رسالة من مصطفى الحسناوي الأسير إلى مصطفى الرميد الوزير

27 ديسمبر 2013 17:41
رسالة من مصطفى الحسناوي الأسير إلى مصطفى الرميد الوزير

رسالة من مصطفى الحسناوي الأسير إلى مصطفى الرميد الوزير

هوية بريس – مصطفى الحسناوي

الجمعة 27 دجنبر 2013م

وجه الصحفي والحقوقي مصطفى الحسناوي -المعتقل على خلفية “ملف الإرهاب”، والمحكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات- من زنزانته،رسالة إلى وزير العدل مصطفى الرميد يوضح له ويعرفه بملابسات قضيته، كما ذكر فيها نبذة مختصرة عن مساره الحركي والصحفي والحقوقي.. وفي الأخير دعا وزير العدل والحريات إلى زيارته..

وإليكم نص هذه الرسالة:

رسالة إلى وزير العدل

من الصحفي والحقوقي مصطفى الحسناوي إلى الوزير والحقوقي مصطفى الرميد

تحية طيبة وبعد:

لعل قول الشاعر محمد بن إبراهيم:

أسجن وضرب مؤلم وإهانة — وزجر وتعزير وما اقترفوا وزرا؟

يقصر عن تصوير حالة الظلم والقهر التي أعيشها، ومعاناتي التي أصبحت معها أتخيل نفسي مختطفا لدى عصابة خارج أي قانون أو عرف أو خلق.

وقبل الاسترسال في عرض قضيتي، لا بأس أن أعرف بنفسي من خلال قواسم مشتركة تجمعنا -ولو أني لست من مقامك- وهو تعريف مقتضب وضروري، فأقول:

بدأت العمل الحركي والجمعوي مع حركة الإصلاح والتجديد منذ سنة 1994، ثم بعدها مع حركة التوحيد والإصلاح بعد الاندماج والتحول، وأنشطتها الموازية، وواجهاتها في القطاع التلاميذي والفصيل الطلابي، والأنشطة الدعوية والثقافية والفكرية والترفيهية.

وبدأت العمل السياسي الحزبي منذ سنة 1996، مع حزب “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية”، قبل أن يتغير الاسم إلى “العدالة والتنمية”؛ وحضرت المؤتمر الاستثنائي، وعايشت كل تحولات الحزب وتطوراته وتغير اسمه وهياكله، وكنت مؤتمِرا في مؤتمره الرابع، وكان لي دور في تأسيس شبيبته.

ومن خلال هاتين الواجهتين الحركية والحزبية كان لي احتكاك بالعمل الإعلامي والصحفي، حيث اشتغلت مراسلا لجريدة التجديد منذ كانت أسبوعية، وحضرت بعض دوراتها التكوينية، وواكبت تطورها وتحولها إلى يومية، وشاركت وحضرت وأسهمت في النقاشات واللقاءات والاستطلاعات التي سبقت قرار تحويل التجديد إلى يومية.

ورغم استقالتي من الحزب والحركة سنة 2001، إلا أن علاقتي بالجريدة كمراسل استمرت إلى سنة 2002، وكقارئ ومتابع ومتعاطف استمرت ولم تنقطع، شأنها في ذلك شأن علاقتي بعدد من الرموز والفاعلين، أذكر منهم الأستاذ مصطفى الخلفي الذي تعرفت عليه سنة 2001 في الملتقى الأول لشبيبة الحزب ببوزنيقة، حيث جمعتنا ورشة واحدة وطاولة واحدة لمناقشة ووضع تصور ورؤية لعمل شبيبة الحزب، وكان العمل الشبابي أحد المواضيع التي جمعتني في هذه المحطة وفي غيرها من المحطات، خاصة ساحة ومدرجات الجامعة بظهر المهراز بفاس ومقري الحزب والحركة بنفس المدينة في الفترة الممتدة بين 1998 و2002، قلت جمعتني بعدد من الأشخاص الذين كنت أتقاسم معهم نفس التصور ونفس الرؤية، ثم أكملوا المسار واستمروا على نفس الدرب إلى أن تبوأوا المناصب وتحملوا المسؤوليات؛ أذكر منهم عبد العزيز رباح وامحمد الهيلالي وخالد الرحموني وخالد البوقرعي وغيرهم.

