هل استنفذت الأيام العالمية أغراضها؟..

24 نوفمبر 2013 22:50
اليوم ننعي إليكم لغتنا يا تلاميذ فعزونا

الحبيب عكي

الحبيب عكي

هوية بريس – الأحد 24 نونبر 2013م

(الأيام الطفولية والفلسطينية نموذجا)

ما أكثر الأيام حين تعدها ولكنها في تحقيق التنمية وكشف الغمة عن الأمة قليل، أتراه المآخذ على الأيام والسنوات أم مجرد مكاتب الدهر وما يرتكبه الإنسان من هفوات؟

لله در الأيام العالمية والوطنية بما هي حمل الناس على الالتفات إلى موضوع واحد في نفس الوقت طالما كان عبر الزمان والمكان عرقلا أمام تقدم الانسان أو يهدد حياته بما لا تحمد عقباه؟  

كثرت الأيام العالمية حتى كادت تغطي كل أيام الشهور والسنة، ففي أكتوبر مثلا 23 يوما عالميا، وفي كل من دجنبر وماي 16 يوما، وتوالت المناسبات حتى أنك تجد في اليوم الواحد مناسبتين وثلاث ورباع، فـ21 مارس اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري واليوم العالمي للشعر، و21 شتنبر اليوم العالمي للسلام واليوم العالمي لمرض الزهايمر، و18 دجنبر اليوم العالمي للغة العربية واليوم العالمي للمهاجرين!!

ويتوسع اهتمام الأيام بكل شيء من اليوم العالمي للسلام (1 يناير)، وحقوق الإنسان (10 دجنبر)، ومكافحة الفساد (9 دجنبر)، والأمراض الفتاكة إلى اليوم العالمي للضحك (1 أكتوبر)، والرقص (29 ماي)، والكذب (1 أبريل)، وغسل اليدين (15 أكتوبر)، واليوم العالمي للأرانب (17 دجنبر)!!

وطالما استوقفني اليوم العالمي لحقوق الطفل(20 نونبر)، وتساءلت ماذا تجنيه الطفولة من هذا اليوم، غير ندوة فكرية هنا وهناك، أو أمسية فنية تبث صراخها للسماء، أو ورشة حقوقية تدبج تقاريرها حول طفولة غير معنية أصلا، ولجهات غير مبالية بطفولتها ولا متحملة لمسؤولياتها أو منفذة لالتزاماتها؟؟؟

فعلا رأيت أن الأطفال أكثر من يستفيد من هذه الأيام لو كانت ترافقها ضمانات التفعيل، من اليوم العالمي لحقوق الطفل (20 نونبر)، إلى يوم الأطفال المجندين للحروب (12 فبراير)، ويوم التضامن مع الأطفال يتامى الحروب (6 يناير)، ويوم الأطفال ضحايا الاعتداءات (4 يونيو)، ويوم أطفال أفريقيا (16 يونيو)، ويوم محاربة تشغيل الأطفال (12 يونيو)، ويوم كتاب الطفل (2 أبريل)، و”يوم محاربة ختان الإناث” (6 فبراير)، ويوم يتامى الإيدز(7 ماي)، ويوم اللغة الأم (21 فبراير)، ويوم الأسرة (1 يناير و15 ماي)، هذا بالإضافة إلى محاربة الأمراض الفتاكة بدءا من اليوم العاملي للصحة (7 أبريل)، ويوم التمريض (12 ماي)، ويوم الإسعافات الأولية (9 شتنبر)، إلى يوم محاربة السيدا (1 دجنبر)، ويوم الملاريا (25 أبريل)، ويوم السكري (14 نونبر)، ويوم الزهايمر (21 شتنبر)، ويوم السرطان (4 فبراير)، ويوم مرض السل (24 مارس)، واليوم العالمي لمحاربة التدخين (31 ماي)، ويوم الصحة العقلية (10 أكتوبر)..

