قراءة في كتاب: «منهج البحث في تاريخ الصحابة»

22 فبراير 2014 13:59
قراءة في كتاب: «منهج البحث في تاريخ الصحابة»

قراءة في كتاب: «منهج البحث في تاريخ الصحابة»

(معاوية بن أبي سفيان أنموذجا)

ذ. طيب العزاوي

هوية بريس – السبت 22 فبراير 2014م

العنوان: منهج البحث في تاريخ الصحابة (معاوية بن أبي سفيان أنموذجا)

المؤلف: الدكتور زين العابدين بلافريج – من علماء الدار البيضاء-

الأجزاء: مجلد في (255) صفحة، محتوياته كالتالي:

المقدمة: ذكر فيها الشيخ حفظه الله أن دولة السُّنة قامت على هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن السُّنيِّين هم الذين يترسمون منهج الكتاب والسنة في أصول الدين وفروعه، وتلوح عليهم آثار التأسي وبركات القدوة ونضرة الحديث، تستجيب أقوالهم وأفعالهم لهما؛ وينتصرون بهما ولهما، ويتبوؤون بفضل الله مرتبة الوسطية سمة أمة الإسلام: “وكذلك جعلناكم أمةً وسطا…” الآية.

يقول الشيخ حفظه الله: “وقد بقي منهج السلف أسلم وأعلم منذ عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-، وإن كان التاريخ شهد تخلل مناهج مناوئة وطرق مستحدثة، استبدلت بالأمر العتيق الذي عليه سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين؛ قوانين فلسفية يونانية دخيلة، أورثت الشكوك في المعتقد، والتكلف في البحث، واستعملت أساليب منحرفة في تفسير النصوص الشرعية، من تأويل وتحكيم للعقل وتقديمه على النص وإرجاع قضية القبول والرد إليه، فجعلوا العقول حاكمة على الشرائع هوى وتمردا، ودخل على المسلمين من جراء ذلك خلاف عريض في قضايا الصفات الإلهية والقضاء والقدر وما إلى ذلك من قضايا الاعتقاد”.

ثم بيـَّن الشيخ أن المسلم يسعه ما وسع صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من الدين والعلم والفهم والمنهج، لأنهم كانوا على الدين القويم والفهم السديد والطريقة المثلى، لأنهم عاصروا الوحي والتنزيل، وصحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، فأخذوا عنه دين الله علما وعملا، وبه فهموا دقَّه وجلَّه، معتقده وعباداته، معاملاته وأخلاقه.

 يقول الشيخ حفظه الله: “وقد كان من أبرز القضايا التي عالجها علماء السنة، وكانت إحدى محاور البحث في علم السنة، وفيصلا بين السنة والرفض، موضوع الصحابة، فلا يزال الحديث فيه كاشفا عن سنة المتحدث أو بدعته، فإن الانتفاع بالسنة له أمارات من هيئة وتمسك بالسنة، والوقوف حيث وقف السلف علما وديانة. ومن ذلك استقامة الحديث عن الصحابة إذا ذكروا، وتوقيرهم وحفظ مقامهم وعدالتهم التي شهد بها الكتاب والسنة، وتطهير القلب من الغلِّ لأحد منهم، والاستغفار لهم استجابة لهدي القرآن، والكف عن وصفهم بما يخالف العدالة، وتحسين الظن بهم وحمل مواقفهم على أحسن المحامل”.

 الفصل الأول: قواعد منهجية في البحث في تاريخ الصحابة: افتتح الشيخُ حفظه الله هذا الفصل بقوله: “عند دراسة تاريخ الإسلام -وخاصة ما تعلق منه بالصحابة رضوان الله عليهم- يجب دراسة هذا التاريخ باصطحاب مناهج المسلمين في البحث العلمي، واستحضار سيرة الصحابة وما عُهد في ديانتهم وسيرتهم، فنتعامل مع أخبارهم بناء على معهود دينهم وموصوف أخلاقهم، وما يجوز أن يكون منهم وما لا يجوز؟ بما عُلم من حسن تأسيهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما خرج عن أصول دينهم وحميد نعوتهم -مما اشتهر واستفاض، ودلت عليه أخبارهم الصحيحة، ورواه عنهم تابعوهم بإحسان- فلا يصح تصديقه ولا اعتماده ولا ترويجه .

