إسلامنا العظيم ذلك المحسن المجحود

02 أبريل 2014 16:22
إسلامنا العظيم ذلك المحسن المجحود

إسلامنا العظيم ذلك المحسن المجحود

محمد بوقنطار

هوية بريس – الأربعاء 02 أبريل 2014

عيب الآخذين بناصية الغرب المتشبعين حتى التخمة بحضارة الصقيع أن حطبهم حطب ليل وكيلهم كيل تطفيف، وعيب هذا العيب أن قواعد المدح للآخر والذم للأصيل قواعد مطردة، فهم على طول خط المدافعة لا يرون في الإسلام وحضارة الإسلام إلا آلة قمع وإيغال في حد الحدود الحارمة من حق الحياة المحجّرة لواسع حرية بني البشر، والقامعة للحقوق الإنسانية، التي نصت عليها المنظومة القانونية الكونية على حد زعمهم.

فكثرتنا عندهم قلة، وصغيرتنا في أعينهم كبيرة، وحسنات فكرنا في دائرة مناخلهم المدخولة سيئات لا يسعها صدر العفو والمغفرة، وديننا في أدبياتهم لم تتوسع دائرة نوره إلا بالسيف والسنام وقهر الرجال وسبي النساء، وشريعتنا في ميزان كيلهم شريعة ترى الفتك دينا وترى في وجود غيرها إلى جوارها بغيا ومنكرا.

فأنت في أجندة توصيفاتهم إرهابي ظلامي متطرف، ودينك دين إرهاب ورسائل نبيك رسائل تهديد ووعيد وإرهاب، وتاريخك الضارب في عمق الحضارة هو تاريخ استبداد وتسلط، ولست في حاجة إلى بذل الجهد لدفع التهمة عن دينك ونبيك ونفسك ولو أتيت القوم بكل آية فقد رفعت أقلام القوم وجفت صحفهم وعاد الأمر أنف لا مستدرك عليه ولا مستأنف، وما علينا تعليقا إلا أن ننتظر حلول نعمة الحق تفضلا من الله في نفوس معشر العابثين وما ذلك على الله بعزيز.

ولكننا تحقيقا لابد أن لا نغادر ثغور المدافعة وحياض المطارحة حتى لا يتكلس حبر الرتق دون سطور الخرق فيتم مبتغى القوم في باب الاستقطاب والحيلولة بين الحق والراغبين في الانتساب إلى ألوية عدله وبيارق فضله، ذلك الحق الذي من مسلماته حقيقة أن تاريخ البشرية لم يعرف سجل طياته أسوأ من مدنية الغرب في معاملة الآخر ومصادرة حقه ولصوصية ثروته، والتهارش على وجوده وإراقة دمائه، مع البراعة في بث هذا الإثم وتسويغه باسم الشرف وتمريره في قوالب القوانين النزيهة العادلة.

بل وهو يفعل فعلته التي فعلها لم ينس أن يملأ أرجاء المعمور بما يملك من أدوات وتكنولوجيا إعلام، وأن يسوق بأنه رسول الحضارة ونبوة العدل والحرية والمساواة، وهي ولا شك أمور من شأنها أن تجعل عبثه مأمون الجزاء، خارج دائرة الحساب والعقاب، وذلك على وفق ما فعله فرعون قديما حينما كان يذبح الأبناء، ويستحيي النساء، ويدعي الربوبية، ثم لا يتورع في أن يتهم موسى عليه السلام في مقام النصيحة وثوب المصلحة “إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ”.

إن الناظر لمدنية الغرب بعين التجرد والحياد يقف دون جهد ولا كبير عناء على حقيقة أنها مدنية اختل فيها التوازن بين صناعة القوة ومنسوب الأخلاق، وهو اختلال يسجل حضوره منذ ما أطلق عليه الغرب وغيره عصر النهضة، إذ ظل العلم في جانب الإبداع والاختراع يرتقي سلم التطور بينما كان سيل الأخلاق ينحسر ويتردى إلى مستويات ما دون عالم الأنعام والبهيمة.

إذ نجد الرجل الأبيض وهو يسخر المادة لصالح خوارقه الصناعية كان يسعى من باب ما افتقده من أخلاق إلى بث الفوضى وإظهار الفساد في الأرض، فالطائرة التي صنعها كي تحمله وتحملنا إلى بلد لم نكن بالغيه إلا بشق الأنفس قد حولها إلى آلة قتل وبطش ودمار، والسفينة التي طور ألواحها ودسرها قد جعلها مهبط طائراته القاتلة، بل حولها إلى آلة استعمار متحركة.

