أثر الصوفية في عرقلة الجهاد.. محمد بن عبد الكريم الخطابي نموذجا

28 فبراير 2014 11:49
أثر الصوفية في عرقلة الجهاد.. محمد بن عبد الكريم الخطابي نموذجا

أثر الصوفية في عرقلة الجهاد.. محمد بن عبد الكريم الخطابي نموذجا

الياس الهاني

هوية بريس – الجمعة 28 فبراير 2014م

ما من شك في تفاوت انحرافات الصوفية، ومدى قربها أو بعدها من الإسلام فنظرة الحركة الصوفية المنحرفة للحياة، وطقوسها الزهدية البدعية؛ تتعارض في حقيقتها مع الإسلام الصافي، وقد تباينت مواقف العلماء من ذلك رادين عليهم، ومصححين لمسلكهم وانحرافاتهم، كما بينت ذلك في مقالاتي: “علماء المغرب والتصوف”، و”علماء المغرب والاحتفال بالمولد النبوي”، و”أثر الفكر الديني الظلامي في خلخلة الأمن”.

أما بالنسبة لموقف الصوفية من الجهاد ومقاومة الاستعمار، فإنه موقف متباين، يسوده التذبذب والاضطراب. فبينما نرى طائفة منهم، أعلنت الجهاد وقاومت الاستعمار، وأقضت مضاجع المستعمرين، نرى على النقيض الآخر طائفة أخرى، نكصت عن الجهاد، ونكلت عن الحرب، وانزوت على نفسها فرقاً وهرباً.

وبين هاتين الطائفتين، طائفتان أخريان:

الأولى منهما: حاربت المستعمر وقاومته ردحاً من الزمن، فلما طال أمد القتال، ولم تفلح في طرد المستعمر، بل كان هو الظاهر عليها في كثير من الوقائع، استسلمت له في نهاية المطاف، ولم تكتف بالاستسلام للمستعمر، وإبرام المعاهدات المخزية معه، بل صارت تشنع على من يحاول رفع راية الجهاد ضده من جديد، وينقض ما أبرمته من معاهدات.

والطائفة الثانية: وهي شر طوائف الصوفية جميعاً، وهي الطائفة التي وقفت معه منذ البداية جنباً إلى جنب، تؤازره، وتناصره، وتقاتل في صفوفه، وتحت رايته، وتدعو الناس إلى الرضوخ له، وتحذر من مغبة مقاومته.

ومن الطائفة الأولى: يعتبر أتباع الطريقة السنوسية الذين جاهدوا الاستعمار الإيطالي في ليبيا من أوضح الأمثلة على ذلك، ويقابلهم في الناحية الأخرى كثير من المتصوفة الذين كان يعيشون في غير واقعهم، ولا يرون الانشغال بغير الذكر والزهد.

أما الطائفة التي قاتلت ثم نكلت، وجاهدت ثم نكصت، فأوضح من يمثلها هو الأمير عبد القادر الجزائري.

أما الطائفة التي والت المستعمر، وقاتلت المسلمين في سبيله، فكثير من زعماء الطريقة التجانية يعتبرون من أبرز الأمثلة عليها.

ولكن لابد لنا من أن نوضح حقيقة هامة، وهي أن الصوفية لم تكن في يوم من الأيام مؤهلة لقيادة الأمة، ومجاهدة المستعمرين، ولا ينفي هذا وجود جماعات وقيادات صوفية أبلت في جهاد الأعداء بلاء حسناً.

وإذا كان الغزالي رحمه الله (المتوفى سنة 505هـ) الذي عاش في القرن الخامس، وهو العصر الذي غزا فيه الصليبيون والتتار بلاد المسلمين، واحتلوا كثيراً منها، وذبحوا الألوف الكثيرة من أهلها، وفعلوا بهم الأفاعيل، لم يذكر الجهاد في سبيل الله في كتابه إحياء علوم الدين، ولم يتطرق إليه أبداً، بل كان مجاوراً في بيت المقدس تارة، ومعتكفاً بزاويته في الجامع الأموي تارة أخرى، وكأنه في كوكب آخر، لا يعيش بين المسلمين.

