدأ منذ تأسيسها على يد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين رحمه الله، وقد شهدت حركات إصلاحية وعرفت بأعلام كبار من رجالات العلم والدعوة من أشهرهم في المغرب الحديث: شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي والشيخ الداعية أحمد أكرام والشيخ المصلح الرحالي الفاروقي والعلامة الفقيه مولاي أحمد المحيرزي وغيرهم.

وأستطيع أن أقول بأن الحركة العلمية والدعوية في المدينة عرفت ازدهارا كبيرا جدا بمجيء جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة التي أسسها الشيخ الدكتور محمد المغراوي برفقة ثلة من أهل العلم والدعوة على رأسهم الشيخ محمد زهرات والشيخ عبد الله البوغالي والشيخ عبد القادر دراري وقد تجلت هذه النهضة العلمية والدعوية في تأسيس ثلاثة عشر مقرا اختار لها المؤسسون اسم (دور القرآن) لأن أجل ما يمارس فيها من أنشطة هو نشاط: تحفيظ القرآن الكريم وتعلم تجويده، وقد قربت دور القرآن الخطاب الدعوي إلى عموم الساكنة المراكشية وقدمت لها علوم التجويد والفقه والعقيدة والتفسير وغيرها بأسلوب ميسر، وقد تمكنت هذه الجمعية من إعداد وتكوين عدد كبير من العلماء والقراء والدعاة.

ومن أعظم المكاسب الدعوية التي حققتها الجمعية تزويد المساجد بأئمة يتقنون تجويد القرآن الكريم أثروا بقراءاتهم في النفوس وسمع الناس من خلالهم القرآن بشكل متقن ومؤثر بعد أن كانوا يشتكون من القراءة الضعيفة لا سيما في صلاة التراويح. كما تأسست في المدينة جمعيات أخرى كان العمل الدعوي من أنشطتها منها: جمعية الحافظ ابن عبد البر للتعريف بالتراث.

وفي السنوات الأخيرة عرف العمل الدعوي انتعاشا في أنشطة المجلس العلمي وعملت الوزارة على تنشيط دروس الوعظ والتعليم في المساجد والكتاتيب بالإضافة إلى التحسين المتزايد لدور خطبة الجمعة في الارتقاء بالرسالة الدعوية.

في نظركم ما هي تحديات الخطاب الدعوي في العصر الحالي؟

تحدياته في نظري ترجع إلى عوامل أهمها ضعف التكوين لدى كثير من الدعاة سواء التكوين العلمي أو التربوي، والذي أفرز هذه الظاهرة هو الحاجة إلى دعاة ومعلمين وقلة أو ندرة المؤهلين ومن العوامل: ضعف التنسيق والتعاون بين مكونات الخطاب الدعوي، لا سيما التنسيق بين العمل الرسمي والعمل الجمعوي التطوعي مع أن التعاون على الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هو أعظم ما يدخل في قول الله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى”.

ومن التحديات: تورط بعض السياسيين في خطة للتضييق على العمل الدعوي بإيعاز من جهات تحمل إيديولوجيات مناقضة لمبادئه ومقاصده ومن هؤلاء من يضغط على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لإقصاء الدعاة غير التابعين لها.

ومدينة مراكش تتميز برصيد تاريخي يجعلها بيئة أكثر استعدادا للاستفادة من الخطاب الدعوي وقبل هذا هي مهيأة لإيجاد هذا الخطاب وتطويره ومعلوم أن مراكش من عواصم العلم وأنها مع مدينة فاس كفرسي رهان وتتميز بجامعتها العريقة جامعة ابن يوسف وخزانته العامرة التي تتوفر على كنز تراثي هائل ونحن نتساءل عن العناية به ومصيره كما نتساءل عن العناية بالجامعة اليوسفية وهل تتناسب وضعيتها الحالية مع تاريخها المجيد؟

