عندما تجرم دعوة التوحيد باسم الوهابية

23 نوفمبر 2013 16:39
ظلم الابتداع للذِكر والصحابة وآل البيت (2/2)

 

محمد بوقنطار

محمد بوقنطار

هوية بريس – السبت 23 نونبر 2013م            

لا يدري المرء لماذا يطلب منا نحن المسلمون أهل السنة التخلي واستدبار ظهريا عروة التوحيد في صلتنا بربنا، مع أنها عروة لا عوج فيها ولا بأس؟

لا يدري المرء لماذا ندفع ونساق بتكليف غليظ بلغ نصاب الوجوب والإلزام إلى أن نعلن ونصدع في غير تقية ببراءتنا من التوحيد وعروته الوثقى؟

وكأن هذا التوحيد وهذه العروة صارت إرهابا ومعرة، وكأننا ما بقينا على أصوله متمسكين بالدعوة إليه والفعل والترك والحب والبغض والموالاة والمجافاة من أجله وبحسب ضوابطه، لا نستحق إنصافا ولا عيشا كريما في غير غربة وإغراب وتغريب مخل بقواعد الانتساب إلى الوطن، وصدق الانتماء إليه وحقيقة الدفاع عن ثغوره، التي هي ثغور الإسلام وحماه.

إننا اليوم ونحن نخوض هذه المعركة الفكرية العقدية المفروضة علينا من الداخل والخارج، لفي حاجة ماسة إلى أن نقوي الصلة بمنهج النجاة بل ونوثق أواصر الصلح ونفعّل في غير تردد عملية العض بالنواجذ على ما بين أيدينا من هدايات غالية وحصانات عقدية، يرى كل منصف غيور على الدين والعرض والأرض أن من شأنها أن تستثمر في معطيات حاضرنا الموبوء المريض من أجل تأمين مستقبل وجودنا في ثوبه الشرعي قبل الكوني، تأمين لا ينزل أو يتنازل عن عتبة المطالبة باسترداد ما ضاع منا من عز وتمكين وخيرية.

ولعلها بغية تدفعنا بكل يقين وثقة إلى إعادة إنتاج المنظومة الدعوية التي تميز بها العهد النبوي الشريف وما أعقبه من خلافة راشدة، وهي منظومة تميزت بالاطراد والاستيعاب في مجال الانتصار لدعوة التوحيد ونسف ما كان قائما من شرك ووثنية وإغراق في تربيب الأنداد والأبدال من دون الله، وهو انتصار وكما كان التمكين له مسبوقا ببلاء صدود المجتمع المكي؛ وتخاذل أهل الطائف؛ وحصار شعاب مكة، لا يزال هدفه المنشود إلى اليوم يحتاج إلى كبير جهد يكون الهدف من صرف طاقته تكوين البيئة الصالحة ومناخ الفضيلة التي لا يقف مجهود المنتسبين إليها عند حدود شرح الحق وطرح مشروعه على معشر بني البشر.

بل يجب أن يتعدى هذا إلى إقامة الحصون حول هذا الحق التي من شأنها أن ترد غوائل البدع والمحدثات وهجمات المطففين من السفهاء والمجرمين، وذلك حتى يبقى الحق نقي الجوهر مكتمل النور غير مشوب المادة، ولعل الجهاد والمجاهدة في هذا الباب أزكى من مجرد شرح هذا الحق وطرحه بين الناس يتنافسون على الإيمان ببعضه والكفر بباقي كله، أو البغي بغير موجب حق على أصله بالزيادة أو النقصان، أو ربطه ورده بعيدا عن أصله بمن انتصر إليه وأعاد تحيين مشروعه وإحياء ما اندرس منه أو كاد، من المجددين الأتقياء الذين تواطئ لسان الأمة على فضلهم وعدالتهم، ليتسنى للمغرضين ضرب عراه ونسف حصونه بصناعة أسماء من قبيل (الوهابية) و(التيمية) و(التهريب الديني المشرقي)، فإن هذا ولا شك يسهل عليهم نوال البغية واستعجال الإصابة.