بعد الملتقى الأول للشبيبة سنة 2001، بعشر سنوات، سيتجدد اللقاء بالأستاذ الخلفي سنة 2011 في مكتبه بمقر جريدة التجديد، حيث ناقشت معه إمكانية أن تتكلف الجريدة بطبع ونشر كتاب لي فأبدى موافقته، ثم كان آخر لقاء لي به بعد أن عين وزيراً للاتصال، حيث التقيته في ندوة القيم التي نظمتها بالاشتراك كل من مجلة البيان السعودية، والتي أنا أحد كتابها، وحركة التوحيد والإصلاح؛ وتلقيت دعوة للحضور رفقة هيئة تحرير جريدة السبيل الغراء، التي أنا أحد صحفييها وعضو هيئة تحريرها.

وقد ناقشت مع الوزير مصطفى الخلفي، على هامش الندوة، قضية اعتماد المراسلين بالنسبة لوسائل الإعلام الأجنبية، بعد أن تواصلَتْ معي قناة العصر الفضائية التي تبث من سويسرا، بخصوص الانضمام لطاقم مراسليها، وكنت قبيل اعتقالي أتهيأ لحضور تدريب بإحدى الدورات التي تنظمها قناة الجزيرة بقطر؛ ومراسلاتي مع قناة العصر بخصوص الاشتغال، وقناة الجزيرة بخصوص التدريب موجودة، لكن المخابرات اعترضت طريقي وأجهضت المحاولة، خاصة أن قناة العصر مختصة في الملفات والقضايا الحقوقية.

وكنت أنا الصحفي الوحيد الذي تناول قضية المعتقلين بموجب قانون الإرهاب، ومعاناة عائلاتهم من زاوية مختلفة وبمقاربة إنسانية وواقعية تنقل الرأي المغيب والمطمور بعيداً عن إرهاب الرواية الرسمية والإعلام المقتات على فضلاتها، وتناولت رفقة طاقم جريدة السبيل قضايا الهوية والقيم، بل تكاد تكون هذه الجريدة الصوت الوحيد والمنبر الوحيد الذي يتصدى لكل محاولات المساس بالهوية والقيم، وكان انضمامي إليها عنصر ثراء للطرفين، أفدت واستفدت، فكانت هذه العلاقات والاتصالات والمواقف والتحركات، التي تعتبرها المخابرات مشبوهة، كافية عندها لأن تترصدني وتقف في طريقي وتتحين الفرصة للانقضاض علي.

إن احتكاكي الكبير والعميق بملف المعتقلين في إطار قانون الإرهاب ومعاناة عائلاتهم، واشتغالي عليه إعلاميا وأيضا على قضايا الهوية والقيم، دفعني لأن أتناول هذه الملفات والقضايا من زاوية حقوقية وبدأت بسبر أغوار هذا المحيط المدلهم، الذي كان كالحمأ المسنون، لون أسود ورائحة منتنة، فرحت أجري على غير هدى أخبط خبط عشواء، كان همي أن أقدم شيئا لهؤلاء المنسيين والمقبورين بالحياة وأنا أكتشف يوما بعد يوم خلال زيارتي وتنقلاتي حجم الجريمة والمؤامرة على هذا الشعب، فكانت تحركاتي الحقوقية في البداية فردية عشوائية، ثم كانت لي علاقة بمنتدى الكرامة الذي كنتَ رئيسا له، وأيضا بالجمعية المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان وبجمعية الكرامة بسويسرا.

