علماء المغرب والتصوف

03 فبراير 2014 23:29
علماء المغرب والتصوف

علماء المغرب والتصوف

إلياس الهاني

هوية بريس – الإثنين 03 فبراير 2014م

لم يعرف الإسلام التصوف في زمن الرسول وصحابته والتابعين، ثم جاء جماعة من الزهاد لبسوا الصوف فأطلقوا هذا الاسم عليهم، ويتوخى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في السمار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية: الهندية والفارسية واليونانية المختلفة.

كدأب أي انحراف يبدأ صغيراً، ثم ما يلبث إلا أن يتسع مع مرور الأيام فقد تطور مفهوم التصوف في القرن الثاني للهجرة إلى مفهوم لم يكن موجوداً عند الزهاد السابقين من تعذيب للنفس بترك الطعام، وتحريم تناول اللحوم، والسياحة في البراري والصحاري، وترك الزواج، وذلك دون سند من قدوة سابقة أو نص كتاب أو سنة.

وقد تختلف الصوفية الأوائل عن الصوفية المتأخرة التي انتشرت فيها البدع أكثر من سالفتها، يقول الإمام الجنيد رحمه الله الذي يلقب بشيخ الصوفية: “علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث، ولم يتفقه، لا يقتدى به”، وقال أيضا: “الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى اثر رسول الله واتبع سنته ولزم طريقته، فان طرق الخير كلها مفتوحة عليه”، وقال الشيخ أبو سعيد الخراز: “كل باطن يخالف الظاهر فهو باطل”، وقال بعض الصوفية: “أصولنا ستة: التمسك بكتاب الله تعالى والاقتداء بسنة رسول الله، وأكل الحلال، وكفّ الأذى، واجتناب الآثام، وأداء الحقوق”، فحينئذ يكون التصوف صحيحا موافق لشريعة الإسلام ولا يناقضها، أما ما أحدث فيه من بدع وضلالات فهذا ما لا يقره الإسلام.

ومن أبرز المآخذ التي تأخذ على الصوفية الحلول والاتحاد، وحدة الوجود، الشرك في توحيد الألوهية وذلك بصرف بعض أنواع العبادة لغير الله تعالى، الشرك في توحيد الربوبية وذلك باعتقادهم أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون ويعلمون الغيب، الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، الغلو في الأولياء، الادعاءات الكثيرة الكاذبة، كادعائهم عدم انقطاع الوحي ومالهم من المميزات في الدنيا والآخرة، تساهلهم في التزام أحكام الشرع، طاعة المشايخ الخضوع لهم، والاعتراف بذنوبهم بين أيديهم، والتمسح بأضرحتهم بعد مماتهم، التجاوزات الكثيرة التي ما أنزل الله بها من سلطان، في هيئة ما يسمونه الذكر، وهو هز البدن والتمايل يميناً وشمالاً، وذكر كلمة الله في كل مرة مجردة، والادعاء بأن المشايخ مكشوف عن بصيرتهم، ويتوسلون بهم لقضاء حوائجهم، ودعاؤهم بمقامهم عند الله في حياتهم وبعد مماتهم وغيرها كثير… تلك الاعتقادات والضلالات والبدع التي تخرج صاحبها من الإسلام، وذلك عندما اعرضوا عن الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح أوحى إليهم الشيطان ما أوحى.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله “ومن كيده -أي الشيطان- ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات، وأبرزه لهم في قالب الكشف من الخيالات، فأوقعهم في أنواع الأباطيل والترهات، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات، وأوحى إليهم أن وراء العلم طريقا إن سلكوه أفضى بهم إلى كشف العيان وأغناهم عن التقيد بالسنة والقران، فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها وتصفية الأخلاق والتجافي عما عليه أهل الدنيا وأهل الرياسة والفقهاء أرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفا وعيانا فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل، قالوا: لكم العلم الظاهر ولنا الكشف الباطن ولكم ظاهر الشريعة وعندنا باطن الحقيقة ولكم القشور ولنا اللباب فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات وأوهمهم أنها من الآيات البينات وأنها من قبل الله سبحانه الهامات وتعريفات فلا تعرض على السنة والقران ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان.

فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات وأنواع الهذيان وكلما ازدادوا بعدا وإعراضا عن القران وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم”.

لقد فتح التصوف المنحرف باباً واسعاً دخلت منه كثير من الضلالات والبدع التي تخرج صاحبها من الإسلام ف التصوف الحق إن صح التعبير هو العمل بالسنة وإتباع ما انزل الله على رسوله. يقول إبراهيم بن محمد: “أصل هذا المذهب ملازمة الكتاب والسنة، وترك ما أحدثه الآخرون والمقام على ما سلك الأولون”.

وقد تباينت مواقف المغاربة كغيرهم من التصوف فأبطلوه علماء السنة والكتاب الذين يقتدى بأمرهم ويعتبر بعلمهم. فاشتهر جماعة من علماء المغرب بالرد على الصوفية والرد على بدعهم المخالفة للسنة وشهدوا لائمتهم بالابتداع والأحداث، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

1- الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن موسى العبدوسي المتوفى سنة 849هـ في رسالته “جواب في الرقص والشطح عند الذكر” أبطل فيها الشطح والرقص والصياح ولطم الصدور وهزّ الرؤوس بالعنق في حالة الذكر المزعوم.

