احتماء الفرنكفونية بالملكية لا يعفي من مقاومتها

24 مارس 2014 12:13
احتماء الفرنكفونية بالملكية لا يعفي من مقاومتها

احتماء الفرنكفونية بالملكية لا يعفي من مقاومتها

د. محمد بولوز

هوية بريس – الإثنين 24 مارس 2014

لجأ وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رشيد بلمختار يوم الأربعاء الماضي إلى منطق عجيب وغريب عندما حوصر بأسئلة النواب في اللجنة القطاعية حول سياسته في تدبير ملف التربية والتعليم وخصوصا ما يتعلق بفرنسة الباكالوريا، فعوض أن يدافع عن المشروع بمنطق الدستور ومصلحة الوطن واختيار السواد الأعظم من المغاربة ومنطق التاريخ والعقل والمستقبل والمنهج الديموقراطي وحتى شعارات “الحداثة” وما يفيد حقيقة قطاع التعليم ببلادنا، عوض كل ذلك وأمثاله، لجأ إلى منطق “القرون الوسطى” والاحتماء بالملكية وبأنه معين وليست الانتخابات في حسابه.

حيث نقلت عنه وسائل الإعلام قوله بأن “صاحب الجلالة أعطاني مهمة وسأبذل كل جهودي ليكون ضميري مرتاحا، سواء نجحت أم فشلت المهم هو النية الحسنة والمجهود وla passion“، وعن الجهة المخولة بإصلاح اختلالات التعليم، قال إن الأمر سيتم بين وزارته وبين المجلس الأعلى للتعليم، في إشارة صريحة للنواب وكأنه يقول لهم وللشعب من ورائهم: لا دخل لكم ولا للشعب في “مزرعتي الخاصة” وحزبي المدلل الذي يتمتع بحماية متميزة وبحصانة تعفيه من المساءلة والجواب والحساب، فأنا الحاكم بأمر الحاكم ولا دخل “للرعاع” فيما لا يحسنون ولا يفهمون، والأجدر بحالهم هو “الحجر والحماية” تماما كما فعلت “ماما فرنسا” بآبائهم وأجدادهم، فأنا عندي مهمة “سامية” أقضيها وأمضي و”لن أبقى وزيرا ولن أترشح لهذا لا تشغلني أية حسابات” هكذا في انقلاب صريح وواضح عن دستور ما بعد الربيع الديموقراطي والذي قال في فصله الأول” يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة” فأين كل هذا في منطق بلمختار وحزب بلمختار ومن وراء بلمختار وحزبه؟

فالرجل أخرج طلقته لأنه لا يملك غيرها، فلا الشعبية تسعفه ولا الديموقراطية تطاوعه فلم يبق غير منطق الفرض والتغلب وسلاح التسلط والقهر ومنهج المصادرة والاستبداد، ظنا منه أن ذلك يخيف ويرهب ويسكت، والحال أن المغاربة والأحرار المخلصين منهم على الخصوص تمرسوا طويلا على التمييز بين نظام الحكم وسياسة النظام، فبقدر إخلاصهم لما ارتضوه من نظام بقدر مواجهتهم للسياسات غير السليمة والقرارات الخاطئة، فرغم دخول فرنسا وإسبانيا المغرب منذ أكثر من قرن تحت غطاء الحماية وعقد الملك لعهد الحماية، لم يفهم الناس توقير الفرنسيين والإسبان والترحيب بالغزاة بحجة إذن السلطان، بل نشطت المقاومة في طول البلاد وعرضها وشمالها وجنوبها، فاشتعلت ثورة موحى أوحمو الزياني في وسط المغرب في الأطلس المتوسط، وثورة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في جبالة والريف شمالا، وثورة الشيخ ماء العينين في الأطلس الكبير جنوبا، كما قامت ثورة الشريف السملالي في تافيلالت وقبائل آيت عطا، وهكذا في كامل ربوع الوطن، ولم يفهم أحد أن تلك التحركات كانت ضد الملكية أو ضد السلطان، وكذلك الشأن لما دخلت المقاومة طور العمل السياسي والمدني وبناء المدارس الوطنية لمقاومة التغريب والعلمنة والفرنسة، وقاوم المغاربة بشدة “الظهير الأمازيغي” وهو قانون الذي أصدره المحتل الفرنسي ووقعه الملك محمد الخامس رحمه الله في 17 ذي الحجة 1340 هـ / 16 ماي 1930 م، أو هكذا أظهرت فرنسا التوقيع للناس وهي صاحبة الأمر والنهي والقرار حتى على القصر ومن فيه. وعموما فقد رسخ عند الناس أنه إذا كان للملوك إكراهاتهم وظروفهم واعتباراتهم وما لا يعلم من بواطن الأمور، فللشعب المغربي اختياراته وطرقه وأسلوبه في مقاومة ما لا يرضاه من السياسات والقرارات.