بعدها بدأ نشاطي الحقوقي ينضج ويتسم بنوع من التنظيم والاحترافية والفعالية. وقد بدأت هذه المرحلة بإعداد عريضة من أجل إطلاق سراح معتقلي الرأي وإطلاق سراح الصحفي رشيد نيني وعودة المنفيين والهاربين وعلى رأسهم عبد الكريم مطيع.

وقد اتصلت بك قبيل تسلمك مهام الوزارة، وعرضت عليك الفكرة فاستجبت مشكورا، ووقعت على العريضة التي وقع عليها عدد كبير من السياسيين والحقوقيين والإعلاميين والمفكرين المغاربة، إسلاميين وعلمانيين ويساريين، ومن اليهود أذكر الحقوقي سيون أسيدون، وعدد من الشخصيات من كافة الوطن العربي، وشخصيات حقوقية غربية على رأسها البلجيكي لوك فيرفات والقاضي الإيطالي نيكولا والصحفيتان البريطانيتان إيفون ريدلي ولورين بوث وغيرهم. ولم يمتنع عن التوقيع سوى محمد الفيزازي ومصطفى المعتصم والأستاذ عبد الإله بنكيران، الذي زرته في مكتبه قبيل استوزاره، وناقشت معه الفكرة وأطلعته على العريضة، فكان مما تحفظ عليه موضوع عودة مطيع، وطلب تعديل الديباجة، التي تضمنت ذلك فرفضتُ معتذرا.

وقد سلمت نسخة من هذه العريضة للأستاذ راشد الغنوشي، عله يتدخل لدى من يهمهم الأمر، كان ذلك خلال زيارتي لتونس سنة 2012، حيث شاركت بموضوع عن المعتقلين الإسلاميين في مؤتمر احتضنته العاصمة التونسية، وأدليت بعدة تصريحات في الموضوع لعدد من المنابر والقنوات الإعلامية، منها قناة العالم وقناة المنار وإحدى الإذاعات التركية ومواقع إلكترونية، وربما أذاعت محاضرتي قناة العصر.

السيد الوزير: لقد كنت أتابع مواقفك عن حرية التعبير وعن قضية الاعتقال السياسي وقضايا الفساد عموما، وقبل استوزارك، ويكاد يجمع المغاربة أنك أتيت محمولا لكرسي الوزارة على صهوة شعار محاربة الفساد، كما هو الشأن بالنسبة لحزبك. لكنني بعد ذلك أصبح يتملكني العجب وتأخذني الحيرة كل مأخذ وأنا أتابع مرافعاتك للدفاع عن الفساد وتجميل وجهه القبيح، فلا أجد لذلك تفسيرا سوى أن الكرسي هو الذي يتكلم وليس أنت، وأن الفساد هو الذي يحكم فعليا، خاصة حين تتحدث عن نزاهة واستقلال القضاء، فأتساءل هل وزير العدل وغيره من محاميي الفساد يتحدثون عن بلادنا أم عن بلاد أخرى؟ وللأسف عوض أن تغيروا الفساد، يبدو أن الفساد هو الذي غيركم.

السيد الوزير: إني أذكرك في هذه الرسالة بالله وأخوفك به وأحملك كامل المسؤولية أمام الله ثم أمام الناس والتاريخ، وعذري لك أنك ربما لم تطلع على قضيتي ومثيلاتها من المظالم، أبطالها ضحايا قضائك النزيه جدا، وهو العذر الذي لن يبقى قائما بعد هذه الرسالة لك ولغيرك من المسؤولين ورجال القانون والحقوقيين والصحفيين، والتي أبسط من خلالها قضيتي كضحية وشاهد على فساد المنظومة القانونية والحقوقية، فساد كثير من القائمين عليها. أطرح قضيتي وليس لدي ما أخسره حتى وإن بقيت في السجن ما شاء الله لي أن أبقى، لأنها استمرار للمعركة التي كنت أخوضها خارج السجن وثباتا على مبدأي وقناعاتي التي اعتقلت بسببها، ووثيقة وشهادة ستبقى للأجيال القادمة لتقيم هذه المرحلة وهذا العهد، ووصمة عار تشوه الوجه الذي تسعون جاهدين لتجميله، وطلاء أسود فوق تلك النقوش والزخارف المزورة والكاذبة التي يجهد شهود الزور أنفسهم لرسمها، وصرخة أوجهها للرأي العام، أبتغي من خلالها لفت الانتباه لقضيتي من أجل متابعتها وتقييمها على ضوء الخطابات الرسمية، واستخلاص العبر واستنتاج الخلاصات.

