إداراتنا العمومية.. رِفقاً بنا

25 مارس 2014 19:29
إداراتنا العمومية.. رِفقاً بنا

إداراتنا العمومية.. رِفقاً بنا

ذة. لطيفة أسير

هوية بريس – الثلاثاء 25 مارس 2014

تتعالى صيحات التذمر الصامتة في قلب كل مواطن وهو يهُمُّ بقضاء مصلحة في إحدى المؤسسات العمومية التي يُفترض فيها أن تقدم خدمات للمواطنين، والتي هي في الأصل حق من حقوقهم التي كفلها لهم الدستور، لكن للأسف تُفاجأ وأنت هناك بالمستوى الهزيل للخدمات إنْ على مستوى المعاملة أو طريقة أداء هذه الخدمة..

فحين تذهب لأي مصلحة إدارية تغدو كَرِيشةٍ في مهب الريح تتقاذفها المكاتب هنا وهناك، وبشق الأنفس تستخرج ورقة تؤكد أنك ”فلان بن فلان”، وتكاد تفقد روحك لتثبت أنك على قيد الحياة وأنت تتسلم “شهادة الحياة”، لَكَم كرهنا المشاوير الإدارية في المقاطعات والجماعات المحلية بسبب تلك الخدمات العقيمة التي تشعرك بالإهانة لأجل الحصول على وثيقة رسمية.

وحين ترمي بك الأقدار بين يدي مستشفياتنا فانتظر صنوفا أخرى من المعاناة تضاف لمعاناتك مع المرض، تشعر وأنت بها كأنك معتقل سياسي كان يهدد الأمن العام للوطن، والواجب الانتقام منه بنظرة قاسية، أو كلمة نابية، أو إهمال ولا مبالاة ريثما ينهي السادة الدكاترة مواعيدهم، وتلمُّ السيدات الممرضات شَعت دردشات نميمية.

لطالما تساءلت: لمَ هذا الجفاء في إداراتنا العمومية، ولمَ هذه القسوة والغلظة في تقديم الخدمات العمومية؟ ولمَ هذا التقصير في أداء مسؤولياتنا؟

لمَ حين تقف أمام أي مكتبِ خدماتٍ عمومية تطالعكَ تلك الوجوه الكالحة التي تكاد تصب عليكَ جام غضبها وكأنك المتهم الأول في سوء وضعيتها أو أحد أسباب تعاستها؟ لمَ تغلب سلاطة اللسان على بعضهم خصوصا مع الفئات المجتمعية التي تنحدر من أوساط فقيرة، ويكاد يسيل لعابها حلاوة وهي تخاطب ذاك الذي يوزع عليها “الهدايا والإكراميات”، بل إن الخدمات مع أمثال هذه الفئات هي التي تنتقل بخضوع وإذعان لإرضاء “السيد المحترم”.

لمَ تتماطل إداراتنا في تقديم خدمات بسيطة يمكن أن لا تستغرق إلا بضع دقائق، فإذا بها تستنزف من وقت المواطن ساعات تلو الساعات؟..

أذكر أنني ذهبت مرة للقيام بآخِر إجراء لاستخلاص البطاقة الوطنية وهو “البصمات” قدِمتُ إلى المؤسسة المعنية في حدود الثانية عشر ونصف ولم أنصرف منها إلا في الرابعة إلا ربعاً.. أليس مقيتا هذا الاستخفاف بنا وبأوقاتنا؟

إلى متى سيظل كابوس هذه السلوكات القذرة جاثما على قلوبنا مستأسدا في إدارتنا العمومية؟

وهل صار توقع النقيض ضربا من ضروب الخيال في مجتمعنا؟

ألا يحق لنا أن نطمع في التمتع بخدمة عالية الجودة دونما حاجة لدفع رشوة أو البحث عن وسيط لذلك؟

وهل سنتجرد يوما من هذه البيروقراطية اللعينة ونحظى بخدمةٍ ترقى إلى مستوى الاحترام الذي نستحقه كبشرٍ أولا وكمواطنين صالحين ثانياً؟

في اعتقادي لو أن كل موظف تعامل مع وظيفته من منطلق إيماني، فإن الكثير من العراقيل والصعاب ستهون عليه. ولو استوعبت قلوبنا -التي أنهكها الجري وراء الشهوات والشبهات كلام الوحي الرباني- لاستطاعت أن تمتص الكثير من الضغوط التي تفرضها مثل هذه الوظائف، فتلتزم بما هو واجب دون تقصير أو تماطل.

ودعني أخي الموظف أقف معك هذه الوقفات الإيمانية السريعة لتدرك أن الأمر لا يحتاج منك سوى إلى إعادة برمجة سريعة لعقليتك، وحملة تنظيف لكل الأدران العالقة بقلبك وأنت جالس بمكتبك.

تعْلم أخي الموظف أن تبسمك في وجه أخيك صدقة، فلمَ تتقاعس عن تحريك شفتيك وأنت تعلم أن كل هذه الابتسامات ستصب في ميزان حسناتك. ولا تقل أخي كيف أبتسم وعندي مشاكل تخر لها الجبال صعقة، فكما نطالب المدرس مثلا أن يُلقي بكل أعبائه الشخصية جانباً وهو يهم بدخول الفصل، لأنه لا ذنب للتلاميذ بمشاكله، فكذلك نطالبك بالمثل، فلا ذنب لأبناء الشعب في معاناتك المهنية.

لو تعلم أخي الموظف أن إسداءك لهذه الخدمات للمواطنين يجعلك تتبوأ مقام الخيرية عند الله، لكنت تتنافس في إتقانها حتى ينطبق عليك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خير الناس أنفعهم للناس“.

ولو علمتَ أن حجم السرور الذي تدخله على قلب أخيك حين تقضي له مصلحته بكل تفانٍ وإخلاص، يجعلك تمتثل لقول نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم: “وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم“، لطلقت اللامبالاة واللامسؤولية طلاقا بائنا ولأقبلت على عملك بكل إخلاص وتفانٍ.

ورحم الله فضيلة الشيخ ابن عثيمين حين قال: “قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف، لأن نفعها متعدٍ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر”.

قد تبدو هذه الإجراءات عند البعض ساذجة أو غير ذات جدوى، ولكنها عند من فقه كنهها وأدرك قيمتها لها أبلغ الأثر في السعي لتخليق المؤسسات العمومية، ولا تخليق بدون الأخذ بمكارم الأخلاق التي دعا لها ديننا الحنيف، ولا تخليق بدون تقوية الوازع الديني لدى الموظفين كما لدى المواطنين. ولا سبيل للتغيير الجماعي والمؤسساتي إن لم نؤمن كأفراد بهذا التغيير ونسعى إليه بقلوب صادقة ونوايا صافية تتصالح أولا مع ربها ودينها ثم مع ذواتها ومن ثم مع مجتمعها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M