ذ. احساين: التعليم الخصوصي بين الكتب المستوردة وإشكالية الخصوصية القيمية

20 فبراير 2014 21:00
ذ. احساين: التعليم الخصوصي بين الكتب المستوردة وإشكالية الخصوصية القيمية

ذ. احساين: التعليم الخصوصي بين الكتب المستوردة وإشكالية الخصوصية القيمية

حاوره: إبراهيم بيدون

هوية بريس – الخميس 20 فبراير 2014م

بعد الضجة التي أثارها كتاب مادة الفرنسية المستوى السادس ابتدائي والذي يدرس في بعض المدارس الخاصة وذلك بسبب ما احتواه من عقائد وثنية، ودعوة للتنصير، وتحريف وتشويه للمفاهيم وتلقين للسلوكيات المنحرفة، ارتأينا في “هوية بريس” أن نجري حوارا لتنوير الرأي العام مع الأستاذ محمد احساين وهو مؤطر تربوي وباحث في قضايا التربية الإسلامية، وسؤاله عن الآليات المعتمدة في إقرار ومراقبة المناهج الدراسية في التعليم الخصوصي، وعمن يتحمل مسؤولية ما يهدد عقائد ومفاهيم رواد هذا التعليم والإجراءات الواجب اتخاذها، وعن دور المؤسسة التعليمية والتربوية في تحصين الناشئة عقائديا وأخلاقيا.

وهذا نص الحوار:

1- ما هي الآليات المعتمدة في إقرار ومراقبة المناهج الدراسية في التعليم الخصوصي؟

– مما لا شك فيه أن التعليم الخصوصي تعتبره الدولة جزءا هاما ومكملا للعرض التربوي بالبلاد، من خلال استقطابه لفئات من المتعلمين، وبالتالي يخفف من عبء الدولة في مسؤوليتها ضمان حق التعلم للجميع؛ حيث تريد منه الدولة أن يتحمل عنها جزءا من الأعباء المادية التي تثقل كاهلها في الإنفاق على التعليم العمومي.

وقد لعب هذا النوع من التعليم دورا مهما في لحظات تاريخية من تاريخ البلاد، خاصة على عهد الحماية؛ حيث أنشئت المدارس والمعاهد الحرة من طرف الحركة الوطنية، وكان هدفها تقوية قيم المواطنة والوطنية لدى رواده، وترسيخ القيم الدينية، وتثبيت الهوية في مواجهة المخططات الاستعمارية وما حملته من قيم التغريب.

اعتمدت هذه المدارس على معلمين مغاربة انطلقوا من تكوينهم وثقافتهم الشخصية مزاوجين بينها وبين الكتب الشرعية والأدبية والعلمية مركزين على بعض المصنفات والمتون المغربية والمشرقية، ولم تكن تثير إشكالا على مستوى العقيدة والعبادة والسلوك؛ لأن ما تحمله من قيم كان متجانسا ومتناغما مع التوجهات الدينية للمغاربة؛ وحيث كان الهدف المركزي للتربية والتهذيب منسجما مع متطلبات الهوية المجتمعية، فكانت بذلك مدارس وطنية أنتجت كفاءات وطاقات لها من الحصانة والاعتزاز بالهوية ما جعلهم يقفون في مواجهة المستعمر وظهيره البربري، مما يبرز أن هناك عاملين أساسيين كانا دوما يتحكمان في توجيه المدرسة ورسم أهدافها وخططها، وهما العامل الديني والعامل السياسي. بل إن حركة التاريخ الإنساني تشهد أن العامل الديني من أضخم القوى المؤثرة في الحياة الإنسانية بشكل عام.