السيد الوزير: تحت عنوان القضاء النزيه والمستقل وخلو السجون من معتقلي الرأي، والتي أصبحت شعاراتك المفضلة، اسمح لي أن أخرق هذا الإجماع السكوتي، وأن أكدر عليك صفو ارتياحك واطمئنانك، وأن أنغص عليك نشوة إنجازاتك وفتوحاتك، بعرض مجموعة من الحقائق التي يسهل التأكد منها، حقائق وليس ادعاءات من مثل التي يرددها القضاء الفاسد والمدافعون عنه طوعا أو كرها.

بتاريخ 10 ماي المنصرم قصدت الأراضي التركية من أجل إنجاز بحث عن اللاجئين السوريين بالأراضي التركية، لكن السلطات التركية منعتني من دخول أراضيها دون أن تبرر لي ذلك، وأنجزت محضرا بالأغراض التي كنت أحملها والمكونة من: حاسوب محمول (macintosh)، وآلة تصوير، وكاميرا رقمية، وآلة تسجيل، وشرائح ومفاتيح ذاكرة، وأقلام ودفاتر وساعة يدوية، وسبحة، وهاتف؛ وبمجرد إنجاز المحضر تم تسليمي تذكرة العودة التي كانت وسط ظرف موضوع على المكتب منذ أن دخلت ذلك المكتب الخاص بسلطات المطار، مما رجح عندي أن منعي من دخول الأراضي التركية كان بإيعاز من المخابرات المغربية التي مارست علي ضغوطا كبيرة من أجل الاشتغال معها. قضية المخابرات يصعب إثباتها لكن إرجاعي من مطار اسطنبول على متن نفس الطائرة وفي نفس اليوم يمكن التأكد منه، ورغم ذلك فقد قلت أمام قضائكم أن هواتف من اتصلوا بي من المخابرات بحوزتي إن كان هناك جهاز أو سلطة تستطيع تحديد هويتهم وإحضارهم قصد المساءلة والمواجهة. لكن أين هو هذا الجهاز وهذه السلطة وهي الخصم والحكم؟

بعد إرجاعي من مطار صبيحة بإسطنبول وبعد وصولي إلى مطار محمد الخامس تم نقلي في سيارة شرطة إلى المعاريف، هناك حققت معي الشرطة لمدة ساعة من الزمن ثم تم إخلاء سبيلي، لأفاجأ باستدعائي مجددا يوم 16 ماي، ثم احتجازي واعتقالي نهائيا، ولهذا التاريخ دلالات ووظائف وأغراض ومآرب لدى المعنيين بالأمر القائمين على الشأن، وقد لاحظت أن كثيرا من الخلايا يتم تفكيكها وكثيرا من الملفات والقضايا يتم عرضها على التحقيق أو على المحاكمة، وكثير من الأشخاص يتم اعتقالهم بهذا التاريخ لتذكير المغاربة أن هناك من يتربص بهم وبأمنهم، وبأن هناك من له شرف وفضل حماية حمى الدين والوطن والمواطن، وأن على الكل أن يحمد الله على هذه النعمة ويصبر على كل التجاوزات في سبيلها.

التحقيق انصب على كتاباتي ومواقفي وآرائي وعلاقاتي، الأمر الغريب الذي تمت إثارته معي هو محاولة سفر قديمة إلى أفغانستان منذ خمس سنوات، وهي المحاولة التي كانت لأجل الاطلاع على أوضاع الحرب وإعداد تقارير إعلامية، لكنها لم تتم. أحسست أن إثارة موضوع قديم كهذا وإقحامه في الملف هو محاولة للإيقاع بي بأي وسيلة وتحت أي مبرر، بقيت عند الشرطة اثني عشر يوما رغم انتهاء التحقيقات في الأربعة أيام الأولى، ولم تكن في حاجة لأي تمديد لكنها عقلية الانتقام.

