أمريكا المصالح لا أمريكا القيم

07 أغسطس 2013 15:40

عايض بن علي الشهراني-مركز التأصيل للدراسات والبحوث

هوية بريس – الأربعاء 07 غشت 2013م

عندما برز نجم أوباما حسين في الانتخابات الأمريكية هلّل له العالم وهو يعزف سيمفونية التغيير ويتغنى بالحلم الأمريكي الذي يرى فيه “خلاص للعالم”. فقد أصبح حديث الناس وشاشات التلفزة ومنتديات التواصل الاجتماعي ذلك الفتى الأسمر الطويل، فصيح اللسان، ذو الجذور الأفريقية، صاحب التاريخ الذي يكتنفه كثير من الأسرار والغموض كونه ينحدر من أسرتين مجهولتين: الأولى سوداء مسلمة من أدغال أفريقيا والثانية لا يعرف عنها إلا كونها مسيحية بيضاء من كنساس في الجنوب الأمريكي. اسم عربي يتلألأ وضوحًا وأب مسلم إفريقي شديد السواد غريب الأطوار، وأم أمريكية نصرانية تتزوج فقط من المسلمين، والنتيجة لهذا التزاوج ولد نصراني اسمه (أوباما) وأخت اندونيسية مسلمة اسمها (مايا).

قصة خيالية هوليودية بامتياز، أنحبكت خيوطها بين مدن مثل كيسومو في السنغال، عبورا بكنساس في الوسط الأمريكي وجزر هاواي الساحرة وشيكاغوا الصاخبة في أمريكا وذكريات طفولة مجهولة في العاصمة الاندونيسية جاكرتا، عوز وترحال، تعثر ومخدرات في سنّ المراهقة ثم بحث عن هوية تلحظها بوضوح في كتابيه: جرأة الأمل و أحلام من أبي.

ثم فجأة يعود الصبي اليافع إلى هونولولوفي جزر هاواي وحيدًا بدون والدته ليشرف على تربيته أجداده من الأم (أسرة دونهام) وفجأة أخرى تتغير الأحوال، ويتخرج الرجل من جامعتين مشهورتين (كولومبيا وهارفارد)، في المحاماة والعلاقات الدولية. ثم انخراط في العمل التطوعي في شيكاغو ثم في صفوف الحزب الديمقراطي ثم صراع مرير بينه وبين هيلاري كلينتون على ترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية.. فانتصار ساحق ينتهي بتتويج الرجل رئيسًا للولاية المتحدة الأمريكية لفترتين متعاقبتين. زد على ذلك فوزه بجائزة نوبل للسلام بعيد أشهر قليلة فقط من توليه الرئاسة في فترته الأولى نظير جهوده في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب”.أو هكذا كـانت مبررات من منحـوه الجـائزة ؟!! يا الهي؟!! كم من التناقضات يزخر بها هذا العالم؟!!

الأمريكيون ينتخبون رئيسًا لهم أسود من أصل أفريقي، حلم السود في أمريكا بدأ يتحقق، أو هكذا أريد أن يقال؟!!

ذلك الحلم الذي خرج من رحم الضنك والمعاناة والتفرقة العنصرية البغيضة التي بلغت ذروتها في الستينات من القرن المنصرم (العام الذي ولد فيه أوباما!!)، العام الذي فيه أو قبيلة بسنوات قليلة كانت ترفع اللافتات التي تجّرم دخول السود الأماكن العامة أو ركوب الحافلات مع البيض.. ناهيك عن الاختلاط في المدارس أو دور العبادة.. وربما كتب على تلك اللافتات عبارة “ممنوع دخول السود والكلاب”. حلم كان له في أمريكا ثمنًا باهظًا من القتل والاغتيالات لمواطنين أمريكيين سود وخصوصًا الناشطين منهم في مجال حقوق الإنسان مثل: مالكوم إكس ومارتن لوثر كنج وغيرهم كثر. ولعلّ

تبرئة جورج زيمرمان الحارس المتطوع الذي قتل فتى أسود في فلوريدا سنة 2012، في ختام محاكمة أثارت جدلاً مجددًا حول العنصرية في الولايات المتحدة.. لأحد الدلائل الكثيرة على العنصرية التي لا زالت تعيشها أمريكا.. بالرغم من كونها لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتتحدث فيها عن الديمقراطية والحقوق العامة والمساواة.