ومن هنا يمكن استخلاص أهمية الدرس الذي قدمه التعليم الخصوصي لأجيال ما بعد الاستعمار للمغرب، ويشير إلى قيمة الممانعة التي مارسها لإذكاء روح المواطنة وزرع ثقافة التحرر، فكانت نبراسا ألهب حماس الشعب، وساهم في بلورة نخبة من المثقفين أرسوا فيما بعد دعامات المغرب في ميادين السياسة والثقافة والاجتماع والعلم…

لكن المشكل الذي سقط فيه التعليم الخصوصي اليوم هو انفتاحه على الثقافة الغربية بكل مضامينها وخلفياتها ومبادئها المكرسة في الكتب المدرسية، هذا الانفتاح جعل التعليم الخصوصي لا يلتقي بالمنتوج الوطني فيما يخص الكتاب المدرسي؛ بل تراهن المؤسسات الخصوصية على عنصر التميز في جلب الكتب المدرسية الأجنبية الفرنسية والإنجليزية على الخصوص. ولا شك أن هذه الكتب الأجنبية مؤلفة انطلاقا من خلفيات فلسفية وقيمية تبلور المبادئ العلمانية، تكريسا لعلمنة المجتمع، وهي فلسفة لا تعترف بالبعد الديني والقيمي في العملية التربوية، بل تعمل على مصادرته والتشويش على عقيدة المتعلمين، وتوجيهها نحو اللائكية بتضمينها أفكارا حول عقيدة التثليث والتنصير والمساواة بين كل الديانات…

 وإذا كان هذا مقبولا في نظر منظري المناهج العلمانية، فإن استيراد هذه المناهج والكتب المدرسية إلى المجتمع المغربي المسلم، وتداولها في مؤسسات التعليم الخصوصي والبعثات التي يرتادها أبناء المغاربة يطرح كثيرا من التساؤلات والإشكالات على مستوى علاقة الدولة وسلطتها الوصية على المؤسسات الخصوصية ومتعلميها في مراقبتها، واعتماد آليات هذه المراقبة، خاصة وأن التعليم الخصوصي عندنا يراهن على كسب الزبناء، وإبراز الوجه الإيجابي للعرض التعليمي الذي يقدمه من خلال مجموعة من المبادرات والأنشطة والإجراءات الإدارية، وكذا اختيار واقتراح الكتب المدرسية الأجنبية…

وإذا تجاوزنا الإشكال المضموني وما يحمله من قيم مخالفة لما تنص عليه الوثائق الرسمية في المغرب مثل الميثاق الوطني للتربية والتكوين ووثيقة التوجهات والاختيارات المحددة لتوجهات المنظومة التربوية ببلادنا فيما يخص مدخل القيم والمداخل البيداغوجية، فإن الإشكال المنهجي البيداغوجي يحضر بقوة في التعليم الخصوصي؛ ذلك أن تلك الكتب مبنية على أسس منهجية وفلسفية وبيداغوجية وديداكتيكية معينة؛ مما يعمق الإشكال ويطرح أكثر من تساؤل.

فهل المدرس في التعليم الخصوصي واع بتلك الخلفيات الفلسفية والقيمية للكتب الأجنبية وأسس بنائها الديداكتيكي، مما يجعله ينخرط في التعامل الإيجابي معها؟

وهل يتلقى تكوينا مناسبا ويتدرب على الاشتغال الديداكتيكي عليها أم أنه ممتثل مطاع للمؤسسة التي فرضت عليه تلك الكتب فرضا، ويرى نفسه ملزما بتتبع حرفيتها في مضامينها وقيمها ومنهجيتها؟؟…

وهذا يطرح إشكالية مراقبة هذه المؤسسات وطبيعة اشتغالها ومناهجها وكتبها المقررة، وكذا آليات هذه المراقبة.

 فحسب الوثائق الرسمية المنظمة لمؤسسات التعليم الخصوصي يلاحظ أنها تخضع لمراقبة تربوية وإدارية تمارسها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، وتشمل هذه المراقبة التربوية السهر على تقيد مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي بأحكام القانون فيما يتعلق بمراقبة استعمال الكتب والوسائل التربوية. وإن كان هذا القانون يستثني بعض المؤسسات التي لها طابع دولي أو دبلوماسي.. فإنها تبقى خاضعة لمراقبة الدولة حيث ينص القانون رقم 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي على أنه: “لا تطبق أحكام هذا القانون على مؤسسات التعليم التي تمارس نشاطها في إطار الاتفاقيات المبرمة بين حكومة المملكة المغربية وحكومات الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية غير أن هذه المؤسسات تبقى خاضعة لمراقبة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بخصوص مدى التزام هذه المؤسسات بمضمون الاتفاقيات المذكورة “.

