وإذ الديمقراطية سئلت.. بأي حق أجهضت؟

12 أغسطس 2013 01:53

سعيد بورجيع

هوية بريس – الاثنين 12 غشت 2013م

انتهى العمل في مجال تدبير الشؤون العامة على كل المستويات إلى اتخاذ الديمقراطية آلية ضابطة موضوعية، ومخرجا سليما لحل الاختلافات بين جميع الأطراف المعنية بكل مكوناتها داخل المجتمعات البشرية، كما تم الإقرار العالمي باعتبار اللجوء والاحتكام إليها معيار التقدم والنضج السياسي، مما جعل انبهار المجتمعات المصنفة حضاريا أسفل السلم، نوعا من الشعور بالدونية اتجاه المجتمعات الغربية السباقة إلى تطبيق هذه الآلية اليونانية الصنع، حد التبعية العمياء المفضية إلى الانبطاح “الكلبي”، وبالتالي اللهث وراء فتات ما تعج به موائدها الاقتصادية كطعم -بضم الطاء- يجر إلى القبول التام بتنفيذ القرارات أي كانت حتى لو جرت البلاد إلى الهلاك!

إلى هنا، لا مشكل في واقع الحال بين الطرفين، السادة والعبيد، ما دام أولائك يمتلكون آليات الاستعباد، ولهؤلاء قابلية “الاستحماد”!..

لكن، مع مرور الزمان، أتى على القوم يوم صحت -بفتح الصاد والحاء- فيه الضمائر بعد مخاض عسير، عمل فيه الغيورون على شرف الإنسانية المكرمة فطريا، كل من موقعه سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.. عملوا على السمو بمطالب الكرامة إلى سقف الانتفاضات الشعبية اتجاه ترسيخ مبادئ المساواة في الحقوق التي طالها الهذر لعقود طويلة، توجت برفع شعار “الشعب يريد” عاليا في كل فضاءات الربيع الديمقراطي.. هنالك ابتلي الديمقراطيون وسقط القناع عن وجوههم أمام إرادة الشعوب التي آمنت بحقها في المنافسة على أساس الديمقراطية بنزاهة وشفافية، أفرزت بعد المشاركة الفعالة بإيجابية قل نظيرها،نخبة غير مألوفة لديهم بفعل مستوى نضجها، أبت إلا أن تمارس وظيفتها  حقا وصدقا على أساس الندية لا الدنية كما عهدوه وألفوه في ما يسمونه لعبة، فثارت حفيظتهم وتنادوا مصبحين وممسين أن اغدوا وروحوا على “حرثكم الديمقراطي” المنتج لما يغذيكم وحدكم، قد أريد له القسمة العادلة، فماذا أنتم فاعلون؟

وبعد أخذ ورد، وترك للأمور تسير تحت الرقابة الحذرة من عباقرة الشيطنة السياسية، فكروا وقدروا، ثم فكروا وقدروا في مصر الكنانة باعتبارها الأنموذج المحور والمؤثر على غيرها من بقية البلدان التي ذاقت طعم الثورات، وتنفست عبق الحرية..، أن ضعوا خريطة انقلابية على الوضع قبل أن تتجذر فيه روح العمل البناء، وترسو إرادة التغيير المنشود، وإمكانية الإمساك بزمام القيادة جنبا إلى جنب معكم وربما القفز عليكم نحو الريادة الحضارية.. إن كنتم للتخطيط الإستراتيجي متقنين، فهذا فريق أول بدواليب العسكر ممسك، وعلى إدارة الانقلاب المقنع قادر، سيما وأنه مسنود بزبانية تزوير إرادة الشعب من المدنيين المحنكين في استجداء الغرب ماديا ومعنويا، وفي اللف والدوران لهم باع طويل من التجربة الكافية لإنهاء مسار المتدمقرطين -بضم الميم الأولى، وكسر الراء- الوافدين!، هذا مع الطمأنة التامة المكفولة على المشروع تحت مظلة الأمركة والصهينة ومن والاهما من رؤوس أموال “البطرلة”، وتحت طائلة صمت وانكماش العرب التبعة..!

وهكذا بدأت القصة، قصة قلب الطاولة على الشرعية، بعد إعداد العدة، وفبركة العدد بإخراج أجنبي “خرج” على مصر الحبيبة، وأتى أكلا مر الطعم لم يستسغ معه الشعب الحر ابتلاع الوضع الذي أفرز زورا وبهتانا كيانا أسندت له أمور تسيير البلاد بغير حق، سرعان ما انبرت له مشاعر الأحرار أن انزلوا ميدان رابعة العدوية إلى غيره من الميادين والشوارع في ملحمة شدت إليها الأنظار، وأضحت مثالا في التاريخ غير مسبوق تجاوبت معه الضمائر الحية والتقت على المطالب المشروعة عقلا ونقلا، بعودة الشرعية رئيسا منتخبا ودستورا مستفتى عنه ومجلسا شوريا منبثقا من الشعب، إليها جميعها يرد الفصل في حلّ الأزمة المفتعلة منذ اليوم الأول، يوم نجاح التجربة الديمقراطية بامتياز.

واليوم، إذ الديمقراطية سئلت بأي حق أجهضت؟ يحق لها أن تجيب: لقد وجدت في الشعوب “قلوبا تواقة لاحتضاني”، لكن الأوصياء عليها كثير منهم جفاني، وليتهم اكتفوا بالجفاء، وإنما تصدوا لي ولمن يثق بي بشتى وسائل الإقصاء، أقساها على النفس إعلام الارتشاء، ومن يعلو صوته من خلاله يريد لي ولمن يثقون بي الانزواء لتبقى الساحة فارغة لأهل الأهواء الهاوية بهم إلى حضيض الازدراء في كل بيت وكل ناد وكل ميدان تنزل عليهم اللعنات تترى بشتى الأصوات واللغات: “ألا لعنة الله على الكاذبين”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M