والأصل في هذا اتباع القرآن الذي أشاد بمتين دينهم وعدالتهم، والسنة التي مثل القرآن في ذلك. ويتبع ذلك أصل آخر في المنهج وهو أنه يلزم الباحث في تاريخهم أن ينتقي المصادر الصحيحة التي تعد أساس استخراج معلومات عن أي صحابي، وهي تلك التي اعتمدت الإسناد في نقل أخبارهم واتصلت تلك الأسانيد وسلمت من العلل القادحة. فمن الجناية على التاريخ التسرُّعُ بالجزم بأخبار وتفاصيل لا يسعفها نقل ثابت، وهي قابلية ساذجة مرفوضة بكل مقاييس البحث العلمي”.

ثم فصَّل الشيخ وفقه الله وبيـَّن وبرهن على صحة هذه النتيجة بالأدلة النقلية والعقلية والأقوال السَّنية،  بما لا يدع شكا لمريب ولا شبهة لعنيد، وجعلها في مباحث:

 أولا: اتباع الكتاب والسنة والتسليم بدلالتهما: وقد ذكر فيه أقوال العلماء في ذم علم الكلام وخطر الاشتغال به، وهي كثيرة أكتفي هنا بالآتي:

1)- قول الإمام مالك: “ليس هذا الجدال من الدين في شيء”. وقوله: “لا تُمكِّن زائغَ القلب من أذنك، فإنك لا تدري ما يعلقك من ذلك”.

2)- وقول الإمام ابن عقيل: “قال بعض أصحابنا أنا أقطع أن الصحابة رضي الله عنهم ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيته.

قال: وقد أفضى هذا الكلام بأهله إلى الشكوك، وبكثير منهم إلى الإلحاد، وأصل ذلك أنهم ما قنعوا بما بعثت به الشرائع وطلبوا الحقائق، وليس في قوة العقل إدراك ما عند الله من الحِكَم التي انفرد بها. ولو لم يكن في الكلام شيء يُذم به إلا مسألتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم وجديرا بالترك، إحداهما: قول طائفة منهم: إن أول الواجبات الشك في الله تعالى. والثانية: قول جماعة منهم: إن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها والأبحاث التي حرروها فلا يصح إيمانه، وهو كافر”.

ثم ذكر الشيخ حفظه الله رجوع كثير من أئمة المتكلمين عن علم الكلام، كأبي المعالي الجويني والغزالي والرازي والوليد الكرابيسي وأبي الوفاء ابن عقيل والشهرستاني، وذكر بعض أقوالهم في ذلك.

 ثانيا: التفسير الإسلامي لتاريخ الصحابة: وبين فيه الشيخ أن مما لا يتنازل عنه المسلم ولا يساوم عليه، عدم فصل العقيدة والتصور عن دراسته للتاريخ الإسلامي. وذكر الشيخ من خصائص المنهج الإسلامي في دراسة تاريخ الصحابة مع ذكر الأدلة والبراهين:

1)- إن الصحابة جميعا عدول.

2)- إن تعديل الكتاب والسنة للصحابة يقتضي شهادة المسلم بما شهدا لهم به، من حسن الديانة وصحيح الإيمان وعظيم الإخلاص وصدق البدل والترضي عنهم حيث رضي الله عنهم.

3)- سلامة القلب عند ذكرهم.

4)- نشر محاسنهم والكف عن إبراز ما ظاهره خلاف ذلك.

