ماذا سيربح رجال التعليم إذا غادر محمد الوفا؟

08 أغسطس 2013 02:13

ذ. أشرف سليم

هوية بريس – الخميس 08 غشت 2013م

أثار قرار حزب الاستقلال، حزب الوفا المرجعي، القاضي بعزل وزير التربية الوطنية محمد الوفا من دواليب حزب علال الفاسي الكثيرَ من اللغط والجدل وتباين المواقف بين مؤيد وشاذّ آزر هذا القرار، ومندد به كونه يطول وزيرا من أجرأِ وزراء المغرب الحديث الذي أدخل إلى التعليم قرارات جريئة جرت عليه منتقدين ومناوئين لسياسته التعليمية؛ لأنها انبنت على إحلال الواجبات مكانة أسمى من الحقوق، ففرضت على رجال التعليم ونسائه واجبات أرقتهم، وأثقلت كاهلهم، وسلبت منهم حقوقا كانوا إلى عهد قريب لا يمارون فيها كثيرا، مثل حق الإضراب، ولذلك فلا مرية في أن الوزير خندق عليه أعداءً يتلهفون إلى ضربة قاصمة هذه المرة تنحيه من دواليب وزارة التربية الوطنية.

بعيدا من الأسباب الحزبية التي جعلت أمين حزب الاستقلال يعزل الوفا، ودون الدخول في مناورات الشباط ورئيس الحكومة، لنركز على تبعات ما بعد خروج الوفا من حزبه، وما قد يجره ذلك في الأيام المقبلة.

الكل يعلم أن ثمة إشكالات ما زال التعليم يرزح تحت وطأتها في عهد الوزير الحالي، فهناك مشاكل الترقية بجميع أنواعها، خاصة الترقية بالاختيار، وما يخلفه ذلك من قُبوع أساتذة ردحا من الزمن في سلم دانٍ، وحالة المزنزنين في السلم التاسع دليلٌ بيّن لمن يطلب الاستبانة؛ هناك الترقية بالشهادة التي ألّبت على الوزير الكثير من الحانقين بعد التهكم الذي أبداه حيال هذه القضية.

وهناك أيضا مشاكل الحركة الانتقالية القاضّة مضجع الوزير كل مرة، ما دامت نتائجها تثير غبن الأساتذة وتذمرهم، بالإضافة إلى مشاكل جودة التعليم ومناهجه ومقرراته، والمصادرة العلنية لحق الإضراب الدستوري بالاقتطاع وفق القاعدة الكلاسيكية: الأجر مقابل العمل، ثم تضييق الخناق على بعض مكتسبات رجال التعليم ونسائه مثل حق متابعة الدراسة التي قيل في شأنها الكثير من الكلام مثل: أنها ستصبح مركزية تصدر من الوزارة، عكس السنوات الماضية التي كانت تصدر فيها من الأكاديميات الجهوية، أو العمل على سحب رخص عمل أساتذة العمومي في المدارس الخصوصية، ناهيك عن خرجات الوزير التي يرافقها طابع الدعابة والتهكم في كثير من الأحيان الذي يطول حتى الأطر المدرسية، كما حدث في واقعة الأستاذة التي منحها الوزير نقطة صفر بعد خطئها الإملائي كما تُدوّل، أو إزدراؤه بالتلميذة راوية كما تُدوّل أيضا في قضية “أنت خاصك غير راجل”، دون إغفال دعابات الوزير التي صارت إلهامات للفكاهيين والكتابات والصور الكاريكاتورية مثل والله باباه أوباما، أو الترقية بالشهادة تحراميات..، ولا يفوتنا أيضا ذكر تنامي ظاهرة العنف المدرسي التي استعصت على الحل بالرغم من مقاربات الوزارة الحالية لحلحلتها.

