«انتو شعب وحنا شعب».. و«تسلم الأيادي»

15 أبريل 2014 21:40
«انتو شعب وحنا شعب».. و«تسلم الأيادي»

«انتو شعب وحنا شعب».. و«تسلم الأيادي»

نجاة حمص

هوية بريس – الثلاثاء 15 أبريل 2014

بعدما نفضت الآذان باشمئزاز قذارة: “تسلم الأيادي“، قذارة خرجت علينا عبر قنوات الصرف الصحي الإعلامي المصري، تحت مسمى “أوبريت وطنية” متشبعة بقدر وفير من الكراهية والعنصرية والتحريض؛ يكفي لتوفير الاكتفاء الذاتي لمدة عقد من الزمان أو يزيد، دون الحاجة للاستيراد وتقبيل أقدام البلدان الأجنبية.

تمخضت أهرامات الفن لتلد جرذا اسمه: “انتو شعب.. وحنا شعب” لتنحت بذلك أحقر صور العنصرية والإقصاء.. “بركاتك يا ديمقراطية”، وقد صدق من قال: إن الديمقراطية صنم أعده أصحابه من التمر”عجوة”، لكنهم حالما يجوعون لن يترددوا في أكله والتهافت عليه..

فأغنية “تسلم الأيادي” التي جاءت لتقدم التهنئة والتبريك للأمن المصري الهصور، تهنئة تدوم لأكثر من عشر دقائق، كلها تمايل، تشنج، صياح ومكاء، داعية ومتضرعة رب البرية أن يسلم الأيادي المتقاطرة دما، مستعرضة البطولات الخيالية لرجالات ذلك الأمن، وهو يخوض برك ومستنقعات المحميات الطبيعية الخطيرة، التي يبلغ عمقها عشرات المليمترات، ثم وهو يقفز من علو شاهق يجاوز السنتيمتر بقليل، محاولات تصويب بندقيات سوفييتية “بصق عليها الدهر وتفل”، دون أن تنسى تبطين وتزيين كل ذلك بمعانقات تجمع بين الأمن والشعب المقهور، عناق بارد وجاف، أحضان مغصوبة، ابتسامات متكلفة، وأعين حمراء تبحث بغير هدى، وبنظرات متلهفة على عدسات التصوير..

غير أن ما جاد به فلتة الزمان: علي الحجار، يعد بحق ترجمة عربية فصيحة لمبادئ هتلر النازية، عبر أغنيته التكفيرية والعنصرية “انتو شعب.. وحنا شعب” فقد تفوق مبدع “عجبي” على نفسه، وهو يقسم الشعب المصري إلى قسمين، وربّ السماوات إلى ربين، ربّ للإخوان وربّ للانقلابيين، دون أن ينسى وهو يعتصر حباله الصوتية النشاز، ويحاول تحريك غرته لتسقط على عينيه متأثرا، أن يوضح مصرا على الكبر “هوما ناس.. وحنا ناس“...

هذان المنتجان لو كان صاحبهما ملتحي أو منتميا لإحدى التيارات الإسلامية، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولتحركت المنظمات الحقوقية، لتتعثر في عشرات البرامج والحوارات المنددة والمستنكرة، ولتغرق في سيل من دموع المتباكين وسوائل غدد المتألمين، وأنت تقلب القنوات الفضائية والأرضية وحتى المائية، لما يتضمنانه بل وما يصرحان به من عنصرية مقيتة، تحريض بغيض، واستباحة لدم مخلوق اسجد له الله الملائكة فكُرِّم وحمل في البر والبحر.

