مأمورون باتباع السنة؟ أم مأمورون باتباع أقوال الرجال؟

23 يناير 2014 15:43
مأمورون باتباع السنة؟ أم مأمورون باتباع أقوال الرجال؟

مأمورون باتباع السنة؟ أم مأمورون باتباع أقوال الرجال؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الخميس 23 يناير 2014م

إنه لطالما اختلطت الأمور عند بعض القراء بخصوص انتمائي الديني! فمنهم من عدني واحدا من الصوفيين المتنطعين! ثم اتضح لهم لاحقا بأنني لست كذلك. فكان أن صنفوني ضمن الوهايين بعد أن كشرت عن أنيابي في وجه من اعتبرتهم صراحة ضلاليين، مبتدعين، كذابين! وكأن الوهابية وحدها هي التي تستنكر الظلام البدعي ممثلا في الطرقيين والقبوريين والمشعوذين والمبتدعين بصفة عامة!

والحال أنني لم آت في مقالاتي على ذكر محمد بن عبد الوهاب النجدي، بل ما أستشهد به في الغالب الأغلب هو آيات قرآنية، وأحاديث نبوية. وذلك حتى يدرك الجميع بأنني لست وهابيا. ولا حنبليا. ولا شافعيا. ولا حنفيا. ولا مالكيا. ولا شيعيا. ولا خارجيا. ولا رافضيا. ولا تجانيا. ولا شاذليا. ولا واحدا من الجماعات المغربية السياسية والدعوية في الوقت الراهن. وإنما أنا مسلم مرتبط بالرسالة السماوية التي تولى من نزلت عليه شرحها ببيان مراد الله منها. فصح كوني رسالي الانتماء والقصد والنهج. وهاكم التوضيحات:

1- في غير ما آية قرآنية وفي غير ما حديث، أوامر صريحة بوجوب اتباع سنة المجتبى، ووعيد شديد لمن انصرف عنها إلى غيرها من طرق محدثة في التعبد، على كل طريق منها شيطان يحرسه ويدعو إليه. وهذا قول الرسول لا قولي، ولا قول الأشعري، ولا قول مالك، ولا قول أي كان.

2- كانت المدينة المنورة أحرص البلدان على السنة النبوية. “وفي جنباتها المشرقة بدأ مفهوم السنة يأخذ شكلا سياسيا واجتماعيا إلى جانب الشكل الديني الأساسي. فالرسول ص يصرح بأن من أحدث في المدينة حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وكأن في هذا الحديث إيماء (إشارة) إلى براءة الله ورسوله من كل منشق على الجماعة، خالع يد الطاعة، مؤثر البدعة على السنة”.

3- قال صلى الله عليه وسلم: “فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين. تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة“.

فظاهر الخطاب بين في أن وجوب الالتزام بالسنة، أمر موجه من المختار إلى كل مسلم. إنه خطاب عام، لا يستثنى منه أحد، لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، مما يدرك معه أن السنة غير مضافة إليهم في الحقيقة، والواقع الذي لا شك فيه، هو أنها مضافة إليهم من باب المجاز. فإن كانوا مهديين راشدين، فبحكم الاتباع، لا بحكم الابتداع. فلا يتصور خروجهم بتاتا عن السنة، بقدر ما يتصور إصرارهم على التمسك بها تنفيذا منهم لأمر الرسول ص. فيكون أمره باتباع سنة الخلفاء المهديين الراشدين، أمرا يقتضي تكملة مسكوتا عنها في الخطاب النبوي المطاع. فقد أمرنا باتباعهم ليقينه الراسخ بأنهم لن يخرجوا أبدا عن سنته. فمن اتبعهم في القول والفعل والتقرير، فكأنما اتبعه ص.

4- التحذير من الابتداع الذي تكرر في أحاديث المختار ص. فقد ورد عنه قوله: “يا عائشة (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا من هم؟). قلت: الله ورسول أعلم. قال: “هم أصحاب الأهواء وأصحاب البدع وأصحاب الضلالة من هذه الأمة. يا عائشة: إن لكل ذنب توبة. ما خلا أصحاب الأهواء والبدع ليس لهم توبة! وأنا بريء منهم وهم مني برآء“.

وعن قتادة في قوله تعالى: “كالذين تفرقوا واختلفوا” يعني أهل البدع!

وعن ابن عباس في قوله: “يوم تبيض وجوه وتسود وجوه” قال: تبيض وجوه أهل السنة. وتسود وجوه أهل البدعة!