وتؤكد المادة 2 من نفس القانون على أنه “يجب على كل من يرغب في فتح مؤسسة للتعليم المدرسي الخصوص أو توسيعها أو إدخال أي تغيير عليها أن يطلب ترخيصا مسبقا من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية، وذلك طبقا للكيفيات المحددة بنص تنظيمي.

ويشترط القانون من أجل طلب رخصة فتح أو توسيع أو تغيير أو تدبير مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي من بين الوثائق المطلوبة “برنامج الدراسة والحصص ولائحة الكتب الأخرى المستعملة إلى جانب الكتب المعمول بها في التعليم العمومي”؛

ومن أجل جعل المناهج المعتمدة في التعليم الخصوصي منسجمة ومتماشية مع المناهج الرسمية تشترط المادة 8 من القانون عرض مشروع المؤسسة لموافقة الأكاديمية الجهوية حيث ترى أنه “يمكن لمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي تقديم مشروع تربوي يتضمن على الخصوص برامج ملائمة للتوجهات العامة للنظام التربوي، شريطة أن يهدف هذا المشروع إلى التهييء لنفس الشهادات الوطنية وأن يعرض على موافقة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية”.

 وفي ما يخص المراقبة البعدية توجه المذكرة رقم: 81 السادة مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى ضرورة تعزيز مراقبة مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي. تطبيقا للمـادة 22 من القانـون رقم 00/06 من خلال – تتبع الإعلانات الإشهارية التي تقوم بنشرها مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي لاستقطاب التلاميذ. والتأكد من أن مضمون هذه لإعلانات مطابق للترخيص المسلم لها أو مطابق للتعليم المرغوب في الترخيص به، وأنها لا تتضمن معلومات من شأنها أن تغالط التلاميذ وأوليائهم من حيث المستويات الدراسية المعتمدة، ومحتوى البرامج الدراسية، علما بأنه لا يسمح لهذه المؤسسات إلا بتلقين البرامج التعليمية الوطنية مع إمكانيات إضافة بعض المواد الهادفة إلى الرفع من المردودية التربوية بعد الحصول على إذن مسبق من الإدارة، باستثناء المؤسسات التابعة للبعثات الأجنبية، والتي تبقى خاضعة فقط للمراقبة المنصوص عليها بالمادة 31 من القانون رقم 00/06.

ورغم كل هذه الإجراءات الرقابية فإن واقع بعض المؤسسات الخصوصية (لا يمكن التعميم لأنني وقفت على نماذج منها حريصة على الالتزام بما يقي روادها من اختلال في قيمهم بل يوجد منها من يحدث أقساما وشعبا للتعليم الأصيل داخل مؤسساتها) يشهد على كونها بعيدة عن تلك النصوص بل تتجاوزها من حيث ما يلاحظ من اختلالات على مستوى التزامها بتلك النصوص، نظرا لبعدها عن هدفها التربوي، وتوجهها نحو الربح والتجارة، واعتبارها المتعلم مجرد زبون لديها، ولإرضاء هذا الزبون بما يحقق أكبر قدر من الربح… فإنها تعمد إلى تزويق وتزيين بضاعتها -من أجل ترويج أفضل- إلى اعتماد المؤلفات الأجنبية حيث أصبح التعليم الخصوصي بنسبة مهمة منه يدبر في شكل مقاولة، هدفها الربح على حساب أجيال من المتعلمين، وهذا الأمر له انعكاسات سلبية عديدة، فأصبح التعليم الخصوصي يكرس الطبقية بكل تجلياتها؛ إذ أن كثيرا من هذه المؤسسات أصبحت تتنافس على ما هو أجنبي ولو من باب التقليد والإمعية، وطبعا في غياب المراقبة الصارمة، وتفعيل مقتضياتها القانونية، نتيجة لعدة عوامل موضوعية تخص جهاز المراقبة والتفتيش، والتملص من هذه المراقبة من قبل بعض المؤسسات المعنية، وعدم تكوين مناسب لأطر التدريس والتأطير والإدارة بالتعليم الخصوصي… يجعل رواد هذه المؤسسات يتعرضون لمضامين حاملة لقيم مخالفة للتوجهات الرسمية ومشوشة على مفاهيمهم العقدية ومهددين في أمنهم الروحي.

