الأمازيغية.. بين لغات الأم ولغة الكتابة

23 فبراير 2014 03:50
الأمازيغية.. بين لغات الأم ولغة الكتابة

الأمازيغية.. بين لغات الأم ولغة الكتابة

محمد أقديم

هوية بريس – الأحد 23 فبراير 2014م

يُحْتَفَلُ سنويا باليوم العالمي للغة الأم، في كل يوم 21فبرايير من كل سنة، هذه المناسبة التي أعلنتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في مؤتمرها العام في نوفمبر من عام 1999، وكان المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من المؤسسات العلمية والثقافية بالمغرب التي تولي أهمية كبيرة لهذا اليوم العالمي، من خلال تنظيم ندوات ومحاضرات وأنشطة ثقافية وفنية في هذه المناسبة، من منطلق أن اللغة الأمازيغية لغة للأم، مما يقتضي الاهتمام بها. وبهذه المناسبة سنتناول بالتحليل موضوع اللغة الأمازيغية في علاقتها بلغة الأم وبالكتابة.

 

في علاقة اللغة بالكتابة

بداية لا بد من إلقاء نظرة حول اللغة بصفة عامة، وعلاقتها بالكتابة والشفهية، حتى نتمكن من فهم الشروط الموضوعية التي تساهم في نقل لغة ما من المستوى الشفهي الطبيعي(لغة الأم) إلى مستوى التدوين والكتابة. فإذا كانت اللغة في أبسط تعريف لها، هي “مجموعة أصوات رمزية ضمن نظام متعارف عليه بعد اختباره من خلال الممارسة الطويلة الأمد، من قبل جماعة بشرية في مكان وزمان محددين”(1) فهي مرتبطة بالإنسان وقديمة قدم الإنسان، فإن الكتابة هي “أداة رمزية ثانية للأصوات باعتبارها رموزا لغوية . فهي تعتبر بذلك حدثا طارئا ولاحقا في تاريخ الإنسان. وهي لذلك تعتبر أداة أكثر اصطناعية بالمقارنة إلى اللغة المنطوقة، التي هي لغة طبيعية في الوجه الأعم من وجودها”(2).

وإذا كانت اللغة مستقلة نسبيا، وتعتمد في وجودها على وجود المجتمع المستعمل لها، فإن الكتابة ليست كذلك، فهي مرتبطة دائما باللغة التي تعتبر أداة لتوثيقها. فاللغة عنصر ضروري في التواصل، والكتابة تعتبر عنصرا رديفا ومساعدا ومتمما لوظيفة اللغة التواصلية، لذلك يمكن تصور مجتمعات بدون كتابة، في حين لا يمكن تصور مجتمع بدون وجود لغة منطوقة. وتتميز اللغة المنطوقة كذلك عن الكتابة في كون اللغة لها علاقة وطيدة بالأذن لكونها أصوات مسموعة، حيث تعتمد السمع والموسيقى، وكون الكتابة مرتبطة بالعين، حيث تعتمد على الصورة والرسم، لكونها أشكالا مرئية وملموسة. وقيام الكتابة بنقل اللغة إلى رسوم ورموز مرئية أو ملموسة، سمح للغة المنطوقة بالاستمرار في الزمان والانتشار في المكان، حيث تحفظها وتصونها من الاندثار، فبعدما لم يكن للغة المنطوقة، من وسائل لصيانتها والحفاظ عليها، إلا الذاكرة الفردية والجماعية، وما يعتريها من عوامل النسيان والسهو والحذف والاندثار والضياع، فان الكتابة قد حفظتها عبر الأزمنة(التاريخ) وعلى امتداد الأمكنة (الجغرافيا)(3).