إذا كان هذا هو حال كبير المتصوفة في عصره، بل كبيرهم في كثير من القرون الذي يحومون حول مؤلفاته، ويتقمصون منهجه ومسلكه، فلا غرابة بعد ذلك أن يكون موقف الصوفية من الجهاد في جملته موقفاً سلبياً، بل موقفاً معادياً في بعض الأحيان.

هكذا كانت كثير من الطرق الصوفية طابوراً خامساً، تعمل مع أعداء الإسلام جنباً إلى جنب، للقضاء على حركات الجهاد والمقاومة التي اندلعت ضدهم، ورضي زعماؤها أن يكونوا عملاء للمستعمرين، خائنين لأمتهم ولأوطانهم.

وعلى العموم، فكل الصوفية بكل طوائفها وطرقها، لم تكن هي القادرة على الدفاع عن الأمة، أو الذود عن حياضها، وكانت بحق كالسرطان المستشري في جسم الأمة، الذي أصيب بالضعف والهزال بسببها، فكان الوقوف للاستعمار ودحره في تلك الحالة، أمراً يعد من المستحيل.

و هذه بعض اللمحات عن الصوفية وأثرها في عرقلة جهاد أمير الجهاد، ومجدد الإسلام، وحسنة الأيام، “محمد بن عبد الكريم الخطابي رحمة الله عليه” الذي قال عنه “كورتي” عضو مجلس العموم البريطاني: «إن هذا الرجل الذي ينادي باسمه أهل آسيا وإفريقيا والهند، ويتغنون باسمه.. إن هذا الرجل الذي يزعم هؤلاء أنه يقاتل باسم الإسلام ويعيد إمارة المؤمنين والخلافة الإسلامية، إنه لخطر عظيم على البلاد الأوربية».

يبرز تقرير ليوطي المدون بتاريخ 29 نوفمبر 1924 النوايا الغادرة للاستعمار الفرنسي حيث جاء ما يلي:« يبدو انه من الأحسن العمل ومنذ البداية على تحقيق انتصار على عبد الكريم مما يمكننا من تفوق سياسي وعسكري، والواضح أن النقطة المفضلة لتحقيق مثل هذا الانتصار هي منطقة بني زروال».

يعلق عبد الرحمان اليوسفي على ذلك مشيرا إلى أن: «ليوطي قد اختار هذه القبيلة لازدواج أهميتها الاستراتيجية والسياسية فهي على الصعيد السياسي خاضعة لتأثير الطريقة الدرقاوية المرتبطة بالفرنسيين» عبد الرحمان اليوسفي أنوال نموذج من معركة التحرير الشعبية الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 28يوليوز1983 نقلا عن كتاب “محمد بن عبد الكريم الخطابي القائد الوطني” لعز الدين الخطابي.

و جاء في نفس الجريدة العدد8446-2007\01\04: «أن الربط بين التوجهات الدينية للمجددين والطموحات الوطنية، أمر بديهي إذن، ولكي نقدر جيدا معنى هذه الحركة يمكننا أن نتذكر التفضيل البارز للإسلام العصري، من قبل عبد الكريم الخطابي الذي اظهر عداءه للأولياء في الجبال، لأنه لم يتمكن من الحصول على دعمهم، من اجل إقامة دولة ريفية، وساهم الزعماء الدينيون سنة 1924م في تمرد غمارة انتقاما منه كما أنهم كانوا سنة 1926م خلال زحفنا على تركيست أفضل مساعدينا لتمكيننا من إلقاء القبض على “الأمير” وكل مخزنه».

جاء في كتاب: “إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة” للناصري، دراسة إدريس كرم: «نظرا لأن مناهج الحماية كانت تخدم التوجه الاستعماري وتقدم المغاربة جهلة جبناء فوضويين فكان رد الفعل هو إنشاء مدارس حرة تقدم المعارف العلمية والدينية والوطنية متمركزة حول الإصلاح الديني، الذي يرفض الانحرافات البدعية والممارسات الخرافية التي تكرسها الطرقية خاصة بعدما ثبت تعاون بعضها مع المحتل والمشاركة في هزيمة المجاهد عبد الكريم الخطابي».

