للزوبعة التي أثارها إدريس لشكر حل نقترحه؟

09 يناير 2014 01:14
للزوبعة التي أثارها إدريس لشكر حل نقترحه؟

للزوبعة التي أثارها إدريس لشكر حل نقترحه؟

د. محمد وراضي

الخميس 09 يناير 2014م

إن زوبعة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي المغربي، تكرار لما عرفه التاريخ من مواجهة بين العقل والنقل، إلى حد يبدو عنده لممثليهما في الوقت الراهن، كيف أن إحداث تقارب بينهما متعذر. ولنا هنا مثال حتى للتوافق الذي حصل بينهما في “المدونة الكبرى”. وكما حصل بينهما في الأشعرية حيث الجمع بين الفكر الاعتزالي والفكر السني!

فإن كانت المدينة المنورة دارا للسنة. وكان العراق دارا للرأي. فإن التزاوج حاصل تاريخيا بين الفقه المالكي وبين الفقه الحنفي عن طريق الإمام الشهيد أسد بن الفرات. هذا الفقيه الذي تتلمذ لمالك بن أنس ثم ناقش وناظر صاحبي أبي حنيفة وهما كل من أبي يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن الشيباني. فإن ما جمعه من فقه المدنيين ومن فقه العراقيين، أثبته في كتاب عرف لاحقا باسم الأسدية. هذه التي تلقاها عنه الإمام سحنون، فقام بتنقيحها وبمراجعتها وأطلق عليها اسم “المدونة”. فكان أن كونت مع “الموطأ” مصدرين مشهورين للمذهب المالكي، وهو الذي يدعي المغاربة حتى الآن -وهذا كذب- بأنه مذهبهم الفقهي. سواء أنكره أو أنكر بعضه إدريس لشكر أو لم ينكره. فإن المهم عندي هو أن الفقه العراقي القائم أساسا على القياس، تم دعمه بالصحيح من السنن النبوية على يد كل من أسد بن الفرات والإمام سحنون، دون استبعاد حضور العقل في المدونة أو في غيرها من الكتب الفقهية. أي إن التوافق بين رأيين أو بين اجتهادين قد حصل، فلم لا يتم بين محتوى المدونة بخصوص الزواج والإرث وضوابطه وبين آراء العلمانيين التي جسدتها تصريحات من تضايق من السماح بتعدد الزوجات، وغياب المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث؟ أو لا يمكن الانتهاء إلى ما انتهى إليه الحال بين مدرسة الأثر ومدرسة الرأي كقدوة، اتخاذها عبرة تفيد كافة الأطراف؟

من جهة أخرى هناك نهاية تاريخية عادلة للصراع المحتدم بشراسة بين المعتزلة وأهل السنة والجماعة -ولكل عصر معتزلته- فقد كان المأمون العباسي معتزليا بامتياز! متسلحا بالسلطة كأمير للمؤمنين، وكخليفة للمسلمين! فأملت عليه نفسه -والمعتزلة ندماؤه وجلساؤه- أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن! غير أن المخاطبين بدعوته، رفضوا ما دعاهم إليه. فلم يكن منه غير إصدار مرسوم عام 218هـ. هذا المرسوم المشؤوم يقضي بفرض الفكر الاعتزالي على المسلمين بعيدا عن إدخال رأي الأمة وكبار علمائها في الاعتبار! كما فرضت العلمانية على الشعوب العربية والإسلامية بعيدا عن أي استشارة شعبية! ومن رفض من العلماء والفقهاء والمحدثين والقراء والمؤذنين القبول به، تعرض لعقوبات أقصاها الإعدام. كأن الرافضين ارتكبوا جرما أشبه ما يكون بالقتل العمد. فقتل من قتل، وعذب من عذب، واختفى من اختفى! ولم يصمد أمام الطاغوت العباسي سوى الإمام أحمد بن حنبل الذي قاوم الاعتراف بما أجبر على الاعتراف به! وقصته المأساوية يحملها كتاب “مناقب الإمام أحمد بن حنبل” لأبي الفرج عبد الرحمان بن الجوزي!