هذا وترتقي قيمة الأيام إلى مستوى الأعياد أحيانا وما هي بأعياد اللهم إن كانت تلك التي يقول الناس عنها: “عيد بأي حال عدت يا عيد — بما مضى أم بأمر فيه تجديد”؟؟؟

1- هذا ويبقى السؤال هل إشكالات العالم اليوم وعراقيله التنموية يمكن أن تحل في يوم أو حتى في شهر أو عام وربما عقدا وطنيا وعالميا كان أو لم يكن؟؟؟

2- من يضع هذه الأيام ويحدد مواضيعها، وكيف قوبل ضمنها كما قيل الشهر العالمي للكذب (أبريل) ولم يقبل ضمنها اليوم العالمي للصدق، وإن كان العالم يحتاج إلى الصدق في كل يوم، ولا يتحمل الكذب لأي يوم؟؟

3- كيف تمر هذه الأيام في العديد من الدول بين إهمال مطلق إلى احتفال فلكلوري باهت هو في الحقيقة أقرب إلى النعي منه إلى الاحتفال؟؟؟

4- هل يحتاج المنتظم الدولي إلى اتفاقية عالمية تجبر الجميع على الاهتمام حقا وصدقا بهذه الأيام، بما هي في أغلبها كلمة سواء بين العالمين، وحملات عالمية تحتاج بحق إلى من ينفخ فيها الروح ويحقق الإنجاز بدل تدبيج تقارير أصحابها يعلمون بفراغها قبل غيرهم؟؟؟

5- صحيح أن هذه الأيام قد اهتمت أيضا بالقضية الفلسطينية مثلا، فوضعت لها العديد من الأيام المباشرة وغير المباشرة، كاليوم العالمي للسلام (1 يناير)، اليوم العالمي ليتامى الحروب (6 يناير)، اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية (20 فبراير)،  يوم الأسير الفلسطيني (17 أبريل)، اليوم العالمي للاجئين (20 يونيو)، اليوم العالمي لمقاومة الحروب والاحتلال (24 مارس)، اليوم العالمي للحرية (9 نونبر)، اليوم العالمي للقدس الشريف (الجمعة الأخيرة من كل رمضان)، اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نونبر)، وأيام غير مباشرة كاليوم العالمي للدفاع المدني (1 مارس)، اليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، اليوم العالمي لمناهضة تعسفات الشرطة (15 مارس)، اليوم العالمي للماء (22 مارس)، اليوم العالمي للأرض (20 مارس)، اليوم العالمي للعمل (1 ماي)، اليوم العالمي للأطفال المختفين (25 ماي)، اليوم العالمي للبيئة (05 ماي)، اليوم العالمي لحقوق الطفل (20 نونبر)، اليوم العالمي للمدرسة والمدرس (05 شتنبر)، اليوم العالمي لمحاربة المجاعة (15 يونيو)،  اليوم العالمي للقانون (13 شتنبر)، اليوم العالمي لللاعنف (2 أكتوبر)، اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 دجنبر)، واليوم العالمي للتضامن الإنساني (20 دجنبر)!!

لكن فأين السلام في فلسطين، وأين العدالة الاجتماعية، وأين القانون والعدو الصهيوني يهاجم كل يوم حتى المدنيين الأبرياء؟

والمرأة الفلسطينية لم تسلم من غياهب سجون العدو، والأطفال الفلسطينيين لم يسلموا من الاختفاء ومن اعتداءات شرطة العدو التي جعلت حتى من يدرس منهم يدرس في أجواء من الخوف الرهيب!!

الماء والغاز مقطوع والأكل والدواء، كيف يعمل الفلسطينيون في أرضهم المغتصبة بين المعابر والحواجز؟

كم أسيرا فلسطينيا حرر في اليوم العالمي للتضامن مع الأسير الفلسطيني؟

وكم لاجئا أعاد اليوم العالمي للاجئين إلى أهله و وطنه؟

أين التضامن الإنساني وفي كل محنة فلسطينية يعارض عالم الأقوياء حق الفلسطنيين في مجلس الأمن بل طالما استعملوا حق الفيتو لصالح العدو الصهيوني، ليتركوا عالم الضعفاء يتفرجون على المأساة التي لا تنتهي؟؟؟

فهل يحق لنا أن نتساءل: “هل هذه الأيام العالمية استنفذت أغراضها؟ هل انقلبت معنا معانيها إلى ضدها؟ نعم، وألف نعم عند الشعب الفلسطيني على الأقل!!

