قراءة في كتاب: «يوميات أمير منبوذ»

15 أبريل 2014 23:35
قراءة في كتاب: «يوميات أمير منبوذ»

قراءة في كتاب: «يوميات أمير منبوذ»

ذ. محمد غربي   

هوية بريس – الثلاثاء 15 أبريل 2014

بعد أسابيع من الترقب صدر حديثا عن دار النشر الباريسية “Grasset & Fasquelle” كتاب الأمير مولاي هشام العلوي “يوميات أمير منبوذ“، هذا الكتاب الذي أسال حبرا كثيرا قبل صدوره، وتوقع النقاد والمراقبون أن يتم منعه من دخول المغرب، ربما لم يكن بحجم تلك الهالة التي سُلِّطت عليه، وربما خيَّب ظن الكثيرين من المتربصين بالعرش العلوي والذين تعودوا أن يصطادوا في المياه العكرة، بين الملك محمد السادس وابن عمه الأمير مولاي هشام، وأول هذه الخيبات التي مني بها هؤلاء المتربصون هي سماح المملكة بدخول الكتاب، بل وأكثر من ذلك تناوله بالتحليل والنقد في الداخل قبل الخارج دون أي رقابة أو اعتراض.

والحقيقة أنني انتهيت من قراءة هذا الكتاب ولم أجد فيه ما يمكن أن أعتبره سرا من أسرارا الدولة أو أسرارا شخصية تهم الأسرة المالكة وهي ما يمكن أن يجذب العامة إليه، بل هو عبارة عن سرد أشبه بالحكايات القصصية التي يعرفها الكثير من المغاربة والتي سبق تناولها من طرف العديد من المقربين من “دار المخزن”.

و برأيي الشخصي فإن أول مأخذ يمكن تناوله على الصدى الإعلامي للكتاب هو العنوان الذي اختير له باللغة العربية ” يوميات أمير منبوذ” والتي هي ليست بأي حال من الأحوال ترجمة دقيقة لعنوان الكتاب الفرنسي وهو: “Journal d’un prince banni” وقد حاولت جهدي أن أجد أقرب المرادفات لكلمة “Banni” في اللغة العربية فوجدت أن مصطلحي “محظور” أو “مبعد” قد يكونا أكثر صحة وأدق توصيفا.

الكتاب يتضمن 380 صفحة يروي فيها الأمير هشام العلوي حياته، من الطفولة حتى يومنا هذا؛ يتحدث فيها عن ما سمعه عن جده محمد الخامس، وكذلك عن علاقته بوالده الأمير مولاي عبد الله ودور والدته لمياء الصلح وعلاقته بالملك الراحل الحسن الثاني، وبالملك الحالي محمد السادس، كما تطرق لدور المخزن في الوقوف في وجه تأسيس الملكية الدستورية الحديثة، ولوبيات الفساد، الأمير تعرض أيضا في كتابه لعلاقته بالأسر الملكية في دول الخليج، وقضية الصحراء والظروف الصعبة التي عاشها الأمير والأسرة الملكية بسبب الانقلابات، كما تحدث عن ثورة الخبز واكتشاف الفقر بالمغرب وأشياء أخرى، يقول هشام إن هدفه هو المساهمة في تنوير الناس وتوضيح الأمور بالنسبة إليهم، والمساهمة في فهم جزء من التاريخ المغربي المعاصر.