ذ. احساين: التعليم الخصوصي بين الكتب المستوردة وإشكالية الخصوصية القيمية

2- من يتحمل مسؤولية ما يهدد عقائد ومفاهيم رواد التعليم الخصوصي والإجراءات الواجب اتخاذها؟

مما سبق يبدو أن التعليم الخصوصي في أغلبه يشتغل ضمن أوضاع يسودها كثير من الغموض، والبعد عن الهوية المهنية المنسجمة مع غايات وأهداف المنظومة التربوية، خاصة على مستوى القيم؛ حيث يشتغل على كتب لا يخضع أغلبها إلى أية معايير تربوية، أو بيداوجية، أو ديداكتيكية، من خلال توظيف كتب ومراجع أجنبية لا علاقة لمضامينها وقيمها وديداكتيكيتها وبيداغوجيتها لما يعتمده المغرب رسميا بناء على توجيهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما تولدت عنه من وثائق تربوية… حيث تسوق للغات الأجنبية بشكل سلبي، وعلى حساب اللغات الوطنية؛ مما يجعل الأمر يتجاوز حدود ما هو تربوي إلى ما هو إيديولوجي، وترسخ قيم الانحلال والميوعة، وعدم اعتبار المقومات الدينية للمجتمع المغربي المسلم، من خلال الانفتاح المتطرف الذي قد يصل إلى أقصى تمظهراته المتجلية عبر تعاطي المخدرات، والفهم المغلوط للحرية الشخصية، وتشويه المفاهيم العقدية… وهذا ما برز أخيرا من خلال ما اكتشف من ممارسات داخل بعض هذه المؤسسات؛ حيث يلاحظ المتعلم الصور التي تجسد الذات الإلهية، وتصور الله كأنه رجل ذو لحية بيضاء، وأيضا صورا لسيدنا آدم وحواء وهما عاريان تماما، وما يشير إلى أن الله يشرب الخمر، وأن الله قد خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع… ويتلقى من خلال مضامين تلك الكتب بعض المفاهيم الخطيرة، كالحرية المطلقة، والعلاقات المحرمة، وشرب الخمر، وارتياد الملاهي الليلة… وكل ما يرتبط بتغريب هوية الناشئة… وهكذا يجد المتعلم المغربي نفسه بين أحضان مدارس مغربية خاصة في مواجهة كتب خاصة بمدارس البعثات الأجنبية، ويجد فيها ما يهدم عقيدة التوحيد لديه، ويهدد مفاهيمه، ويربيه على العقيدة النصرانية، ويغرس في ذهنه بعض الوثنيات المتعلقة بالديانات الوثنية الوضعية…، فيصبح مشوش البال، مضطربا بين مبادئ الإسلام والمسيحية، كمدخل لتيسير أمر استقطابه نحو التنصير أو الانحلال والإلحاد، بدعوى الانفتاح على معتقدات الآخرين، خاصة مع أساتذة يجدون أنفسهم مجبرين على الخضوع لتلك المقررات، ولا يمكنهم وقد لا يكون بمقدورهم المعرفي والشرعي والتربوي تجاوز الفقرات المخالفة للقيم والعقيدة الإسلامية، ولعل هذه من عوامل إعداد المتعلم والناشئ للانخراط في مشروع التنصير الذي تجتهد كثير من الجمعيات والمنظمات على بلورته على أرض الإسلام، والعمل على إنجاحه كوجه من أوجه محاربة الإسلام في عقر داره، من خلال مقررات التعليم ومناهجه في البلاد المسلمة، وفي مختلف الأسلاك وبرامج التثقيف والتكوين والتسلية والتنشيط داخل تلك المؤسسات الخصوصية، مما ينتج عنه إفسادُ التعليم الذي يثمر انحرافات فكرية، تفضي إلى زعزعة العقيدة عند روادها، وفرض اللغات الأجنبية وتشجيعها، وإضعاف اللغة العربية وإهمالها، مما أدى إلى جهلها عند الناشئة المسلمة، وانتهاء إلى احتقارها وبغضها، والهرولة نحو التمزيغ والتدريج، وشحن عقولهم بالثناء على تاريخ الغرب ورجالاته، والحثُّ والتشجيع على معرفته، والدعوة إلى الاندماج في الحياة الغربية والانسجام معها، وذلك بإعادة صياغة المجتمع المسلم على نمط الفكر الغربي، ليصبحوا خدامَ التنصير والعولمة والشيوعية والليبرالية واللائكية وأخواتها. ويلقى بهم في أحضان الإلحاد والتمرد على القيم الروحية والاجتماعية والأخلاقية، باعتبارها قيدا يجب كسره لكي يتحقق الانطلاق… ومثل هذا التوجه هو الذي أنتج وينتج عبدة الشيطان والمجاهرين بالإفطار العلني في رمضان، والاحتجاج بالقبلات في الأماكن العامة، وهدم قيمة الزواج بالتصريح العلني بالعلاقات غير الشرعية… وهنا لا بد من البحث عمن يتحمل المسؤولية في ذلك.