5)- توجيه خلافات الصحابة وملابستهم الفتن ومواقفهم من الخلافة والبيعة من منظور إسلامي: ومما جاء فيه قول إمام الحرمين: “ومعاوية وإن قاتل عليا فإنه كان لا ينكر إمامته ولا يدعيها لنفسه، وإنما كان يطلب قتلة عثمان رضي الله عنه، ظانا أنه مصيب، وكان مخطئا، وعلي -رضي الله عنهم وعنه- متمسك بالحق”.

 ثالثا: وزن المرويات التاريخية الواردة في الصحابة بميزان النقد الحديثي: ومما جاء فيه قول الشيخ حفظه الله: “ليس كل ما ورد في التاريخ يحسب شاهدا صادقا، ودليلا موثقا يحتج به في البحوث والدراسات، فإن التاريخ جمع الغث والسمين، وليس أدل على ذلك من جمعه بين روايات متعارضة وأخبار متناقضة، وتواريخ متضاربة للحدث الواحد، وطبيعة النقل قابلة للدخيل، عرضة للكذب والخطأ، فكان لزاما توثيق النقل وسلامة الطرق الموصلة للأخبار، ومنطق النقل يسوي المقايسة بين التحري في قبول كل ما يذكره التاريخ وبين نفيه كله، فكما لا نقبل تكذيب كل ما في التاريخ فيلزم أن لا نقبل -أيضاً- كل ما روي فيه، فليس من الحزم والتثبت في رواية الأخبار التحلي بالقابلية الساذجة للتصديق”.

ثم بين الشيخ أن الروايات التاريخية تتسم بالتساهل بالنسبة إلى رواية الأحاديث النبوية، فثقات المؤرخين مثل محمد بن إسحاق وخليفة بن خياط والإمام الطبري يكثرون من الأخبار المرسلة والمنقطعة، يقول الشيخ حفظه الله: “إسنادهم لبعض الأخبار لا يعني ثبوتها، فإن من منهج المتقدمين أن في إبراز الإسناد حكما عليه وبيانا لدرجته وقيمته، فمن أسند فقد أحال وارتفعت عنه التبعة”.

ثم ضرب الشيخ حفظه الله الأمثلة، وذكر بعض الوضَّاعين وأسباب وضعهم، وبعض الكتب المشهورة بالوضع. فارجع إليه لنفاسته وغزير فائدته.

وختم الشيخ هذا الفصل بالمباحث التالية:

1)- من هو الصحابي؟

2)- عموم العدالة لجميع الصحابة.

3)- الانحراف عن الكتاب والسنة وجريمة سب الصحابة.

3)- شتم الصحابة علامة حمل الغيظ لهم.

4)- أقوال الأئمة من الصحابة ومن بعدهم في حكم من سب الصحابة. 

 الفصل الثاني: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: وفيه:

1)- نسَبُه وأسرته.

2)- إسلامه.

3)- صُحبته.

4)- فضائله.

5)- تحقيق الله على يدي معاوية رضي الله عنه علامةً من علامات النبوة: فهو أول من غزا البحر.

6)- معاوية أحد كتبة الوحي.

7)- صلاة معاوية خلف الرسول صلى الله عليه وسلم.

8)- علمه وفقهه وروايته.

9)- أخلاقه ومحاسن سيرته وطرف من إنصافه وتعقله.

10)- خلافته وفتوحه وأعماله.

11)- مآخذ أنكرت على معاوية رضي الله عنه: وقرر فيه الشيخ حفظه الله منهج أهل السنة في باب الصحابة، وهو عدم التشهير بما أنكر عليهم وإبراز مثالبهم.

يقول الشيخ حفظه الله: “وهذا المسلك يتفق مع مبدأ سلامة القلب لجميعهم، وتحقيق تطهيره من الغل، والاستغفار لهم والترحم والترضي عليهم، والإعراض عن نبش صحائف طويت، وبسط رفعت، فكلهم وعد الله الحسنى، ولهم أعمال عظيمة وحسنات جليلة ومصائب مكفرة، غمرت ما صدر من بعضهم بمقتضى بشريته”.