وكذلك استمر الأمر بعد الاستقلال وخصوصا من قبل الأحرار الشجعان حيث يقولون: لا، عندما تقتضي المصلحة ذلك، أو يملي الفهم والاجتهاد تلك المعارضة، ولم يفهم أبدا أنهم ضد الملكية ونظامها، بل قد يكونون من المخلصين الذين يرون أن تكون الملكية قوية بالديموقراطية الحقة والحكامة الجيدة والإصلاح الجدي وبالأقوياء الأمناء والانحياز الكامل إلى الشعب وخياراته الأصيلة، وليس بشيء آخر مما قد يمليه المحيط الفاسد. ففي زمن محمد الخامس رحمه الله قال عبد الله إبراهيم رحمه الله: لا، لفكرة ملكية تحكم وتسير الدولة، وكان يريدها أكثر ديموقراطية تبتعد عن الدخول في التفاصيل وتحافظ على نفس المسافة مع الجميع ولا تدخل فيما يقتضي محاسبة ونقدا دفعا للحرج، وفتحا لباب المنافسة الشريفة لخدمة الصالح العام، وفي زمن الحسن الثاني رحمه الله قال الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله: لا، لحالة الاستثناء عام 1965م، وعارض علال الفاسي فكرة تأسيس حزب القصر والذي كلف به الراحل أحمد رضى كديرة، فضلا عن رفض المهدي بن بركة  رحمه الله لحرب الرمال ضد الجزائر، وقال عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله: لا، للاستفتاء حول الصحراء، ورفض محمد بوستة قيادة الحكومة بوجود وزير الداخلية ادريس البصري رحمه الله، وفي المجال الديني طالب المؤتمر الثالث لرابطة علماء المغرب عام 1968 وما بعدها من مؤتمرات بنزع الرخص التي أعطيت لاتجار في الخمر بموجب القرار العجيب للمدير العام للديوان الملكي رقم 3.177.66 بتاريخ 17 يوليوز 1967 الذي ينظم الاتجار في المشروبات الكحولية، باعتبار الاتجار فيها محرم قطعا،

وفي عهد محمد السادس سدد الله خطاه تصدى الأستاذ عبد الإله بنكيران يسر الله أمره لحزب البام شبيه النشأة بحزب رضى كديرة وواجه بشجاعة كبيرة “صديق الملك” حتى توارى بالحجاب خلف كرسي الاستشارة. وواجه إلياس العمري حتى أخنسه، وتصدى كثير من الأحرار لسياسة المهرجانات التمييعية و”مغرب الثقافات” أو بالأحرى “مغرب السفه والسخافات” حيث تضييع الأموال والإسفاف بالذوق العام ونشر الميوعة والانحلال، ووقر عموم شباب عشرين فبراير الملك والملكية ودعوا إلى إصلاح الملكية وترشيد السياسات باقتراح “ملكية برلمانية” وانتقدوا بشدة محيط الملكية ونادوا برحيل رموز فاعلة فيه، وهكذا يميز الكثير من المغاربة بذكاء بين الملكية كنظام وبين السلوكات وما يراد فرضه من السياسات باسم الملك ومحيطه، ويميلون في عمومهم لشعار “الإصلاح في ظل الاستقرار” بما يعني مقاومة الفساد في الأفكار والأعمال ومواجهة الاستبداد باسم أي كان.

فلا يحسبن رشيد بلمختار أن الساحة خلت له، وأن لحزب فرنسا شيكا على بياض يسرق به ما تبقى من رصيد الهوية والقيم واللسان العربي المبين، فدون ذلك خرط القتاد كما قالت العرب وهي تصف صعوبة جذب شوك كثير بالكف من شجر كثيف الأشواك، فإن كان للاستعمار والنفوذ الفرنسي امتداد وبنين وأحفاد “أوفياء” فللمقاومين والشجعان والأحرار الأصلاء امتداد وبنين وأحفاد أكثر إخلاصا ووفاء، والمعركة مستمرة وهي جولات وكر وفر ومد وجزر، ولكن العاقبة معروفة سلفا، فكما طرد أولئك الأماجد الأشاوس “أمكم فرنسا” فلن يعجز الخلف الوفي عن معالجة الآثار والذيول والظلال و”ألعاب” ومكر البنين والأحفاد.

