«الصوفية» و«العلمانية» و«الغرب» وميثاق المودة والقرب

19 أبريل 2014 17:59
«الصوفية» و«العلمانية» و«الغرب» وميثاق المودة والقرب

«الصوفية» و«العلمانية» و«الغرب» وميثاق المودة والقرب

محمد بوقنطار

هوية بريس – السبت 19 أبريل 2014

لطالما تساءلت عن السر وراء موادعة العلمانيين والحداثيين واللبراليين دعاة التنوير والعقلانية وسكوتهم عن مظاهر الخرافة والوثنية وغفرانية الصك المتفشية في الطقس الصوفي، والمؤطرة لعلاقة المريد بالشيخ المربي.

ولطالما استكبرت هذه الأسباب التي تبقي على حبل الود الدائم المستمر المنتعش بين العلماني العقلاني والصوفي الخرافي.

تلك الأسباب التي تجاوزت خلسة الاتفاق إلى ظاهر الارتفاق، حيث رأينا كيف صار العلماني واللبرالي بل واليساري يشد الرحال ليقف ذليلا بين يدي الشيخ القطب الرباني طالبا الإذن والورد والرضى الموصل إلى حضرة الربوبية، التي عاش هذا الواقف حينا من الدهر منكرا لها، رافعا لواء الإلحاد ومحسوس المادة، ثم حصل هذا التحول الشيميائي الذي جعل على سبيل المثال لا الحصر أمناء الأحزاب العلمانية وكوادرها يفتخرون بانتسابهم إلى عقيدة الأشعري، وفقه مالك، وسلوك الجنيد السالك!

بينما وغير بعيد عن هذا الركز كان واحد منهم يمارس النيابة مستدركا على حكم الله في فروض الميراث غير متورع عن اتهام قسمة العزيز الحكيم بالظلم تحت وقع مكاء وتصدية خليط نسوة حزبه ونسوة المجتمع المدني.

بل إننا رأينا كيف أن هذا العلماني أو اليساري مع تقدم السن وتفكيره في التوبة يختار الالتحاق بركب التصوف باعتبار ما يتيحه له من أوراد وصكوك غفران تعفيه من تحمل مكرهة التكاليف الشرعية.

وباعتبار أن الانخراط في سلك التصوف يبقيه بعيدا عن واقع الحياة في تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولعله أمر يواطئ ما تربى عليه وتبناه واختاره من عقيدة فصل الدين عن الدولة مخافة الوقوع في مصيبة الحكومة الثيوقراطية كما أفهمَه ساداتُه رواد النهضة وعصر الأنوار.

فهمٌ جعله يخاصم ويعادي فصائل الإسلام الداعية لتحكيم شرع الله وتطبيق شريعته، بل جعله يتبنى بجرعات زائدة من اليقين في مهمة مدافعته الكثير من التوصيات الوافدة من بلاد الصقيع كتلك التي تحثه على الخوف ممن أسماهم المحلل والكاتب الأمريكي “روبن رايت” عندما قال: “لا تخافوا سائر الإسلاميين ولكن خافوا السلفيين”.

 وقد لا يهمنا هنا قضية إيمان العلماني المحلي بوصية العلماني الإقليمي بقدر ما يهمنا أن نستثمر هذه المقولة من جهة إسهام وزنها في حل إشكالية ذلك السر موضوع السؤال سلفا والذي من شأنه أن يحيلنا على المطلوب أصالة من حميّة الدفع بالصوفية إلى الواجهة وتكاثف الجهود في مجال صناعة الوصفة الدينية المرضية الحائزة لصك القبول الأجنبي، كما يهمنا في إطار الوقوف على كم وكيف هذه الجهود التوقف عند محطة الجهد الغربي، باعتباره الجهد الأقوى والأصل المتبوع والصوت المسموع الذي تنضوي تحت عباءة توصياته وإملاءات خلاصات أبحاثه المتخصصة كل الفروع العلمانية والحداثية.

وها هو المستشرق الشهير «برنارد لويس» المعروف بصهيونيته وعداوته الشديدة للإسلام والمسلمين يعترف ويقر في غير تقية بأن الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وبالتالي إقصاء الدين نهائيا وفصله عن القضايا الحيوية والحساسة للأمة.

وهو عين الأمر الذي نصت عليه توصية لجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس الأمريكي والتي نادت بضرورة تشجيع حركات الإسلام التقليدي الصوفي، ولعل لغة الأرقام في هذا الجانب تتحدث على أن أكثر الكتب انتشارا في مكتبات وأروقة الكتاب الغربية هي مؤلفات محيي الدين بن عربي، وأشعار جلال الدين الرومي الذي كانت قد خصصت له منظمة اليونسكو سنة2007م كعام دولي للاحتفال بالمئوية الثامنة له كشاعر صوفي.

