إهانة المغاربة في حفل تسليم كأس الأندية بمراكش

26 ديسمبر 2013 17:11
إهانة المغاربة في حفل تسليم كأس الأندية بمراكش

إهانة المغاربة في حفل تسليم كأس الأندية بمراكش

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الخميس 26 دجنبر 2013م

عن الاحترام الواجب لملك البلاد ولغته الرسمية

لو تم تقديم الحفل بلغة الفريق المنتصر الحائز على الكأس لفهم الأمر على أنه تحية مبررة له، ولوجب اتباع نفس السلوك مع الفريق الوصيف الذي هو الرجاء البيضاوي، فيكون تقديم عناصره في المنصة بلغته الرسمية هو أيضا مثل سابقه بالعربية أو الأمازيغية أو الحسانية كما هو مبين في الدستور، وكانت اللغة الثالثة هي البرازيلية عند صعود الفريق الثالث.

بمعنى أنه لامجال للفرنسية في الحفل، إلا أن تكون من طرف مراسلي القنوات الفرانكفونية؛ في إذاعاتهم وقنواتهم التلفزية، وتتابع فقرات الحفل باللغة الرسمية للبلاد المنصوص عليها في الدستور، خاصة وأن ملك البلاد يترأس الحفل، وإن قدر ونزل أن يتحدث بعدها بلغة الضيوف المشاركين، من باب الحفاوة.

أما أن تؤخر لغة البلاد الرسمية على الملإ، فهذا لا يمكن وصفه إلا بتعمد الإهانة للبلد ومقوماته الوطنية والدستورية، وترجمة لما ينادي به البعض من تدريج التعليم والحياة العامة، حتى لا يبقى مجال للقول بأن ذلك إهمال للغة البلاد الرسمية سواء كانت عربية أم أمازيغية أم حسانية؛ وبذلك تحل اللغة الفرنسية محل الجميع بلا عتاب.

فإذا لم يحترم الدستور ويحترم عاهل البلاد، ويحترم الجمهور المغربي المتواجد في الملعب والشعب المغربي المتابع لفقرات الحفل، فتقدم لغته، وتكتب الشعارات بها، فهل نقول بأننا في دولة مستقلة ذات سيادة؟!

إن ما وقع في حفل تسليم الكأس العالمية للأندية من تأخير العربية، وإسنادها لمذيعة يطرح الكثير من الاستفهامات من قبيل عدم المساواة بين الرجال والنساء في التصدر، وعدم الاحترام الواجب للبلاد المنظمة المتمثل في تقديم لغتها، ودستورها، ورمز سلطتها وسيادتها، ويبرز أن دعوة تدريج الثقافة والتعليم والإعلام ماضية في طريقها كما تشهد بذلك البرامج الإذاعية، والأفلام السنيمائية، والنشرات واللوحات الإشهارية، دون حسيب ولا رقيب؛ لا من البرلمان ولا من المجالس ذات الاختصاص.

ولولا الالتفاتات الملكية للدين الإسلامي، ورموز السيادة الوطنية، من زي، ومعمار، وهوية، أقيمت على مدار قرون عديدة بين أعراق متساكنين متعايشين بفضل قيم الإسلام السمحة، التي جعلت الغزاة المحتلين يأخذون على محمل الجد، قول “شارل دوفوكوا” للمعمرين: (لن يكون لكم المغرب ما دام الإسلام فيه).

لذلك لم تنفع جهود الاستعمار في طمس تلك الهوية، بالرغم من مرور قرن على غزوه المغرب، ولم يتحول إلى متحف غرائبي حي متنقل، كما يريد أصحاب العرنسية ولغة الأم التي لا ترى أعينهم إلا الأمهات المتكلمات بالعربية، أما المتكلمات بلغات أوربا وآسيا وأمريكا وإفريقيا فلا يرون غضاضة في عدم المطالبة بتعلم أبنائهن بلغاتهن لأنها لا تزعجهم، ولا تتعارض مع مشروعهم المدمر للكيان المغربي، وفي هذا الإطار جاء إهمال العربية في الحفل، في فجاجة تستحق الإدانة وتبين أن هؤلاء لا يحترمون قانونا ولا يوقرون كبيرا، ولو كان بحجم ملك المغرب الذي ضحى المغاربة من أجل إعادة جده إلى عرشه في زمن موضة الانقلابات، وتصفية الملكيات.

وصية محمد الخامس حول اللغة والهوية والتقاليد الإسلامية

يقول المغفور له محمد الخامس في كلمة أمام المقيم العام الفرنسي بالمغرب في 9 ماي 1940م:

“ولنوجه في الختام هذه الكلمات لشبابنا الأنجاب:

نرجو منكم إذا واصلتم الجهود للتحصيل على العلم الجديد الذي جئتم تجنون ثماره في هذه المدارس، أن لا تضيعوا شيئا من مزايا أمتكم، وأن لا تغفلوا لحظة ما عن هذه الحقيقة.

إن من ضيع دينه ولغته وتقاليده العالية ضيع كل شيء، تعلموا وجدوا ما أمكنكم، إذ مهما تكثرون لا نقنع بما يتخرج منكم، ولكن تمسكوا بدينكم الحنيف، واحفظوا لغتكم، وراعوا تقاليدكم القومية” اهـ.