نعم، لا بد من العمل الجاد والمتواصل من قبل المخلصين والأحرار في هذا الوطن حيثما كانوا وفي أي مجال وجدوا، في المحيط الملكي أو الحكومة أو بالأحرى ما تبقى من الحكومة إذا أزلنا من يعتبر نفسه غير معني بانتخابات أو محاسبة ولا يرى عليه من وفاء لهوية هذا الوطن وقيمه ولغته ودينه، وفي البرلمان وفي الأحزاب الوفية وفي المجتمع المدني ممن لا يشترون بمال أو إغراء وفي جبهة العلماء والدعاة والوعاظ ممن ليس في فمهم م”ماء” يمنعهم الكلام، وفي رجال التعليم من روضته إلى كراسيه العليا ممن لهم رسالة وتحرروا من مجرد بيع الحروف وغيرهم من المواطنين في الإدارات والشركات والمؤسسات والإعلام والثقافة، وفي السهول والجبال والصحاري والوهاد داخل المغرب وخارجه.. الله الله في الدين واللسان، فهذه الأندلس بجوارنا وإن بقيت الأرض أرضا والإنسان إنسانا – وأقصد الذي لم يفر من البطش والتذويب- لما انسلخت من الإسلام والعروبة أو سلخت عنها، بعدت بيننا وبينهم الشقة وصاروا قوما آخرين غير ما كنا عندما كان يجمعنا الدين واللسان.  

لابد من الاستمرار في المقاومة لتطهير الثقافة والإعلام والإشهار والسياسة والاقتصاد والتعليم واللسان من هيمنة حزب فرنسا وأخطبوط الفرنكفونية، ويجب امتلاك الشجاعة لتقنين ما يؤكد أن اللغة العربية هي اللغة الأساسية للتعليم والثقافة ولغة الإدارة والمؤسسات العمومية ولغة تدبير الشأن العام وتصريف الخدمات العمومية. وأنها بالأساس مادة أساسية في كل مراحل التعليم، ولمختلف المواد الاجتماعية والعلمية في جميع المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، وأن تعلم لكل الأطفال المغاربة في مختلف المؤسسات التربوية العاملة في المغرب، وتلزم المؤسسات التعليمية للبعثات الأجنبية، بتخصيص حصص لتدريس اللغة العربية. كما يُلزم ممتهنو الإشهار على استعمال اللغة العربية في كل إشهار مكتوب أو مسموع أو سمعي بصري، وترتّب عقوبات على مخالفة تلك القوانين أسوة بالدول ذات السيادة التي تجتهد في حماية لغتها، ونقترح في هذا المستوى على أهل القرار في بلادنا أن يترجموا لنا فقط القانون الفرنسي الخاص بحماية الفرنسية ولا نزيد عليه فنحمي لغتنا العربية هنا بما يحمى به الفرنسيون لغتهم هناك.

فبنقرة خفيفة على عبارة “قانون توبون” (بالفرنسية: Loi Toubon) على بوابة شيخنا العارف “غوغل” تجد المعلومات التالية: “قانون رقم 94-665 في 4 أغسطس 1994 المتعلق باستخدام اللغة الفرنسية ويعرف باسم قانون توبون (…)، نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون، هو قانون سنّته الجمهورية الفرنسية (…)، يهدف إلى حماية اللغة الفرنسية وتراثها، ويتركز على ثلاثة أهداف رئيسية هي: إثراء اللغة؛ والالتزام باستخدام اللغة الفرنسية ؛ والدفاع عن الفرنسية كاللغة الرسمية للجمهورية (المادة 2 من دستور عام 1958).

ويهدف القانون لضمان أسبقية استعمال المصطلحات الفرنسية التقليدية عوض مصطلحات الأنجليسسم، لضمان سيادة الفرنسية في فرنسا. واستجابة لتزايد استخدام اللغة الإنجليزية في فرنسا، ولا سيما في الإعلانات التجارية، حيث يلزم قانون توبون جميع الإعلانات والملصقات الترويجية أن تكون مكتوبة باللغة الفرنسية.”

فإن كنتم يا قومنا مبدعين ففرنسة الباكالوريا ليست من الإبداع في شيء، وإن كنتم مقلدين فهذا القانون مما يستحسن تقليده واتباعه.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M