وفي الصحيحين عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة، ذكرتا لرسول الله ص كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فقال: “إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات. بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة“.

وهذا “يقتضي تحريم بناء المساجد على القبور. ولقد لعن النبي ص من فعل ذلك. فعن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله ص طفق (أخذ) يطرح خميصة له على وجهه. فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك: “لعنة الله على اليهود والنصارى. اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” يحذر مثل ما صنعوا.

وفي مقال لي سابق، سقت قول عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس فوق المنبر: “السنة ما سنه الله ورسول، لا تجعلوا حد الرأي سنة للأمة“.

فأكون هكذا باختصار شديد قد قدمت الدليل على أننا مأمورون أولا باتباع الرسول وحده بخصوص ديننا، وعلى أننا مأمورون ثانيا بتجنب كل أنواع البدع، وفي مقدمتها بناء الأضرحة ورفع القباب عليها وزيارتها والذبح عندها والتوسل بأصحابها! والابتعاد عن إحداث التفرقة بين المؤمنين لما تمثله من خطر على الدين في مجمله. وما قدمته لم أستفده من محمد بن عبد الوهاب النجدي. ولا من شيخ الطريقة الكتانية. ولا من شيخ الطريقة البودشيشية -وهما معا طريقتان ضلاليتان- . ولا استفدته من إمام أي مذهب فقهي ولا من أي عالم. إنما أخذته مباشرة من كتاب الله ومن سنة رسوله. وعلى هذا الأساس ينبغي أن أصنف بأنني -كما تقدم- رسالي مرتبط بخطاب الله من ناحية، وببيان الرسول لمضامينه بالأقوال والأفعال والتقريرات من ناحية ثانية.

وهنا نضع كلنا -إن حسنت نوايانا- أيادينا على نكتة تقول: ماذا عمن لم يعرف حقيقة شيء وهو في أمس الحاجة إليه؟ حضر إلى قرية لزيارة صديق، منزله غير معروف عنده موقعه. فهل يعاب عليه إن هو سأل عنه واحدا من أهل البلدة؟ أم إن عليه أن يجلس في أي مكان ريثما يظهر أمامه عابرا بفعل الصدفة؟

إن المتدينين في افتقار إلى من يفقههم فيما لا يفهمونه. ولما كان حد الفقه أو تعريفه تحديدا هو العلم بالأمور الشرعية العملية. فهل جميع المسلمين فقهاء؟ وبما أن الأغلبية الساحقة منهم أميون حتى اليوم. فمعناه أن هذه الأغلبية تحتاج إلى من ينور أمامها الطريق المسلوك كي تعرف كيف تتوضأ، وكيف تصلي، وكيف تصوم، وكيف تحج، وكيف تزكي، وكيف تواجه مختلف النوازل التي لا تريد أن تتصرف بخصوصها بعيدا عن رأي الشرع فيها.

وهذا ما فهمناه من قوله سبحانه: “وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين. ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون“. ومن قوله عز وجل: “قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون”. ومن قوله تعالى: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات“.

فصح منطقيا ودينيا وواقعيا تجريبيا وجوب استعانة الأعمى بالبصير، والعاجز بالقادر، والأمي بالعالم. فضلا عن تكليف الله العلماء بأداء واجبهم في نشر الدين وتوضيحه، وإن هم تخلوا عن القيام بما فرضه عليهم ربهم تعالى -حيث إنهم التجأوا إلى كتمه لأسباب تخصهم بكيفية مباشرة أو بكيفية غير مباشرة- كانوا ممن خاطبهم سبحانه بقوله: “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون“. مع التأكيد على أن الهدى معناه السنة لدى أغلب المفسرين.

فنكون هكذا قد انتهينا إلى حتمية وجود مذاهب فقهية من ناحية، لأن لكل عالم حق الاجتهاد بأمر من رسول الله ص كما ورد في حديث معاذ بن جبل المشهور، وإلى حتمية ارتباط المسلمين بمذاهبهم الفقهية من ناحية ثانية، لأنهم في أمس الحاجة إلى من يفقههم في الدين. لقد صرح كافة الأئمة الأربعة مرارا وتكرارا بأنهم لا يقدمون أقوالهم على أقوال النبي ص. سئل أبو حنيفة ذات مرة: “إذا قلت قولا وكتاب الله يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لخبر رسول الله ص. فقيل له: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول الصحابة رضي الله عنهم أجمعين”. وقال الشافعي: “إذا قلت قولا وكان عن النبي ص خلافه. فما يصح من حديث رسول الله أولى، فلا تقلدوني”.