تمت إحالتي للوكيل الذي قال إن قضيتي أكبر منه، بعده إلى قاضي التحقيق الذي استقبلني بحفاوة وقال أنه يعرفني جيدا وطمأنني أن قضيتي ليس فيها بتاتا ما يدعو للقلق، ولكثرة حفاوته بي تفاءلت حتى اعتقدت أنه سيطلق سراحي ولو مؤقتا، لعدة أسباب أولها أني لم أضبط متلبسا بأي جريمة، وأنه ليس لي أي سوابق ولي من الضمانات المادية والمعنوية ما يكفي، لكن مفاجأتي كانت كبيرة بعد رفض طلب السراح المؤقت، ثم كانت أكبر بعد أن أطلعني المحامي على المحاضر التي اكتشفت أنها مزورة، وتم إقحام فقرات بكاملها وهي الفقرات التي تفضح وتدين من أقحمها وزورها، وأبدأها بتهمة محاولة الدخول للأراضي السورية قصد الالتحاق بالمعارضة المسلحة، وأن السلطات التركية اعتقلتني على أرضيها بعد محاولة الدخول تلك. وردي على ذلك الهراء كالتالي:

أولا: أن السلطات التركية منعتني من دخول أراضيها ولم تعتقلني على الحدود السورية كما جاء في المحاضر المزورة، وجواز سفري يشهد على ذلك حيث أنه مختوم بختم سلطات مطار محمد الخامس: الخروج يوم 10 ماي، وهو جواز بيومتري جديد ليس به غير هذين الختمين للسلطات المغربية، ولم أقضِ في تلك الرحلة خارج الأراضي المغربية سوى حوالي عشر ساعات، وهو الزمن الذي قطعته الطائرة ذهابا وإيابا بالإضافة لأقل من نصف ساعة بمطار صبيحة باسطنبول.

ثانيا: صرحت ولازلت أصرح أن المعاملة أثناء التحقيق كانت جيدة، فما الذي سيدفعني لهكذا اعترافات خطيرة وأنا لم أتعرض لأي ضغط أو إكراه لدرجة الاعتراف بالتنظيم المسلح الذي كنت سألتحق به كما ورد في المحاضر؟ فحتى لو كان الأمر صحيحا ما كنت لأعترف بهذه التفاصيل.

لاشك أن من أقحم هذه الفقرة مدعيا أني اعترفت بها هو من الغباء بحيث أنه لم ينتبه لهذه الورطة، ومع ذلك أقول ليت المعاملة كانت سيئة والقضاء كان جيدا، فأن يبقى التعذيب والتنكيل بوجود قضاء نزيه ومستقل أفضل ألف مرة أن ينتهي ويولي بوجود قضاء متآمر طالما أننا لسنا محظوظين كباقي الشعوب، وطالما أن الخيارات التي أمامنا هي بين الأسود والأكثر سوادا، والسيئ والأكثر سوء، والعلقم والحنظل، والعمى والعمش، والعي والخرس.

