لمـاذا لا نتقــدم؟

19 ديسمبر 2013 14:06
لماذا لا نتقدم

لماذا لا نتقدم

ذ. نبيل غزال

هوية بريس – الخميس 19 دجنبر 2013م 

لا تكاد تمر سنة إلا وتثار في الساحة السياسية والثقافية والحقوقية والإعلامية.. العديد من الملفات الحساسة؛ والنقاشات الحادة حول أمور مصيرية وقضايا محورية؛ وكل طرف من الأطراف المتدخلة يطرح وجهة نظره ويدافع عن موقفه انطلاقا من المرجعية التي يعتقد أنها الحق والصواب؛ وكل يدعي أنه يحمل مشروع الإصلاح، ويملك الحل الأنسب لمعالجات معضلات المجتمع المتنوعة والمختلفة.

فرغم أن الجميع يرفع راية الإصلاح وخدمة الوطن والصالح العام والتنمية والرقي؛ إلا أن الوضع يوما بعد آخر لا يزداد إلا تعقدا؛ والأزمات إلا اشتعالا؛ فما السبب الذي أوصلنا إلى هذا الوضع المزري والمشين في الآن نفسه؟

لا شك أن السبب لا يمكن حصره في زاوية واحدة، حيث أن هناك العديد من العوائق الداخلية والخارجية التي تحول دون بلوغ الهدف المنشود؛ لكن تظل أبرز وأهم العوائق، تكمن في المرجعية التي نصدر عنها؛ وفي الوسائل والآليات التي يتم اعتمادها؛ وفي التجاذب والتقاطب الحاد، والاختلاف الكبير بين أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة؛ وفي التدخل الغربي الكبير والدقيق في مفاصل الحياة العامة والخاصة لشعوبنا عن طريق آليات متعددة أهمها وأخطرها: تزوير النخبة التي تقود وتوجه المجتمع؛ وضمان ولائها لمخططاته ومشاريعه؛ سواء كان ذلك بطريقة مباشرة عن طريق التحالف المكشوف؛ أو غير مباشرة بالإيمان المطلق بالحل الغربي، ومنه السعي إلى التبشير به والدفاع عنه إلى آخر رمق.

إن هذه النخبة التي نالت تعليمها في الغرب، أو داخل أرض الوطن في بعثات غربية، وتشبعت بثقافة دخيلة؛ عجزت أن تنهض بهذه الأمة، وأن تضخ روح الحياة فيها، ولم يستطع المجتمع الإسلامي المعاصر؛ كما يقول المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي رحمه الله تعالى؛ أن يستمد دفعة الإقلاع الحضاري من العالم الثقافي للصفوة من أبنائه الذين نالوا تعليمهم في الجامعات الغربية، “كما لم يستلهم روح الحضارة من الإيديولوجيات العملية التي طوبت ثورية في البلاد العربية بإعطائها تلك الشعلة التي ألهبت روح الجماهير حتى مكنتهم من سد الطريق أمام (موشي دايان) في حرب الأيام الستة!! كما لم يستفد في أسلوبه من صرامة التفكير الموروثة من عصر (ديكارت).

بينما الفكرة الدافعة للإسلام نقلت شعلات الجمر المضيئة منذ أربعة عشر قرنا من الجزيرة العربية إلى الأقطار البعيدة؛ موحدة جميع الشعوب الإسلامية في ذلك العمل المنسق الرائع؛ ألا وهو الحضارة الإسلامية التي استمرت حتى سقوط بغداد وسقوط غرناطة. وحتى حينما رجع المجتمع الإسلامي القهقرى.. فإن هذه الفكرة الدافعة سمحت له أيضا بمقاومة العدوان الاستعماري ثم استعادة استقلاله” (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي).

فهذه “النخبة” التي صُنعت وأريد لها أن تكون مرجعا؛ فشلت بكل المقاييس في أن تُخرِج المجتمعات الإسلامية من التخلف الذي تتخبط فيه، ومن أن تضع يدها على العوامل الحقيقية التي تحول دون الإقلاع الحضاري الذي يحقق التطور والنمو في شتى مجالات الحياة، وظل عملها قاصرا على المطالبة باستنساخ التجربة الغربية؛ والعمل على إقصاء الدين وتقويض أركانه ومهاجمة المتمسكين به؛ وحتى الآليات التي اعتمدوها لنقض التراث لم تخرج عن إطار ما اعتمده فلاسفة ومفكرو الغرب لإقصاء النصرانية المحرفة.