وفي نفس الكتاب: «يقول ربيو ribaut في كتابه “القضاء في الجماعات الإسلامية” cette politque pour but la mon islamisotion des berberes  مما يعتبر اعتداء على حرمة السلطان، وإخلالا بما جاء في عقد الحماية من الالتزام بحفظ الوظيفة الدينية وحرمة السلطان وتطبيق الدين الإسلامي، ولأنها وجدت على أرض الواقع من خلال المقاومة التي أبداها السلطان والعلماء وكافة أبناء المناطق المجاهدة، أدى إلى التفاف الحماية إلى شيوخ الزوايا باعتبار نفوذهم الروحي لتسخره في التهدئة، وإضعاف المقاومة، مما أدى إلى ظهور نقد موجع إلى الشيوخ المتعاونين مع الاستعمار بسبب سلوكهم المنحرف عما هو معروف من الدين بالضرورة من شعوذة ودجل سواء من قبل السلاطين أو العلماء، مما حمى البلاد من التشتت المذهبي، والتنازع الطائفي، وهو ما أرادت الحماية إذكاءه وتنويعه، يقول القبطان أدينو في كتابه “محور السياستين” في فصل بعنوان: “الدور السياسي للطرق الصوفية والزوايا في مراكش”( paal odinot  طبعة L.Fauque وهران 1930 م ص:33): “قال الشيخ تيجاني محمد الكبير بن البشير حاضا للإخوان على الانحياز إلى جانب الدولة المسيحية ضد بني وطنهم المسلمين الفرنسيون يكافئون من يقدم لهم خدمات،… ولقد هزمت فرنسا منذ عهد قريب (يقصد حرب 1914-1919) دولة من أعظم دول أوربا قوة، ألا يهب الله العلي النصر من يريد لهم النصر؟”.

جاء ذلك في رسالة وجهها لأتباعه بمناسبة الحرب بين فرنسا وعبد الكريم عام 1925م، وقد سبق له أن قدم مساعدات جمة إلى فرنسا عند احتلالها الجزائر، حيث كان يتخابر مع المارشال بيجو أول حاكم فرنسي هناك، حيث وعد الأول الأخير في مراسلة بما يأتي: كلما كنت في حاجة إلى شيء أو خدمة، من أي نوع كانت، فما عليك إلا الاتصال بسكرتيري العسكري الخاص، وهذا سيبادر مسرورا بإبلاغي رغباتك”، ويضيف أدينوا قائلا:” إن مشايخ الطرق بهم نهم إلى المال، وتعطش إلى السلطة، وهم يدركون أن معارضتهم لسلطات الحماية ستحرمهم من الاثنين، وهم يعرفون كيف يبررون موقفهم أمام هؤلاء الأتباع”، وقد علق “روم لاندو” على ذلك بـ: “أن الطرق الصوفية، كانت مراكز للوطنية والمقاومة، فلم تكن مطبوعة على الميل للكفرة من الأجانب، ولقد أدرك الفرنسيون في أثناء فتح الجزائر، انه من الأهمية بمكان ضم الفرق الدينية إلى جانبهم، وكان المستوى العقلي المنحط لبعض هؤلاء، فائدة للقادمين طبعا، وكان قدوم الفرنسيين يؤذن بتدمير سلطتها، التي خيمت على البلاد كنسيج العنكبوت، ولذلك رأى زعماؤها، أن خير ما يتبع، هو مجازات الركب الجديد، بدلا من التعرض للسوء، أمام قوة لا سبيل إلى صدها” ص:131 المصدر السابق.

وكان شيخ الدرقاوية مولاي حسن من بين مشايخ الطرق:” يوصي أتباعه بالطاعة والخضوع للسلطات الفرنسية”، ولم يتردد عام1912م أن يربط مصيره بمصير الفرنسيين، أما الوزانيين فهم الذين ساعدوا على توغل فرنسا في الصحراء الكبرى أولا، وفي مراكش بعد ذلك، كما أنهم لعبوا دورا هاما في الحوادث التي أدت إلى تسليم عبد الكريم زعيم الريف سنة 1926م.

