حد رجم الزاني المحصن.. حكم شرعي ثابت بالأدلة القطعية الصحيحة

20 أبريل 2014 12:18
حد رجم الزاني المحصن.. حكم شرعي ثابت بالأدلة القطعية الصحيحة

حد رجم الزاني المحصن.. حكم شرعي ثابت بالأدلة القطعية الصحيحة

عبد الرحمان سعيدي

هوية بريس – الأحد 20 أبريل 2014

إن ما جاء في مقال: “رجم الزاني أكبر جريمة في حق الدين والانسان(1)” لمن أخطر الانتحالات الباطلة والتأويلات الجاهلة التي هي من أفظع الافتراءات على هذا الدين.

لقد قال القائل في استهلال كلامه:

“لقد قال الفقه أن الجلد الوارد في سورة النور “مائة جلدة” لا يعني الزاني المحصن أي المتزوج بل يعني فقط العازب، رغم أنه كان من باب أولى أن يورد الله الحكم الأقوى (القتل) في القرآن، بينما تتكفل السنة بباقي التعازير كما يسميها معشر الفقهاء…”.

أقول وبالله التوفيق إن الفقه الذي تقصده إنما هو اجتهادات علماء الأمة من أصحاب النبي صلى الله عله وسلم، ممن شاهدوا التنزيل وأخذوا وسمعوا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين لهم المراد من كلام الله عز وجل، فاكتسبوا منه صلى الله عليه وسلم العلم والورع حتى كانوا يتورعون من القول في كتاب الله بغير علم سمعوه أو بلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يرون أن أجرأ الناس على الفتيا أجرأهم على النار.

وكذلك كان التابعون الذين أخذوا عن الصحابة، وبعدهم أتباع التابعين من علماء القرن الثاني كالأئمة الأربعة الذين كتب الله لمذاهبهم الإتباع، وغيرهم ممن انقرضت مذاهبهم كالأوزاعي والثوري والسفيانان وشعبة بن الحجاج والطبري، وكثير غيرهم ممن أجمعت الأمة على عدالتهم وثقتهم رحمهم الله جميعا.

فهؤلاء هم علماء الأمة الذين ورثوا علم النبوة ونقلوه بكل صدق وأمانة، وقد بلغ بهم حرصهم على صيانة هذا العلم، بأن أفنوا أعمارهم في نقله وتمحيص أخباره والتدقيق في أحوال رواته فميزوا بين صحيح الأخبار وسقيمها. فما أن اكتمل القرن الرابع حتى اكتمل تدوين الحديث وبين الصحيح من الضعيف ووضعت أصول علم الحديث وعلوم القران وعلم أصول الفقه وقواعده. كل ذلك لصيانة العلم الشرعي من عبث العابثين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

فكانوا مصابيح الأمة الذين استرشدت بهم دون غيرهم حتى ارتوت وسقت من ينابيع العلم الشرعي الصحيح، التي هي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فكانت لهم بذلك المنزلة والمكانة الرفيعة عند الله، حتى قرن الله تعالى شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، فهم ورثة الأنبياء، وهم الموقعون نيابة عن رب العالمين، لأنهم يبلغون عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، بقولهم مثلا: “هذا حكم الله تعالى في كذا”.

لذلك أمر الله تعالى بطاعتهم بعد طاعته وطاعة رسوله، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا” (سورة النساء:59).

من هنا نعلم مدى الاحترام الذي يستحقونه ومدى الطاعة الواجبة لهم، وأن كل طعن في أقوالهم وكل شك فيما يروون وما يستنبطون إنما هو من سوء الأدب معهم ومخالفة لما أمرنا الله تعالى من طاعتهم.

فما ورد من العبارات في هذا المقال مثل: لقد قال الفقه.. – كما نسب الفقه – لقد نسي الفقه – لقد استعصى على الفقه.

فكل ذلك انتقاص واستخفاف واستهزاء لا يليق بعلماء الأمة، خاصة وأن في ذلك تعميم يشمل جميع فقهاء الأمة بما في ذلك الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وينم كل ذلك عن غاية في نفس قائله، يظهر منها بث التشكيك في التراث الفقهي الإسلامي والاستهانة بأحكامه ورد أصوله وإبطال قواعده، واستهجان صنيع السلف الصالح.