إهانة المغاربة في حفل تسليم كأس الأندية بمراكش

وكان بذلك يلخص الرد المناسب لورثة الإدارة الاستعمارية، التي سبق أن نادينا بوجوب ثورة للملك والشعب عليها، لتحقيق استقلال فعلي للمغرب، لأن نسقها المبني منذ سنة 1910م -الذي دشن مراقبة المالية العمومية بدايته، والتي امتدت على مدار المائة سنة- يحتقر المغاربة ويعتبرهم غنيمة تدار بمسميات مواتية لكل مرحلة، لذلك تفشل كل جهود التنمية التي تديرها تلك الإدارة الفاقدة للشرعية، والمتسلطة على البلاد والعباد، والتي يجب أن يعاد فيها النظر وفقا لمقتضيات الحرية والكرامة والمبادرة والسيادة، وهي عناصر جرفتها الإدارة الاستعمارية وتواصلت بعد الاستقلال مع المعمرين الجدد الذين خلفوهم دون أن يكون للاستثناء أثر في الحؤول دون ذلك الامتداد الظالم.

لقد كان رحمه الله يرد على ورثة (أكيست برنار) الأستاذ بمدرسة العلوم السياسية وكلية الآداب بباريز، وورثته من المعاصرين الفرانكفونيين المغاربة الغلاة، الذي قال في محاضرة بتاريخ 25 فبراير 1927م بنفس المدرسة:

“إذا أردنا تقوية الإسلام وتشجيعه يكون ذلك منا خطئا سياسيا، إنه ليس من مهامنا أن ننشر العربية والإسلام عند بربر المغرب وسود السودان إذا تركوا لهجتهم وتعلموا لغة أجنبية غير العربية، أي تعلموا الفرنسية التي هي واسطة أفكارنا وحضارتنا، إن الإسلام هو العقبة الكبرى في طريق التقارب بيننا وبين الأفارقة.

لا نهدم شيئا إلا إذا وجدنا ما نضعه مكانه، فبأي شيء نستبدل الإسلام؟

هل نعلم الأهالي أن الشعوب لها حق حكم نفسها بنفسها وأن الثورة هي أقدس الواجبات؟ وأنه لا يجب عليهم أن يخضعوا لإلاه أو رئيس؟ إننا إذا فعلنا ذلك نضر أنفسنا.

إن جيراننا في إفريقيا الشمالية، لم يسهلوا دائما عملنا الصعب كما كنا نأمل، ومع ذلك ففي وجه الإسلام كل الدول الأوربية متضامنة، ما هي الغاية التي نريد الوصول إليها في إفريقيا الشمالية؟

هل جئنا إليها فقط لنضع قليلا من النظام في إدارتها الأهلية، ونعطي البلاد تجهيزها اللازم، وبعد ذلك ينتهي عملنا، ولا يبقى لنا فيها شيء نعتمد عليه ما عدا اعتراف الأهالي لنا بالجميل على الخدمات التي قمنا بها؟

بالعكس، إن غايتنا القصوى هي تأسيس فرنسا وراء البحر، حيث تخلد لغتنا وتبقى حضارتنا، وفي كلمة مختصرة: غايتنا هي فرنسة الأهالي، فهذا هو آخر هدف نقصده ونرمي إليه، ولذلك يلزم جعل الأفارقة مضطرين إلى أن يتكلموا بلغتنا، وأن يقلدونا في مناهجنا وأفكارنا، وأن يندمجوا فيها، وقد قال أحد المستعمرين: (إن تربية شخص واحد يحتاج إلى عشرين سنة، أما تربية شعب كامل فلا بد له من عشرين قرنا).

إن التطور بطيء في إفريقيا، ولكنه واقع لا شك فيه، فاتركوا الوقت يعمل عمله، إذ بدونه لا يتم عمل خالد” اهـ.

فهل هذا ما تغياه مبرمجو تقديم فعاليات الحفل بتأخير مذيعة العربية، تناغما مع دعاة التدريج المسيطرين على الإعلام والإشهار خارج كل رقابة؟

حذاري فالمغرب له تاريخ ومن الأفضل احترام اختياراته

إن اختيارنا لوصية المغفور له محمد الخامس للطلبة كرد على واحد من أكبر منظري الاستعمار، في زمن كانت البلاد تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة، تبرز أن المغرب ليس لقمة سهلة لمن في قلبه مرض التبعية والخنوع والخضوع، ولمن نسي ثورة الملك والشعب، ونحن مقبلون على الاحتفال بذكرى وثائق المطالبة بالاستقلال، حيث تم تحقيق إرادة الشعب ضد الغاصب الذي عزل ملكه لرفضه الرضوخ لإملاءاته، وهي منقبة يريد البعض أن يقفز عليها، فلا تسعه خطاه، لأن الجبل لا يتخطى. 

فحذاري حذاري من غضبة الحليم، فما بالك إذا كان شعبا، له رمز أصيل وتاريخ حافل بالأمجاد أثيل، نحن لسنا ضد التفتح على الحضارات واللغات، ولكن نريد العدل والإنصاف، وأن لا نهان في ديارنا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M