يقول “أدينو”: “لقد ظل التجانية يقدمون لنا الخدمات طيلة ستين سنة، كما أننا بدأنا منذ سنة 1911م نستخدم نفوذهم الكبير جنوب مراكش، وفي موريتانيا والريف”، ولخص الأستاذ “أندري جوليان” الموقف قائلا: “لقد عرفت الحكومة الفرنسية كيف تجمع حول لوائها مشيخات الطرق الصوفية، بتقديم العون المالي لها وحمايتها… أما الطريقة الكتانية فتعتبر هي وشيخها أوضح طريقة مثل لمقدرة تلك الفرق الدينية عن أن تطرح جانبا مهامها الدينية، لتحل محلها وعيا سياسيا، يتسم بالاعتبارات الدنيوية إلى ابعد حد، وهو ما يفسر الهجوم العنيف الذي تعرضت له من حزب المجددين الشباب، حيث ناصبهم شيخها العداء وأغرى بهم السلطات».

وفي التقرير المرفوع من قبل “ربير منطان”: «بالربط بين التوجيهات الدينية، والطموحات الوطنية، وهو ما انجذب له،-يقول التقرير- عبد الكريم الخطابي الذي فضل الإسلام العصري وانجذاباته الوهابية النشطة المتمثل في عدائه للأولياء في الجبال، والذين كانوا خلال زحفنا على ترجيست سنة1926 أفضل مساعد لتمكيننا من القبض على الأمير وكل مخزنه» “إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة”.

وفي تقرير له لعرض خطط سنة 1924م يقول الماريشال ليوطي: «فبتأثير من خصمنا القديم وحليفنا الحالي، سيدي موحا الحنصالي، أصبحت كل المنطقة التي تفصل زاويته عن مراكزنا المتقدمة، خاضعة لمنطقتنا» وفي رسالة له إلى وزير الشؤون الخارجية ووزير الحربية يقول: «فبزاوية شرق شفشاون، بين جبالة والريف حيث تنشط قوات عبد الكريم، يطالب الأهالي الرافضون لهذا الأخير بدعمنا لمقاومته، وللتذكير؛ فان لهذه القبيلة تأثيرا على القبائل الممتدة باتجاه الشمال والتي اتخذ بعضها موقفا مترددا إزاء عبد الكريم»، وفي رسالة أخرى له: «وقد اتجهت صوب امجوط، معقل حليفنا الشريف الدرقاوي، قائد بني زروال الخاضعين لإمرة السلطان.. وأمام هذا الهجوم اضطر الشريف الدرقاوي وأقاربه، إلى ترك ممتلكاتهم المحمولة بمراكزنا، لكن الشريف المذكور وابنه محمد بقيا بامجوط لقيادة مقاومة بني زروال الرافضين للهيمنة الريفية، وحسب آخر الأخبار فإنهم يقاومون بثبات.. فإنني اكتفيت بالسماح لست مائة من حلفائنا من بني زروال المتواجدين بمراكزنا، بالالتحاق بالدرقاوي، وقمت بدعمهم بالطيران»، وفي دورية له يصرح قائلا: «أما الدرقاوي فقد لجا إلى مراكزنا بتافراوت»، وفي رسالة له يقول: «يبدو أن الهدف الأساسي والرئيسي للعدوان الريفي يتمثل في احتلال بلاد بني زروال، حيث يريد عبد الكريم الحسم في صراعه القديم مع الشريف الدرقاوي الخاضع لحمايتنا»، ويقول أيضا في رسالة أخرى إلى وزير الشؤون الخارجية: «لم تجد سوى مقاومة عبد الكريم أو حلفائه، وتجلت هذه المقاومة بشكل عدواني ضد بني زروال وقائدهم سي عبد الرحمن الدرقاوي، الحليف القديم لقضية فرنسا، من اجل السلام. لهذا، فإننا دعمنا وما زلنا ندعم الدرقاوي ضد مبادرات عبد الكريم، في الحدود التي تسمح بها المعاهدات طبعا»، وفي تتمة لما جاء في دورية له مرسلة قال: «وقد استعاد الشريف الدرقاوي الذي عاد إلى زاويته بامجوط، نشاطه السياسي الذي مارسه لصالح الحماية منذ عشر سنوات.. عوضنا هذه الثغرة بالتقدم داخل منطقة بني زروال التي لم يسبق لنا احتلالها وباستعادة زاوية امجوط التي وجه إليها عبد الكريم أولى ضرباته بتاريخ 15 أبريل والتي كان يرغب في الاستحواذ عليها، بسبب العداوة القائمة بينه وبين الشرفاء الدرقاويين المتمركزين بها، علما بأن لديهم تأثيرا دينيا وسياسيا على جميع مناطق المغرب ولاحظت منذ عودتي بان من بين الامتيازات التي حققتها انتصاراتنا الأخيرة، اعتبر إرجاع الدرقاوي إلى معقله، من أكثر الأمور أهمية بالنسبة للأهالي»، وفي رسالة أخرى له إلى رئيس الحكومة ووزير الحربية حول برنامج التهدئة بالمغرب لسنة 1921م: «شريف درقاوة المتحالف معنا والذي تربطه بنا علاقات وثيقة.. ولست في حاجة إلى التذكير بأننا قمنا سريا، بمجهود سياسي مكثف مع الشريف الدرقاوي وعمر حميدو، اللذين حصلا على ضمانات من طرفنا بمساعدتهما بالمال والعتاد».