 

وهذا ما يبدو جليا، حيث تناول هذا المقال بالنقد والاستنكار حكما معلوما من الدين بالضرورة ثابتا بالسنة الصحيحة، ألا وهو حكم رجم الزاني المحصن، مع ما صحب ذلك من التعرض للسنة النبوية المطهرة وإنكار مكانتها من القران وتعطيل دورها، في تعسف في التأويل، وإنكار للنسخ، وعبث بالنصوص.

الرجم ثابت بالسنة بإجماع علماء الأمة من السلف والخلف:

قال ابن رشد رحمه الله تعالى في بداية المجتهد ونهاية المقتصد: “والزناة الذين تختلف العقوبة باختلافهم أربعة أصناف: محصنون ثيب وأبكار وأحرار وعبيد وذكور وإناث، والحدود الإسلامية ثلاثة: رجم، وجلد، وتغريب، فأما الثيب الأحرار المحصنون، فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم إلا فرقة من أهل الأهواء فإنهم رأوا أن حد كل زان الجلد، وإنما صار الجمهور للرجم لثبوت أحاديث الرجم، فخصصوا الكتاب بالسنة أعني قوله تعالى: “الزانية والزاني“… انتهى (الجزء 2/325، دار الفكر).

مما يستفاد من كلام ابن رشد رحمه الله:

– إجماع المسلمين بكل طوائفهم على رجم المحصن الزاني.

– لم يخالف في ذلك إلا فرقة ممن يتبعون أهوائهم، وليس شرع الله، والذين ينفون الرجم.

– أدلة جمهور المسلمين أحاديث الرجم الثابتة الصحيحة التي لم يخالف في صحتها وتأويلها أحد من السلف والخلف.

– تخصيص المسلمين نص أية الجلد العامة بهذه الأحاديث الثابتة الصحيحة، لجواز تخصيص القران بالسنة باتفاق.

من حجج الجمهور:

– حديث ماعز الأسلمي رضي الله عنه، قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي خير العباد: ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا.. الحديث.

– حديث الغامدية رضي الله عنها، قال ابن القيم رحمه الله: وفي صحيح مسلم فجاءت الغامدية… الحديث.

– حديث العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره، فأمر عليه السلام بجلد وتغريب العسيف الذي كان بكرا وأرسل أنسيا ليأخذ اعتراف المرأة فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها، كما في الصحيحين.

فهي أحاديث ثابتة في الصحيحين وغيرها، وقد أوردها الشيخان رحمهما الله في كتاب الحدود.

 وقد بوب لها البخاري بقوله: باب رجم المحصن، وقال الحسن من زنى بأخته حده حد الزاني.

وخصص الإمام مسلم رحمه الله لأحاديث الرجم بابين:

الأول باب رجم الثيب في الزنى.

وقد بدأه رحمه الله بحديث يقرر فريضة الرجم على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي تنبأ فيه بما سيدعيه أهل الأهواء من إنكار هذه الفريضة، فبين رضي الله عنه أنها سنة قائمة وفريضة محكمة، لا تقبل النسخ.

قال الإمام مسلم رحمه الله:

حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع عبد الله بن عباس يقول قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 “إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف”.

وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن أبي عمر قالوا حدثنا سفيان عن الزهري بهذا الإسناد.

الثاني باب من اعترف على نفسه بالزنى:

فهذه الأحاديث أوردها الإمام الحجة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، الذي حقق فيه السنة الصحيحة، تنصيصا على أنها هي السنة الصحيحة.

أقوال المخالف والرد عليها، كالآتي:

1- قوله: “قال الفقه أن الجلد الوارد في سورة النور “مائة جلدة” لا يعني الزاني المحصن أي المتزوج بل يعني فقط العازب، رغم انه كان من باب أولى أن يورد الله الحكم الأقوى (القتل) في القرآن: وقال أيضا: “لماذا لم يذكر الرجم في القرآن بينما ذكر الجلد”، وقوله: “ولأن أن النبي بعثه الله لكي يبين للناس ما هو موجود في القرآن، لا أن يضيف إليه”.

