السحر في عصر التقانة

18 أغسطس 2013 02:34

أحمد عتيق

هوية بريس – الأحد 18 غشت 2013م

يسطر المهتمون بالإعلام أهم وظائف تجربته الإعلامية، في وظيفتين أساسيتين: هما التثقيف وما يتفرع عنه من التوجيه والإخبار والتوعية..، والترفيه وما يلامسه من التسلية والإغراء والاستمالة والدعاية.. وهاتان الوظيفتان ليستا بالمنفصلتين قطعًا، بل بينمها صلة وصل، تتجلى في التداخل والتخالل بين النوعين؛ فالدراما الترفيهية، تشتمل على عناصر من التسجيل الروائي الواقعي، والعكس كذلك.

 

في هذه المقالة، سنركز على الوظيفة الأولى، باعتبارها من الروافد الجوهرية والأسباب المحورية التي أسهمت في توليد “الربيع العربي”.

فقد حفل الإعلام على توصيل الأخبار ونقل الوقائع من مكان حدوثها، وهي وظيفة تتماشى مع التعريف الأكاديمي، الذي قال فيه الألماني اتوجروت عن الإعلام، بأنه التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه..، وبطبيعة الحال عن ثوراتها وتظاهراتها.

ولا نكون مبالغين، إذا زعمنا أن الإعلام، كان هو المجيش والمحفز والمحرض على التجمعات والتجمهرات والاحتجاجات.. وبالذات الفضائيات العربية، المملوكة من الدول البترودولارية، والانترنت ممثلة في وسائط التواصل الاجتماعي (الفيسبوك، التويتر، اليوتيوب..).

وفعلا، نجحت الشعوب في الحصول على ثورات بلون الزهور والورود والسلم التقريبي، فاصطلح عليها “الربيع العربي”، واستبشر العرب بثماره، وتفيأوا ظلاله وتغنوا بشعاراته (الحرية، الكرامة، العدالة، إسقاط الفساد والاستبداد، محاكمة رموز الأنظمة السابقة..)، وأجريت انتخابات، وتناسلت الأحزاب والجمعيات.. بما يشي أن الحرية فاءت إلى القلوب والألسنة والضمائر، وغيرت الأجهزة الأمنية من أسمائها، وخضعت لدورات تحسيسية، في ضرورة التعامل مع المواطن وفق حقوق الانسان.

في حين خنس الطغاة وخشي الظلمة من الموجات الثورية، فقدموا التنازلات وغيروا الجلود بما يناسب الوضع.. وابتهج الشباب والشيوخ والنساء والأطفال بنجاعة السلمية وفعالية الاحتجاج وقدسية التظاهر البريء.

غير أن الطموحات والمتمنيات الثورية لم تجد طريقها إلى أرض الواقع؛ فتسلق المتسلقون، وعاد المعارضون المنفيون في الغرب، وكمُن الخاسرون، وتربص المفلسون من دول الاستقبال ومن السجون، في انتظار خفوت الموجة الثورية، والتطلع إلى العودة إلى بلدانهم، بثوب جديد ولسان طليق، مصبوغ بالثورة وتصحيح المسار.. والسبب هو أن الشعوب الثائرة، يبدو أنها أخطأت التقدير، لما رضيت بهروب أو سجن أو قتل أو نفي الرئيس.. فارتأى المتسلقون التصالح مع الوضع القائم.. وإتاحة الفرصة لبقايا الطغمة السابقة، في التوبة والاسترجاع مع الشعوب الثائرة، وهذه النقطة ينبغي أن يقف عندها المحللون طويلا. فجل المتسلقين كانوا وتربوا وعاشوا في بلاد الغرب.. ولما عادوا ظافرين، كان من الضروري أن يحافظوا على المصالح المشتركة.. وإلا لم ولن يسمح لهم بالجلوس على العرش الفارغ.. زيادة على التزوير والخداع الظرفي، الذي قامت به جيوش بعض الدول من التخلى عن الزعماء لصالح الشعوب (تونس، مصر).. انحياز طريف ظريف.. زاد من أسهم حاضنته الشعبية.. يحاكي من وجه ما عبر عنه حسن أوريد حين ادعى أن المخزن لا يتغير وإنما يتجدد فقط.

كما تغافلت الشعوب، وهذا خطأ قاتل آخر، عن أن هذه الجيوش ومنذ تأسيسها، هي ذات طبيعة فوقية، عمودية التأسيس والمبنى والدرجات، فهي لا تكثرت للشعب، بقدر ما تنظر إلى وسائل تمويلها وشركاء مناوراتها وطبيعة دوراتها التدريبية.. ومصالح جنرالاتها.. والدليل ما وقع في مصر ويقع حاليا في تونس.. مع تجاهل إعلامي صارخ.