وفي كتاب “دراسات في التصوف” لإحسان الهي ظهير: «نشرت جريدة La press lipre وهي جريدة فرنسية استعمارية يومية كبرى خطبة طويلة ألقاها الشيخ سيدي محمد الكبير صاحب السجادة الكبرى أي رئيس الطريقة الصوفية المسماة بالطريقة التجانية بين يدي الكولونيل سيكوني الفرنسي الذي ترأس بعثة من الضباط.. وهنا أوردت الجريدة جانبا كبيرا من الخطبة نصفها أو ثلثيها كله ثناء لا يحصى ولا يعد على فرنسا المستعمرة.. وفي سنة 1916 إجابة لطلب المارشال ليوطي عميد فرنسا في مراكش كان سيدي علي صاحب السجادة الرئيس الذي كان قبلي كتب مئة وثلاث عشرة رسالة توصية، وأرسلها إلى الزعماء والكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها، وذلك بواسطة نفوذهم الديني.. وفي سنة 1925م في أثناء حرب الريف أرسلت أنا حبيبها المخلص ومريد طريقتنا ومستشارنا المعتبر حسني سي أحمد بن الطالب الذي قرأ هذه الخطبة بلسان سيده إلى المغرب الأقصى، فقام بدعاية كبرى واسعة في حدود منطقة الثوار، وتمكن من أخذ عناوين الرؤساء الكبار والأعيان الريفيين والمقاديم وأرباب النفوذ على القبائل الثائرة، وكتبنا إليهم رسائل نأمرهم فيها بالخضوع والاستسلام لفرنسا، وقد أرسلنا هذه الرسائل إلى مقدمنا الأكبر في فاس، فبلغها إلى المبعوث إليهم يدا بيد».

ويقول بول أودينو «خلال السنين الستين الأخيرة كانت التيجانية تقدم لنا العون، ومنذ سنة 1911م ونحن نستغل نفوذها القوي في جنوبي المغرب وموريتانيا والريف» “تاريخ المغرب في القرن العشرين” لروم لاندو ص:143.

ثم قال روم لاندو: «وثيقتنا الثانية تلقي ضوء على طريقة الإقناع أنها إعلان بعث به خليفة التيجاني الذي تلقى رسالة المرشال “بوجو” إلى أتباعه بمناسبة الحرب بين فرنسا والأمير عبد الكريم سنة 1925م يدعو فيه إخوانه إلى مؤازرة الدولة المسيحية ضد مواطنيهم من المسلمين، ويقول الشيخ التيجاني محمد الكبير بن البشير في هذا الإعلان: أن فرنسا تكافئ على الخدمات التي تقدم لها.. وفرنسا قد انتصرت مؤخرا في حرب (1914-1919م) على واحدة من أعظم دول أوربا وأقواها» (“تاريخ المغرب” ص140-141).