أقول: عدم ذكر الرجم في القرآن لا يعني عدم ثبوته وصحته، فهو صادر من السنة الصحيحة الملازمة للقرآن والمبينة له بنص القرآن، فهي المصدر الثاني للتشريع بعده، وقد أمر القرآن الكريم بالأخذ بها في كثير من الآيات الصريحة، فوظيفة السنة لا تقتصر على البيان فهي كذلك تؤكد وتقرر ما جاء في القران من أحكام وتنشيء أحكاما لم ترد فيه، مثل تحريم الحمر الأهلية، وتحريم كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير، وتحريم نكاح المتعة، وتحريم جمع المرأة مع عمتها وخالتها. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:ألا وإني أوتيت القران ومثله معه (يعني السنة). روي من طرق صحيحة كثيرة وله شواهد كثيرة.

والحال هنا أن أحاديث الباب مخصصة لأية الجلد العامة، كما نص عليه ابن رشد.

2- قوله: كما نسب الفقه لعمر بن الخطاب قوله “كانت هناك آية قرأناها وقرأها رسول الله حذفت من القرآن وهي آية: الشيخ والشيخة إذا زنيا ارجموهما البتة” لكن المصاحف لم تذكرها وهذا يتناقض مع آية: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

 أقول: وهذه سخرية صريحة في حق عمر رضي الله عنه مع أنه أعلم الأمة وأجلها قدرا وأحرصها على دينها، فالعلماء يعلمون بلا خلاف أن هذه الآية مما نسخت تلاوتها وبقي حكمها وهو الرجم، والنسخ في القرآن مجمع عليه في القرآن وهو كثير الوقوع.

قال الإمام السيوطي رحمه الله في الإتقان في علوم القران:..النسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير، وقد أجمع المسلمون على جوازه..

وقال أيضا: قال الأئمة لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف الناسخ والمنسوخ” انتهى كلامه.

 أما تعارض النسخ مع أية حفظه تعالى لكتابه فإنما هو وهم يحصل لغير العارف، أو تمويه للحق يراد به باطل، فالمراد بالحفظ صيانته من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فالحق سبحانه تدرج بالناس في التشريع يبدل ويزيل وفق مشيئته وحكمته، وأوكل هذه الوظيفة لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى استقر التشريع بإتمام الدين في حجة الوداع، (بما ورد ابتداء في القران الكريم وبما بينته السنة أو فصلته أو قيدته، وبما أقرته أو أضافته)، حتى أصبح جميع ذلك من الدين، فما فصله القران أو فصلته السنة من المجمل أصبح محكما بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ورد فيه دليل ظني أو حكم كلي أو عام أو مطلق، ترك فيه المجال للاجتهاد أو التأويل وفق ما تقتضيه المصلحة ووفق القواعد الشرعية).

3- قوله: لقد نسي الفقه أن آخر ما أوصى به النبي في حجة الوداع هو النساء… ولم يقل “فاقتلوهن”.

أقول: هذا يدل على قصد إيهام الناس أن الرجم إنما ورد في حق النساء دون الرجال، مما يثير الشكوك حول إثارة هذا الموضوع أصلا، وكأن الأحكام الشرعية في الإسلام إنما شرعت لقهر المرأة وقمعها وقتلها إذا سنحت بذلك الفرصة؟

فمن المعلوم من الدين بالضرورة أن النساء شقائق الرجال في الأحكام، وقد دلت الأحاديث الثابتة والواردة في هذا الباب أن إقامة الحد وقع على الرجال كماعز الأسلمي والعسيف وعلى النساء كالغامدية والمرأة التي زنى بها العسيف، فلا مجال للإيهام والتمويه، ووصية النبي صلى الله عليه وسلم عامة، فلا مجال كذلك لإيهام الناس أن الوصية بهن تقتضي منتهى الرفق وعدم متابعتهن حتى عند انتهاك حدود الله.

4- قوله: وهو نفس ما أكدت عليه الآية التي كذب الفقه على الله وقال إنها نسخت (واللاتي ياتين الفاحشة…).

أقول: هذه الآية مما أجمع العلماء على نسخ حكمها وبقاء تلاوتها، وهذا من المجمع عليه كما قال السيوطي رحمه الله، وليس من التفاهة، بل التفاهة كل التفاهة هو الاستهزاء بعلماء الأمة وبأصولها وبث الريبة والشك في صحتها.

روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في باب حد الزنى حديثا صريحا بنسخ حكم الآية المشار إليها، قال رحمه:

وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم».

قال السيوطي رحمه الله: “واللاتي يأتين الفاحشة” منسوخة بآية النور..

وقال في حكمة هذا النوع من النسخ: فالجواب من وجهين: أحدهما أن القران كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به، فيتلى لكونه كلام الله فيثاب عليه فتركت التلاوة لهذه الحكمة، والثاني أن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفع المشقة. انتهى.

وفي قول المخالف هذا أيضا سوء أدب مع العلماء بنسبة الكذب إلى الفقه، أي إلى حملته، (فالكذاب إذن هو الذي يفتري على الأمة، المتمثلة في إجماع علمائها، وينسب إليها ما يخالف إجماعهم).

5- قوله: لقد استعصى على الفقه تفسير الآية الواردة في الأمة… فإذ كان الحكم على المرأة الحرة المحصنة هو رجمها حتى الموت فما هو نصف هذا العذاب الذي فرضه القرآن على الأمة المحصنة هل هو نصف القتل؟

الجواب أن حَدَّ الْعَبِيد وَالْإِمَاء سَوَاء؛ خَمْسُونَ جَلْدَة فِي الزِّنَى، لا الرجم لأن الرجم لا يتبعض:

وهذا ما قرره العلماء بالتفسير من علماء الشريعة الإثبات، قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير الآية التي أشار إليها هذا:

«أيْ الْجَلْد (يعني العذاب المذكور في الآية) وَيَعْنِي بِالْمُحْصَنَاتِ هَاهُنَا الْأَبْكَار الْحَرَائِر؛

 لِأَنَّ الثَّيِّب عَلَيْهَا الرَّجْم وَالرَّجْم لَا يَتَبَعَّض، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْبِكْرِ مُحْصَنَة وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَة؛ لِأَنَّ الْإِحْصَان يَكُون بِهَا؛ كَمَا يُقَال: أُضْحِيَّة قَبْل أَنْ يُضَحَّى بِهَا؛ وَكَمَا يُقَال لِلْبَقَرَةِ: مُثِيرَة قَبْل أَنْ تُثِير.

وَقِيلَ: “الْمُحْصَنَات” الْمُتَزَوِّجَات؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا الضَّرْبَ وَالرَّجْمَ فِي الْحَدِيث، وَالرَّجْم لَا يَتَبَعَّض فَصَارَ عَلَيْهِنَّ نِصْف الضَّرْب.

 وَالْفَائِدَة فِي نُقْصَان حَدِّهِنَّ أَنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنْ الْحَرَائِر.

وَيُقَال: إِنَّهُنَّ لَا يَصِلْنَ إِلَى مُرَادهنَّ كَمَا تَصِل الْحَرَائِر.

 وَقِيلَ: لِأَنَّ الْعُقُوبَة تَجِب عَلَى قَدْر النِّعْمَة؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا نِسَاء النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ ” [ الْأَحْزَاب: 30 ]

فَلَمَّا كَانَتْ نِعْمَتُهُنَّ أَكْثَر جَعَلَ عُقُوبَتهنَّ أَشَدّ، وَكَذَلِكَ الْإِمَاء لَمَّا كَانَتْ نِعْمَتهنَّ أَقَلّ فَعُقُوبَتهنَّ أَقَلّ.

وَذَكَرَ فِي الْآيَة حَدّ الْإِمَاء خَاصَّة، وَلَمْ يَذْكُر حَدَّ الْعَبِيد؛ وَلَكِنَّ حَدَّ الْعَبِيد وَالْإِمَاء سَوَاء؛ خَمْسُونَ جَلْدَة فِي الزِّنَى، وَفِي الْقَذْف وَشُرْب الْخَمْر أَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّ حَدّ الْأَمَة إِنَّمَا نَقَصَ لِنُقْصَانِ الرِّقّ فَدَخَلَ الذُّكُور مِنْ الْعَبِيد فِي ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمَمْلُوكِيَّة، كَمَا دَخَلَ الْإِمَاء تَحْت قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْد). وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاء الْقِيَاس فِي مَعْنَى الْأَصْل؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: “وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات” [النُّور:6] الْآيَة. فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُحْصِنِينَ قَطْعًا؛ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة “النُّور”…» انتهى كلام القرطبي. الجامع لأحكام القرآن.