وقد دشنت المنظمة أول أيام احتفالها بمقرها الكائن بالعاصمة باريس بندوة استوعبت أطوارها اليوم الكامل ثم تلا ذلك اليوم يومان لعرض كتب ومخطوطات ولوحات تتناول حياة جلال الدين الرومي وأعماله، ولعلها إشارة والتفاتة لها أكثر من دلالة سيما إذا استحضرنا ولم يغب عن الذهن أنه وتزامنا مع هذه الهالة والبهرجة التي أقامها ويقيمها الغرب حول التصوف ورموزه، كانت هناك صحف ومجلات غربية تلطخ صفحات نشرها النافقة برسوم كاريكاتورية لسيد الخلق وإمام البشرية عليه الصلاة والسلام، ولم يتجاوز رد فعل كل الحكومات الحاضنة وعين المؤسسات الراعية والمحتفية بالتصوف «الإسلامي» اعتبار الأمر حرية فردية، ليس ثمة أحد -كائنا من كان- بمنأى عن نقد وسخرية الفنان كان رساما أو مخرجا أو ممثلا!!

وجدير بالذكر أن الغرب وهو يناور وينفق بسخاء لم يقع في غبن أو اتصف بغباء، إذا علمنا أنه في مقابل ذلك الكم الهائل من الإنفاق قد تحصل له مغنم خلق شريك له داخل كيان الأمة الإسلامية، شريك تجمعه بالغرب وحدة الغاية والمقصود مقصود التصدي للتيار الإسلامي السلفي ومشروع تحييد دوره التدافعي الذي شكل ويشكل حجر عثرة أمام إمكانية هيمنة الأول على أرض الإسلام وحياة المسلمين، بينما يتيح للثاني القضاء على عدوه الأول الذي طالما نبزه بالوهابي السلفي الذي يتهدد وجوده بتهريبه الديني المهدد لكيان الخصوصية والأمن الروحي للمواطن القـُطري.

ويهمنا هنا أن نعرج على ذكر ما آلت إليه خلاصة الدراسات الغربية وعلى رأسها الدراسات الأمريكية، التي شكلت القاعدة التي تنزلت على مهدها ولحدها مشاريع استراتيجية استغلال الصوفية، التي كان للعلمانيين والعلمانية المحلية السبق في طأطأة الهامة والقامة الحداثية لها والاصطفاف إلى جانبها، فلقد خلصت هذه الدراسات الغربية إلى اعتبار الصوفية البديل الثقافي والاجتماعي والدين الأساسي المقبول بل والإسلام الذي يمكن أن تتعامل معه أمريكا والغرب على اعتبار أن مناهجه وطقوسه وتجلياته على الأرض هي السبيل والخيار الوحيد والأوضح في مقام خلق مصالحة جذرية تستوعب في تجانس ومرونة واعتدال وليونة العالم اليهودي المسيحي والعالم الإسلامي.

ويبقى أن نقول أن الحقيقة التي تصرف الملايير من العملات الأجنبية بل والمحلية لجعلها متوارية مدفوعة إلى الوراء السحيق، هي حقيقة واحدة حقيقة أنه ما كان ليعيد لهذه الأمة المريضة المتهالكة بريق بصيرتها وصحتها وعزها وتمكينها إلا دينها.

والخصوم اليوم لا يقفون عند حدود معرفة هذه الحقيقة على وجه الإجمال الذي يكتنفه الغموض والاحتمال وكفى، إنما هم باتوا يملكون من التفاصيل ودقائق الأمور عن ماهية الدين موضوع الرجوع، ورهن نزع الذل والهوان، وإعادة التمكين ما غاب عن الكثير من أهل الانتساب، سواء تعلق الأمر بدائرة الالتزام أو خارجها.

ومع أنهم أدركوا مبكرا أنهم لا يواجهون بيت عنكبوت، غير أن هذا لم ينشب فيهم مخالب اليأس بقدر ما حملهم على خلق جبهات موازية استطاع الخصم أن يحارب من خلال الجبهة الأولى دينا بدين، وإسلاما بإسلام، وشريعة بحقيقة، وظاهرا بباطن، وأنبياء بأولياء، وأصحابا بمشايخ وأقطاب، وسندا بضبط وعدالة واتصالا بسند حدثني قلبي عن ربي، وتحكيم نصوص الوحي بتغليب كشف وذوق، وعبادة الواحد القهار بعبادة الموتى والأشياخ والحجارة والأشجار..

بينما أوكل للجبهة الثانية جبهة الطابور الخامس مهمة صناعة التهمة وإدارة الأزمة على صفحات الإعلام العلماني المنحاز موضوع الإغداق والإنفاق السالف الذكر ورمي الأطهار من معشر المتدينين على الحق والصدق بالإرهاب والظلامية والتطرف والعمالة للوهابية المشرقية.

وبين التوكيل الأول والثاني يبقى صدق توكلنا على الله والاستعانة به سبحانه في دفع عدوان المعتدين، ومكر الماكرين وكيد الكائدين، وتحول المتحولين وإنفاق المنفقين كبير، وقد توعدهم وتوعد إنفاقهم بالحسرة والخسران المبين والحشر المهين مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M