المغاربة والنفاق الاجتماعي

31 يناير 2014 23:06
المغاربة والنفاق الاجتماعي

المغاربة والنفاق الاجتماعي

محمد أقديم 

هوية بريس – الجمعة 31 يناير 2014م

(دَوَّنَ على صفحته الفايسبوكية: “من طرائف التْلْفَة الفكرية لِّي ضارْبَا المغاربة، ونحن نتناقش في الحانة حول موضوع الساعة، أن انبرى أحدهم يدافع بحماس: أن لشكر ما عْنْدُوشْ الحْقّْ يمَسّْ في ثوابت الدين، واننا نحن مسلمين، ولا يمكن الخروج عن المعلوم من الدين، وووو…. نظرت اليه مشدوها وأجبته: انْتَا أصاحْبي أش جالْسْ كا تْديرْ معايا هْنَا، نُوضْ سيرْ بْحالْكْ لْلجَّامْعْ وبْعادْ عْليكْ مْنْ البِيرَانْ راهُمْ ما يْصْلْحُوشْ لِكْ”).

في السياق وسبب النزول

نص يعكس في عمقه جوهر هذا السجال الذي يجتاح نخب الشعب المغربي بكل أطيافها ومواقعها، وانخرط فيه الاعلام السمعي البصري والورقي والالكتروني بقوة، حيث يتم التراشق بقذائف التكفير من طرف “المحافظين” وقنابل “التنفيق” من طرف “الحداثيين”.

وقد انطلقت مرة أخرى شرارة هذا السجال من دعوة للكاتب لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية السيد ادريس لشكر في اجتماع للنساء الاتحاديات يوم الأحد 22 دجنبر 3013، الى مراجعة أحكام الإرث وتجريم تعدد الزوجات في مدونة الأحوال الشخصية، بما يسمح بمساواة النساء للرجال في الارث. وكان من بين ردود الفعل على دعوة إدريس لشكر، أن أحدهم (عبد الحميد أبو النعيم) صرح في شريط بث على الأنترنيت بأن ما قال به إدريس لشكر يدخل في نطاق الكفر، ما دام يدعو إلى مراجعة ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وما هو قطعي الدلالة والثبوت من أحكام الشريعة الإسلامية، فتوالت الردود من المعسكر المقابل، حيث وصلت أوجها مع تصريح الناشط الأمازيغي أحمد عصيد في برنامج حواري في القناة الثانية، إذ اتهم فيه المجتمع المغربي برمته بالنفاق بحجة أن بعض السلوكات الواقعية المنحرفة لهذا المجتمع وبعض ممارساته العملية الشاذة تتناقض مع ما يؤمن به من عقيدة اسلامية وما يريده ويدعو إليه من شريعة إسلامية.

في تعريف النفاق  

في الحقيقة يحار المرء عندما يقرأ ويسمع العلمانيين وحتى الملحدين يوظفون في خطاباتهم مفردات ومصطلحات شرعية لها حمولة دينية واضحة، ولا يلجئون إلى استعمال المفاهيم السيكولوجية والمصطلحات السوسيولوجية في حديثهم وتوصيفهم للعديد من الظواهر السياسية والاجتماعية الأخلاقية، أثناء خوضهم في الكثير من القضايا، ومن أهم هذه المصطلحات والمفردات الدينية الأكثر تداولا في الخطاب العلماني مصطلحات الإرهاب والكفر والنفاق والشهيد وغيرها.

والنفاق في تعريفه البسيط هو استبطان الكفر وإظهار الإسلام، ولا أقول الايمان، لأن الايمان بطبيعته باطني، والإسلام بطبعه ظاهري، والإنسان في وضعه الطبيعي يكون ظاهره، المتجسد في المواقف والسلوكات، في الغالب انعكاس لباطنه المتمثل في العقائد والأفكار.

والمعروف أن الإنسان يعمل بشكل دائم جاهدا لكي تكون سلوكاته ومواقفه في مستوى عقيدته وأفكاره، ومن الصعب عليه أن يتمثل أفكاره بشكل كامل، لكون الأفكار والعقائد عبارة عن مُثُل نظرية، ومن المستحيل تنزيلها في واقع السلوك كما هي، وهذا ينطبق على جميع الأديان والعقائد والنظريات والتصورات والايديولوجيات، باستثناء الانبياء والرسل فهم الوحيدين الذي يتمثلون رسالاتهم بسلوكاتهم، وهذا يدخل في عصمتهم، وعليه فارتكاب المسلم لبعض السلوكات التي تتناقض مع عقيدته الإسلامية واقترافه لبعض المواقف التي تتنافى مع أفكاره الإسلامية ليس نفاقا، وليس مبررا أو حجة لكي يغير المسلم عقيدته وأفكاره بسبب اقترافه لسلوكات تتنافى مع تلك العقيدة، فالصحيح أنه يجب أن يعمل على تصحيح سلوكاته لتنطبق مع عقيدته وليس تغيير عقيدته لتنطبق مع سلوكاته.