الكتاب أفرد نقدا لاذعا للقوى التقليدية المخزنية بالمملكة حيث وصفها بأنها عبارة عن ائتلاف لوبيات لها مصالح ومنها أحزاب سياسة وهناك آليات وميكانيزمات تقيد الجميع في لعبة سطحية هدفها التحايل على التغيير وليس مواجهة التغيير ودعا إلى ضرورة القطع مع هذه الازدواجية التي تحكم سير الدولة المغربية والانتصار لدمقرطة الدولة والانتقال إلى ملكية دستورية رغم كونها عملية مليئة بالأخطار لأن هذه اللوبيات تقاوم التغيير خصوصا وأن الظرفية اليوم لا تساعد على إحداث أي تغيير بفعل تراجع الاقتصاد وتنامي الغضب الشعبي والظروف الإقليمية الصعبة، لذلك يقول الأمير في تعليقاته على ما جاء بالكتاب: “لا أرى من أين يمكن أن يأتي الدافع للتغيير فهو لن يأتي من الملك ولن يأتي من الأحزاب السياسية المنهزمة التي انفصلت عن القواعد الشعبية كما أنه لن يأتي من الخارج الذي كان يساعد عبد الرحمان اليوسفي لكنه تراجع اليوم وفضل الابتعاد والترقب من بعيد”.

وفي حديثه عن الملك الراحل الحسن الثاني فقد تعرض له الأمير بكثير من التقدير والتبجيل وقال إنه كان يتمتع بشخصية قوية جدا لا تسمح لأحد بالاقتراب أو الخروج من الدائرة الضيقة التي يضعه فيها فهو كان مثل “مخرج سينمائي بارع له خشبة ويضع كل واحد في دائرة ويوزع الأدوار حسب منظوره وعندما يرفض أحدهم الدور الذي يعطى له فكان يوبخه أولا ثم يقمعه مرة ثانية ثم يطرده” يقول مولاي هشام في حديثه لفرانس 24، وزاد الأمير في كتابه أنه ترعرع في أحضان ملك عظيم يكن له إعجابا وتقديرا كبيرين وأن الشرخ في العلاقة بينهما كان بسبب “غضب الأمير من الإهانات التي كان يوجهها الملك الحسن الثاني لوالده الأمير مولاي عبد الله”، غير أن هذا الغضب وهذا “الحقد الدفين” سرعان ما تلاشى واختفى بعد مرض الحسن الثاني، حيث قال الأمير معلقا على ذلك “سامحت الملك الحسن عندما مرض حيث رأيت هذا الإنسان القوي والفريد من نوعه حين التقينا وفتح لي قلبه وحكى لي أشياء لم أذكرها في الكتاب لأنها أسرار دولة، وأمور شخصية لم ينضج الوقت للإفصاح عنه”.

وزاد الأمير مولاي هشام قائلا: “إن وفاة الحسن الثاني كانت أصعب علي من موت والدي لأن الحسن الثاني علمني كل شيء بدءا بالعمل السياسي والاحتكاك بالآخرين والتعامل الحذر معهم مثلما علمها للأمير سيدي محمد والأمير مولاي رشيد”.

أما عن دور والدته الأميرة لمياء الصلح فقد قال عنها الأمير إنها: “عملت على الحفاظ على عشها وبيتها وهي التي مكنت والدي الأمير مولاي عبد الله من تكوين شخصية وكيان سياسي مستقل حيث كان يستقبل المعارضة في بيته وكذلك الزوار من الخارج”.

وأن علاقة الأميرة لمياء الصلح مع باقي الأسرة الملكية استمرت على أحسن حال سواء بعد وفاة والده الأمير مولاي عبد الله أو بعد وفاة الملك الحسن الثاني حيث أنها كانت ولازالت ترى في “محمد السادس” ابن الأخ أو الأخت الذي ترعرع على يديها الشخص اللين قلبه دافئ ولديه خصال حميدة وهي بالفعل موجودة فيه”، وأضاف الأمير “إن تقييمي لمحمد السادس هو تقييم لنتائجه السياسية وليس لشخصه”.

المحاولات الانقلابية التي تعرض لها الحسن الثاني كان لها الوقع الكبير على حياة مولاي هشام شأنه في ذلك شأن باقي أفراد الأسرة المالكة ومن الطبيعي أن يفرد لها صفحات من كتابه حيث أكد الأمير مولاي هشام ” أن محاولة الانقلاب هي أكبر صدمة تلقاها الملك والأسرة المالكة لأنها خيانة من قلب البيت، خيانة من إحدى مكونات الملكية وليس المعارضة فقط حيث كان الحسن الثاني يعول على الجيش ويتق فيه، غير أن تلك الانقلابات جعلته يحول اعتماده بعد إلى وزارة الداخلية والشرطة.

