قراءة القرآن جماعة دخيلة على الإسلام؟

07 فبراير 2014 22:30
قراءة القرآن جماعة دخيلة على الإسلام؟

قراءة القرآن جماعة دخيلة على الإسلام؟

د. محمد وراضي

الخميس 06 فبراير 2014م

قلنا ولا نزال نقول ونكرر: الكتابة مسؤولية نتحملها ويتحملها المعترضون والمؤيدون لما نكتبه بدرجات متفاوتة. ونحن ندرك خطورة ما ندلي به من آراء.. فأمامنا علماء ومثقفون ومفكرون، وأمامنا حكام.. إن نحن أخطأنا لا نريد منهم اللجوء إلى الصمت، وإنما إلى تصحيح ما أخطأنا فيه صونا للدين وحماية للجماهير من تضليلنا إن كنا من الضالين المضلين!

إضافة إلى أن أمامنا قراء، منهم من لا يرقون إلى مستوى تحمل مسؤولية ما يصدر عنهم من نقد فج سخيف، يصدر عنهم في حالة غضب انفعالي لكوننا رفضنا نقلا وعقلا ما به يشتغل الطرقيون والقبوريون والعابثون بالدين والمستهزئون به والساخرون منه!

فأصحاب الردود الفجة يفضحهم الافتقار إلى القواعد اللغوية والنحوية والصياغة الإنشائية، وسوق البراهين المأخوذة من مصادرها أو من مراجعها. ولذلك لم أكن أولي اهتمامي لأمثال هؤلاء المندفعين وراء مجرد العواطف، فلم أكن أرد على شخص بعينه، كان اسمه حقيقيا، أو كان عبارة عن اسم مستعار. وإنما كنت أتقدم إلى القراء بمقال يحوي أغلب ما رد به علي الناقدون في المقال أو في المقالات السابقة. ونظرا إلى كون الموضوع هذه المرة جد حساس، فلا بد من توجيه الكلام لشخص بعينه هو عمر الذي يحمل رده رقم 25. فقد انطلق لسانه وقلمه عشوائيا كما ينطلق السهم من الرمية. معتقدا كونه أصاب الطريدة في الصميم. قال أخذ الله بيده حتى لا يزل مرة إلى أسفل سافلين: “أتحداك ألسي وردي أن تقرأ الحزب مع الجماعة 7 مرات، وعند ذلك احكم ما شئت! ولا تكذب علي إمام مالك. لأنه لم يحلل ولم يحرم! وأتحداك أن تأتي بدليل واحد يقول بتحريم قراءة القرآن جماعة يا وردي. لقد أقحمت نفسك في المحظور”!

هذا الكلام الرديء الذي لم أقم بتصحيحه، هل صاحبه على استعداد لتحمل مسؤوليته؟ فليكشف عن حقيقة هويته متى أراد الدخول في حوار عقلاني ديني متزن! إنه لم يثبت حتى اسمي الحقيقي الذي أمضي به مقالاتي! ثم إنه يرفع التحدي ليسوق جملة من الادعاءات الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، إن نحن رغبنا في العودة بالأمور إلى الأصول والمنابع. يعني إلى الله ورسوله متى احتدم الحوار حول موضوع ديني بعينه.

فأعرني إذن سمعك وعقلك يا عمر.. ولتدرك مع المدركين بأننا غير ملزمين باتباع مالك.. ولا باتباع النووي وغيرهما.. وإنما نحن ملزمون باتباع كتاب الله وسنة رسوله. ثم اعلم يا عمر بأنني حفظت القرآن الكريم وعمري لم يتجاوز التاسعة. فضلا عن كوني قضيت فترة بالمدارس العتيقة جنوب المغرب، حيث تلقيت مبادئ اللغة والنحو والصرف والفقهيات. وكنت -كبقية زملائي- نقرأ القرآن جماعة مع الإمام بعد صلاتي المغرب والصبح.. وكان من خطط أستاذنا أن يختبرنا فور الانتهاء من قراءة القرآن بعد الصلاة فيما درسناه من نحويات بالخصوص.. وأذكر أن أول درس تلقيته هو كان وأخواتها.. وبعد الانتهاء من الحزب مساء ذلك اليوم. طلب مني شيخي أن أعرب: “كان الله غفورا رحيما” ففعلت.. فكيف إذن تطلب مني أن أقوم بتجربة قراءة القرآن جماعة سبع مرات.. والحال أنني على تلك القراءة نشأت وعليها تربيت. وعليها واظبت لسنوات طوال.