2- العلامة الشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في كتابه: “معضلات العصر”، وهو مقال في الرد على التيجانيين، وقد طبعه علامة الجزائر ابن باديس وسماه: “الجواب الصريح في بيان مضادة الطريقة التيجانية للإسلام الصحيح”.

3- الشيخ العلامة تقس الدين الهلالي له كتاب: “الهدية الهادية للطائفة التيجانية”، وكان رحمه الله مشهورا بمعادات المتصوفة معروفا بانحرافه عنهم.

4- العلامة الشيخ ابن طوير الجنة أحمد بن عمر الوداني المتوفى سنة 1266هـ في كتابه “فيض المنان في الرد على مبتدعة الزمان”، أنكر فيه عددا من بدع الصوفية كزعمهم رؤية الله ورؤية النبي وأن النبي يحضر معهم مجالس الذكر وبين أن الكرامات والفراسة التي يدعيها الصوفية لا حقيقة لها وأن ذلك يقع بين الكافر والمسلم، وأبطل الرقص والتواجد حال الذكر، وذكر أن أول من أحدثه السامري.

5- الشيخ العلامة احمد بن محمد المرنيسي سنة 1277هـ في كتابه: “إنكار الرقص والطار”، أنكر في الرقص حال الذكر، كما يفعله أرباب الطرق الصوفية بشتى أنواعها.

6- الشيخ العلامة أبو عبد الله الغالي بن محمد الحسني العمراني اللجائي الفاسي المتوفى سنة 1289هـ في كتابه: “إبطال الشبه ورفع الإلباس في الرد على من صوب في تقييد له خطا الناس”، أنكر فيه على المتصوفة اجتماعهم على الذكر والرقص، وعد من البدع، اجتماع الصوفية على الرقص والذكر على صوت واحد إلى غير ذلك من البدع التي نص عليها.

7- الشيخ العلامة محمد بن العربي العلوي المتوفى سنة 1384هـ في كتابه: “فتوى لعلماء القرويين بإدانة صلاة الفاتح لمحمد الفاطمي التيجاني”.

8- السلطان العلوي المولى عبد الحفيظ في كتابه: “كشف القناع عن اعتقاد طوائف الابتداع المتقولين الذين حادوا عن منهاج السنة وأحدثوا اعتقادات لم ترد عمن شرح الدين والسنة”.

9- الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد بن المدني كنون المتوفى سنة 1302هـ في كتابه: “الزجر والإقماع بزواجر الشرع المطاع لمن يومن بالله ورسوله ويوم الاجتماع عن آلات اللهو والسماع”، وهو في إبطال الذكر الصوفي والرقص والذكر جماعة وغير ذلك من البدع.

10- العلامة المؤرخ أحمد بن خالد الناصري المتوفى سنة 1315هـ في كتابه: “تعظيم المنة في نصرة السنة”، تكلم فيه على عدد من بدع الصوفية، منها: رقص الفقراء حول الميت بعد تغسيله والشطح والرقص الصوفي واتخاذ الشيخ للتربية والذكر الجماعي والذكر بالاسم المفرد، وذكر من مصطلحاتهم الحادثة الفناء والبقاء والغوث والأقطاب والابدال.

11- العلامة أبي الحسين الصغير المكناسي السوسي في رسالة له أبطل فيها البدع التي أحدثها المتصوفة كالذكر الجماعي والشطح واتخاذ الشيخ في التربية والتسابيح وإحداث الطرق الصوفية.

12- العلامة الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي الفاسي المتوفى سنة 1350هـ وقد اشتهر بمعاداة المتصوفة الكاذبين مقرعا لهم، مسفها أحلامهم، مبطلا آراءهم، مبالغا في تقريعهم، ولم يرجع عن ذلك منذ أن اعتقده ولا قل من عزمه كثرة معاداتهم له.

13- العلامة عبد الحفيظ بن محمد الفاسي الفهري المتوفى سنة 1383هـ في كتابه “رياض الجنة”، وقد أكثر من التشنيع على تقي الدين النبهاني أحد أقطاب الصوفية والمتصوفة عموما.

14- العلامة محمد كنوني المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب، كان شديدا على المتصوفة وكان يفتي بمعاداتهم وإنكار بدعهم.

