لا تلوموا الأبناء إذا فسد الآباء

03 ديسمبر 2013 17:18
لا تلوموا الأبناء إذا فسد الآباء

لا تلوموا الأبناء إذا فسد الآباء

ذ. أحمد اللويزة

هوية بريس – الثلاثاء 03 دجنبر 2013م

ما يحدث بالمغرب بين الفينة والأخرى من وقائع لا أخلاقية حيث تثير ضجة وزوبعة ليست من قبيل دق ناقوس الخطر، لأننا في هذا الوطن العزيز تجاوزنا مرحلة نواقيس الخطر؛ وتجاوزنا حاجز الصدمة فيما يتعلق بمظاهر المجون والانحلال التي يعج بها الشارع العام، والتي لم تستثن مكانا حتى ولو كان بيتا من بيوت الله.

وهذا مما لا يخفى على ذي عينين، ومن تم فإن ما حدث بالناظور لا يعتبر أمرا مستفزا بتلك الدرجة التي سوقها الإعلام، لأن المجتمع تطبع مع هذه المظاهر المخلة بالحياء وصار متواطئا معها في كثير من الأحيان، ولا أدل على ذلك من موجة التبرير والاستنكار والشجب لعملية الاعتقال التي لا تخرج عن تطبيق القانون في دولة يقال إنها دولة حق وقانون، مع ما قرأناه عن مليونية التضامن بنفس العمل المخل.

بعيدا عن الحدث ومجرياته ومآله، ووقوفا عند ما ثار من نقاش عن المسؤولية فيما وقع ومن يتحملها؟ وعلى أي عاتق تلقى؟ وقد حملها البعض للآباء الذين فرطوا في تربية أبنائهم، وأنهم لم يعودوا يقومون بدورهم في التربية والتوجيه، وهو كلام صائب، لكن الذي يقول هذا الكلام لم يجعل في الحسبان نوعية الآباء التي يتحدث عنها، لأن الإشكال العميق والمتعلق بهذه القضية هو من سيربي؟

وهل فعلا الآباء لهم أهلية تمكنهم من تربية أبنائهم؟

أم أننا حقا نعيش حالة من الفراغ والبون بين مسؤولية الآباء في تربية أبنائهم وبين واقع الأبناء اليوم؟

إلى أن نقول أننا في زمن يحتاج المربي إلى تربية، ومن تم ففاقد الشيء لا يعطيه، وهذه هي القاصمة المؤلمة المؤرقة، لأننا نرى قطار الزواج يسير فينزل منه العديد من الأبناء لا يعرفون من أين جاؤوا ولا إلى أين يسيرون. فيعج المجتمع بجيل فاقد للبوصلة لأنه ضحية لجهل مطبق بالدين والأخلاق والقيم لدى الوالدين.

أن نطالب الأب والأم بتربية أبنائهم نطالبهم بما لا يملكون وبما لا يقدرون عليه، لأن الواجب أن نطالبهم بتربية أنفسهم أولا، حتى يكونوا أهلا للمسئولية، فإذا كنا مسلمين حقا فالواجب على الآباء أن يكون عندهم من فقه الشرع عموما وما يتعلق بتربية الأولاد خصوصا ما تبرأ به الذمة، ويصح به التكليف، ويرتفع به الحرج، ويحصل به المقصود، حتى يقدموا للمجتمع أفرادا صالحين قادرين على تسلم المشعل ومواصلة مشوار العبودية لله وعمارة الأرض بما ينفع.