وإني لأتوجه إليك يا عمر، وإلى نظرائك، وإلى كافة قراء مقالاتي بسؤالين واضحين: ما الأفضل في الدين: قول الرسول وفعله وتقريره؟ أم قول وفعل وتقرير غيره فيه؟ فإن أجبت يا عمر بالإثبات لا بالنفي، أي أنه لا وجود في الدين لأقوال ولأفعال ولتقريرات أفضل من أقواله ومن أفعاله ومن تقريراته ص فيه. ولا أظنك، ولا أظن زملاءك سوف يقولون العكس.. عندها أسوق لك قوله تعالى والخطاب موجه إلى رسوله: “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم“! يعني أن مسؤولية إظهار مراد الله عز وجل في كتابه العزيز، منوطة به ص لا بغيره! وإظهار المراد أو بيانه، إنما يكون بالأقوال وبالأفعال وبالتقريرات، وهذا الثالوث يا عمر هو السنة النبوية بعينها! وقراءتنا يا عمر لقوله سبحانه: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة“، ثم قراءتنا لقوله ص: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا. كتاب الله وسنتي. فمن رغب عن سنتي فليس مني“! يعني أن من أراد البث في سنية أو في بدعية قراءة الجمع للقرآن، فليسأل عما إذا كان النبي ص يمارسها أم لا؟

ولتفهم يا عمر بأن كيفية أداء العبادات، لم تترك لأي كان حتى يؤديها كما يريد..، فنحن بالرسول نقتدي.. ونصلي كما كان يصلي، ونزكي كما علمنا أن نزكي، ونصوم كما علمنا أن نصوم..، وأن نذكر ربنا كما كان يذكره، وأن نقرأ القرآن كما كان يقرؤه. فقد خاطبه ربه بقوله: “ورتل القرآن ترتيلا“. فكان أن واظب ص على تنفيذ أمر ربه. إن له حزبا يقرؤه ولا يخل به “وكانت قراءته ترتيلا، لا هذا ولا عجلة. بل قراءة مفسرة حرفا حرفا. وكان يقطع قراءته آية آية. وكان يمد حروف المد. فيمد الرحمان ويمد الرحيم… وكان يحب أن يسمع القرآن من غيره. وأمر عبد الله بن مسعود، فقرأ عليه وهو يسمع، وخشع ص لسماع القرآن منه حتى ذرفت عيناه”.

وعليك أن تعرف يا عمر، أن الاقتداء بالأئمة واجب على من لا يعرفون الطريق! ثم إن الاقتداء بهم لا يعود إلى كونهم يقدمون جديدا في الدين غير معروف. وإنما الاقتداء بهم لكونهم على بينة من كتاب الله وسنة رسوله. إلى حد أنهم أجمعوا على رأي واحد يقول: “إذا وجدتم في كلامنا ما يخالف السنة فاتركوه وخذوا بها وعليها اعتمدوا”. وإلى هذا ذهب عالم المدينة مالك بن أنس حين قال: “كل كلام يؤخذ منه ويرد إلا كلام صاحب هذا القبر” مشيرا إلى قبره ص! فإن لم يكن عليه السلام يقرأ القرآن جماعة، فإن قراءته بدعة ضلالة. وإلا فليقدم أصحاب هذه البدعة دليلا على أنه ص كان يقرؤه قراءة الجمع؟

ولتعلم يا عمر، أن من أصول المذهب المالكي، عمل أهل المدينة. فلو كان القرآن يقرأ جماعة على عهده ص، للزم أن يواظب الصحب الكرام على تلك القراءة، وهو ما لم يحدث!

وما عليك يا عمر، غير العودة إلى كتاب الصلاة في “الموطأ” لمالك وتقرأ تحت عنوان “العمل في القراءة” ما يلي: عن البياضي أن رسول الله ص خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: “إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه به. ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن”.

ولتفهم يا عمر بأن القادم إلى المسجد لأداء الصلوات الخمس، عليه -من باب السنة- تحيته بركعتين. ومن دخله يوم الجمعة تحديدا، وجد الأصوات المتنافرة المنافية للترتيل المأمور به شرعا تملأ الأفق. فصح التحذير النبوي من رفع الصوت بالقرآن. إذ كيف يناجي المؤمن ربه حينها والتشويش يحول دون مناجاته في سكون أو في هدوء بعيدا عن الضجيج؟

وأخبرك يا عمر بأنني خصصت فصلا للحديث عن مفهوم السنة في الجزء الأول من رسالتي لنيل دكتوراه الدولة. وكان من جملة ما ورد فيه قول عمر بن الخطاب: “السنة ما سنه الله ورسوله. لا تجعلوا حد الرأي سنة للأمة”! والله تعالى ما سن قراءة القرآن جماعة، ولا سنها الرسول ص! وإنما هي تقليد لليهود وللنصارى الذين يقرأون تراتيلهم داخل بيعهم وكنائسهم قراءة الجمع.