لـــغة الأم:

اللغة في أصلها وطبيعتها شفوية، وفي تطورها اجتماعيا تبدأ بوضعية “لغة الأم”(4) حيث تشكل الأسرة البنية الاجتماعية الأولى للتواصل اللغوي الشفهي، التي تلقن فيها اللغة بشكل طبيعي، إذ يرضعها الصغار من أمهاتهم . وعبر مسار تطور الأسرة وامتدادها الاجتماعي إلى بنيات أكبر حجما وأكثر عددا، حيث العشائر والقبائل، وفق الحاجة التي تفرضها الشروط الاقتصادية الأولية السائدة، والقائمة قديما على وسائل إنتاج بدائية في إطار أنماط اقتصادية فلاحية، لا تتجاوز استغلال الطبيعة، من خلال الالتقاط والقنص والصيد، وما يحتمه ذلك على الإنسان من الترحال الدائم والانتقال المستمر، في مرحلة أولى، أو من خلال استغلال الأرض وتربية الماشية، وما تقتضيه من الاستقرار والإعمار، أو الرعي والانتجاع في الظروف المناخية والجغرافية القاسية والمتغيرة، في مرحلة ثانية. هذه الظروف لا يحتاج معها الإنسان إلى وسيلة جديدة للتواصل أكثر من اللغة الشفوية المباشرة. وفي المرحلة الثالثة من تطور وسائل الإنتاج، وتزايد أعداد البشر، وشساعة مجال استقرارهم، وتعدد ونمو مراكز تجمعهم وتطور عمرانهم، نشأت الحاجة إلى وسائل جديدة للتنقل وللتواصل تتجاوز الاتصال الشفهي المباشر، ثم ظهور حرف جديدة (الصناعة اليدوية – التجارة) ومن ثمة تقسيم العمل، الذي يقتضي التنظيم والإدارة، وما تعنيه من مؤسسات على شكل ما يسمى بـ”دولة المدينة”(5).

هذه الشروط الموضوعية هي التي خلقت حاجة الإنسان إلى اختراع الكتابة. التي من خلالها يرتقي بلغة الأسرة (لغة الأم) والعشيرة والقبيلة، والمعاش اليومي، من اللغة الشفوية (الطبيعية) إلى اللغة المكتوبة(الاصطناعية) للدولة ومؤسساتها. لغة الدولة (المكتوبة) هذه، التي ستعرف تطورات كبيرة في استقلال نسبي عن لغة الأم والأسرة والقبيلة (الشفوية).

وهنا وجب الإشارة إلى أن كل تطوير ونهوض بلغة الأم (لغة الأسرة)، وإدماجها في مؤسسات الدولة( تعليم – إدارة – إعلام مكتوب..) سيخرجها من وضعية “لغة الأم” وينزع عنها هذه الصفة. فلغة الأم أو الأسرة بطبيعتها شفوية، أي لا تقوم على الكتابة والقراءة، فلذلك يطلق على كل من يكتفي بالشفهية في التواصل صفة “الأمي” أي لا يقرأ ولا يكتب.

فالتواصل داخل الأسرة في البيت لا يكون إلا شفهيا، لكونه مباشرا، ليس في حاجة إلى التوسل بوسائط أخرى. و”الأمية” – نسبة إلى الأم – لا تعني أي شيئا أخر غير الشفهية. ودمج لغة الأم في مؤسسات الدولة هو في الواقع تفريع للغة جديدة عن لغة الأم بشكل تدريجي. هذا الفرع الذي سيعرف مع الزمن، من خلال تداوله واستعماله في تلك المؤسسات، تطورات وتغييرات تصل إلى استقلال تام عن اللغة الأصل(لغة الأم). فكلما تم إخراج أو تطوير أو الانتقال بلغة ما من وضعية “لغة الأم” الشفهية، أي من “أميتها” – نسبة إلى الأم – التي تقوم على التواصل الطبيعي المباشر، إلى لغة مكتوبة تعتمد أدوات ووسائط جديدة ودعامات اصطناعية في أداء وظيفتها التواصلية (- الكتابة – الحروف – الحجر – البردي – الورق – الآلة الكاتبة – الحاسوب..)، فإنها تفقد صفة “لغة الأم”.  