فهذا هو المطلوب لكن الوقع خلاف ذلك تماما، فالآباء إضافة إلى جهلهم قد تخلوا عن مهمة التربية، وقدموا استقالة لا رجعة فيها من هذه المهمة الصعبة والنبيلة، ولا يمكن التعويل على أكثرهم في صناعة الناشئة المتدينة المتخلقة الطاهرة الزكية، فماذا تنتظر من أب لم يسجد لله يوما قط، ولم يحمل مصحفا بين يديه، ولم يذكر ربه ولو قليلا، ولم يفارق مقعده في المقهى تارة يتابع مباراة كرة، وتارة يتابع جحافل العارضات من السافرات، ولا تراه يسأل عن الأبناء وعن حالهم أبدا، إذ لم تتجاوز مهمته شراء الملبس والمطعم وضمان التطبيب وكأنهم أجساد بلا أرواح. فأب مثل هذا كبر عليه أربعا.

ثم ماذا تنتظر من أم قيل عنها:

الأم مدرسة إن أعددتها — أعددت شعبا طيب الأعراق

باتت تخرج لنا اليوم شعب “الفايسبوك” والشات والوقاحة، وهو شيء طبيعي لأنه نتيجة اللامبالاة وعدم الاهتمام مادام وقت الأم موزعا بين أفلام ومسلسلات ومسابقات غنائية وبرامج تافهة وتسكع في الشوارع والمنتزهات.. وهلم جرا. فبمثل هؤلاء الأمهات لا تحلم بجيل طيب الأعراق، والواقع خير دليل وأصدق برهان.

لقد صار حال الأبناء اليوم مع والديهم أبأس من حال اليتامى والمشردين، وقد صدق الشاعر حين قال:

ليـس اليـتـيـم مـن مـات — أبـواه وخـلـفاـه دلـيـلا

ولكن اليتيم من تلفى له — أما تخلت وأبا مشغولا

بل من العجيب الغريب أن يكون الأبناء هم من يقوم بتربية آبائهم ويقدمون لهم النصح والتوجيه.

وإن مما يدمي القلب أن تجد من الآباء من لم يتخل عن تربية أبنائه تربية دينية حسنة فحسب، بل تجدهم أشد وقاحة وأقل تربية من أولادهم، وأشد من ذلك أنهم يحاربونهم في تدينهم وتخلقهم، وكم عانى كثير من الأبناء مع آبائهم لأنهم اختاروا طريق الاستقامة والعفاف، أفبمثل هؤلاء تصنع الأجيال؟ أمثل هؤلاء يطالبون بتربية الأبناء؟

لم يعد من هاجس عند كثير من الوالدين اليوم سوى تفوق أبنائهم دراسيا، ووضعيتهم المادية، ولتذهب القيم والأخلاق إلى الجحيم، لأن من يهتم فعلا بأخلاق أبنائه لا يرضى بهم مشاركين في برامج الخنا والانحلال، كيف وهو لا يتمعر وجهه خجلا حين يعلم بوقوع ابنه أو ابنته في فضيحة أخلاقية، ويواجه الأمر ببرودة أشد من برودة القطب المتجمد، هذا إن لم يجد لهم من الأعذار والحجج ما يندى له الجبين.

أعتقد أننا وصلنا إلى ما لا مزيد عليه من تدهور القيم والأخلاق، وعلى الجمعيات التي نصبت نفسها حامية للميوعة والانحلال أن تتقي الله وتعود إلى رشدها وتنزل عن عنادها لأن نتائج هذا التسيب لا قبل للشعب ولا للدولة به، فإلى أين تسيرون بهذا البلد والأرقام تصرخ رويدكم معشر المغاربة على رسلكم فالجحيم ينتظركم، في عالم السيدا الذي تتسع رقعته، وأبناء الزنا الذين يزيدون ولا ينقصون، والاغتصاب الذي يقض المضاجع واللائحة طويلة..

أما أنتم أيها الآباء فلا تنسوا أنكم واقفون بين يدي الله، وسيسألكم عما استرعاكم إياه من أمانة الولد، قال عليه الصلاة والسلام من حديث أنس: “إن الله سائل كل راع عما استرعاه؛ أحفظ ذلك أم ضيعه؛ حتى يسأل الرجل على أهل بيته” رواه النسائي وحسنه الألباني. 

فأعدوا للسؤال جوابا ولجواب صوابا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M