ثالثا: لو كانت نيتي الالتحاق بجماعة مقاتلة، وأنا لست في حاجة لذلك لأني قررت واقتنعت بمحاربة الفساد في هذه البلاد بقلمي ولساني بكل وضوح وشفافية وعلنية متحملا ما سيصيبني جراء ذلك ولست الذي يترك بلاده للفساد والمفسدين، ولو كان الأمر عكس ذلك لصفقت الأجهزة والجهات المتربصة بي، ولشجعت ذلك وباركته، أما وأن رياحي تجري بعكس ما تشتهيه سفنها فإنها تعض أناملها من الغيظ وتنتقم مني لإصراري على البقاء، لذلك تمنيت كما أني واضح في طرحي لماذا لا تكون السلطات واضحة مع الشعب وتخبره بالسبب الحقيقي لاعتقالي؟ هل يخشى جهاز بقضه وقضيضه ورجاله وحديده وخيله ورجله أن يصرح بهذه الحقيقة البسيطة؟ إنه لو فعل ذلك لما اعترضت واحتججت، لأن تهمتي ستكون واضحة وثابتة ولا سبيل لإنكارها، عوض هذه المسرحية الهزيلة السخيفة؛ قلت لو كانت النية الالتحاق بجماعة مقاتلة لانتظرت دعوة من الدعوات التي تأتيني باستمرار لزيارة عدد من الدول، كان آخرها دعوة من جريدة فاسانيا الليبية، وليبيا أفضل مكان يقصده من كان هذا هدفه وفي زيارتي لتونس كان بإمكاني التسلل إلى ليبيا خاصة أني التقيت بعدد من الثوار هناك، ثم كنت أنتظر قبل اعتقالي دعوة لحضور مؤتمر لأحزاب الأمة بتركيا.

رابعا: بغض النظر عن كل ما ذكرنا هل يوجد قانون يمنع أو يعاقب مجرد النية في السفر إلى مكان ما؟ طيب هل هناك قانون يمنع السفر إلى سوريا؟ بل دعني أمشي أبعد من ذلك هل هناك قانون يمنع زيارة جماعة مسلحة ما، الالتقاء بقادتها وزيارة معسكراتها؟ إنه من المسلمات والبديهيات عند رجال القانون، بل عند كافة البشر في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية أن لا جريمة إلا بنص ولا عقوبة أيضا، فما بال قانون الغاب هذا الذي أقمتم وشرعتم لنا؟ غريب أمر عدالتكم البئيسة وقوانينكم المفصلة على المقاس، ألست مواطنا له نفس حقوق التفكير والتعبير والشغل والتنقل؟

سأجيب بدلا عنك: لا لست ذلك المواطن ولا أحس بأي فضل لهذه الدولة علي، لقد كافحت وكونت نفسي بنفسي، ولا تنتصب هذه السلطة أمامي إلا لمطاردتي ومعاقبتي بدون جريرة، إلا لكتم أنفاسي وإرهابي، هذا هو الدور الوحيد لمؤسساتكم وسلطاتكم وقضائكم، هكذا هي أجهزة الدولة، لا تحس بها إلا جلادا يلهب ظهرك أو لصا ينهب جيبك.

إن هذه السلطات تتابعني بتهمة اقتراف جريمة إرهابية، وهي الجريمة غير المحددة بتاتا وغير الموجودة أصلا حيث لا وجود لا لركنها القانوني ولا لركنها المادي ولا لركنها المعنوي.

السيد الوزير: إني أتحدى قضاءك النزيه الذي قال كلمته الفصل في قضيتي وأدانني بثلاث سنوات سجنا ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا، أتحداه بما يلي:

أولا: أن يحدد تهمة واضحة ومحددة يوجهها لي عوض الكلام الإنشائي والتخمينات والتخرصات.

ثانيا: أن يدلي بما يثبت ادعاءه.

ثالثا: أن ينشر كل ما يدينني من دلائل وحجج وبراهين ووثائق وشهود أمام الرأي العام، وأن لا يتوانى أو يتورع في فضحي والتشهير بي.

رابعا: إن كانت تهمتي هي محاولة الذهاب إلى سوريا، ورغم أنها ليست تهمة فإني أدليت بما يثبت براءتي من ذلك، وأني لم أتمكن حتى من دخول تركيا.

خامسا: إن كان يتهمني بمحاولة الذهاب إلى أفغانستان، ورغم أن محاولة الذهاب أو حتى الذهاب نفسه ليست جريمة.