فكان لا بد من وضع حد للعمل بمرسوم 218هـ. أي كان لا بد من وضع حد للطغيان المستند إلى فلسفة جماعة تدعي كيف أنه ليس بمقدور غيرها أن يفهم التوحيد والعدل الإلهي كما تفهمه. وربما يهدأ بال الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إن هو اطلع على ما سوف نسوقه الآن. وقد يهدأ بال من يوالونه، خاصة متى اتضح لهم الحق من خلال منطق يبتهج العلمانيون وهم يرددون بأن الإسلاميين أبعد ما يكونون عن اعتماده إن كانوا بالفعل يفكرون! وبما أنهم نصيون حرفيون مقلدون، فلا عقل عندهم ولا منطق ولا تحليل ولا تركيب!

ذكر صالح بن علي الهاشمي قال: “حضرت يوما من الأيام جلوس المهتدي للمظالم. فرأيت من سهولة الوصول ونفوذ الكتب عنه إلى النواحي فيما يتظلم به إليه ما استحسنته. فأقبلت أرمقه ببصري إذا نظر في القصص. فإذا رفع طرفه إلي أطرقت، فكأنما علم ما في نفسي. فقال لي: يا صالح، أحسب في نفسك شيئا نحب أن تذكره. -قال- فقلت: نعم يا أمير المؤمنين. فأمسك. فلما فرغ من جلوسه أمر أن لا أبرح، ونهض. فجلست جلوسا طويلا، فقمت إليه وهو على حصير الصلاة فقال لي: يا صالح. أتحدثني بما في نفسك؟ أم أحدثك؟ فقلت: بل هو من أمير المؤمنين أحسن.

فقال: كأني بك وقد استحسنت من مجلسنا. فقلت: أي (= يا) خليفة خليفتنا! إن لم يكن يقول بقول أبيه في القول بخلق القرآن. فقال: قد كنت على ذلك برهة من الدهر. حتى أقدم على الواثق شيخ من أهل الفقه والحديث من “أذنة” من الثغر الشامي، مقيدا طوالا. حسن الشيبة، فسلم غير هائب، ودعا فأوجز، فرأيت الحياء منه في حماليق عيني الواثق والرحمة عليه.

فقال: يا شيخ أجب أبا عبد الله أحمد بن أبي دؤاد عما يسألك عنه. فقال: يا أمير المؤمنين أحمد يصغر ويضعف ويقل عند المناظرة. فرأيت الواثق وقد صار مكان الرحمة غضبا عليه. فقال: أبو عبد الله يصغر ويضعف ويقل عند مناظرتك؟ فقال: هون عليك يا أمير المؤمنين. أتأذن لي في كلامه؟ فقال له الواثق: قد أذنت لك.

فأقبل الشيخ على أحمد فقال: يا أحمد، إلى م دعوت الناس؟ فقال أحمد: إلى القول بخلق القرآن. فقال له الشيخ: مقالتك هذه التي دعوت الناس إليها، أداخلة في الدين، فلا يكون الدين تاما إلا بالقول بها؟ قال: نعم. قال الشيخ: فرسول الله ص دعا الناس إليها أم تركهم؟ قال: لا. قال له: يعلمها أم لم يعلمها؟ قال: علمها. قال: فلم دعوت الناس إلى ما لم يدعهم رسول الله ص إليه وتركهم منه؟ فأمسك (لم يجب). فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه واحدة.

ثم قال له: أخبرني يا أحمد، قال الله تعالى في كتابه العزيز: “اليوم أكملت لكم دينكم” الآية. فقلت أنت: الدين لا يكون تاما إلا بمقالتك بخلق القرآن. فالله تعالى عز وجل صدق في تمامه وكماله أم أنت في نقصانك؟ فأمسك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين وهذه ثانية!

ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد. قال الله عز وجل: “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته“. فمقالتك هذه التي دعوت الناس إليها فيما بلغه رسول الله ص إلى الأمة أم لا؟ فأمسك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين هذه ثالثة.

ثم قال بعد ساعة: أخبرني يا أحمد لما علم رسول الله ص مقالتك هذه التي دعوت الناس إليها، اتسع له أن يمسك عنهم أم لا؟