في جوهر النازلة ولُب القضية

   من المعلوم لدى كل الدارسين لتطور الفكر البشري أن العقائد والأفكار والتصورات تكون دائما سامية ومثالية، وأكثر رقيا وسموا وتباثا من السلوكات والمواقف والتطبيقات، فالأفكار والتصورات هي خلاصة تَجْمعُ كل ما تفرق من خبرات وتجارب في كل الأفراد وفي كل المجتمعات بل في كل الأمم، وعبر كل مراحل التاريخ، في حين أن السلوكات والتطبيقات عبارة أنشطة فردية ظرفية في سياقات اجتماعية وزمنية محددة.

والعقائد والأفكار والتصورات أكثر ثباتا من السلوكات والمواقف، ولهذا فالتغيير في العقائد والأفكار والتصورات لا يكون في أصولها ومبادئها، وإنما يكون غالبا في جزئياتها وتفاصيلها الدقيقة، وبوثيرة بطيئة جدا، سواء على مستوى الأفراد، حيث يحتاج التغيير الى عقود من الزمن، أو على مستوى المجتمعات، حيث يكون أكثر بطئا، ويحتاج إلى أجيال من الزمن، إن لم نقل قرون. في الوقت الذي يكون فيه التغيير والتطور في السلوكات والمواقف سريعا وظرفيا وفجائيا. وهذا ما يجعل الإنسان يكافح ويكابد ويكدح كي يجعل سلوكه ومواقفه أقرب ما يمكن الى عقائده وأفكاره، وليس العكس، حيث لا يعمل بتاتا لتغيير عقائده وأفكاره لتكون موافقة لسلوكه ومواقفه، ولذلك يتم تقويم وتقييم السلوكات والمواقف بالعقائد والأفكار والتصورات، لان احتمال الانحراف والخطأ في العقائد والأفكار والتصورات أقل بكثير من احتمال الانحراف والخطأ في السلوكات والمواقف.

فالمطلوب والمرغوب والواجب هو تغيير سلوك الشخص ومواقفه لتنسجم مع أفكاره وعقائده وتصوراته وليس تغيير عقائده ومواقفه وتصوراته لتنسجم مع سلوكاته المنحرفة ومواقفه الشاذة.. كما يسعى العلمانيون عندما يتهمون المجتمع المغربي بالنفاق.

وبيت القصيد في هذا هو فهم جوهر وأهداف هذه الدعوات العلمانية التي تظهر بين الفينة والأخرى، وتدعو الى تغيير أصول الإسلام والى ضرب قَطْعِياته، حتى ينسجم مع سلوكات منحرفة ومواقف شاذة، قد تكون متفشية في المجتمع لظروف معينة، بدل الدعوة الى تغيير تقويم هذه السلوكات المنحرفة وتصحيح هذه المواقف الشاذة بالإسلام وعلى أساس الإسلام. وقد مست هذه الانحرافات الأخلاقية سلوكات الأفراد ومواقفهم، في الوقت الذي صمدت في عقيدتهم وأفكارهم الاسلامية، أمام الرياح العاتية لعقائد الغرب وأفكاره المادية والعلمانية خلال مرحلة الاحتكاك مع الاستعمار، ليشرع بعد ذلك جزء من هذه النخب، التي سقطت صرعى هذا الفكر العلماني، يتهم مجتمعاتنا الصامدة عقيدتها الاسلامية، والمنحرفة في بعض سلوكاتها بالنفاق، وتدعوها الى تغيير تلك العقيدة وما تفرع منها من شرائع وقوانين وأعراف لكي تكون موافقة ومنسجمة مع هذه الانحرافات السلوكية الظرفية. إذن فالإشكال واضح والمعركة بينة، هي بين من يدعو المجتمع ليُغَيرَ عقائده وأفكاره الإسلامية لتنطبق مع سلوكاته المنحرفة، وبين من يدعو المجتمع لتصحيح سلوكاته المنحرفة لكي تتمثل عقائده وأفكاره الإسلامية،..!!؟؟     

عود على بدء

تواجده في الحانة وكونه “سْكايْري” لا يجب أن يكون مبررا ودافعا له كي يغير قناعاته العقدية التي عبر عنها برفضه وتنديد بما صدر عن إدريس لشكر من دعوة لتغيير قطعيات من الدين، بحجة، بحجة أن ذلك يتناقض مع تواجده في الحانة وكونه “سكايري”، فتلك القناعات العقدية التي تستيقظ في ضميره بين الفينة والأخرى، هي التي ستجعله في ما بعد يغير سلوكه بالتخلي عن السكر والذهاب الى الحانات. فالسلوكيات هي التي تُقَوَّمُ بالمعتقدات والأفكار، وليس الأفكار التي تغير لتنسجم مع السلوكات، فالأمر لا يتعلق لا بالأقنعة ولا ب”النفاق” كما يحلو للبعض أن يسميه.

لأن الإنسان قد تكون عقائده سليمة وأفكاره صحيحة (نسبيا)، وسلوكه منحرف ومواقفه شاذة (نسبيا) في ميزان تلك العقائد والتصورات، وهذا التناقض غالبا ما يعبر عنه بالندم على ما يفعله، كل ما شعر بالألم النفسي الذي يحدث ذلك التناقض في نفسه.. ويعبر عنه ب “الله يعفو علينا” و”الله يسمح لينا”.. لذا فالمطلوب هو أن يصحح سلوكه ومواقفه بناء على عقائده، وليس تغيير عقائده لتنسم مع سلوكاته الشاذة، فالأمر ليس فيه لا نفاق ولا هم يحزنون.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M