كَلِمَةّ سَوَاء

22 أبريل 2014 23:07
كَلِمَةّ سَوَاء

كَلِمَةّ سَوَاء

يونس بن المبارك

هوية بريس – الثلاثاء 22 أبريل 2014

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” يقول بن كثير رحمه الله بتفسيره: (هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم).

فإن كانت الدعوة موجهة إلى أهل الكتاب، فهي موجهة لكل من جرى مجراهم وسار على غرزهم في “مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ“، وهذا وللأسف حال أمة الإسلام من تشرذم وتمزق، بل ما يُدمي القلب هو أن التفرق قد شمل الجماعات والتيارات الإسلامية التي تقتسم هَم صلاح وإصلاح الأمة بل وطلب السبل إلى رفعتها !

فكانت هاته التيارات أحوج أكثر من غيرها إلى الأخذ بقوة بآية الدعوة للكلمة السواء، فإن كان الهدف من هاته الأيام المعدودات التي لنا بالحياة الدنيا هو العبادة “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” فلم الاختلاف والتناحر في أمر مجمع حوله، إذ لا يختلف اثنان في أن الجماعات الإسلامية عامة لها مقصد إصلاحي يتمثل بالأساس في إعادة تنزيل الإسلام النظري أو التنظيري على الواقع الأخلاقي المزري للأمة، والهدف الأساسي المجمع عليه هو إعادة التحاكم للأمر الإلهي عوض القوانين الوضعية التي نشرت أذرعها الأخطبوطية بجيوب الدولة الإسلامية، سواء سميناه خلافة أم شورى أو أي مسما آخر. لكن النظرة الوسَلِية لبلوغ الغاية المُرادة قد تعددت وتنوعت مما أفرز اتهامات متبادلة بين الأطياف العاملة بالساحة الإسلامية، كانت تتنوع بين اتهامات بالعمالة والغلو والضلال والتقوقع والتحجر بل تعدتها لإخراج تيار للتيار آخر من الملة !

وأنا هنا لا أريد سرد تصريحات هؤلاء أو هؤلاء في طعن الآخر وتضليله وتكفيره، فهذا معلوم ونقرة بالشبكة الإلكترونية ستحيلك على المهارشة والمراشقة بين مختلف التيارات الإسلامية. بل ما أطمح له هو تجميع هاته التيارات والطوائف تحت كلمة سواء وبيرق “أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ“، فالاعتصام الاعتصام بحبل الله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا“، لكن للأسف نجد كل جماعة قد تقوقعت وبنت لها حصنا يحمي أفكارها ومسلمتاها من الغزو الفكري الإسلامي الآخر! وما شمل حضن تربيتها إلا مريديها، بل يُنتزع الدفء التربوي عند كل صدام مع الآخر المنتمي للطائفة أو الجماعة الأخرى! فإن كان أرباب الجماعة يشملون بتأييدهم ونصرتهم مريديهم، فهم يسحبونها من مخالفيهم وإن وقعوا في منازعة أو مقارعة مع عدو مشترك! وإن هذا لهو الضلال المبين، فقد خلعوا عن مخالفيهم لباس “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ“، فما كان بينهم إلا الظلم والخذلان والتحقير “كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ“، والله المستعان !

وأدى هذا ما أدى إلى عزوف الكثير عن تلك التنظيمات والجماعات والأفكار، بل من الشباب المتقِد نشاطا للانخراط بالإصلاح الاجتماعي، وبعد رؤيته لحال الحركات الإسلامية من تطاحن وتهارش ورمي بالبدعية والكفر والتحجر والعمالة، من اتجه إلى معسكر العَلمانية أو الاشتراكية بل والإلحاد الكامل في الخالق سبحانه، والأمثلة كثيرة غزيرة على ذلك.