ثم إنني يا عمر، خصصت فصلا في الجزء الثاني من نفس كتابي “التصوف الطرقي بالمغرب المعاصر” لقراءة القرآن. وكان من ضمن مراجعي مقال للأستاذ: أحمد الراضي تحت عنوان “التلاوة المغربية للقرآن الكريم” -راجع مجلة دار الحديث عدد 9 ص 151 عام 1412هـ 1991م- حيث قال الكاتب بالحرف: “كره مالك القراءة الجماعية معللا كراهته بأنها لم تكن معروفة عند سلفه ولم يبلغه فيها شيء. وعن ابن وهب قال: قلت لمالك: أرأيت القوم يجتمعون فيقرأون جميعا سورة واحدة حتى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابه وقال: ليس هكذا تصنع الناس. إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه”.

وما ذهب إليه الإمام مالك هو المشهور في مذهبه، وهو الذي درج عليه الشيخ خليل في مختصره (وهذا المختصر من ضمن محتويات مكتبتي). وقد علل الفقهاء المالكية الكراهة بأنها خلاف العمل (عمل أهل المدينة). وبلزوم تخليط بعضهم على بعض وعدم إصغاء بعضهم لبعض”. (ص:171).

لكن الكاتب أحمد الراضي لم يشر إلى الذي سقناه في الموضوع، لأنه منشغل بتأييد ما أراد حكامنا التشبث به، ولو كان بدعة ضلالة، ولا احترم سنته ص في قراءة القرآن. ولا وقف عند مذهب مالك في قراءة الجمع له. وهي عنده قراءة أو عمل مكروه؟ بل مضى يبحث عن تبرير كلامي عقلي لإضفاء المشروعية عليها من منطلق المصلحة المرسلة. فكان أن انتقدته بحجة أن المصلحة المرسلة، لا يتم اللجوء إليها إلا عند انعدام نصوص نقلية. إذ لا اجتهاد مع النص، على حد تعبير فقهاء الدين، وفقهاء القانون الوضعي، وبما أنه ص نهى عن قراءة الجمع، وعلل نهيه بالتشويش على المناجين ربهم داخل المساجد وخارجها. صح أن العدول عنها في الوقت الراهن داخل في إطار إحياء السنن وإماتة البدع، كاستجابة لقوله ص “من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة“!

ثم إنني أدعوك يا عمر إلى أن تكون في طليعة من تمت الإشادة بهم في هذا الحديث النبوي الشريف، أنت ونظراؤك وكافة المهتمين ببناء دولة يختفي فيها الظلم والطغيان والجبروت العلماني المقيت! ثم أذكرك يا عمر بأنه ورد في الكتاب المبين قوله سبحانه: “إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الدين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما“. لكن الصحب الكرام لم يلجأوا إلى عقولهم بحثا عن كيفية الصلاة عليه، وإنما التجأوا إلى معلمهم ومربيهم كعادتهم للاستفسار عما يريدون فهمه من الدين. فعن أبي هريرة قوله: “قلنا يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد. والسلام كما قد علمتم“. (انظر “عمل اليوم والليلة” للإمام النسائي. ت 303هـ).