بعد اكتشاف الجيش وصدمة استعمال القوة ضد الأسرة الملكية في السبعينات تحدث الأمير في كتابه عن اكتشاف آخر حيث قال “في الثمانينات اكتشفنا عالم جديد مثل ما اكتشفنا الانقلابات خصوصا بعد أحداث الدار البيضاء حيث اكتشفنا عالم المغاربة الذين يعيشون حالة صعبة من الفقر والتهميش والمعاناة، “كان ذلك درسا كبيرا جدا في مسلسل التعلم والنضج السياسي” يقول الأمير في تعليقه.

طبعا لا يمكن لقضية الصحراء أن تغيب عن ذهن الأمير فقد تحدث عن المسيرة الخضراء حيث قال في حواره على فرانس 24: “ليس لدي انتقادات للمسيرة الخضراء لأنها محطة مشرفة جدا وعظيمة في تاريخ المغرب تكتب بماء الذهب”، لكن الأمير يستدرك مواقفه ويقول: “أنا أنتقد مسألة معالجة ملف الصحراء المغربية لأن الحل بيدنا وليس فقط بيد الجزائر التي لها دور طبعا ولأن الحل هو في دمقرطة المغرب وفي تطبيق لامركزية موسعة وعميقة عبر الديمقراطية غير أننا لم نشجع هذا الخيار وشجعنا الزبونية التي لا تؤدي إلى تنمية حس المواطنة لدى سكان الصحراء لكنها ولّدت لديهم احساسا بالغضب وتنامي الحس الانفصالي فكيف سيستطيع المغرب التعامل مع برلمان محلي في الصحراء وهو الذي لم يستطع التعامل مع موقع إلكتروني حر ومثل موقع “لكم” مثلا.

أما بخصوص العلاقة التي تجمع بين الأسرة الملكية المغربية وملكيات الخليج فيقول عنها الأمير إنها “ككل علاقة كانت تعرف أزمات وانفراجات وأتحدث عن خادم الحرمين الشريفين الذي وقف بجانبي في عمليتي الجراحية والمسألة ليست مسألة مال وإنما هي وجود شخصا أخذ بيدي في هذه الأزمة نفس الشيء بالنسبة للأمير محمد بن زايد الذي هو بمثابة الأب بالنسبة لي وليس فقط أخ”، ويضيف الأمير “بالفعل اليوم هناك اضطراب في علاقتي بأمراء الخليج الذين يعتبرون مواقفي من الملكيات في هذا الوقت هو خطر عليها غير أنني أعتبر أن أكبر ضمان لاستقرار الملكيات هو الإصلاح والصديق الوفي هو من يقول لك ما الحقيقة وليس فقط ما تريد أن تسمعه وإن كان أصبح لا يُسمح لي بدخول بعض هذه الدول بسبب مواقفي فهم أحرار تماما مثلما أنا حر في أفكاري وآرائي ولا أساوم عليها”.

ويستطرد الأمير في حديثه عن علاقته بالأمراء الذين لم يتعرض لهم في كتابه مثل الأمير مولاي رشيد الذي قال عنه أنه أمير بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أما مولاي اسماعيل هو أخي وشقيقي اختار طريقه وأنا اخترت طريقي، فأنا ترعرعت في كنف الحسن الثاني وهو ترعرع في كنف محمد السادس، وبخصوص ابن خالته الأمير والميلياردير السعودي الوليد بن طلال فقد قال عنه الأمير: “إنه ابن خالتي تربطني به علاقة عائلية حميمية ووطيدة”، لكن طالما ليس بينهما عمل تجاري أو سياسي فلم ير داعيا للتعرض له في الكتاب.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M