بحكم عوادي الزمن، ورجوع البسطاء الثوار إلى التنقيب عن لقمة العيش، وانتظار ثمار الثورة والإصلاحات.. أيقن الكامنون والمتربصون والمنفيون والمسجونون.. أن آليات الدولة العميقة لا زالت بأيديهم، وتعمل وفق أجنداتهم.. ورجالاتها المخلصون ما زالوا في مناصهم الرفيعة.. وينتظرون ساعة البدء بالجولة الثانية من الثورة، أو الثورة المضادة.. وكان في رأس حربتهم، دعاة التعددية والحرية والاختلاف.. من الإعلاميين والفنانين والمذيعين والصحفيين والخبراء الأمنيين والعسكريين السابقين.. ممن قام الشعب في يوم من الأيام، على الإطاحة بهم ورميهم في نفايات التاريخ.. لكن وبحكم الأخطاء التي أشرنا إلى بعض منها، تزيى هؤلاء بزي الثورة، والهوية المصرية، والحداثة، والأمن القومي، والدفاع عن الفقراء والمعوزين.. وقفزوا على أخطاء مرسي وحكومته، واستغلوا نسيان الشعوب العربية.. نسيان يشبه إلى حد كبير عقول الأطفال على حد توصيف زعيم النازية هتلر، حين وجد ضالته في وزير دعايته غوبلز، صاحب نظري اكذب.. ثم اكذب.. ثم اكذب.. حتى يصدقك الناس.. أو لنقل -وأستسمح القراء-  حتى يؤمن بك، ويثق فيك، ويسلمك القطيع الضال، زمام عقله ووعيه وتفكيره، والكلام لخبير اللغة والسياسة نعوم تشومسكي.

وبالفعل، وبين ليلة وضحاها، وبعد استيقاظ الناس من تعب وأرق الثورة، وجدوا من كان يبكي على ذهاب حسني مبارك، ويرغي على الشعب ويقذفه بوابل من الشتائم والسباب.. وجدوه يتصدر تصحيح الثورة، ويؤم جحافل الساخطين والغاضبين من عدم تحقيق مطالب الاحتجاج.. تحول في برهة من الزمن، من كان يقبل الأيدي ويضفي الأبهة والقدسية، بل والعصمة على رئيس الفراعنة.. وقاهر الإسلاميين.. وناصر الحداثة.. وزعيم العروبة.. وملك ملوك إفريقيا.. وحاضن المقاومة.. ألقاب ذهبت مع ريح الزعماء الأشاوس، الذين غدوا طغاة وظلمة وفجرة.. منطق عجيب، يستفيد من الحكمة القائلة، لكل مقام مقال..

لو أردنا أن نستفهم كيف يفكر هؤلاء الثوار الجدد، فلا مناص من النبش في النمط الحياتي، الذي تربوا عليه ورضعوا من لبانه منذ القدم، فجلهم لا ينظر إلا إلى من يقدم له أكثر، ويوفر له وسائل العيش الفخمة.. ولذا تجدهم يتسابقون على استضافة أغنياء الدولة والإقطاع ورجال الأمن والفن والسياسة والعسكر.. ولا ينظرون إلى الشعب إلا إذا كانوا في حاجة إليه، حين يعوزهم الحشد والتجمهر. وفترة الانتخابات، برهان وحجة لمن يريد أن يجد متنفسا لعقله في هذه النقطة ويكتشف خبيئة نفوسهم.

إعلاميون يشتغلون في قنوات، مملوكة من كبار الإقطاعيين ورجال الثروة والمال والمنظومة الحاكمة.. ممن ترد أسماؤهم سنويا في مجلة فوربس. تحرص هذه الفئة من المجتمع، على امتلاك وسيلة إعلام معينة، تجمع من الصحفيين والفنانين والمثقفين والمفكرين.. من يقوم بدور الناطق الرسمي، والمحامي عن مصالح صاحب نعمته، في ثوب من الرزانة والفكر والأدب.. يتماهى مع مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية.. والمنظمات الحقوقية والمدنية.. ممن تنهل من نفس المعين، وتعيش من ذات العين.

فئة تتقاطع أفكارها مع اللبرالية والنيولبرالية العالمية والاشتراكية الأممية والقومية الوطنية والمدنية العلمانية.. وتجتمع كُرها ونفورا وبغضا مع كل ما له رائحة تدين.. ولا أٌقصد كل تدين أو دين.. بل ما له رابط بالإسلام فقط.. وأنا هنا أجد نفسي منحازا ومبيحا عن كينونتي.. وإلا فما العيب في ذلك.. ولكن سيعلم القارئ، لماذا هذا التصريح المتطرف والمتحكم.. في أعين الإعلاميين المدنيين.