وقال أحمد بن حنبل لأبي داود صاحب السنن: “لا تقلد في دينك أحدا من هؤلاء. ما جاء عن النبي ص وأصحابه فخذ به. ثم التابعين”. وقال له بعبارة أخرى: “لا تقلدني، ولا تقلد مالكا ولا الثوري ولا الأوزاعي. وخذ من حيث أخذوا. وقال: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال”. أما مالك بن أنس المدني الأصبحي الذي يدعي المغرب الرسمي أنه على مذهبه فقال: “كل كلام يؤخذ منه ويرد (= قابل للنقد) إلا كلام صاحب هذا القبر. مشيرا إلى قبره ص”.

وعلى هذا الأساس، وتأكيدا لما تقدم، ساق العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في كتابه القيم “إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد” هذه الأبيات الخمسة التي تختصر ما نعمل الآن على ترسيخه في عقول الباحثين عن الحق لدى أصحابه، لا لدى مخالفيه الذين تبرأ منهم جهارا نبينا ص:

علام جعلتم أيها الناس ديننا لأربعة لا شك في فضلهم عندي؟

هم علماء الدين شرقا ومغربا ونور عيون الفضل والحق والزهد

ولكنهم كالناس ليس كلامـــهم دليلا ولا تقليدهم في غد يجـدي

ولا زعموا حاشاهم أن قولهم دليل فيستهدي به كل من يهدي

بلى صرحوا أنا نقابل قولهم إذا خالف المنصوص بالقدح والرد

فأكون قد بينت انتمائي ومذهبي لمن لا يزال حائرا في هويتي الدينية. إنني مرة أخرى رسالي غير ملتزم قطعا بالانتماء إلى أي مذهب. وإلى أية فرقة. وإلى أية جماعة. إنني مع مالك عندما أجده على بينة من ربه. وعلى بينة من سنة نبيه. ومع بقية الأئمة المجتهدين الذين لا يكفون عن الاقتداء بنبي الهدى والرحمة. ومتى تبين أن أيا منهم خالف سنة رسول الله، تخليت فوار عن رأيه المتقاطع مع سنته في موضوع بعينه. دون أن أتخلى كليا عن محتويات مذهبه، ما دام يقيني قويا بأنه على اقتداء تام بالرسول الأكرم، لأن الله تعالى لم يأمرنا باتباع الرجال، وإنما أمرنا باتباع مجتباه، ولا عيب على من لم يعلم، إن أخذ عمن يعلم. دون أن ننكر بأننا نستشهد بأقوال الأئمة وكبار العلماء، ما دامت أقوالهم معززة بكتاب الله وبسنة رسوله.

أما أن يدعي مدعون بأنهم حريصون على اتباع السنة في الأقوال والأفعال، وأنهم ضد إحداث البدع في الدين، تأسيا منهم بالمختار ص. فإذا بهم يتمنطقون بأحزمة من المبتدعات التي تدفع ببعضهم إلى حد الوقوع في قلب الزندقة. هذه التي تقودهم إلى الحطمة! فلا نجد ولن نجد غير الوقوف في وجوههم كظلاميين مفسدين للدين، ملعونين من الله ومن ملائكته ومن المؤمنين بنصوص نقلية واضحة المعنى صريحة الدلالة. يكفي ما قدمناه من مآخذ على الطرقيين الذين يتقربون إلى الله ببدع لم تخطر حتى ببال من ادعوا بأنهم على سنته عاكفون.

وحتى خارج الانتماء الصوفي الطرقي، وجدنا محدثات لا الرسول كان يمارسها. ولا الصحابة كانوا يعملون بها. ولا كبار الأئمة يهتمون بها ولها يروجون! فإن ردد خطباء الجمعة ويرددون في أكثر من دولة عربية وإسلامية قوله ص: “إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ص، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”، فإنهم يشاركون في العمل بثلاث بدع: قراءة القرآن جماعة. وهي ما لم يفعله رسول الله ولا الصحب الكرام. والدعاء الجماعي بعد الخروج من الصلاة! وهذا الدعاء لا علاقة له بالسنة على الإطلاق! والدعاء للحكام باستمرار لأنه لم يصح عن رسول الله الأمر به! ولا تبث على عهد الخلفاء الراشدين فعله! فمن علينا اتباعهم إذن؟ أئمة الهدى والنور؟ أم أئمة الضلال والظلام؟

www.islamthinking.blog.com

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M