إن النظرية التي يرجع إليها علماء الاجتماع والتي تقول إن “المجتمع الصناعي والعلمي الحديث يُقوِّض الإيمان الديني”، كانت نظرية صحيحة وناجحة في الغرب؛ لكنها لم تنسحب على العالم الإسلامي؛ وهو ما شكل استثناء غريبا بالنسبة لهم، ونحن نشهد اليوم بإزاء التطور الصناعي والتكنولوجي يقظة دينية واسعة ليس في العالم الإسلامي فحسب بل في شتى بقاع الأرض، وهو الأمر الذي أوقع عالم الاجتماع الإنجليزي “إرنست غلنر” في حيرة من أمره فقال معبرا:

“إن النظرية الاجتماعية التي تقول: إن المجتمع الصناعي والعلمي الحديث يُقوِّض الإيمان الديني صالحة على العموم، لكن عالم الإسلام استثناء مدهش وتام جداً من هذا! إنه لم تتم أي علمنة في عالم الإسلام، إن سيطرة الإسلام على المؤمنين به قوية، وهي أقوى مما كانت من مائة سنة مضت، إن الإسلام مقاوم للعلمنة في ظل مختلف النظم الراديكالية والتقليدية والتي تقف بين النوعين.. والإصلاح الذاتي استجابة لدواعي الحداثة في عالم الإسلام يمكن أن يتم باسم الإيمان المحلي، وليس على حساب الإيمان” اهـ.

هذا رأي الإنجليزي “إرنست غلنر” أما المتحكمون في القرار الأممي والمؤسسات الدولية فلهم رأي مخالف تماما، وجهدهم الأكبر ينصب اليوم على تعميم نموذج وحيد؛ وهو النموذج العلماني الغربي طبعا؛ وإقصاء أي نموذج آخر خاصة الإسلامي.

وقد سألت مجلة “النيوز ويك” الأمريكية رئيس المجلس الوزاري الأوربي السابق ووزير خارجية إيطاليا «جياني ديميكليس»: ما مبررات بقاء الحلف الأطلنطي بعد زوال المواجهة بين الغرب الليبرالي والمعسكر الذي كان اشتراكيا؟ فأجاب رئيس المجلس الوزاري الأوربي: “صحيح أن المواجهة مع الشيوعية لم تعد قائمة، إلا أن ثمة مواجهة أخرى يمكن أن تحل محلها بين العالم الغربي والعالم الإسلامي”.

ولما عاد مراسل “النيوز ويك” يسأل: وكيف يمكن تجنب تلك المواجهة المحتملة؟

 قال «جياني ديميكليس»: “ينبغي أن تحلّ أوروبا مشاكلها، ليصبح النموذجُ الغربيُّ أكثر جاذبية وقبولاً من جانب الآخرين في مختلف أنحاء العالم. وإذا فشلنا في تعميم ذلك النموذج الغربي، فإن العالم سيصبح مكاناً في منتهى الخطورة”.

أظن أن هذا الكلام واضح جدا؛ وليس بإمكان أحد الآن أن يرمي من يخالفه بعقدة نظرية مؤامرة، أو محاولة تبرير الضعف والتخلف بمعاداة الغرب.

نعم فمن حق الغرب أن يبحث عن مصالحه، لكن من حقنا نحن أيضا أن نبحث عن مصالحنا؛ ومكامن قوتنا؛ وموجبات تقدمنا، بعيدا عن أي توجيه أو قوة ضاغطة، ولن يتأتى ذلك إطلاقا ما بقيت “النخبة” غارقة في سباتها الأيديولوجي، تسعى لمطابقة الواقع لمقولاتها المتحجرة، ولقولبة المجتمع حسب أطرها الضيقة وتصنيفاتها الجاهزة، كما قال معاتبا رفاقه الكاتب العلماني علي حرب في “أوهام النخبة”. 

[email protected]

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. نعم ترهن لان الدول الناميه اصبحت فرائس لقرصنه مؤسسات المال الغىبيه التى هى اصلا امتداد للسياسات الاستعماريه الحديثه ولطالما انهم صنعوا نخبا تدير هذه الدول لتوصل دولها الى محلة الرهن
    عزالدين باقورى

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M