وبيـَّن الدكتور أن ترك مراجعة هذه الأوراق بُنيَ على العلم والسلامة، وذكَّر مرة أخرى بأن تفسير التاريخ عند المسلمين وخاصة أحداث الصحابة ومواقفهم محكومة بتصور إسلامي يصحح تفسير بواعثهم ودوافعهم، ويحدد مسؤوليتهم عما حصل، ويضع الحجم اللائق لكل تصرف وعمل وموقف.

يقول الشيخ حفظه الله: “وأبرز ما في ذلك عدم تناسي مقام الصحبة الذي له الدور الكبير في التفسير والحكم، ولعمري إن في مثل قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في إخباره قريشاً بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم؛ ما يُعدُّ إفشاءً للسر، وعند النظار السياسيين يسمى الخيانة العظمى، ومع ذلك شفع له كونه بدرياً -من أهل بدر-، وكان مانعا من عقوبته ومن شتمه ولومه، أما التفسير المجرد لتاريخ الصحابة فإنه لخلوه عن اعتبار ذلك سوف يشن اللوم ويكيل الألقاب القبيحة لمن حصل منه شيء من ذلك كائنا من كان، ولا يقبل له عذرا أو تأويلا، وهذا فاصل جوهري وفارق أساسي بين التفسيرين للتاريخ”.

ثم بيـَّن أن ما يذكر عن معاوية رضي الله عنه يجب توجيهه وفق التصور الإسلامي في تفسير أحداث الصحابة وأعمالهم، “هذا إن ثبت عنه ما نسب إليه -يقول الشيخ- وما أكثر ما نسب إليه زورا وكذبا، وللرافضة فيه يد طولى، وقد أفرزت بدعة الرفض نصوصا مختلقة في ذم معاوية وتشويه مقامه، ومعلوم أن الصحابة الذين حصل لهم خلاف مع أحد من آل البيت هم أكثر حظا من شتام المبتدعة وكذبهم عليهم، وكانت نصوص أهل السنة حاضرة في صد التيار المستهتر ورد عدوانه”.

ومن الأقوال الجميلة التي ذكرها الشيخ -وهي كثيرة- ما رواه ابن عساكر عن الإمام أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية، فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل عليا، فقال له الإمام أبو زرعة: “ويحك؛ إن ربَّ معاوية رحيم، وخصْمَ معاوية كريم، فإيش دخولك أنت بينهما رضي الله عنهما”.

12)- مآخذ ثابتة من جهة النقل وبيان مدلولها الصحيح: افتتح الشيخ حفظه الله هذا المبحث بقوله: “تختلف الأهواء ببعضهم فتهوي به في مكان سحيق، فيبعد النجعة في تحديد المدلول الصحيح للنصوص والأحداث، ضاربا صفحا عن شروح العلماء المعتد بهم في فقه النصوص، تتحكمه آفة الهوى فيفهم من النص المعنى السيء، جامدا على ظاهرية يحمل لواءها في أخبار الصحابة، منكبا عنها في قضايا الفقه والاستنباط، أعاذنا الله من الهوى، ومنها ما يرجع إلى عدم فهم بأساليب العرب في الخطاب وما يجري في حوارهم العادي، وما تعودوا عليه من ضرب الأمثال في الكلام”.

ثم عرض الشيخ حفظه الله بعض ما يتشدق به ذووا الغل والحقد، المجانبون لسبيل السنة وهدي سلف الأمة، ونسفها بالأدلة الناصعة والبراهين الساطعة.

13)- جوانب من الأكاذيب المفتراة على معاوية: وذكر فيها بعض الأحاديث المكذوبة، وبين عللها سندا ومتنا على قواعد وضوابط علماء الرواية والدراية، وذكر أقوال بعض المنحرفين المعاصرين. 

حفظ الله الشيخ الدكتور زين العابدين بلافريج وبارك فيه وفي سعيه ونصر به السنة وقمع به البدعة… آمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M