لا شك أن المسؤولية هنا مشتركة بين الوزارة الوصية والمؤسسة الخصوصية ومؤسسة الأسرة والمؤسسة الإعلامية وجمعيات المجتمع المدني… في الكشف عن تلك الاختلالات، ومعالجتها، وزجر كل مخالف للتوجهات الرسمية والمجتمعية، فالمؤسسة التعليمية الخصوصية التي تدرج وتختار تلك الكتب المدرسية ضمن مقرراتها وبرامجها الدراسية عن وعي أو عن غير وعي فهي بذلك تسير ضد توجهات المجتمع، وتفسح المجال لزعزعة القيم الدينية لروادها، وتتناقض مع الوثائق الرسمية، وأهداف مادة التربية الإسلامية كمادة قيمية هوياتية تشكل القاسم المشترك بين كل المتعلمين عبر مختلف شعبهم وتوجهاتهم الدراسية، في وقت مطلوب منها الاشتغال على البرامج الدراسية الرسمية خاصة مادة التربية الإسلامية وكتبها المصادق عليها من طرف الوزارة الوصية، والوزارة الوصية التي ترخص بإحداث مؤسسات التعليم الخصوصي فهي مسؤولة عما يروج داخل هذه المؤسسات ومدى التزامها بالقوانين ودفاتر التحملات، والأسرة لها دورها في تتبع ما يتلقاه أبناؤها من مضامين مخالفة للقيم الإسلامية، والمؤسسات الإعلامية في الكشف ونشر الكتب والنصوص والمؤسسات التي تسير في اتجاه زعزعة العقيدة والتشويش على ترسيخ القيم الإسلامية لدى المتعلم… فكل طرف من واجبه القيام بدوره في هذا الجانب ومما يجب المبادرة إليه بصفة عامة :

– تعزيز وتقوية مكانة مادة التربية الإسلامية من خلال الرفع من حصصها ومعاملها واعتبارها مادة أساسية إجبارية في الامتحان الوطني والجهوي والمحلي في كل المستويات، وجعل نقطتها موجبة للرسوب، ومراقبة مدى جدية تطبيق برامج المادة في مؤسسات التعليم الخصوصي.