فقال أحمد: بل اتسع له ذلك. فقال الشيخ: وكذلك لأبي بكر؟ وكذلك لعمر؟ وكذلك لعثمان؟ وكذلك لعلي؟ رحمة الله عليهم. قال: نعم. فصرف وجهه إلى الواثق وقال: يا أمير المؤمنين! إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله ص ولأصحابه فلا وسع الله علينا. فقال الواثق: نعم! لا وسع الله علينا إذا لم يتسع لنا ما اتسع لرسول الله ص ولأصحابه. فلا وسع الله علينا! ثم قال الواثق: اقطعوا قيوده. فلما فكت جاذب عليها، فقال الواثق: دعوه. ثم قال: يا شيخ لم جاذبت عليها؟ قال: لأني عقدت في نيتي أن أجاذب عليها، فإذا أخذتها أوصيت أن تجعل بين يدي وكفني. ثم أقول: يا ربي، سل عبدك، لم قيدني ظلما وارتاع بي أهلي؟ فبكى الواثق والشيخ وكل من حضر. ثم قال له الواثق: يا شيخ، اجعلني في حل. فقال: يا أمير المؤمنين! ما خرجت من منزلي حتى جعلتك في حل إعظاما لرسول الله ص، ولقرابتك منه. فتهلل وجه الواثق وسر، ثم قال له: قم عندي آنس بك. فقال له: مكاني في ذلك الثغر أنفع. وأنا شيخ كبير ولي حاجة. قال: سل ما بدا لك. قال: يأذن لي أمير المؤمنين في رجوعي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم (أبو دؤاد القاضي). قال: قد أذنت لك. وأمر له بجائزة فلم يقبلها، فرجعت (يقول صالح بن علي الهاشمي) من ذلك الوقت عن تلك المقالة! واحسب أيضا أن الواثق رجع عنها”!!!

إنهما إذن حلان جاهزان أحلاهما مر! تناغم معهما الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، أو لم يتناغم. حل توافقي يقتضي منه الخروج المعجل من قلب الرحى حتى لا يفرم كما تفرم اللحوم والخضر والفواكه! إنه القبول بحكم الله في موضوعي تعدد الزواجات والإرث. وحكم الله فيهما إن تم رفضه من أي مسلم كان، هو استدراك منه مباشر على الله وعلى الرسول في الآن ذاته! وبعبارة أخرى تصحيح لأحكام الله التي يحملها خطابه الخالد إلى البشرية جمعاء! أحب من أحب وكره من كره! والتصحيح كما يعرف صغار التلاميذ (منهم أحفادي وربما أحفاده)، هو إصلاح أخطاء في نص مكتوب. والقرآن الكريم مصحف وكتاب وذكر ومتن. من استثقل نصا من نصوصه، بحيث إنه ضاق به لكون نفسه لم تنبسط له، انضاف لتوه إلى المخاطبين بقوله تعالى: “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض. فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون“؟؟؟

وليسرع المناضل الاشتراكي إذن إلى الاعتذار، لا إلى الشعب المغربي وحد، وإنما إلى المسلمين المخلصين لدينهم أنى وجدوا. إذ الزعم المفضوح بأن القرآن يجمع بين النوراني والظلماني لا يصدر عن مؤمن يحترم دينه! وإنما يصدر عمن يصفون نبي الله بممارسة الإرهاب! وعمن رسموا صورا كاريكاتورية لمن أخرج الملايين من الظلمات إلى النور! إنه منهم حقد دفين ضد الإسلام والمسلمين! عبروا عنه بوسائل مختلفة. فلزم المؤمنون القيام باحتجاجات لافتة ضد من يعتبر آيات من الذكر الحكيم ظلاميات، لا تنسجم والنظام الليبرالي العلماني! هذا النظام الذي لم يتم استفتاء الشعوب الإسلامية بخصوص قبوله أو رفضه؟ فقد فرضه الاستعمار، واستمرأه جلاوزته. فعاملوا المحكومين في ظله وبقوانينه معاملة الأسياد للعبيد! فضج هؤلاء وسوف يضجون وينتفضون أكثر من ذي قبل. والعبرة بالربيع العربي الذي أربك، ولا يزال يربك الحسابات العلماجية في الشرق والغرب. حيث شارك ويشارك الديكتاتوريون العرب بأموال شعوبهم المنهوبة لإيقاف امتداداته!