وقال ابن القيم رحمه الله: وحكم (أي النبي صلى الله عله وسلم) في الأمة (المملوكة) إذا زنت ولم تحصن بالجلد، وأما قوله: “فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب” فهو نص في أن حدها بعد التزويج نصف حد الحرة. وأما قبل التزويج فأمر بجلدها، وفي هذا الجلد قولان: أحدهما أنه الحد ولكن يختلف الحال قبل التزويج.. فإن للسيد إقامته.. أما بعده فلا يقيمه إلا الإمام. والقول الثاني أن جلدها قبل الإحصان تعزير لا حد (انتهى).

مفهوم كلام ابن القيم رحمه الله كذلك أن المراد بالحد في حق الأمة هو الجلد بعد الإحصان، أي نصف جلد الحرة وهو خمسون جلدة، وأشار إلى أحد الأقوال في عقوبتها قبل الإحصان، التي هي التعزير.

فمن الذي يماري فيما يجهل أو يتجاهل؟ أهذا استعصاء في التفسير أم افتراء على أولياء الله تعالى (ومعصية له تعالى)؟

6- قوله: فعندما يواجه الفقهاء بهذه الأدلة، يستنجدون بالمرويات الموجودة في كتب الحديث، فيقدمون الحديث على القرآن ويجعلون السنة قاضية على القرآن وناسخة لأحكامه أو مناقضة لها، وهو ما لا يليق لا في حق القرآن ولا في حق السنة الصحيحة، لأن القرآن هو من يعرض عليه الحديث وليس العكس، ولأن أن النبي بعثه الله لكي يبين للناس ما هو موجود في القرآن، لا أن يضيف إليه. وهذا ما تدلنا عليها الكثير من الآيات وأهمها: (يستفتونك قل الله يفتيكم)، و(ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين)، و(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه)، و(ما فرطنا في الكتاب من شيء).

أقول: أشرنا في الرد على القول الأول إلى وظيفة السنة ومكانتها من الٌقرآن، وما ساقه من الآيات لا دلالة فيه على ما يقول، فالآية الأولى تفيد أن الله تعالى هو الذي يجيب عن أسئلتهم بواسطة الوحي المنزل على رسوله، ومعلوم أن كل ما يصدر عن الرسول عليه السلام مما يتعلق بالتشريع هو وحي رباني.

والآية الثانية تشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو أمين على الوحي ولا يمكنه أن يخالفه بما لم يوح به إليه، مع أنه معصوم من ذلك.

والثالثة تفيد سلطة البيان التي هي جزء من وظيفة التبليغ.

والرابعة تشير إلى شمولية الوحي لجميع ما يحتاج إليه الإنسان.

كما ترد هذه الدعوى بآيات صريحة في وجوب العمل بالسنة والأخذ بها كما نأخذ بالقرآن، قال تعالى: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” (سورة الحشر:7).

وقال أيضا: “مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا” (سورة النساء:80).

والآية أعلاه (النساء:59).

والأحاديث في ذلك مشهورة وكثيرة.

7- قوله: وأما المرويات التي يحاول البعض فرضها واعتبارها سنة عن الرسول (ص) فإنها كلها مردودة على أصحابها سندا ومتنا، عقلا وشرعا، وإليكم بيان ذلك…

أقول: عجبا لهذا الكلام الذي يرد المرويات التي وردت جميعها في الصحيحين، ويقول: كلها مردودة على أصحابها سندا ومتنا، عقلا وشرعا!؟!!!!!

 فأي الأسانيد التي يقبلها ويرضاها هو ولا يردها؟ وهو يرد السنة الثابتة في الصحيحين، بل ما اتفق عليه الشيخان وهو من أعلى درجات الصحة؟

والجمهور(على) أن الحديث إذا ثبت سنده وجب العمل به، ولا يخالف في ذلك إلا مبتدع أو صاحب هوى. فهذه الأحاديث اشتهرت في هذا الباب عند العلماء وتلقوها بالقبول، ولم يخالف في صحتها أحد من السلف والخلف. فهذا هو دين الأمة، وغيره بدعة وهوى وضلال. وردها دليل على عدم الرضا بالسنة، ودليل على العمل على إبطالها وتعطيل دورها الذي هو بيان القران الكريم الذي لا يمكن العمل بما فيه إلا بواسطة بيان السنة وتفصيلاتها وتطبيقاتها.