المتتبع للقنوات المصرية العامة والخاصة؛ كـالمصرية والنيل والحياة وصدى البلد والدريم والمحور والتحرير والأون تي في.. والفضائيات الناطقة بالعربية كـالعربية، وروسيا اليوم، وسكاي نيوز، وفرانس 24، وبي بي سي.. سيجد أن خط تحريرها يتماشى مع ما قلناه سابقا، من الدفاع عن مصالح فئة لبرالية من المجمتع، فئة عارضت الثورات في الأول و لازالت.. فئة متخاصمة مع تاريخها.. فئة تشمئز من تموضعها في حضارة عربية إسلامية.. فئة تكره كل من يذكرها بانتمائها.. فئة تبغض من يحمل مشروعا له طابع ديني.. وتتحالف حتى مع العالم والغرب وإسرائيل وربما الشيطان.. في سبيل القضاء عليه وشيطنته.. وإلا فبماذا نفسر التماهي المطلق، والزواج الكاثوليكي، بين الإعلام وبين البكاء والشكوى الغير المنقطعة من المتطرفين الإسلاميين، والدفاع على أقباط مصر، وقذف كل متدخل في قنواتهم بذلك، والعمل على إحراجه وجعله في موقف دفاع.. علما أن أصحاب الأعين المبصرة.. قد أبصروا جماعته وفئته.. قد أبيدت وملئت بدمها وأشلائها الشوراع والطرقات..

كلما تم الهجوم على الأجانب والأقباط والأقليات في عالمنا العربي.. تم إلصاقها بالمتطرفين الإسلاميين.. وفي هذه الأيام.. الإخوان المسلمون هم رأس الإرهاب.. وهم من أسقط الأندلس.. وهم من اعتدى على رجال الأمن البرآء المساكين.. وهم من قتل رجال المحبة والسلم من المسيحيين في كنائسهم ودور عباداتهم.. وهم من استنصر بالأعداء من الاسرائيليين والامريكيين.. وهم من استقوى بأموال بالخليج وقطر.. (قطر هي كل الخليج).. وهم من أفقر الشعب المصري الثري أيام مبارك.. وهم من أضعف دور مصر الريادي.. و هم من نشر السلاح.. وللتاريخ، فقد تحصن معتصمو رابعة والنهضة بالدبابات والطائرات والمجنزرات والمدرعات والصواريخ الباليستية العابرة للقارات.. ودربوا المقاتلين (حسب القيادي في جبهة الإنقاد إيهاب الخراط فعددهم 20.000 مقاتل مسلح في رابعة العدوية وحدها) وأقاموا مصانع النووي والكيماوي والجرثومي.. في دور المياه والصرف الصحي.. و حتى في المساجد والمستشفيات الميدانية.. وعذبوا المناهضين.. وذبحوا النساء والاطفال.. وألبسوهم الأكفان البيضاء.. وجعلوهم مشاريع إرهابية.. وهددوا المعتصمين إن هم تركوا الاعتصام.. بل وساهموا في توسيع ثقب الاوزون.. وخططوا لإسقاط أنظمة الخليج.. وأرسلوا الإرهابيين إلى الأقمار الاصطناعية.. واستعانوا بمتمردي حماس والقاعدة.. ومن لم يصدق ما أقول.. ولم يستوعب ما أسرد.. وشك في أنني أبالغ واستهزئ.. فليضع يده على خده ويرح عقله.. وينصت إلى مذيعي الحرية والثورة والتعددية من القنوات السابقة.. بشرط ألا يكون ضمن القطيع الذي تنبأ به تشومسكي.