وهنا نقف مع ما قاله الأستاذ “جودي” أستاذ الفلسفة الإنجليزية في كتابه “سخافات المدنية الحديثة” عندما حكى قائلا: “إن فيلسوفا هنديا سمعني أطري حضارتنا، وأقول: إن أحد سائقي السيارات قطع ثلاثمائة أو أربعمائة ميل في ساعة واحدة على الرمال وطارت طائرة من موسكو إلى نيويورك في عشرين ساعة فقال ذلك الفيلسوف: إنكم تستطيعون أن تطيروا في الهواء كالطير، وتسبحوا في الماء كالسمك، ولكنكم إلى الآن لا تعرفون كيف تمشون على الأرض”.

وإضاعتهم الطريقة المثلى للمشي في مناكب الأرض خصيصة صاحبت الغرب مذ قرون وسنين عددا، وليست هي وليدة اليوم كما قد يظن متوهم، فهذا الفيلسوف الغربي: “ويل ديورانت” في كتابه قصة الحضارة في الجزء الأول “إنشاء الحضارة”، وهو يقر بأن لحوم البشر ظلت تباع في الدكاكين الأوربية إلى غاية القرن الحادي عشر، حيث كتب قائلا:

“ثم أضاف الإنسان إلى صنوف الطعام التي أسلفنا ذكرها صنفا آخر كان ألذها وأشهاها وهو زميله الإنسان ذلك أن أكل اللحوم البشرية كان يوما ما شائعا بين الناس جميعا، فقد وجدناه في كل القبائل البدائية تقريبا كما وجدناه بين الشعوب المتأخرة تاريخا مثل سكان إيرلندا وإيبيريا وجماعة البكنت، بل بين أهل الدانمارك في القرن الحادي عشر كان اللحم البشري من لوازم العيش… وأما في جزيرة بريطانيا الجديدة فقد كان اللحم البشري يباع في دكاكين كما يبيع القصابون اللحم الحيواني اليوم”.

ولسنا بعد هذا السرد والإشهاد في حاجة إلى أن نهمس في أذن الذين يرفعون لواء الدفاع عن كذبة الأقليات المقهورة في مغربنا، وينضمون إلى مشترك شارة الشعوب الأصيلة المقهورة حقا وصدقا من الأبورجين والهنود الحمر والأيسيسكيمو، بأن تلك اللحوم التي كانت مادة عرض وطلب لم تكن لحوم الجنس الآري، بل هي كما تواترت الأخبار لحوم الأقليات المقهورة المضطهدة.

كما لسنا في حاجة إلى أن نهمس في أذن عميد النافخين في هذه النعرة المنتنة الرويبضة عصيد على أن حضارة العرب -الذين لا يألون جهدا في نعثهم بالهمجية؛ وينعت حضارتهم قبل الإسلام وبعده بالمتوحشة المتعطشة للدم وغصب الأرض واغتصاب العرض- هي حضارة لم يسجل عليها التاريخ مطلقا مثل هذه الفظاعات، كما لم يثبت عن فرد من أفرادها أنه تسفل في نقيصة أكل لحم أخيه الإنسان كيفما كانت الملة والنحلة.

وجدير بنا عند هذه النقطة استحضار في غير تحيين ما نص عليه إمام الأندلس وعالمها ابن حزم عندما أوصى قائلا: “إن من واجب المسلم للذميين الرفق بضعفائهم، وسد خلة فقرائهم، وإطعام جائعهم، وإلباس عاريهم، ومخاطبتهم بلين القول، واحتمال أذى الجار منهم مع القدرة على دفعه رفقا بهم لا خوفا ولا تعظيما، وإخلاص النصح لهم في جميع أمورهم، ومدافعة من يتعرض لإيذائهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم، وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يفعل معهم كل ما يحسن بكريم الأخلاق أن يفعله…”.

فهل قام راهب أو قس أو عالم بدعوة بني جلدته لمَّا آلت لهم دولة الأمور بقيادة القوط النصارى في بلاد الأندلس بكف الأذى وحبس الجارحة عن البطش الذي تناولته كتب التاريخ تحت مسمى محاكم التفتيش، فيا للأسف أن تستمر هذه السياسة الموبوءة التي لم تقر وتسمح للإسلام بحق الوجود والحياة إلا في أوقات عجزها وفترات غشها، حتى إذا واتتها الفرصة لقطع دابره لم تفوتها.

ويا للأسف أن يتولى كبر الدفاع عن هذه السياسة وأن يتبناها وينتسب لركزها أناس من بني الجلدة.

كنا أسلفنا ذكر أنهم يرون كثرتنا قلة، وصغيرتنا كبيرة، وحسنتنا سيئة لا يسعها صدر العفو والمغفرة، وتاريخنا إرهاب وظلامية، وحضارتنا استبداد وهمجية، ويا للأسف أن تكون هذه نظرتهم لإسلامنا العظيم ذلك المحسن المجحود والكريم المنبوذ.    

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M