فردي كالتالي: أن ذلك لم يتم، إنه مرت عليه خمس سنوات وجواز سفري القديم يثبت ذلك أن السلطات على علم بالأمر منذ ذلك التاريخ، فلماذا لم تحرك المسطرة في ذلك التاريخ أني لم أكن الوحيد الذي حاول تلك المحاولة، بل كنا مجموعة من الأصدقاء والسلطات كانت على علم بهم أيضا، وأسماؤهم مذكورة في المحاضر وسئلت عنهم في كل مراحل التحقيق وسألني عنهم قضاؤك النزيه، فأتساءل باستغراب من هذا القضاء المثير للشفقة الذي ليس له من الأمر شيئا، هل محاولة السفر تلك تهمة في حقي، وفي حق غيري ليست تهمة؟ أي معايير وموازين مقرفة هذه وأي عدالة مضحكة وأي نزاهة واستقلالية مزعومة؟ أحكي هذه القصة وأذكر هذه الحقائق ليس بقصد توريط أولئك الأصدقاء الآمنين في بيوتهم المطمئنين مع أبنائهم ولكن من أجل مقصدين:

الأول: من أجل التأمل في هذه الشعارات ووضع قضيتي في إطارها الصحيح الذي هو الانتقام والتصفية.

الثاني: حتى لا يمر علينا وقت طويل أو قصير ويتم التقاط أولئك الأصدقاء الآمنين المطمئنين من أحضان أبنائهم في اليوم السادس عشر في أحد أشهر ماي المقبلة، والزج بهم في سجون دولة الحق والقانون والقضاء النزيه.

السيد الوزير: لقد عرضت كل هذه الحجج وكررت هذه المرافعة كل مرة أمثل فيها أمام القضاء، لكنني كل مرة كنت أجد نفسي أمام قضاء أصم لا يسمع أبكم لا يتكلم، فأحس أني أضيع وقتي ووقت القضاة لأن قضيتي محسومة ومطبوخة وحكمها جاهز.

إن الكثير من القضايا خاصة المتعلقة بملف الإرهاب لو أعيد فتح تحقيق نزيه فيها لانكشفت حقيقة هذه الكذبة الكبرى وهذه الشعارات البراقة عن حقوق الإنسان والقضاء النزيه والمستقل.

السيد الوزير: بناء على هذه المعطيات وما تضمنته من ملابسات قضيتي، ألتمس منكم القيام بزيارتي في السجن، حتى أطلعكم على مزيد من خفايا قضيتي.

أختم برسالة للزملاء الصحفيين المناضلين والنزهاء، انطلاقا من الحق في الوصول إلى المعلومة أرجو أن يتطوع صحفي نبيل للمطالبة بالمحاضر والأدلة التي تدينني وتورطني، وينشرها للرأي العام الذي من حقه أن يعرف حقيقة هذا المجرم المتستر الذي كان يخدعه.

أما بعض الصحفيين المتآمرين من الذين نصبوا لي المشانق وكان بإمكاني أن أتابعهم قضائيا بتهمة القذف والتشهير والكذب، لكن منعني من ذلك أمران:

الأول: أني لا أومن بنزاهة هذا القضاء الفاسد ولا أتحاكم إلى قوانينه.

الثاني: أني لا أتصور نفسي خصما لأي زميل صحفي مهما ظلمني وجار علي، تأبى علي ذلك أخلاقي وهذه المهنة النبيلة والشريفة التي حولها البعض من هؤلاء إلى ماخور، وجعل من قلمه عاهرة تبيت كل ليلة في فراش من يدفع أكثر.

ختاما أطالب بإعادة التحقيق في قضيتي تداركا لما فات وإنقاذا لما يمكن إنقاذه، ليس من أجلي بل من أجل صورة قضائكم النزيه ومؤسستكم المحترمة لحقوق الإنسان، والله المستعان.

الصحفي مصطفى محمد الحسناوي

المعتقل بالسجن المركزي بالقنيطرة

رقم الاعتقال 28784

حي جيم رقم الزنزانة 24 

بتاريخ 10 دجنبر 2013″.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M