نعم إنهم من أعمدة الدولة العميقة، التي أسست منذ اتفاقيات الاستقلال المزعوم. ولذا، تراهم يكشرون عن أنيابهم ويتنادون بأمريكا، إذا ما فكر أحد الثوار، أو ممن أوصلتهم الثورة، إلى الاقتراب من أعمدة أخرى.. كالقضاء والعدل والعسكر والأمن والشرطة والثقافة.. فهم يعلمون أن هذه الأجهزة، هي مرتع لهم، وهي منبت قوتهم، وحصنهم الأول والأخير.. فلأجل الحفاظ على قدسيتها وعصمتها، باعتبارها رمز الدولة الحديثة العميقة، يصرخون هنا وهناك.. وربما نسوا ثورة 25 يناير، فلم يعودوا يذكرونها إلا لِمامًا وذرا للرماد في أعين البسطاء.. فالثورة هي ثورة 30 يونيو، التي رجعت فيها الدولة إلى هيبتها وغطرستها، ومنعت انقسام البلاد والعباد.. وأفرجت عن المظلومين من رجال الحزب الوطني والدولة (أحمد عز، ضباط موقعة الجمل، شرطة قتل المتظاهرين..).. وأعادت القيمة للسياسيين المحنكين من أمثال عمرو موسى الثائر.. وأحمد شفيق الثائر.. ومصطفى البكري الثائر.. وعليه، فمن واجبنا الثوري، أن نصغي للإعلامي عكاشة (قناة الفراعين) وهو يتهدد من يفرح بثورة 25 يناير.. ويندب حظه لما شتم الرئيس المقدس المفدى مبارك.

إعلاميون تحالفوا في نفس الوقت، مع أعداء الحرية من عبيد أمريكا من حكام الخليج.. أولئك النفر من الحكام، الذين ينفرون من كل كلمة أو احتجاج أو وقفة.. ذات نسمة أو طعم من الحرية والعدالة واقتسام الثروة.. وللحقيقة فهذا التحالف مع أم الحكام أمريكا، لم يسلم منه بعض قادة المعتصمين.. وهو ضعف لا بد من مراجعته.. ولابد من نفض اليد من الاستصراخ بالمجتمع الدولي.

إعلاميون فقدوا الشعور بالمسؤولية والمهنية، فتأمموا العسكر والأمن والمخابرات في القضاء على المعارضين.. فهم من ألّب وحرض وجيش.. ونشر وخطط طرق فض الاعتصام، لأنه يهدد الأمن القومي.. ويعرقل السياحة.. ويشوه منظر القاهرة.. ويستعدي أعداء الوطن.. هم من وجه سهام النقد والعنف والإرهاب والشيطنة لكل معارض.. فلم يسلم منهم، حتى أحباؤهم وملهموهم وقادتهم في الديمقراطية والتعددية.. لنتأمل كيف تكالبوا على زعيمهم بالأمس البرادعي، لما رأى المجازر والدماء فقدم استقالته.. كيف أسقطوه ونالوا من عرضه وشخصيته وجعلوه مرمى لألسنتهم وبرامجهم.. ولم ينسوا صديقه الذي أحس بغبنهم نحوه (داود خيرت). فصرح قائلا أن رمزو النظام السابق من الإعلاميين هم من يشن حملة الترهيب على شخصه..

إنني في هذا المقام، أعلن انحيازي وتطرفي.. وليكن ما يكون.. في وجه هذه الفئة من السحرة. التي ترى الدماء والأشلاء والأعضاء البشرية والجثث الإنسانية مبثوثة في الطرقات.. ولا تنظر ولا ترتقع بها، إلا إذا كان قبطيا ظريفا جرح في أنفه.. أو شرطي حمل وديع، يعتدى عليه من إرهابيي الإخوان ووحوش المتطرفين..

إعلاميون أجمعوا على استئصال ونهاية الإسلام السياسي (الإخوان) ووضعه في نعش ورميه في السجون والمقابر (ينبغي إعدام 300 من قيادات الإخوان حتى تنتهي الأزمة، حسب خبير اقتصادي).. وحرقه في الخيام ودهسه في الأزقة وعرض مخاخه على الأرصفة.. وإذا سئلوا من فعل هذا.. أجابوا دون خجل أو وجل.. أو حتى شيء من حياء.. أن الإخوان هم من قتلهم ومثل بهم (80% من القتلى بسبب سلاح الإخوان، الناطق باسم رئاسة الوزراء).. لأنهم مخطوفون ذهنيا، والتعبير لوزير الداخلية.

نعم انحاز إلى الدماء والأشلاء والعظام.. لأنني أرى الكذب الصراح.. والعويل المخيف.. والاستهتار بالرأي المخالف.. وشيطنته وتهديده بالقتل والتكبيل إن هو رفع رأسه بالنقد والاعتراض.. فهم لا ينقلون إلا المواقع والأحداث التي يعبر فيها المتظاهرون عن غضبهم وتشنجهم وحنقهم بالحجارة والرمي والتحريق.. إن كان صحيحا.. وإلا فنحن نعلم، ما يمكن للمخابرات أن تقوم به لكسب الرأي العام وتجييشه نحو الطرف المخالف.. وما حادثة القديسين وفضائح “ويكيليكس” عنا ببعيد.. ثم إن أفرغ رجال الشرطة بنادقهم وذخائرهم في رؤوس وقلوب وأجساد المعارضين.. ترى القنوات تغير النقل وتتجه نحو وجهة أخرى.. فلا يبثوا من الأحداث إلا ما يعزز تبرير مجازرهم..