8- قوله: نلاحظ من خلال هذه القصة (قصة اليهوديين) أن الرسول لم يكن على علم بعقوبة الزنا، ولم يسأل اليهود عن هوية المرأة أو الرجل هل هما متزوجان أم لا. فكيف اكتشف الفقهاء أن عقوبة الجلد تعود على غير المحصن بينما عقوبة الرجم تعود على المحصن؟ هل استنتجوا ذلك من الآية التي أكلتها دويبة ولم تعد في القرآن؟

أقول: هذا تطاول على النبي صلى الله عليه وسلم ونسبته إلى الجهل، واستهزاء بشخصه الكريم، لا يقبله الله ورسوله ولا المؤمنون؟ إنما أراد عليه السلام أن يلزمهم الحجة بما في كتابهم، واستفساره لا يعني جهله به، كما أنه من المعلوم أن الإسلام أقر كثيرا من أحكام التوراة والكتب السابقة، ونسخ بعضها التي لا تتناسب مع عالمية الإسلام المبني على اليسر ورفع الحرج. وباقي الإدعاءات سخرية واضحة؟

وهذه القصة لا يستدل بها على مشروعية هذا الحكم بالخصوص، إنما يستدل بها على جواز الحكم بين أهل الكتاب وعليهم بشريعتهم، أو بشريعة الإسلام إذا تحاكموا إلينا…

9- قوله: فكرة الطهارة الدنيوية غير موجودة في الإسلام… كما يظهر من القصة أن الرسول حاول تجنب إقامة الحد على هذه المرأة لولا إصرارها وهو ما يتناقض مع ما عرف عن النبي أنه كان شديد الحرص على إقامة الحدود… فإذا كان رجم الزاني من الدين لماذا لم يصر الرسول على إتيانه واستكماله، ولماذا تمنى على الناس ألا يحرصوا على إتمامه؟… والقصة تعتبر من خبر الآحاد،..، أي أنها لم تكن متواترة عن الرسول، رغم أنها من المفروض أن تتواتر، لأن فعل الرجم شارك فيه جمع من الناس وشاهده جمع من الناس، فكيف يروي القصة واحد من الناس؟

 أقول: بل الطهارة غير موجودة عند الجاهل بالشريعة، أو ليست الحدود كفارات لأصحابها تطهرهم من الذنوب، كما صرحت بذلك نفس هذه المرويات الصحيحة؟ فالحدود، في المعلوم من الشريعة جوابر أي كفارات لمن أقيمت عليه، في حق من ارتكب ذنبا في حق الله تعالى، كما أن التوبة تجب ما قبلها، والإسلام يجب ما قبله!

وما يدعيه من تجنبه عليه السلام إقامة الحد على المرأة رغم إصرارها، لا يتناقض مع ما عرف من حرصه على إقامة الحدود، لأنه إنما يريد أن يعلمنا وجوب الاحتياط في إقامتها وأنها تدرأ بالشبهات رفقا بالعباد، وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم كذلك مع ماعز الأسلمي. فهذا منهجه صلى الله عليه وسلم في التعليم والتطبيق، ولهذا لم يصر على إكمال الحد عليه، قصد إعلامنا أن الإقرار أربع مرات يقوم مقام الشهادات الأربعة المشترطة في إثبات الزنى، وإعلامنا كذلك بأن فراره عند إقامة الحد إنما هو بمثابة الرجوع عن الإقرار، والحدود تدرأ بالشبهات.

وكون الرواية آحاد لا يطعن في صحتها فليس من شرط العمل بها التواتر، وأحاديث الأحكام كلها آحاد، بل المتواتر نادر جدا ولا يتعلق إلا بمعجزاته صلى الله عليه وسلم، ولهذا السبب وضع علماء الأمة علم المصطلح وعلم الرجال أو علم الجرح والتعديل للتثبت من صحة الرواية، فيعمل بالحديث الذي ثبت سنده وتوفرت فيه شروط الصحة ويترك الحديث الضعيف. وهذا ما جرى به العمل منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم الذين وضعوا أسس هذا العلم، لكونهم أحرص الناس على صيانة السنة، فلم يشترطوا للعمل بالحديث كونه متوترا، لتعذر توفر جموع التواتر في كل ما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو اشترط التواتر مع ذلك لتعطلت أحكام الشريعة ولأبطلت التكاليف الشرعية، وشروط الصحة التي وضعوها في الراوي والمروي كفيلة بتمييز السنة الثابتة من غيرها.