15- الشيخ العلامة عبد الرحمن محمد النتيفي الجعفري الزياني المتوفى سنة 1385هـ فقد ألف كتبا عديدة في إنكار بدع الصوفية منها: “حكم السنة والكتاب في وجوب هدم الزوايا والقباب”، و”تنبيه الرجال في نفي القطب والغوث والابدال”، و”الذكر الملحوظ في نفي قراءة اللوح المحفوظ”، و”الإرشاد والسداد في فضل ليلة القدر على ليلة الميلاد”، و”القول الفائز في عدم التهليل وراء الجنائز”، و”القول الجلي في عدم تطور الولي”، و”الميزان العزيز في الرد على كتاب الإبريز “، و”تحفة الأماني في الرد على أصحاب التيجاني”، و”الزهرة في الرد على غلو البردة”، و”الحجج العلمية في رد غلو الهمزية”، و”أصفى الموارد في الرد على غلو المطربين المادحين لرسول الله وأهل الموائد”، و”الدلائل البينات في البحث في دلائل الخيرات وشرحه مطالع المسرات”، كل هذه الكتب وغيرها كثير جدا لا زالت مخطوطة عند احد طلبته بمدينة تارودانت.

16- العلامة الأديب أبو عبد الله محمد بن اليمني الناصري الجعفري المتوفى سنة 1391هـ في كتابه “ضرب نطاق الحصار على أصحاب نهاية الانكسار”، وهو كتاب صاعقة على المتصوفة والأهم فيه أنه قرظه 15 عالما وأديبا وشاعرا مغربيا وأثنوا على مؤلفه وتأليفه ثناء عطرا.

17- الشيخ العلامة محمد المكي الناصري المفسر المعروف ووزير الأوقاف سابقا في كتابه “إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة”.

18- العلامة السلفي احمد الخريصي المتوفى سنة 1403هـ في كتابه: “المتصوفة وبدعة الاحتفال بمولد النبي”، تحدث فيه نشا التصوف وتطوره عبر التاريخ، و تسارع المتصوفة إلى البدع والمبتدعات وإغراقهم في ذلك.

19- العلامة الشيخ محمد الجزولي سنة 1393هـ في رسالته: “لا طرق في الإسلام” كتبها لشيخ الطائفة التيجانية بالرباط.

ولو ظفرت بمن شئت من علماء المغرب المعادين للتصوف لعدوا وما أحصوا ولكن طلبا للاختصار انقل إليك بعض أقوال فحول المغاربة في التصوف:

أ- العلامة المفسر الكبير أبو عبد الله القرطبي الأندلسي المغربي، يقول في تفسيره: “وعلى التفسيرين ففيه رد على الجهال من الصوفية الذين يرقصون ويصفقون ويصعقون وذلك كله منكر يتنزه عن مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت”.

ب- ويقول العلامة المغربي الأندلسي قاهر المبتدعة الإمام أبو إسحاق الشاطبي في كتابه الاعتصام “وذلك أنه وقع السؤال عن قوم يتسمون بالفقراء -أي المتصوفة- يزعمون أنهم سلكوا طريق الصوفية فيجتمعون في بعض الليالي ويأخذون في الذكر الجهري على صوت واحد ثم في الغناء والرقص إلى آخر ذلك ويحضر معهم بعض المتسمين بالفقهاء، يترسمون برسم الشيوخ الهداة إلى سلوك ذلك الطريق هل هذا العمل صحيح في الشرع أم لا.

فوقع الجواب: “بأن ذلك كله من البدع والمحدثات المخالفة طريقة رسول الله وطريقة أصحابه والتابعين لهم بإحسان”.

وأختم الكلام بما ذكره الشيخ العلامة الفقيه أبو بكر الطرطوشي محمد بن الوليد الفهري المغربي الأندلسي المالكي: “مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا الكتاب الله، وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد، فأَوّل مَنْ أَحثه أصحاب السامريّ، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار، قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار، وعبّاد العجل. وأما القضيب فأوّل مَن اتخذه الزَّنادقة، ليشغلوا به المسلمين عن كتابِ الله تعالى. وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أصحابه، كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوّابه أن يمنعهم من الحضور في المســاجد وغيرها، ولا يحلّ لأَحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين”.

فهؤلاء جميعا ردوا على التصوف وعلى عقائدهم ففي ذلك عبرة وأعظم دليل على أن علماء المغرب لا زالوا مناهضين لبدع المتصوفة، رادين أباطيلهم مبطلين خرافاتهم.

 

و لا يغرنك كثرة المتصوفة المغاربة في العصور المتأخرة، لان عصور الانحطاط لا عبرة بها في ميزان النقد والاعتبار. ولو ظفرت بمن شئت من المغاربة المتأخرين ممن اثنوا على التصوف لم يعشروا معشار مثل أبي بكر الطرطوشي وأبي عبد الله القرطبي وغيرهم، فهؤلاء علية القوم وجلة علماء المغرب في ذلك العصر.

—————–

المراجع :

– إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية

– “ما هي الصوفية وما دورها في الجهاد الإسلامي” للدكتور طارق الطواري عن موقع صيد الفوائد.

– “معلومات مهمة من الدين لا يعلمها كثير من المسلمين” للشيخ محمد بن جميل زينو

– “علماء المغرب ومقاومتهم للبدع والتصوف والقبورية والمواسم” للشيخ مصطفى باحو وقد استفدت كثيرا من هذا الكتاب فجزى الله الشيخ خير جزاء.

– “سير أعلام النبلاء” للإمام أبو عبد الله الذهبي.

– “جريدة السبيل” العدد:51و53.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M