هذه مجموعة من مثالب الوزير الحالي التي جعلت أصواتا كثيرة تطالب بتنحيته؛ كونه لم يعمل على حلحلة هذه المشاكل الجمة التي يعانيها التعليم المغربي، لكن لا يمكن تجافي أصوات أخرى مطالبة بإبقائه؛ نظرا للحسنات التي حققها للتعليم، مثل إلغائه لبيداغوجيا الإدماج من المدارس المغربية، وإنهائه للقاءاتها التي كانت تجمع المؤطرين التربويين بهيئة التدريس، وما كان يشوبها من ولائم تخصص لها ميزانيات مهمة، مما جعل الوزير يشدد على مراقبة ميزانية الوزارة عبر محاسبته كثيرا من المؤسسات التابعة لها كمؤسسة محمد السادس لرجال التعليم ونسائه مثلا، وأيضا إعلانه سيادة مبدأ الشفافية والاستحقاق والقانون دون مواربة أو مساومة في جميع استحقاقات التعليم ومبارياته، وإقرانه لمبدأ المسؤولية بالمحاسبة، مما جعله يطيح بأسماء كثيرة في التعليم طالت حتى رجال التعليم المتقاعسين عن أداء واجباتهم.

لكن رغم حسنات الوزير فهي لم تشفع له لإبداء كثير من رجال التعليم ونسائه حنقَهم عليه، ومطالبتهم برحيله؛ لأنه لا يوفر الأرضية المناسبة لتطبيق مخططاته الطوباوية التي تطبعها خصوصيات شوفونية، فكيف يمكن تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وهناك فروق كثيرة بين رجال التعليم ونسائه في الأجر والامتيازات وعدد ساعات العمل وخاصة ظروف العمل بين الأطر التعليمية المشتغلة في الحضر أو القرية؟

فأول مشكل يعيق إصلاحات الوزير وهي الفوارق الشاسعة بين رجال التعليم ونسائه، خاصة أن ما يضير النفس كون هذه الأطر لا تختلف عن إخوانها في الشهادة الجامعية التي أهلتها للعمل في قطاع التعليم، ولعل إحداث المراكز التربوية لمهن التربية والتكوين من قبل الوزير، والامتيازات التي تتيحها لخريجيها كالسلم العاشر مباشرة أثار فورة غضب الخريجين السابقين؛ ما داموا يحملون نفس شهادة خريجي المراكز التربوية لمهن التربية والتكوين، لكن ما معنى أن يتخرجوا هم بالسلم العاشر وسابقوهم يتخرجون بالسلم التاسع رغم حملهم شهادة الإجازة؟

بالإضافة إلى اعتبار خرجات ومواقف الوزير معادية لرجل التعليم فأن يفْتأت على مكتسبات سابقة حققها رجال التعليم بسواعدهم ونضالاتهم وحناجرهم التي بحت خلال سائر وقفاتهم يمكن وصفها  بالتراجع الخطير في المكتسبات السابقة.

إذاً صار الحديث الآن عن ما بعد مرحلة الوفا، وما يمكن تحقيقه إذا رحل وزير التربية الوطنية الحالي، فالوزير الجديد إذا أسندت إليه المهمة لا شك أنه سيعمل على تفادي أخطاء سلفه، وسيحاول الاقتراب أكثر من رجل التعليم وسيعمل على حل مشاكل التعليم بحكمة وروية واتزان التي يتطلبها قطاع حيوي مثل التعليم، وسيعمل أيضا على تفادي أي كلام جارح يخدش مشاعر رجل التعليم المثقل بهموم كبيرة؛ وسيقوم بإنزال مخططات وشعارات رجال التعليم الذين صاروا يمثلون أنفسهم في إضراباتهم التي تؤطرها تنسيقيات اشتعلت حنقا وغيضا على سياسة الوزارة الحالية، وسيقوم أيضا بإخراج القانون الأساسي الخاص برجال التربية الوطنية إلى الوجود  بعد أن طال أمد إخراجه إلى الوجود، والذي كان سيحل كثيرا من مطبات قطاع التعليم إذا ما طبقت الكثير من نتائج الحوارات التي عقدتها الوزارة والنقابات التعليمية.

قطاع التعليم قطاع حيوي ومصيري، ويكفي جعله ثاني قضية وطنية بعد الوحدة الترابية لما يوفره من نتائج قد تكون محمودة ويستثمرها المجتمع أيما استثمار خدمة لتقدم البلد وتنميته، أو مذمومة فتعود سلبا على المجتمع وتساهم في فساده وتأخره وتخلفه، وهذا رهين بتوفير الأشخاص الأكفاء القادرين على تحمل المسؤولية المسندة إليهم والعمل في ضوئها بالحكمة والاتزان المطلوبين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

 * أستاذ مادة اللغة العربية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M