– على الدولة التفكير بجد في تحيين القانون المؤطر للتعليم الخصوصي بالمغرب مراعية بذلك كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمالية والإيديولوجية والتربوية والسياسية..

– وضع آليات زجرية لمخالفات تلك القوانين وتفعيل الإجراءات الزجرية المنصوص عليها قانونا.

– العمل على تعميم تأسيس جمعيات الآباء داخل مؤسسات التعليم الخصوصي للدفاع عن حقوق أبنائهم ومراقبة مضامين المقررات والمناهج وملاحظة ما يلقن لهم داخل المؤسسة من حصص وأنشطة وما يمرر داخل أنديتها…

– الصرامة في مراقبة المؤسسات التعليمية الخاصة المعتمدة من طرف الحكومة من خلال لجن دورية مركزية وجهوية ومحلية، ومدى التزامها بالتوجيهات الرسمية.

– تعزيز دور رجال التفتيش والمراقبة التربوية، وتشجيعهم على الافتحاص والتقويم ومراقبة السير التربوي والبيداغوجي داخل المؤسسة، وتمكينهم من المعلومات والوسائل المساعدة، واعتبار تقاريرهم من أجل الارتقاء بالمراقبة الإدارية والتأطير التربوي، من خلال توجيه المراقبة لخدمة جانب الجودة بالمؤسسات التعليمية الخصوصية، والتركيز على ما هو تربوي بيداغوجي، وإعطاء الفاعلية اللازمة لهذه المراقبة.

– الرفع من الكفاءة المهنية للمدرسين بإشراكهم في جميع الدورات التكوينية المنظمة لفائدة نظرائهم بالتعليم العمومي،

– تحيين إصدار دفتر تحملات جديد بمقرر وزاري يحدد الشروط التقنية والتربوية والبيداغوجية والقيمية المتعلقة بتسيير مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، وتدقيق بنود التعاقد بين مختلف الأطراف المتدخلة، وتضمينه الشروط المتعلقة بالتكوين الأساسي والمستمر،

عدم غض الطرف على مخالفة دفاتر التحملات على مستوى البنية المادية، وعلى مخالفة المناهج والبرامج الرسمية؛ واعتماد مقررات موازية، واعتماد مقررات غير رسمية.

– تعزيز التأطير والمراقبة، وذلك بإعداد تقارير سنوية حول مراقبة المؤسسات المرخص لها بهدف الوقوف على الوضعية العامة للسير التربوي والإداري لهذه المؤسسات، ومن ثم وضع استراتيجية لتثمين المبادرات الناجحة وتصحيح الاختلالات الملاحظة.

ذ. احساين: التعليم الخصوصي بين الكتب المستوردة وإشكالية الخصوصية القيمية

3- ما هو دور المؤسسة التعليمية والتربوية في تحصين الناشئة عقائديا وأخلاقيا؟

الاعتقاد شيء طبيعي في شخصية الفرد يميز كينونته، والإنسان يبلور معتقده وينميه من خلال التنشئة الاجتماعية، ونوعية هذه التنشئة، ونوع القيم المجتمعية التي يتلقاها، وتشكل لديه مجموعة من القيم الإيمانية، والإيمان بالله الخالق مكون فطري وشعور غريزي في الإنسان، يتسم به ويلاحقه في جميع أطوار حياته، باعتبار أن النفس البشرية بطبعها مفطورة على حب خالقها، قال تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” ﴿الروم 30﴾. فإيمان الفطرة إيمان عميق، مغروس في النفس، إلا أنه في حاجة إلى من يستثيره ويخرجه إلى الوجود في شكل إيمان عملي نافذ المفعول، باعتبار أن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ومن هنا كان من الأهداف التربوية ترسيخ القيم الاعتقادية في نفوس الناشئة، وكل أمة من الأمم تجتهد وتسعى لتربية ناشئتها على العقائد المختلفة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ” (صحيح البخاري).