كما أن عدم ورود هذه القصة بالتواتر رغم حضور جماعة من الصحابة تطبيق الحد يتوقف على حد الجمع الذي يحصل به التواتر، فليس كل جمع جمع تواتر. وهي مع ذلك ليست استثناء من بين سائر الروايات، بل هي رواية تنطبق عليها قواعد الرواية الصحيحة الثابتة المجمع على صحتها. فالتواتر إذا ليس شرطا في قبول الرواية والعمل بها.

10- قوله: ..والمستفاد من الرواية أن إصرار منكري الرجم علي الاكتفاء بعقوبة الجلد للزاني المحصن وغير المحصن، حملت رواة الحديث على صناعة تلك الرواية لتمنع التعارض بين عقوبتي الرجم والجلد.

أقول: هذا افتراء على الثقاة من أهل الحديث كالبخاري ومسلم الذين أجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقبول، وكتاباهما من أصح الكتب بعد كتاب الله، فكيف يصدق مسلم هذا التهريج؟!!!

ثم كأنه جعل المنكرين للرجم هم الجمهور والمقرين به هم القلة الذين يسعون جهدهم الدفاع عن مذهبهم ولو بوضع الأحاديث.

 فكيف يصح له هذا الزعم وقد علم أن المنكرين إنما هم بعض أهل الأهواء كما قال ابن رشد؟.

11- قوله: وحتى العلماء الذين لم ينكروا قصص الرجم، اعتبروا حد الرجم من المنسوخات وأن الرسول رجم قبل نزول آية الجلد… ثم جاء الحكم القطعي الذي لم يثبت مخصصاً له على وجه الفور (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة)..

أقول: هذا تمويه للحقيقة، فأحاديث الرجم هي التي خصصت آية الجلد العامة، كما نص عليه ابن رشد، حكاية عن الجمهور.

12- قوله: ..أن الصلاة تغفر الذنوب وتمحو عقوبة الرجم، وهذا ما يتناقض مع الأحاديث الأخر التي تنضح بدماء الضحايا من المرجومين حسب زعم الفقهاء.

أقول: إن صحت هذه الرواية فهي تتفق مع المنهج النبوي في التطبيق والعمل كما سبق.

13- قوله: إضافة إلى ذلك أدعو، كل من لم تقنعه كل تلك الحجج، إلى تدبر التناقض الحاصل بين ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله كتب الإحسان في كل شيء حتى في الذبح..، وحتى في القصاص يجب ألا يتم تعذيب المقتص منه بل إراحته بقتلة سريعة، وبين مطالب البعض بالقتل بالحجر، إذ فكيف لدين يدعو إلى الذبح الرحيم للذبيحة، أن يسمح بقتل رجل أو امرأة بالحجر، فالذي يرجم بالحجر لا يموت بسرعة بل يتعذب قبل أن يفقد روحه، فلا يستقيم أن يكون هذا دينا وإنما هو محض افتراء على الله وعلى الدين. والله أعلم.

أقول: هذا عين الدين الذي تعبدت به الأمة، فهي السنة الصحيحة الثابتة التي أمر الله تعالى باتباعها وحذر من مخالفتها ومن اتباع الأهواء التي تزيغ بأصحابها عن الصراط المستقيم، فهذا هو الذي دل عليه النقل الصحيح وتواتر به الخبر.

وإذا كانت هذه العقوبة قاسية على بعض النفوس، فإن الذي شرعها هو رب العزة خالق العباد، العالم بما يصلح أحوالهم وبما يضرهم وما ينفعهم، وهو أرفق بهم من أنفسهم، وتشريعها بهذه الصفة إنما هو تشديد على حفظ الأنساب وصيانة الأعراض التي هي من أهم المقاصد التي راعى الشرع حفظها وصيانتها بحيث لا تستقيم الحياة بدون سلامتها.

