الاشتغال في أمور السياسة، هل يؤثر على القلب؟‎

31 مارس 2014 22:22
الاشتغال في أمور السياسة، هل يؤثر على القلب؟‎

الاشتغال في أمور السياسة، هل يؤثر على القلب؟‎

بوجمعة حدوش

هوية بريس – الإثنين 31 مارس 2014

مِن فرط حب الدعاة والإسلاميين والمثقفين ثقافة إسلامية وطلبة العلم للشريعة الإسلامية أنهم لا يتوانون عن الدفاع عنها وعن قيم وأصالة وثقافة المجتمع إذا ما سولت لأحد التنقيص منها أو احتقارها، فتجد أقلامهم تسيل حبرا في تأليف الكتب وكتابة “المقالات الإسلامية”.

وترى منابر خطبائهم تهتز وأصواتهم تعلو منافحين عن شريعة ربهم، لا يخافون في ذلك لوما ولا عتابا، مغتنمين كل منبر إعلامي أتيح لهم أو غيره يعبرون من خلاله عن آرائهم ومواقفهم مظهرين بذلك حبهم وتعلقهم الشديدين بالشريعة الإسلامية.

 وقد يستغرب المتتبع لكثير من الأحداث السياسية من هؤلاء الذين يوصفون “بالإسلاميين السياسيين” أن وجودهم على الساحة السياسية لم يكن بارزا إلى عهد قريب أو لم تكن لهم منابر إعلامية، فقد كانت تثار مثل هذه القضايا ولا أحد يتصدى لها إلا قلة قليلة، لكن الآن ما إن تطفو عل سطح الساحة السياسية قضية يُمس فيها أصل من أصول الدين أو فرع من فروعه حتى، إلا ورأيت المدافعين من كل صوب وحدب ومن مختلف فئات المجتمع يحرصون هذه الشريعة. حتى غدا العمل “السياسي الإعلامي” من مميزات كثير منهم، لا يهنأ لهم بال إلا بإشفاء غليل أنفسهم بسد “ثغرات” يأبى قوم من بني جلدتهم إلا أن يوهموا الناس أن في دينهم ثغرات.

  وإذا تقرر هذا، وعٌلم أن السياسة الشرعية مطلوبة في الدين واجبة في بعض الأوقات، فهل هذا العمل السياسي يعود أحيانا على المنشغل به بغير ما يريد؟

  وللإجابة على هذا السؤال لابد من فهم طبيعة الإسلام وأسسه ومبادئه الأساسية، فمن أسس الإسلام أنه دين الوسطية والاعتدال، اعتدال في العبادات والمعاملات  وأمور السياسة، وكل الأمور صغيرها وكبيرها إلا ويحتاج إلى اعتدال ووسطية، فالشيء إن زاد على حده أثمر خلاف ما يٌراد منه، وإذا نقص عن حده لم يؤتي أكله على الوجه المطلوب، لذا يجب إعطاء كل ذي حق حقه الذي يستحقه، فلنفسك عليك حق، ولأبويك عليك حق ولزوجك وأولادك وكل من لهم عليك حق حق، فيجب منح كل ذي حق حقه، فلا يشتغل المرء بالسياسة يواصل بذلك النهار بالليل تاركا أمورا لها أهميتها ومكانتها، متخليا عن قراءة القرآن أو عن أوراد الأذكار بحجة منافحته عن الشريعة، لأن من حقوق النفس على المرء أو من واجباته عليها تزكيتها وتهذيبها، وذلك بالإنصات للأصوات الندية من القرآن الكريم، وسماع المواعظ وحضور مجالسها، والتفكر في الموت وسكراته والقبر وظلماته ويوم القيامة وشدته، والجنة والنار وعظمة الجبار، فالنفس لا تُزكى بطلب العلم أو الذب عن الشريعة فقط لكن تزكى وتهذب بكثرة المواعظ والتفكر في الذنوب والمعاصي من أجل التوبة منها والانطراح بين يدي الرحيم بالتضرع والأنين والبكاء مع حضور القلب في الدعاء، هذا هو حق النفس، فلا بأس من ترك السياسة أحيانا من أجل صلاح القلب وتهذيب النفس وتزكية الفؤاد، ولا يُفهم من هذا أن السياسة الشرعية تؤدي إلى غير ذلك، لكن الإكثار من الشيء هو الذي يُعطي نتائج تخالف المبتغى.

  كما أن لأسرة المنشغل بالسياسة حق، فلا يبخس لهم حقا، فالجلوس إلى الأبوين والتحدث معهم والاستماع إليهم وإلى مشاكلهم وطلب رضاهم والتفاني في خدمتهم لهو من الأمور التي تُلين القلب وترققه، وكذا إعطاء الزوجة حقوقها في كل ما تحتاجه له أثره الطيب على القلب، وكذا الأبناء لهم حقوق لابد لهم منها.

 وفصل القول في هذا أن لكل مقام مقال ولكل حدث حديث والشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فالاشتغال بأمور السياسة له ضرورته كما أن البحث عن أسباب جعل القلب طيبا لينا له أهميته كذلك، وليس القصد من هذا أن هناك علاقة بين الاشتغال بالسياسة وقسوة القلب، لكن الأمر كما بيناه فقط.

 ومن جهة أخرى، فليس كل قضية أثيرت تحتاج إلى رد وتوضيح موقف، فكثير من هذه القضايا ما يثيرها أصحابها إلى من أجل خلق البلبلة  وإعطاء ذواتهم موضع قدم وإثارة ضجة إعلامية على الساحة السياسية لحاجة في أنفسهم يقضونها، فتجاهل بعض القضايا خير من المشاركة في ترويجها ولو بالشجب والاستنكار، فالأمور التي لا تؤثر في عموم المجتمع لا حاجة للمساهمة في نشرها عبر المنابر المختلفة، فرب أمر تافه لا يُلتفت إليه ولا يؤبه به قد يكون له من الأثر البالغ ما يكون إذا ما ساهم المعارضين له بنشره من باب التحذير منه أو استنكاره، فيصير له أثر سيء عكس ما كانوا يسعون إليه، وهذا مشاهد في كثير من القضايا التي تثار خصوصا وأن من يثيرونها يحسنون تصيد الأخطاء وقلب المواقف والمفاهيم من خلال قوة الإعلام التي في أيديهم وضعفه في أيدي غيرهم من المدافعين عن شرعهم.

  وخلاصة الكلام أن الاشتغال بأمور السياسة مطلوبة إذا كان ذلك مما يؤدي إلى إصلاح المجتمع وتحصينه من المفاسد، وهذا واجب ومن صميم الدين، فالإصلاح ديدن الأنبياء ومن اقتفى أثرهم وسار على دربهم واتبع خطاهم ونهجهم، ولا يُسمع لمن يقول لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة حتى يتأتى لهم قول وفعل ما يحلو لهم دون رقيب أو عتيد، نعم لا سياسة الكذب والخداع والمكر الميكيافيلي في الدين، أما سياسة الإصلاح بطرقها المختلفة فتلك مطلوبة محمودة. “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب“.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M