شكرا صدقي أزايكو…

03 مارس 2014 19:11
شكرا صدقي أزايكو...

شكرا صدقي أزايكو...

أسامة مغفور

هوية بريس – الإثنين 03 مارس 2014م

كم أنت مفكر وفيلسوف وعبقري يا أزايكو، يا منظر العصيديين والبودهانيين. لقد استطعت أن تخترع لنا نظرية الأرض التي عجز عنها ديكارت وفوكو وابن سينا وأرسطو وكل ما عرفته الإنسانية من فلاسفة. بفضلك دخل السوس إلى دماغ شباب أمازيغ كثر فلوث تفكيرهم وحولهم إلى حالمين هائمين بأمجاد ماسينيسا وشجاعة الكاهنة فاستبسلوا في النهيق والنباح بأعلام عرقية أقرب إلى علم الشواذ، صنعته لنا الأم الحنون فرنسا في أكاديميتها البربرية بباريس. وأنت يا أزايكو لا تحمل من الصدق إلا الاسم فكلامك لا يصمد أمام الواقع والحضارة والعقل.

أشكرك كثيرا يا أزايكو لأنني بفضلك، أنا العربي حتى النخاع والمهووس بعروبتي، اكتشفت الجهل الذي كنت أعيشه واستيقظت فجأة لأرى نفسي أمازيغيا. فيا له من كابوس مرعب ومن حلم تهربت منه الليالي الطوال. اعذرني يا أزايكو ها أنا الآن عدت إلى أمازيغيتي التي صنعت أعظم حضارة في تاريخ البشرية. لن أنسى يا أزايكو حروف تيفناغنا الجميلة التي كتبت بها ملايين المؤلفات في الطب والفلك والهندسة. لغة يتهافت الأمريكيون اليوم على تعلمها وبفضلها صعد الإنسان إلى القمر واخترع البوصلة. وبها اكتشف نيوتن الجاذبية. وبها ألف ديكارت وأرسطو والزهراوي وابن النفيس. وبأمازيغيتنا العظيمة التي ولدت داخل أكبر المختبرات تقدما، سنقتحم الفضاء وسنصل يوما إلى المشتري والمريخ. فما أعظمك يا أمازيغيتي العظيمة. من فضلك سامحيني فلقد خنتك عندما ذهبت لأتعبد عند لغة العرب في خيامهم. لقد اكتشفت جهلهم وقارنته بعظمائنا من كسيلة وماسينيسا وزدت حقدا عليهم واعتزازا بحضارتنا الأمازيغية التي ألهمت الأمريكيين والروس لإرسال مكوكهم الفضائي.

بفضلك يا أزايكو اكتشفت أن المغربي حتى ولو قدم من بلاد الشام أو من غابات إفريقيا وحتى ولو كان أسود البشرة فهو أمازيغي قح. وبفضلك عرفت الآن أن عاميتنا أمازيغية حتى ولو كانت معظم مفرداتها عربية. وبفضلك يا أزايكو، وقياسا على نظرياتك، فأنا أعرف الآن أن كل الأمريكيين هنود حمر حتى ولو قدموا من أوروبا وإفريقيا. وأعرف الآن أن اللغة الأمريكية هندية في تركيبتها اللغوية وجل مصطلحاتها وأن الأمريكي هندي في طريقة تفكيره. أشكرك لأنك أوقفت عجلة التاريخ ونفيت بجرة قلم كل الهجرات البشرية وعدت بنا إلى عالمنا القديم نتنفس منه عبق أمازيغيتنا، نشربها مع قهوة الصباح ونمزجها بزيوت أطلسنا الشامخ. أولم تقل لنا إن هذه أرض الأمازيغ وهبها الله  لنا وحدنا ، تماما كما وهب أرض فلسطين لأصدقائنا الصهاينة. لقد صدقناك وتغنينا بأقوالك وأنت تردد على مسامعنا أن الثقافة الوحيدة فوق هذه الأرض هي الأمازيغية ولا شيء آخر سواها. لقد كررت لنا أيها الحكيم أن لا وجود لعربي واحد من مصر إلى بوركينا فاسو، مرورا بًمغربنا الأمازيغيً وأن من يدعي ذلك فهو يسخر من ذاته ويحتقر أمازيغيته ومستلب فكريا من أولئك العرب الرعاعً الذين سلبونا أبسط حق من حقوقنا. نعم نحن نصدقك أيها الحكيم، فأنت نبينا الذي أرسله إلينا قائدنا الملهم ماسينيسا لنعيد أمجاد حضارتنا الغابرة. بفضلك يا سيدي عرفت أن أي حديث عن مغرب متعدد الثقافات ضرب من الخيال وأوهام يروج لها العرب لمحو ذاكرتنا والاستيلاء علينا. نعم، فلا وجود لشيء اسمه ثقافة عربية أو أندلسية أو حسانية أو إفريقية فوق أرض الأمازيغ. كل ما هناك هو بعض الأشخاص، لا يتعدى عددهم مائة نفر، قدموا إلينا هاربين من بطش أميرهم وأحضروا معهم لغة غريبة علينا وفرضوها بقوة السلاح وأقنعونا بأنها لغة الله، فاضطررنا لقبولها. ولكن قل لي أيها الحكيم لماذا استطاع الفرس والأتراك والأندونيسيون أن يحافظوا على لغاتهم رغم الغزو العربي، ولم نستطع نحن. أو لم تقل لي إننا نملك أقدم وأعظم حضارة في تاريخ البشرية، وأن لغتنا أعظم لغة على وجه الأرض؟