أما الحل الثاني المقترح الذي لا بد من فرضه على الزعيم التقدمي العلماني الهوية – بعد أن يكون قد رفض الاعتذار عن زلته للأمة الإسلامية – فيتضمنه مزيد من الاحتجاجات بوسائل حضارية من طرف المتضررين من تصريحاته اللامسؤولة، والتي هي أشبه بفحوى مرسوم عام 218ه! فقد أبطله وأبطل العمل به شيخ عالم، بمنطق يجمع بين الاستشهاد بالدين، وبين توظيف العقل المتنور حيث ينبغي توظيفه! مما يعني أن الشيخ كمدافع عن عقيدة المسلمين، بعد أن أوتي به مقيدا للاعتراف تحت القهر بأن القرآن مخلوق! أفحم القاضي الرسمي المكلف باستنطاق كل من يرفض الإذعان لمحتوى المرسوم الصادر عن مستبد غاشم! فاتضح لمن يصفون الإسلاميين بالظلاميين، كيف أن جهابذة العلمانيين في أي بلد مسلم، عاجزون عن فرض أطروحاتهم المعززة بقوة السلطان والغلبة! لكن أبواب الحوار – للأسف الشديد – مغلقة أمامهم دون حمل النقاشات الحادة بينهم وبين مختلف الفرقاء إلى آذان الشعب المقهور بالليبرالية الغازية الفاجرة المارقة!

ومما نستغرب له أن تمجد أحزابنا العلمانية في صورتها الليبرالية والاشتراكية. ثم تسيء إساءة قاسية إلى ما تمجده! أو ليست الحرية الفردية والاقتصادية والسياسية قوائم عليها ترسو الليبرالية؟ فلماذا إذن نسيء إلى الحرية الفردية، بقدر ما ندافع بجرأة عن الحرية السياسية؟ أو لم يقم بعض الرموز المنتصرين للفكر العلماني – الليبرالي الدنيا ولم يقعدوها؟ أو لم يخبرونا بأن المرأة حرة في جسدها؟ فلتختر شريكها ولتضاجع من تشاء وتتزوج بمن تشاء؟ وما يجري عليها يجري على الرجال حتى تتحقق المساواة كبند من بنود حقوق الإنسان؟ فلماذا إذن تبيح الفئة العلماجية المغالية للمرأة بيع جسدها لمن تشاء، ولا تبيح للرجل الزواج بعدد النساء الذي يريد؟ فلماذا إذن تتدخل الليبرالية في الشؤون العائلية. والحال أن الرجل حر في اتخاذ القرارات التي يستطيع إنجازها على الأرض؟ وأي مانع في ظل العلمانية يمنع امرأة من أن تكون ثالثة عند رجل في عصمته زوجتان: ما الذي يمنعها إن لم تجد من يعيلها ويحفظ شرفها متى استشعرت بأنها سوف تتحول مرغمة إلى بائعة الهوى لكل من هب ودب؟ أو ليس الأفضل عندها الاحتماء برجل يحمي عرضها وينتشلها من بين أنياب المتربصين بها من الفساق والفاسقين؟

نفس ما قيل عن تعدد الزوجات من زاوية الحرية الفردية. يقال عن الإرث من نفس الزاوية. فللرجل أن يحدد مصير تركته حتى قبل أن يشعر بدنو أجله، فله أن يذعن كمسلم لحكم الله وحكم نبيه في الميراث. وله إن كان علمانيا قحا ملحدا لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، أن يفعل بتركته المحتملة ما يريد. فليوزعها مناصفة بين أبنائه وبناته وزوجته! وهكذا تكون الليبرالية مجسدة على أرض الواقع، أما أن يتدخل حماتها في الحريات الفردية، فتناقض مرفوض لأنه ضرب لمذهب الليبراليين في الصميم!

وننبه هنا خصوم ومؤيدي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إلى التناضل الخفي-المعلن في النظام المغربي بين مشروعيتين يقودهما شخص واحد: مشروعية دينية تاريخية أصيلة. ومشروعية علمانية مستوردة دخيلة! وبين المشروعيتين شد وجذب! والوصول إلى حلول مرضية للإشكاليات التي تطرحها كافة الأطراف المتنازعة، لن يتأتى حسمها باعتماد المشروعيتين كلتيهما. فإما أن يحسم أمرها في إطار المشروعية الأولى. وإما أن يحسم أمرها في إطار المشروعية الثانية. نقصد على سبيل المثال لا الحصر: حرية اختيار الانتماء الديني! وحرية الإفطار علنا في رمضان! وحرية الزواج المثلي! وحرية تصرف النساء في أجسادهن كما يحلو لهن! وحرية الانتماء إلى أي مذهب ديني! وإلا لتراكمت الملفات بحيث يجري تداولها بين أكثر من جهة.: وزارة الداخلية. وزارة العدل. وزارة الأوقاف. ومجلس النواب. بحيث يكون الاقتراح الصائب عندنا أن يتم استفتاء الشعب بخصوص كل الإشكالات المشار إليها قبله!

www.islamthinking.blog.com

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M