ولذلك فقد لا يكون من العسير على الراصد المتتبع الوقوف على مكر إخراج شعائر الإسلام من النص الذي تنحني لطلبه أمة المليار ونيف، ثم إلصاقها بشخص تسلط عليه أشعة النيون، فيسهل في فترة من فترات حياته الحكم بصوابية فعله وترشيد مجهوده، كما يسهل في فترة من فترات عين حياته تجريم عين سلوكه وإدانة نفس فعله، بل يتسنى محاصرة وتجريم والقضاء على أتباعه الذين حجّر عددهم واسع عدد أمة الإجابة، بل تعدى هذا إلى الهدف المنشود مآلا الذي هو إدانة النص وتجريم الإسلام، دين السلم في غير مذلة والمهادنة في غير بأس ومداهنة.

 ويستمر مكر الليل والنهار فتتهم دعوة التوحيد بالوهابية، وتسلط نيران الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، وتتناسل الدراسات والمطارحات الحبلى بصنوف من التهم وأضراب من التنقيص من شأن هذه الدعوة المباركة، ويغيب التجرد والحياد الإيجابي والإنصاف على طول خط المكر والمدافعة، ويدخل على نفس الخط وصوب اتجاهه أهل الضلال والحيرة والاضطراب، من الذين يدعون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم من سكان القبور والأضرحة والمشاهد، ويلتحق بالركب المدخول أهل العقائد الكلامية وأصحاب التعصب المذهبي الحائف، ليشتد حبل التهمة حول جيد هذه الدعوة المباركة.

 وهكذا وبدل أن ينسب التوحيد لصاحب الرسالة وأن تنعت الدعوة بالسنية والنبوية، تنسب إلى رجل لم يأت ببدع من القول؛ إنما كان همه الأول والأخير: علاج الأدواء التي ابتلي بها المسلمون من الشوائب والشركيات القادحة في عقيدة التوحيد، ولم يكن العلاج إلا إقرار عقيدة السلف واعتمادها في وضع الأسس والقواعد السلفية بين يدي المصلحين الذين جاءوا من بعده وتوفقوا في حمل لواء دعوته دعوة الأنبياء والمرسلين.

وهذه كتبه نحتكم إليها شاهدة على صحة الدعوى، فالواقف على سطور صفحاتها البيضاء لا يكاد يجد غير قال الله قال رسوله قال الصحابة أولوا العرفان، فأين بدعة الكسب والإحداث في دعوة الشيخ حتى تسمى حركته الإصلاحية المستمدة من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة بالوهابية في حمولة قدحية متجنية، ثم يسمى الملتزمون بمنهج “ما أنا عليه وأصحابي” في الاعتقاد والقول والعمل والسلوك بالوهابيين، فيحصل ويتسنى بعد هذه التسمية حصول النسبة إلى التطرف والغلو والتكفير، فيحصل اللازم المرجو بعد ذلك من تضييق وتجريم وإقصاء.

إن مهمة الدعاة اليوم وورثة الأنبياء من العلماء الربانيين، بعد أن خلف نبينا بين أيديهم تركة كشفت الحق بعد طول خفاء، وأخرجت الناس إلى عالم العلم والمعرفة بعد طول جهل وجاهلية، هي حماية هذا الحق ونفخ إكسير الحياة في أركانه بتجدد دائم مسترسل، حتى يقوى على الثبات والكرّ في غير تولي أمام هذه المدنيات التي تعج بالباطل وتتوارثها عصبيات قائمة وشركيات عادمة.

وعليهم وهم يقومون بهذا التكليف والتشريف أن ينسبوا دعوتهم ومجهودهم إلى مصادر التلقي الأولى، فإن في ذلك عون لهم على ضرب قواعد مكر الماكرين وفضح كيد الكائدين، ذلك أن الإسلام هو الذي انتصر وسينتصر، أما أفكار الرجال وأهواؤهم وأذواقهم فإنها تبلى على فترة من الزمن، وتنسى بعد حين فلا تكاد تذكر، بينما يبقى الإسلام شامخا مصون المنابع محفوظ المصادر مصداقا لقوله تعالى “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M