إلا أنني أرى أن لغتنا ما زالت إلى حد الآن في طور التقعيد وهي منذ ولادتها بعد عملية قيصرية معقدة، ما زالت في غرفة الإنعاش المركز يلف حولها أطباء لغويون وسياسيون بمختلف توجهاتهم الفكرية، وتضخ في جسدها آلاف الحقن صباح مساء، وخصصت لها أضخم الميزانيات. ولا بأس أن تلد الأمهات في أرصفة الشوارع لانعدام المستشفيات. ولا بأس إن لم يذهب أطفال القرى والبوادي إلى المدرسة. ولا بأس أن نظل مجرد تابعين لفرنسا، لغة واقتصادا، ترمي على وجهنا نفاياتها وتجامعنا دون عشق. ولا بأس أن نظل بدون بنى تحتية متطورة. الأولوية يجب أن تعطى لهذا المريض المنهك القابع في نوم سريري منذ ولادته. يجب أن يستيقظ وينمو ويكبر ويشتد عوده كي يكون بإمكاننا الاستغناء عن لغة العرب وإعادتها من حيث أتت.

لقد عرفت الآن يا صديقي أزايكو، واقتنعت، بأن الأمازيغية هي اللغة الأم لكل المغاربة حتى ولو لم تتعد معرفة الآلاف منهم لها حدود أغروم. وعرفت الآن أن من واجب كل المغاربة الدفاع عنها لأنها لغتهم الأم شربوها جميعا مع حليب أمهاتهم. وعليهم جميعا ألا يتحدثوا إلا بها في البيت وفي الشارع وفي العمل وأن يعتزوا بها أيما اعتزاز. كما أن عليهم جميعا ألا يطلقوا إلا الأسماء الأمازيغية على المواليد الجدد والشوارع والأشجار والأعشاب والأحجار.

اعذرني يا أزايكو، فلقد قمت بتسويق أمازيغيتنا إلى قبائل دكالة والحوز وجبالة وملوية وأهل فاس والصحراويين وإلى مئات القبائل العربية المنتشرة في ًأرض الأمازيغً، وحاولت إقناعهم بأن الأمازيغية هي لغتهم الأم وعليهم الدفاع عنها،  إلا أنهم سخروا مني واعتبروني مجنونا وقادوني إلى أقرب مستشفى للأمراض العقلية. لقد أكدوا لي جميعا اعتزازهم بعروبتهم وبثقافتهم العربية وحرصهم الشديد على الدفاع عنها رغم الشدائد والمحن، ورغم تغول تيارنا الأمازيغي واستفزازاته ونظرياته الإقصائية لباقي مكونات المغرب الثقافية. فهل أنا فعلا مريض بداء الهوس والتضخم الهوياتي؟ وهل هذا المرض العضال له علاج؟

سأحاول أن أعرض نفسي عند أشهر طبيب نفسي، لكنني أخشى أن تطأ قدماي عيادة أحدهم المريض مثلي بنفس الداء ليحتاج الطبيب إلى طبيب وتتفاقم حالتي الصحية. عندئذ لن يبقى لي إلا أن  أقضي باقي عمري  حزينا ناقما حاقدا على هؤلاء الأعراب الذين ينغصون علي حياتي بعد أن حولوها إلى جحيم لا يطاق.