أقول: مصلحة أمريكا بالدرجة الأولى لا قيمها، صنعت من فوز أوباما (منتجًا ثمينًا) للملمة جراحها وتجميل وجهها القبيح التي تخنقه ويلات الأزمات العسكرية والاقتصادية والأخلاقية من جراء سياستها الرعناء في إدارة الأزمات على مرّ التاريخ، خصوصًا وأنّ قيمها التي ما فتأت تتشدق بها قد لامست الحضيض في تصرفات قادتها وجنودها قبيل وأثناء وبعد غزو العراق وأفغانستان، وما حوادث جنودها من انتهاك صارخ للأعراض في سجن بو غريب وتدنيس للمصاحف في أفغانستان وقبل ذلك غزو البلدين وقتل وجرح وتشريد للملايين تحت مبررات كاذبة إلا دليلاً واضحًا لقيم أمريكا التي تحرص بسخاء أن تصدرها لنا في العالمين العربي والإسلامي.. ولنا فقط؟!!

فمن منا لا يتذكر خطابات أوباما الرنانة طيلة معسكره الانتخابي وبالتحديد “خطاب النصر” الذي وجهه لأنصاره وللعالم من مدينة شيكاغو بولاية إلينوي؟ وتحدث فيه عن أمريكا القيم، أمريكا الديمقراطية، أمريكا الحرية، لا أمريكا الترسانة النووية والبوارج وعابرات القارات وقال: “إن أممًا تقاتل لتصبح مثل أمريكا”؟. من منا لا يتذكر خطاب أوباما الذي ألقاه في جامعة القاهرة في مصر ودغدغ فيه مشاعر وأحاسيس الأمتين العربية والإسلامية بكلمات منمقة واستدلال أجوف لمحامد الإسلام والمسلمين؟.هكذا أريد من الرجل أن يعزف على وتيرة هذه الخصال الحميدة ليستميل قلوب المقهورين والمحبطين خصوصًا في عالمينا: العربي والإسلامي. وبفضل هذا العزف حقق الرجل لنفسه شعبية جارفة جعلتنا نصفق له بحرارة ونستقبله استقبال الفاتحين.

الكل يعرف ماذا استفادت أمريكا من انتخابها لأوباما؟ تلميع واضح لصورة أمريكا وتجهيل صارخ لعقول العرب والمسلمين بأن أمريكا هي حامية الديمقراطية والحرية ومرسية دعائم العدل والمساواة في العالم.

أما الواقع الذي لا تخطئه العين، فهو أن أمريكا لا يهمها أي شيء على الإطلاق إلا مصالحها.. فهي ترسانة للسلاح منذ الحرب العالمية الأولى وعدم وجود حروب شرسة تخوضها أمريكا يعني بكل تأكيد نهايتها وتقويض لنفوذها وغطرستها. فأمريكا (النظام السياسي) الذي يفتخر بعدالتها وديمقراطيتها الرئيس أوباما هي التي غزت الكثير من الشعوب ومحتها عن الوجود تحت مبررات كاذبة كما فعلت في العراق وأفغانستان؟!!.

أمريكا فقط هي التي تصدر الأحكام من السماء بدون قضاة أو محاكمة على مدار الساعة إلى طائراتها بدون طيار لتقتل الأبرياء في عالمنا العربي والإسلامي تحت مسمى “محاربة الإرهاب” بأسلوب فج فيه انتهاك صارخ لكرامة واستقلالية تلك الشعوب؟!!

أمريكا تتفرج اليوم على قتل الشعب السوري بدم بارد.. أكثر من مائة ألف قتيل وملايين المصابين والمشردين لم يحرك عند أمريكا ساكنًا؟.. فأين العدالة التي يتشدق بها الساسة الأمريكيون؟ بل إن تآمر أمريكا وحلفائها الأوربيين هو الأكثر وضوحًا في الشأن السوري. وإذا أردت أن تضيف الوضع المصري وموقف أمريكا من انقلاب العسكر على الديمقراطية وخطف الجنرالات للرئيس المصري المنتخب وتغييبه وقتلهم للشعب المصري.. فهو أمر مريب لا يمكن السكوت عليه من أمريكا .. اللهم إذا كان الأمر فقط يتعلق بالعرب والمسلمين. أمريكا اختطفت منذ أكثر من عشر سنوات المئات من المسلمين وأرسلتهم إلى معتقل جوانتانامودون أن توجه لهم أي تهمة حتى الآن.. وهي التي تدعي في قوانينها أن المتهم بريء حتى يتم إدانته.

أمريكا لا تقيم وزنًا للحرية والديمقراطية والعدل وإن أوهمت الشعوب بذلك. إنما الأهم عندها أولاً وأخيرًا هو مصالحها بالدرجة الأولى لا قيمها التي تتشدق بها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M