خاتمة:

وليهنأ المنكرون للرجم من أهل الأهواء أن تطبيقه مما يستحيل حصوله إذا روعيت القواعد الشرعية، وذلك نظرا للشروط القاسية التي يتعذر اجتماعها وتوفرها، وهي أن يشهد أربعة من الشهود، من الرجال العدول، على معاينة الفاحشة بالعين المجردة كالمرود في المكحلة أو كالرشا في البئر، مجتمعين غير متفرقين، وأن يتفقوا على هذه الشهادة ولا يختلفوا، فلا يقبل أقل من ذلك ولا غير ذلك من البينات، كالتصوير والحامض النووي وغير ذلك، صيانة للدماء، وقد جعل الله الحدود تدرأ بالشبهات.

فالحق سبحانه حين شرع هذه العقوبة القاسية وضع لها هذه الشروط التي يتعذر اجتماعها وتحققها في أي مجتمع إنساني، غير البهائمي. فالحق سبحانه حين اقتضت حكمته تشريع الحكم المناسب للفاحشة الفظيعة علق إثباتها على هذه الشروط شبه المستحيلة، رحمة ورأفة بعباده وحقنا لدمائهم، إذ كيف يجرؤ عاقلان بالغان مميزان على المجاهرة بممارسة الفاحشة إلى درجة إمكانية إثباتها بالصفة المشترطة شرعا، وقد علم أن المذنب العاصي غالبا ما يخفي أعماله المشينة ولا يطيق أن يطلع غيره عليها، فيقتضي الحال أن الزانيين لا يمكن بحال ضبطهما على الصفة المذكورة، وقد علم أن هذا الإثبات لا يتحقق إلا بالرؤية المجردة لحقيقة ما يشبه المرود في المكحلة، وذلك من المحال تحققه، وعلى افتراض ضبطهما متلبسين وقد اضطجع بعضهما على بعض فمجرد المضاجعة ليست دليلا على الإثبات ولا يترتب عليه إلا التعزير، وبالتالي لا يمكن إبقائهما على حالهما إلى غاية إثبات الفاحشة بالصفة المذكورة، إذ سرعان ما ينفض جمعهما بمجرد انكشاف حالهما، وهذا ليس دليلا على الزنا، بل هو دليل على القذف في حق من اتهمهما، بالزنا.

وإذا كان هذا مسلما به في أي مجتمع إنساني كيفما كانت ثقافته وعقيدته، فإن الحال أكثر تعقيدا في المجتمع الإسلامي الذي يسوده الحياء، والذي تشبع أفراده بثقافة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالغالب فيه أن يكون الناس فيه أبعد عن الشبهات، فكيف بالمجاهرة بالفاحشة إلى الدرجة المذكورة!

 فهذا هو المجتمع الذي شرع الله سبحانه وتعالى له هذا الحد البالغ القسوة، وتلك هي الشروط التي يتوقف عليها التطبيق.

فتشريعها بهذه الصفة إذا ليس من قبيل العبث وإنما ليكون ذلك أهول على أصحاب النفوس الضعيفة في المجتمع حتى لا يتجرأ أحد ولو حتى على التفكير في الفاحشة، صيانة للمجتمع من مظاهر الانحلال التي تفتك بالمجتمعات. فهي عقوبة ذات بعد تأديبي ومعنوي القصد منها إبعاد الخلق من الوقوع في هذه الفاحشة، حتى تسلم الأنساب والأعراض، التي قصدت الشريعة حفظها ورعايتها.

وما روي من التطبيقات النبوية في عصر الرسالة إنما كان أساس إثباته هو الإقرار، وقد تقرر أنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذهم بالاعتراف مرة واحدة وإنما أعرض عنهم رحمة بهم حتى تكرر منهم ذلك أربع مرات، فسأل عن سلامتهم العقلية، وفي بعض الروايات عن علمهم بتحريم الزنا، الذي يتوقف عليه التطبيق.

وليعلم أهل الأهواء أن صاحب هذا الشرع قد تكفل بحفظه وتبليغه، فلا يطمعوا في النيل منه أو تعطيله، وقد قال الحق سبحانه جازما:«إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» صدق الحق سبحانه وتعالى، وهو المستعان على كل حال، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.

—————————

الهامش:

(1)- http://www.hespress.com/writers/58407.html

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M