اعذرني ثانية يا مفكري أزايكو، فلقد قررت العودة إلى عروبتي وأنا لم أرتح إلا فيها. فهي وطني وهوائي وقهوة صباحي. وهي تسري معي في أحشائي وعروقي وترافقني في سفري وترحالي. لقد حاولت التخلص منها لألجأ إلى أمازيغيتك إلا أنها ظلت تلازمني وتصر أن تسكن إلا في دمي. فماذا علي أن أفعل؟ أرى أنك غضبت مني وكفرتني واعتبرتني مسلوب الفكر والإرادة بعد أن غسل دماغي عرب المشرق الذين تكرههم وتحقد عليهم، ولم أفهم بعد لماذا كل هذا الحقد. لقد جربت أمازيغيتك التي من حقك أن تدافع عنها بكل شراسة وتعلمها لأبنائك وتكتب برسومك حتى ولو اعتبرتها بدائية. ومن حقك أن تطلق أسماءك الأمازيغية على مواليدك الجدد وأن تكون لك قناة تلفزية تتحدث بلغتك حتى ولو اعتبرتها عجينا واصطناعية. جربت أمازيغيتك يا صديقي ولم أرتح فيها. شعرت وكأنني أصبحت أشبه الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة. وخفت على نفسي إن أنا تماديت في تقليد الحمام أن أنسى مشيتي الأولى وقررت أن أعود  على التو ودون إبطاء إلى عروبتي فهي ملاذي الأول والأخير. اعلم يا صديقي أنني أكن كل المودة والاحترام لثقافتك لكنني لن أسمح لك بأن تفرض علي رسومك و لغتك المخبرية. ولن أسمح لك بأن  تقرر هويتي مكاني وأن تتحدث باسمي. فأنا لم أنصب أحدا لذلك. عليك أن تحترم وتعترف باختياري واختيار الآلاف مثلي الذين لا يشعرون بذواتهم إلا في العروبة.

تحياتي يا مفكري العظيم أزايكو، فبفضلك عرفت ما معنى حثالة الفكر والفراغ الذهني. وبفضلك تعلمت أن أكذب وأكذب حتى يصدقني الآخرون. وبفضلك تعلمت أن أقصي باقي المكونات وأمزغ الشجر والحجر والأرض والسماء والقمر والشمس والجبال وأصنع لنفسي حضارة أتغنى بها أمام العالم. بفضلك تعلمت أن أعيش في الأوهام والأساطير وأن أزيف وأحرف التاريخ وأسوق الوهم لمئات العطشى والمغفلين والسذج.

لكن قل لي يا أزايكو هل بنظرية الأرض التي اخترعت لنا سيظل الأمازيغي أمازيغيا عندما يعيش في هولندا وألمانيا ويأخذ جنسيتهما أم سيتحول إلى أوروبي أشقر الشعر؟ قل لي يا مفكري هل أصبح الإفريقي هنديا عندما رحلوه إلى أمريكا والأوروبي من السكان الأصليين لغة وثقافة عندما وطئت قدماه أستراليا ونيوزيلندة؟ أجبني فإن البقر تشابه علينا والعرب يطالبونني بالجواب ويضعون السكين حول رقبتي ويهددونني بالقتل إن لم أجب.

أتمنى أن تكون قد وصلتك الرسالة يا صديقي أزايكو وأن تكون قد استوعبت فحواها. فالإقصاء الممنهج لباقي المكونات الثقافية والتشنج الهوياتي لا يصنعان حوارا ولا مجتمعا متجانسا لكل أبنائه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M