 وبناء العقيدة هي القاعدة التي يجب أن تستقر في النفوس قبل الدخول في التكاليف والفرائض والأحكام، وتحصينها ينطلق من الاهتمام بغرسها منذ الولادة، وبنائها بناء سليما؛ لأنه الأساس الذي تنطلق منه سائر المجالات الأخرى، حيث يكون المنطلق هو تعريف الإنسان بوحدانية الله وربوبيته، وتنقية ضميره من شوائب الشرك، وعقله من شوائب الخرافة، والمجتمع من تقاليد الجاهلية؛ ويتم غرس العقيدة من خلال إحياء بذرة الفطرة منذ الولادة بتلقين الطفل كلمة التوحيد بالأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، وتثبيت اعتقاده بوحدانية الله، وترسيخ حب الله تعالى في قلبه، وطاعة الله ومراقبته في السر والعلن، وحسن الظن به واللجوء إليه، وترسيخ حب النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خلال فترة الصغر… باعتبار أن قضية العقيدة هي قضية ديننا الأساسية، وهي القاعدة التي يقوم عليها بناء الدين، وترجع إليها التكاليف والفرائض، وتستمد منها الحقوق والواجبات،

لذلك كان من الضروري تعهد العقيدة بالصيانة عبر مراحل الطفولة ويكون للبيت الدور الرئيس في غرس نبتة العقيدة، من خلال ما يلحظه الولد من سلوكات إيمانية داخل الأسرة، حتى إذا ولج المؤسسة التعليمية كان لها دورها التكاملي في ترسيخ أسس العقيدة والإيمان، من جراء مختلف المواد الدراسية، والعمل على تحصينها من كل مظاهر الفساد والغلو والانحلال، ولعل هذا من وظائف المؤسسة التربوية في المجتمع الإسلامي، باعتبارها مؤسسة مجتمعية موكول إليها أمر هذه التربية، بما تحمله من معاني التنشئة والتهذيب، وإكساب المعارف والقيم والمحافظة على الثوابت… ويتم تحصين العقيدة من خلال مجموعة من القواعد والآليات التربوية، منها: 

– تأصيل العقيدة في نفوس المسلمين من خلال مناهج التعليم، وبرامج التربية، بصفة عامة مع التركيز على ترسيخها في قلوب الناشئة، خاصة في المدارس، وذلك بتعليم أسس العقيدة السليمة منذ الصغر، وتدريب المتعلم على ممارسة بعض الشعائر الدينية والتصرف وفق الأخلاق الإسلامية إذ كلما تعلم الناس العقيدة كلما رسخت قلوبهم قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ [سورة إبراهيم: الآية 27] والقول الثابت للذين آمنوا الإيمان، وهو التوحيد،

 – جعل محور العقيدة أصلا في المناهج الدراسية، وبلورة ذلك في المقررات والكتب المدرسية، والعمل على تجنب التناقض القيمي بين المواد الدراسية.

– تحصين إيمان الشباب في إطار مواجهة التحديات العقائدية للشباب بالحث على التمسك بالكتاب والسنة ونشر العقيدة الصحيحة بين الناس، بطباعة الكتب، ونسخ الأشرطة، وكل ما أوتينا من وسائل العلم المتاحة، والقنوات التي يمكن أن ينشر فيها العلم، حتى يصل الحق إلى الناس. صيانة للناشئة من الآراء ا التي تدعو إلى الانحلال في الأخلاق، والبعد عن مكارم الأخلاق، والدعوة إلى الباطل والسوء، والأفكار العلمانية المحاربة لدين الإسلام، والمشككة فيه، والداعية إلى ترك العمل به، والتحذير من أماكن الفتن، والخوض في الشبه، والتوجه نحو العمل الصالح المنتج، وعدم الانصياع للاتجاهات الشاذة التي تحاول التأسيس لتيار جارف ضد مقومات الأمة وثوابتها انطلاقا من التشكيك والتحريف في فهم النصوص وسبل تنزيلها على الواقع المعيش.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M