ومن أهم الأسباب التي دفعت الساحة الإسلامية لهذا التناحر هو عدم تمسكهم بـ”وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ” فوقعوا فيما وقع به النصارى واليهود الذين اتخذوا رهبانهم أربابا يشرعون لهم من دون الله سبحانه وتعالى، فكل جماعة قد حملت مشعلا قد سُطر به أنه لا قول إلا قول إمامنا، وأي منازع أو مخالف فهو بالضلال المبين! فما كان جزاء كل ناصح أو ناقد إلا الإعراض والرمي بالضلال أو العمالة، مما زاد في الفجوات وزاد في النعرات، فأضحيت لا تجد لصوت العقل مكانا بينهم، ولا للحكمة قوسا تنطلق منه.

 نحن نحتاج أكثر من أي زمن فات إلى لملمت شتات التقسيمات الموروثة، وتضميد جراح التطاحن بين التيارات لمواجهة المد الدهراني عموما والعَلماني خصوصا، وذلك بخلق أرضية مشتركة بين جميع الطوائف والأطياف، وهذا لن يتم إلا أن تُجِد تياراتنا الإنصات للآخر، والسعي إلى ترقيع ما شاب ثوب الأمة من تمزيق.

والأوضح والله أعلم، أن تقوم القيادات الإسلامية من كل الطوائف والمشارب الإيديولوجية بالتوافق والتناغم، وذاك بالجلوس على طاولة واحدة وعرض أهداف وغايات كل مشرب ثَم الاتفاق على وضع مسائل مُتفقة قد أُجمع عليها منهم، بل ويَلزمهم أن يستعينوا في مشاوراتهم بل قل في بنائهم الجديد للتصور الحركي بجمهور من المتخصصين الاجتماعيين والسياسيين والاقتصاديين والمفكرين والفلاسفة وغيرهم من النخب الحاملين لنفس الهدف والطامحين في إرساء أرضية أخلاقية إسلامية صلبة، تكون مُنطلقا للملة التصدع، فأنتم من علمتمونا أن نطلب التوافق وليس تتبع المخالف والترصد لهفواته :

ألستم من تعلمنا على يدكم بأن الثعلبَ المكارَ منتظِرٌ سيأكل نعجةَ الحمقى إذا للنوم ما خَلَدُوا؟

ألستم من تعلمنا على يدكم بأن العودَ محميٌّ بحزمته ضعيفٌ حين ينفرد؟

ثم لا يجب أن نغفل عن مشكل كبير في إشعال هاته النعرات، وهو غبش التعريفات الاصطلاحية عند هاته الطوائف، فتجد أن كل بمنبره يوظف مصطلحات يمكن أن تعادل الكفر عند الآخر، فلا يتحمل الأول شرح مراده ولا يتمهل الآخر في رمي الكفر به، فأي حوار أو تلاقح فكر يستلزم أرضية اصطلاحية واحدة، لذا وجب تأصيل التعريفات والاصطلاحات قبل الخوض في أي حوار… وهذا ما انفلت من قوس الردود بين مختلف التيارات والتوجهات الإسلامية… فسادت الجعجعة الفارغة والعقيمة مما زاد التفرقة التعساء !

فالله الله في أمتكم، وكفاكم تشرذما، فو الله ما المؤامرات المحاكة حولكم، والتي تُلصقوها بالغرب، ما اشتدت ونجعت إلا بعقول قاصرة وجهت ألسنتها وحرابها نحو إخوانهم.

اجلسوا إلى طاولة الحوار ولا تستعلوا، واطلبوا الجنة بصدق تجنون إنكار الذات في سبيل تماسك الأمة، فكل فصيل منكم له علماؤه وعقلاؤه، فليجلسوا ويأسسوا تلك الأرضية المشتركة، ثم ليستعينوا بحسن النية في إخوانكم، ولتنصتوا لبعضكم فقد أجهدتمونا بردودكم، وسأمنا تشرذمكم، وما هذه التفرقة إلا نتاج واضح لهاته الفُرقة.

فتعالوا “إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ“.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M