الأمازيغية بين لغات الأم واللغة الممعيرة

 وبناء على ما سبق، فإن جميع المجهودات العلمية والتربوية والديداكتيكية التي يقوم بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تصب في إخراج اللغات الأمازيغيات الثلاث (تشلحيت – تمازيغت – تريفيت) من وضعية “لغة الأم”، إن لم نقل القضاء عليها، لصالح بناء لغة جديدة في مختبرات المعهد في إطار ما يسمى بتهيئة اللغة. حيث يتم إعداد لغة أمازيغية ليست باللغة الأولى التي يتعلمها الطفل الأمازيغي من أمه في الأطلس الكبير وسوس، وفي الأطلس المتوسط، وفي الريف، فهذه الأمازيغية الافتراضية(6)، لا علاقة لها بلغات البيوت والأمهات الأمازيغيات، حيث لا تستطيع هذه الأمهات، اللواتي لا يتقن إلا إحدى الأمازيغيات الثلاثة، متابعة النشرات الإخبارية والجوية وبعض البرامج التي تبثها القناة الثامنة الأمازيغية، كما أنها ليست اللغة التي يكتب بها الأمازيغ إبداعاتهم (الفنية – الشعرية – القصصية، والمسرحية..) ولا ينشدون بها أهازيج ” أمارك ” ولا يوقعون بها رقصات أحواش أو أحيدوس . فهذه اللغة الأمازيغية الممعيرة من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ينعدم شرط التواصل الجماعي فيها، لا على المستوى القاعدي في المجتمع، ولا على مستوى القمة (النخبة)، إذ لا يستطيع التواصل بها حتى الباحثين المختصين والمهتمين بها دراسة وتدريسا، فغالبا ما يلجئون إلى الكتابة والتواصل إما بالفرنسية أو العربية أو إحدى الأمازيغيات الثلاثة.

 فبدل تركيز الجهود على تقعيد وتهيئة اللغات الأمازيغية الثلاث كل على حدا، وتعميمها في التعليم والإعلام والإدارة، ومختلف المرافق العمومية، خاصة في إطار مشروع الجهوية الموسعة المنتظر تنزيله في المستقبل القريب، وعوض الاتجاه إلى تقعيد وتهيئة اللغات الثلاثة باعتبارها لغات الأم لتتحول الى لغات مقعَّدة ومهيَّئة، انسجاما مع المواثيق الدولية، رغم ما فيه هو الآخر من تهديد للغات الأم تلك على المدى البعيد. وذلك العمل بالطبع يحتاج إلى جهود علمية جبارة وموارد بشرية ومالية مهمة، والى عقود من الزمن، حيث سيحتاج الأمر إلى جيل أو جيلين(7)، فان النخبة الأمازيغية المشتغلة بالمعهد لا تستطيع الانتظار حتى تنضج وتتهيأ هذه الشروط، وتترك أجيال المستقبل لتجني ثمار هذا العمل، لأنها تريد أن تستفيد من ذلك العمل لنفسها أولا، مادامت هي المؤسسة لبدايته. وهذا ما ستكون له نتائج وخيمة مستقبلا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1)- عبد الصمد بلكبير؛ في الأدب الشعبي: مهاد نظري-تاريخي- نشر اتصالات سبو مراكش -المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش الطبعة الأولى 2010 – (ص:98).

2)- نفس المرجع ونفس الصفحة.

3)- نفس المرجع – الصفحة: 103.

4)- جيمس- و-طوليفصون- السياسة اللغوية: خلفيتها ومقاصدها – ترجمة: د. محمد الخطابي تقديم: د. عبد الغني أبو العزم – مؤسسة الغني – مطبعة المعارف الجديدة الرباط – الطبعة الأولى 2007 – (ص:25).

Friedrich Engels – L’Origine de le famille de le propriété privée et 5)

de l’etat – traduction de Jeanne Stern، revue par Claude Mainfroy –éditions sociales paris 1983 page 91

6)- الأوراغي محمد: التعدد اللغوي: انعكاساته على النسيج الاجتماعي – منشورات كلية الآدب والعلوم الانسانية بالرباط جامعة محمد الخامس – سلسلة بحوث ودراسات رقم 36 – مطبعة النجاح الجديدة : الدار البيضاء – الطبعة الأولى سنة 2002 (ص:85).

7) أقديم محمد – الوضع اللغوي بالمغرب ودسترة الأمازيغية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M