فرحم الله الأمير ما أصبره، وأجلده في موقف أشد ما تكون الحاجة إلى المساندة والعون، لا الخيانة والتواكل، يقول الأستاذ “باهي محمد أحمد” كما في جريدة المحرر العدد1474 بتاريخ الأربعاء 10 ربيع الأول الموافق 7 فبراير 1979: «عبد الكريم أمام جيشين وخلفه أوضاع اقتصادية خطيرة وخيانة من اندسوا في صفوف الثورة من رجال الطرق والزوايا»، ويقول الأستاذ “عبد اللطيف جبرو” كما في جريدة الاتحاد الاشتراكي الخاص عن محمد بن عبد الكريم الخطابي: «وطبعا لعبت الخيانة دورا خطيرا في التأثير على معنوية المقاتلين وطبعا تكلفت الطرق والزوايا بهذا الدور التخريبي، وهذا ما سيزيد كراهية الحركة الوطنية لرجال الطرق والزوايا».

وفي الأخير يقول الباحث “محمد امزيان” في كتابه “محمد بن عبد الكريم الخطابي آراء ومواقف”: «وليس صحيحا كذلك ارتباط عبد الكريم بالزوايا، بل على العكس تماما إذ كان يناهضها ويحاربها كما ناهضته الزوايا بدورها وحاربته ولعل في الزاوية الدرقاوية وموقفها من الثورة الريفية خير دليل على استبعاد حكاية هذا الارتباط».

فقد تبين لنا جليا كيف أن الصوفية بطرقها المختلفة لعبت دورا مخزيا في عرقلة جهاد الأمير الخطابي؛ بل كانت سببا مباشرا في استسلامه وبالتالي خمود مشروعه التجديدي الضخم؛ الذي كان الجميع يأمل في إشعاعه، وقيامه، والنهل من معينه،…

وعن الوضعية الفكرية والثقافية التي كانت عليها المنطقة في ذاك الزمن والتي أدت إلى هذا الدور السلبي للصوفية؛ يقول الباحث “علي الإدرسي” في كتابه “عبد الكريم الخطابي التاريخ المحاصر”: «أما المشهد الاجتماعي والثقافي فلم يكن اقل سوادا من المشهدين السابقين؛ فقد كانت البنيات القديمة قد اهترأت أركانها وتهاوت أعمدتها بفعل قرون من الجمود والانغلاق؛ وكانت الروابط والأواصر بين المغاربة، أفرادا وجماعات، لا تتجاوز في كثير من الأحيان بعض الرسوم الخاصة بالعبادات، والطقوس الاخوانية التي استحوذت بواسطتها الطرق الصوفية على جزء من الساكنة، وكان من النادر أن تجد شخصا غير منتم إلى طريقة صوفية ما؛ فشعار الزمان كان يقول: “من لا شيخ له فان الشيطان شيخه” وهكذا، استهوت الزوايا الصوفية قلوب الناس إليها بسبب ما كان يعتقد آنذاك، بقدرتها وامتلاكها لحلول سحرية لكل هموم المريدين ومشكلاتهم المتراكمة».

وعن الأسباب التي جعلت المغرب ينحدر إلى هذه الكارثة من التخلف والجهل؛ يقول “الادرسي”: «لم يشترك المغرب مشاركة ايجابية فاعلة في تلك الحركة الانبعاثية التي بدأت مع محمد بن عبد الوهاب والشوكاني في القرن الثامن عشر، وتبلورت بعد ذلك؛ في الحركة الإحيائية، مع الأفغاني وعبده، بل إن الحركة التجديدية في القرن السابع عشر بالمغرب، التي قادها علماء كبار أمثال الحسن اليوسي وابن أبي محلي، لم يكتب لها الاستمرار والإثمار حيث أقبرت في مهدها ولم يسمح بالانتشار إلا للطرق الصوفية الممجدة للسياسة المخزنية أو المسالمة معها».

فهنا يكمن الدور الحيوي لأهل العلم والفكر والباحثين لتسليط الضوء على أهم مكون للأمة التي منه انطلقت، ولأجله قامت؛ في صورته المشرقة النقية ذابين عنه وكاشفين عن المتلاعبين به؛ إنه: “الإسلام”.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. كلام خالي من النزاهة في الطرح متحامل إلى حد كبير ويحمل بين طياته الكثير من التناقضات للأسف.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M