كيف ترون الى من يدعو الى تنويع الخطاب الدعوي؟

فعلا الحاجة قائمة إلى هذا التنويع في ظل التطور الهائل لوسائل الاتصال وأدوات تسويق الخطاب، وإذا كانت كل الدعوات تسعى جاهدة لتقوية خطابها من خلال تنويع وسائله وأدواته فإن الدعوة إلى الله هي أولى الخطابات بذلك لأنها خطاب إصلاح للفرد والمجتمع بما ينشر ويرسخ الخير والعدل والفضيلة والاستقامة وتحقيق العبودية التي من أجلها خلق الله سبحانه البشر 
فالخطاب الدعوي لا ينبغي أن يتخلف عن المستويات المتقدمة في إنتاج الخطاب وأحفظ في هذا الموضوع كلمة بليغة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول فيها: «ولا شك أن الألفاظ في المخاطبات تكون بحسب الحاجات كالسلاح في المحاربات فإذا كان الأعداء في الجهاد على صفة غير الصفة التي كانت عليها الرومان كان جهادهم بحسب ما توجبه الشريعة التي مبناها على تحري ما هو لله أطوع وللعبد أنفع وهو الأصلح في الدنيا والآخرة» أو مثل هذا الكلام.

والوسائل قسمان: قسم بمعنى المناهج فهذه توقيفية في الأصل كما قال الله تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ”، وقال سبحانه: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”، وقال سبحانه: “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ”.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله ما معناه: الآية تشتمل على أصلين كبيرين: الأول: الدعوة إلى الله لهداية الناس، والثاني: هدايتهم بما أمر به على لسان رسوله لا بمقتضى عقولهم وآرائهم وسياساتهم ونحو ذلك بلا دليل ولا اتباع لأن الله تعالى قال: يهدون بأمرنا» فقوله يهدون بأمرنا فيه دليل على اتباعهم منهاج الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهدايتهم به وحده دون غيره من الأقوال والآراء والمذاهب والأفكار بل لا يهدون إلا بأمره خاصة ، فدل هذا على أن أئمة الدين هم الذين جمعوا بين الصبر واليقين والدعوة إلى الله سبحانه بالسنة والوحي لا بالآراء وبالبدع. انتهى كلام ابن القيم.

والوسائل بمعنى الأدوات وما يستعان به على توسيع دائرة انتشار الخطاب الدعوي أو المحافظة عليه وحمايته مما يستهدفه ويسعى إلى مصادرته أو إضعافه فهذه وسائل مطلوبة والأصل فيها المشروعية بل الوجوب إذا كان الانتشار والحماية المذكورين يتوقفان عليها.

كيف يؤثر المناخ العام والمناخ الإقليمي والدولي على العمل الدعوي؟

هذا المناخ تأثر تأثرا كبيرا بعد أحداث 11 شتنبر والتي اتخذها البعض ذريعة من أجل التضييق على الخطاب الدعوي وتسويغ ذلك بما سمي حربا على الإرهاب، وقد شكل هذا الإطار الدولي خلفية للعلمانيين الرافضين لهذا الخطاب من أجل استعمال الشطط في السلطة والنفوذ السياسي والاقتصادي من أجل تضييق الخناق على الخطاب الدعوي.

والحق أن تحجيم الخطاب الدعوي والتضييق عليه هو الذي يؤدي إلى انتشار الإرهاب لأن طبيعة الدعوة الإسلامية تتضمن ما يعزز ويرسخ مفاهيم السلم والرحمة والرفق، والنصوص القرآنية والحديثية كثيرة في هذا الموضوع كقول الله تعالى (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) وقوله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي الدعاة بالرفق ويقول لهم: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما كان العنف في شيء إلا شانه». ويقول: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا». لكن البعض يدفع نحو خلق جو ينتعش فيه الإرهاب ليتخذها ذريعة للعدوان والدمار كما فعلت أمريكا بأفغانستان والعراق.

لكم اهتمام واسع بالسيرة النبوية، كيف يمكن أن يساهم تدريسها في تقوية الخطاب الدعوي؟

السيرة النبوية هي المدرسة الكبرى لتعلم وظيفة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يتصور نجاح أي تجربة دعوية ما لم تكن قائمة على دراسة معمقة للسيرة النبوية وحرص على الاهتداء بهدي صاحبها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وبقدر ما يكون الداعية مرتبطا بالسيرة معرفة واتباعا بقدر ما يكون ناجحا في دعوته؛ لأن السيرة تعلمك مواصفات الداعية الناجح وما هي المواقف التي ينبغي أن يتخذها إزاء مختلف الأحداث وما هي السنن الكونية التي تسري على الممارسة الدعوية في كل زمان ومكان وكيف يسلم الداعية من اليأس والقنوط وغير ذلك من مقومات النجاح والسداد”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M