ولو أن هاتين الأغنيتين كما يسمونهما، أذيعتا بعد قتل دابة بكماء، لتدخلت منظمات الرفق بالحيوان ولسارت المسيرات المليونية حاملة الورود والشموع، باكية المقتول ومطالبة بمحاسبة القاتل، لكن في حالتنا هذه، سكت الكل والسكوت علامة رضا يفسرها الأخر خنوعا وإذعانا، ومارس الفن العفن دوره الأزلي، من خلال تبني القضايا الإنسانية والدفاع عنها باستماتة، فأبدع وأسهب في المدح والإشادة، وقد تجاهل متعمدا وعن سبق إصرار وترصد، أن تلك الأيادي حملت الميكروفونات من قبل وخطبت في الشعب، واعدة كل من يخرج في التظاهر السلمي: الحماية والأمن، فالتظاهر حق مشروع لكل مواطن ولكل الشعب، ونسي المساكين المضحوك عليهم بان هناك شعبين، وأنهم ليسوا مواطنين معترف بهم، وما فهموا ذلك إلا حينما انهالت الرصاصات والخرطوش الحي على الرؤوس والصدور تحذيرا وتنبيها، اقتيدت العربات المصفحة لتدهس الجثث والجرحى رفقا ورحمة، ووزعت في سخاء وبديمقراطية فذة الرصاصات -المستوردة بدم وعرق “الغلابة”- على المسن، الطفل والمرأة، الكل بلا استثناء فالتقدم والتحضر يساوي الكل، ومن أولى بتطبيق المساواة والديمقراطية من الجيش المصري الهمام، فحق في حقه القول “تسلم الأيادي تسلم يا جيش بلادي..”

ولا ننسى أن نذكر شهادة للتاريخ وإبراء للذمة، أن تلك الأيادي التي يدعوا مفوضوها أن تسلم وتحفظ، حرصت على استهداف حتى المستجيرين ببيوت الرحمن خوفا وطمعا، وبعد القتل والتمثيل عمدت إلى حرق الجثث والجرحى، فصمت الأذان وجمدت القلوب عن صرخات من يحترق وهو حي، فالواجب نداءه كان أسمى من أن تلقي بالا لمن يتأوه ويئن، كما زورت وفبركت الوقائع، لتظلم المقتول مرتين، مرة بقتله ومرة بتعتيم الحقيقة عن سبب القتل وكيفيته..

 ذلك هو الفن.. وتلك هي رسالته حيث يبدو التفنن واضحا، وهو يقدم التحية والتهنئة للقاتل، ويكفر القتيل والجريح، فيخرجه من دائرة الإسلام، إسلام النخبة والمستفيدين من ريع الفساد والخيانة.. واستبيحت دماء قال فيها الله عز وجل على لسان نبيه: “لزوال الدنيا وما فيها أهون من قتل امرئ مسلم“، والتي قال فيها النبي العدنان وهو يطوف ‏ ‏بالكعبة‏: “‏ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس ‏محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك عند الله“، فجزى الله تلك الأيادي على قدر جرمها ولو كانت صادقة في تحذير المعتدي إن وجد، لصوبت على الأيادي والأرجل تنبيها، منعا للتقدم وحرصا على الأنفس النفيسة..

وتلك هي الحقيقة وقد جاءت منشورة ومفضوحة على الحبال الصوتية لعلي الحجار، فالشعب المصري في الحقيقة شعبين، شعب لو قتل فيه شخص ولو خطئا تقوم الدنيا ولا تقعد، تسن القوانين، تالف الأغاني، تصور الفيديوهات، وتشحذ القرائح والمواهب نحيبا وتعديدا، وشعب آخر، لو ذبح فيه صاحب لحية في وضح النهار، أمام جماهير غفيرة وجموع عديدة، لو أحرق فيه صاحب متجر لحد التفحم، لو ضربت فيه النساء ودهس فيه الجرحى، لاعتصر فاعلو الخير الخلايا الرمادية، مستخرجين سيناريوهات تلبس الضحية ثوب المعتدي وبالتالي يكون القاتل والظالم مظلوما ومقهورا.. فيصفق الكل وقوفا، لمعاناة القاتل في قتل ضحيته، وصبره على تطاير الدماء والأشلاء على ثوبه..

إن ما يقع في مصر، من ترويع المخالفين باسم محاربة الإرهاب، وممارسة اقسي صيغ الفساد في الأرض، من خلال التصفية الجسدية بحق كل من خالف وصدح بكلمة “لااااا”، يعد توطئة لسن قوانين تمنع التصريح بالهوية، وتحاسب بالفوهة والنصل، لكل من اظهر مظهرا يقتسم فيه ولو العشر مع ” الإخوان”، وبالتالي إدخال البلاد في حرب إبادة وتطهير عرقي للمخالف، كما أنها بداية عمل الاستوديوهات الفنية، لتنظيف الدماء التي سفكها الأمن، وتحسين ما يقوم بتشويهه..

إحنا شعب.. ونتو شعب”، “إحنا ناس.. وانتو ناس”، “ليكو رب.. ولينا رب.

عنصرية دي ولا مش عنصرية يا متعلمين يا بتوع المدارس؟.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M