6- بل وعلى الصعيد الوطني أيضا، يسجل الحقوقيون  في مجال الطفل مثلا، مجموعة من الظواهر تخل بحقوق الطفل وعلى رأسها ظاهرة تشغيل الأطفال (571 ألف)، في البيوت (حوالي 70 ألف)، والهدر المدرسي (حوالي 400 ألف)، والاستغلال الجنسي (حوالي 1137 حالة)، تشرد الأطفال في المدن الكبرى وما يرفقه من الأجواء الموبوءة بالعنف والمخدرات وغيرها من الانحرافات الخطيرة (حوالي 4000 حالة تشرد طفولي في البيضاء وحدها)..

وفي غياب المخططات الحقيقية والمشاريع الإجرائية لضمان حق الوجود الكريم وتلبية حاجيات النمو في جو الأسرة الشرعية، وضمان التمدرس الجيد والتطبيب اللازم، في غياب مراحل الملاعبة والتأديب والمرافقة والتكوين والتأهيل وزرع ثقافة الحوار والإقناع والمسؤولية  ونبذ ثقافة القسوة والإكراه..، ستأتي الأيام الوطنية تلو الوطنية والأيام العالمية تلو العالمية، وتتم الاحتفالات تلو الاحتفالات، في المؤسسات التربوية الرسمية والمدنية على السواء، دون أن تتراجع الظاهرة بالشكل اللازم فبالأحرى أن تزول وتنمحي، فتستحق منا الاحتفال الفعلي شكلا ومضمونا؟؟؟

جميل أن نتحدث لغة العالم ونكون معه متناغمين في المنظومة الكونية للكلمة السواء، فنلتفت بما يليق إلى أحوالنا في الماء والشجرة والغابة والبيئة عامة والفساد والاستبداد وأحوال فئاتنا الهشة من الأطفال والنساء والمسنين والمعاقين.. وما تعاني منه من هشاشة وإقصاء وما يلزم  من مسؤولية وتضامن لتحسين مستوى عيشها وعيش كل الوطن والأمة، ولكن أجمل منه أن نعود بصدق وقوة وحماسة إلى ثقافتنا الاجتماعية وهويتنا الحضارية، وفيها ما يغنينا عن هذه الالتفاتات العابرة للأيام العالمية العابرة، الأيام كلها أيام البر بالوالدين ورعاية الأبناء وتوقير الكبار والعلماء، الأيام كلها أيام مساعدة الفقراء وخدمة المحتاجين ونصرة المستضعفين، وهكذا بعودتنا إلى جذورنا وكينونتنا وما تزخر به من ثقافة المسؤولية والوقائية والقانونية، سنضع مشاريع حقيقية للتربية والتنمية يومية وشهرية وسنوية وعقدية، فردية وجماعية رسمية ومدنية، وتلك لغة الإيجابية والتغيير الحقيقي الذي لابد أن نتقنه حتى تكون الأيام الوطنية والعالمية مجرد لحظات لتقييم سيرنا نحو مقاصدنا التنموية وعدالتنا الاجتماعية وشخصيتنا المتضامنة وطنيا قوميا ودوليا..

وكما يجب الحذر من بعض الأيام الدولية لابد من نفس الحذر من بعض الأيام الوطنية التي تنسج على نسجها، ومن ذلك ما عشناه مؤخرا فيما سمى ضدا على الاختيار الوطني باليوم الوطني للاحتجاج، مررت صدفة بإحدى وقفاته الباهتة فرأيت الرفيق الخطيب قد صعد فيه إلى المنصة وهو لا يكاد يخطب تقريبا على أحد إلا بعض المارة الذين بتكت مكبرات الصوت رغما عنهم آذانهم، قال الخطيب المفوه وهو يدخن سجارته ويرتب بين الحين والحين “شاشه وشاشيته”: “لقد سألونا في البرلمان ماذا تريدون، زدنا لكم في المحروقات فرفضتم، وخفضنا لكم في الأدوية فصرختم، فماذا تريدون؟

أجاب صاحبنا بكل حرية واحتجاج كسرت المنصة يده التي هوت عليها: “ما بغينا غير تعطيونا التساع”؟ 

إنها ديكتاتورية الأقلية، وفلسفة بعض الأيام والوقفات والمسيرات الوطنية التي تولد في الحقيقة وهي ميتة، وكأنها أيام دولية استنفذت مع الأسف أغراضها ولا زال القوم عبثا يستجدي بعض عطاءها؟؟؟ 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M