وأخبرك يا عمر كيف أن تسليمك وتسليم نظرائك وأقرانك بكون أقوال الرسول وأفعاله وتقريراته في الدين، أفضل من أقوال ومن أفعال ومن تقريرات غيره فيه، أيا كان هدا الغير، يلزمك ويلزم من معك تقديم صيغ الصلاة الواردة عنه ص بأسانيد صحيحة على أية صيغة أخرى وردت عن غيره. ف “صلاة الفاتح لما أغلق” جمعها محمد البكري المصري من مصادر عدة (وهذه المصادر بين يدي). ومن جملتها “نهج البلاغة” المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب، حيث ورد فيه قوله: اللهم “اجعل شرائق صلواتك ونوامي بركاتك، على محمد عبدك ورسولك. الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمعلن الحق بالحق”. فحور البكري عبارة “والفاتح لما انغلق” فأصبحت “والفاتح لما أغلق”. وحور عبارة “والمعلن الحق بالحق” فأصبحت “ناصر الحق بالحق”. ثم لتعلم يا عمر أن “صلاة الفاتح لما أغلق” بعد أن جمعها البكري المصري من مصادرها واشتغل بها، أخذها عنه مؤسس الزاوية الدلائية بالمغرب – قبل ولادة التجاني بما يقرب من قرن ونصف – فأصبحت من ضمن أوراده كما جاء في كتاب “الزاوية الدلائية” لأخينا الراحل محمد حجي رحمة الله عليه. ولم يصلنا عنه ولا عن أتباع الدلائيين أي ادعاء يذكر بخصوصها ولا بخصوص فضلها. فنستغرب عدم إثارتها من طرف العلامة الحسن اليوسي الذي يعد مفخرة للزاويتين: الناصرية والدلائية. يكفي في حقه قول القائل:

من فاته الحسن البصري يصحبه فليصحب الحسن اليوسي يكفيه

لكن التجاني ادعى أن الرسول أخبره في اليقظة بأن “صلاة الفاتح لما أغلق” نزلت على البكري في صحيفة من النور! وأنها لم تكن من كلام بشر! وأن قراءتها مرة واحدة تعدل كل تسبيح وقع في الكون، من جن ومن إنس ومن ملائكة، منذ أن خلق الله العالم إلى النفخ في الصور! وأن ثواب من قرأها مرة واحدة، يعدل ثواب من ختم القرآن ستة آلاف مرة! كما ورد في كتاب “جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني”.

والغريب أن من يعتبر خليفة من خلفاء التجاني (وهو الحسن البعقيلي السوسي) ألف كتابا عنوانه “ترياق لمن فسد قلبه ومزاجه” لمواجهة انتقادات السلفيين التي انصبت بقوة أيام الاستعمار على الطرقيين عامة وعلى التجانيين خاصة. حيث ادعى أن “صلاة الفاتح لما أغلق” تلقاها النبي ص مباشرة من ربه ليلة الإسراء. فكان أن ناقشت ما ادعاه ثالوث: التجاني والبعقيلي والرسول المفترى عليه بخصوصها فتساءلت: أي من هؤلاء الثلاثة نصدق؟ فالنبي ص جعله التجاني والبعقيلي كذابا بعد أن كانت صفته الصدق، إنما لمادا؟ لقد تلقى من ربه ليلة الإسراء “صلاة الفاتح لما أغلق” وهو بمكة. ولما هاجر إلى المدينة المنورة نزلت عليه الآية المذكورة قبله. ولما طلب منه الصحابة تعليمهم كيفية الصلاة عليه. أملى عليهم الصيغة التي قدمناها في حينه، والمعروفة لدى العلماء بـ”الصلاة الإبراهيمية”. ثم أخفى عنهم “صلاة الفاتح لما أغلق”! والتي كان يحفظها عن ظهر قلب. ثم ادعى في اليقظة بعد مضي قرون على وفاته أنها وحي من الله نزل على البكري المصري الشاذلي الطريقة. فصح أنه كذاب حسب البعقيلي الذي كذب كذلك شيخه التجاني. لكنه ص مجني عليه من الطرفين كليهما: من طرف التجاني الذي أسند إليه ما هو بريء من قوله لانتفاء أن يكون ص بعد وفاته يقطع آلاف الأميال لمقابلة المتصوفين المتزندقين في بيوتهم حيث يقيمون. فواحد يدعي أن الرسول حدثه مباشرة عن “صلاة الفاتح لما أغلق” وأخبره أنها وحي إلهي لا من كلام بشر. وواحد يدعي أن الرسول تلقاها مباشرة من ربه ليلة الإسراء. ولهده الأسباب جميعها تساءلنا عن كيفية تسربها إلى القصر الملكي العامر؟ كما تساءلنا عن الاشتغال بها وعلماء السلطان على علم بأنها من المبتدعات التي لا ترقى إلى أية صيغة من صيغ الصلاة على الرسول وردت في كتب الأحاديث النبوية.

ونحن هنا لا يسعنا غير الختم بقوله ص: “من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين“! فقال عبد الرحمان بن عوف: يا رسول الله، وما الإحداث فيه؟ قال: “أن يقتل في غير حد، أو يسن سنة سوء لم تكن“!!!

www.islamthinking.blog.com

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M