نعم؛ انحاز إلى ذلك الكنّاس للنفايات الذي يقنص من مكان مجهول.. وإلى ذلك الشاب الذي يحمل جريحا محاولا إسعافه فيرمى من مكان بعيد.. وإلى تلك المنقبة التي تصور الأحداث بهاتفها فتخترقها الرصاصات.. وإلى ذلك الفتى الذي يتحدى العسكر والأمن فيردونه طريحا مجندلا في الدماء.. نعم أنحاز إلى المختطفين من الطرق والبيوت والمستشفيات.. أعلن انحيازي لهم ولغيرهم ممن لم تراهم كاميرات القنوات الإعلامية، كاميرات تصاب بالعمى والعمش والضرارة إذا كان الأمر يتعلق بالإخوان.. لأنهم لا وجود لهم في عقول الإعلاميين.. ولا شعارات الاستئصاليين.. ولا كرامة لهم في ذهنية المُعلبين من القطعان الجائعة من الوحوش والضواري.. التي تعلن بكل وقاحة.. أنها ستذبحهم وتشير بأيديها لهم على الملأ..

إعلاميون أوحوا إلى الجيش والأمن بوسم كل المعارضين بالإرهابيين والمخربين والعنيفين.. وهذا وصف شنيع، يبدو أن له تبعات لا يعلمها نهايتها إلا الله سبحانه، لأنه يسير على نفس منوال حليفتهم امريكا، حين وصفت كل مقاوم بالإرهابي وله صلة بمحور الشر.. وحين كرر طاغية سوريا توصيف كل شعبه بأنه له انتماء بالجماعات الإرهابية.. وحين زعم القذافي أن شبعه مليء بالجردان والفئران.. مما يوحي أن الوصف بالإرهاب قد اتخذ مبررا لمواصلة الحرب والاستئصال حتى النهاية دون كلل أو ملل، خصوصا والتشجيع والدعم والتفهم يأتي من كلمات وخطابات وتصريحات خادم الحرمين وملك البحرين وأمير الكويت وملك الاردن.. والبقية معروفة.

إعلاميون هم وقود الحرب، ليست الحرب النفسية فقط كما تشير مراجع هذا العلم، بل هم جنرالات وضباط وقادة جلاوزة في حرب الميدان وأتون الوغى.. هم من بقايا الفول.. بل هم الفلول.. وهم الثورة المضادة.. وهم أعداء الشعوب.. وهم الإقطاعيون.. وهم المستفيدون من الفساد والاستبداد..

إعلاميون لا يتعبون من الحديث والصراخ والنهيق.. عن حرية التعبير واحترام رأي الآخرين والتعددية والديمقراطية في الحوار والتسامح والرفق واللين مع النصارى.. وفي الحقيقة، علاقتهم بالنصارى تحتاج الى دراسة مفصلة.. لأن حرق عشرات الكنائس ومهاجمتها.. تحتل مكانة قصوى لدى هذه الفئة من الإعلاميين وجيرانهم من العلمانيين الإقصائيين.. أما قتل المئات من أصحاب اللحى وهدم المساجد ومحاصرتها بالأمن واللطجية والاعتداء على المحجبات بالجر والسحل.. فلا تكاد تجل له محلا من الإعراب أو النقل.. وحتى إذا أُحرج أحدهم أو أحد خبرائهم، يجيب بأجوبة عامة لا تشفي غليلا.. من قبيل نحن ندين القتل والعنف.. ولكن الإخوان هم السبب.. فهو لا يدين إلا لكي يواصل المحاكمة والمرافعة.

إعلاميون لا أجد لهم من وصف يناسبهم، سوى وصف السحرة.. وليس كل السحرة.. بل سحرة فرعون، الذين تحدث عنهم خالقهم ووصفهم بأنهم يغيّرون الحقائق، ويقلبون الأشياء، ويزورون الأحداث، بدون بخور أو طلاسم أو ترهات أو أساطير أو أنواع من العشب والنبات وجلود الحيوانات النادرة.. إنما يستعملون تقنيات الصورة والجرافيك والرسم واهتزازات الصوت وبلاغة اللغة.. سحرة ينزعون عنهم الطيلسان واللباس الأسود والأحمر والقبعات الغريبة.. ويتغشون بالبدلات السوداء الرسمية.. ويجلسون في الغرف المكيفة بدل الكهوف والخيام المملوءة بالدياجير.. كل هذا كيما تستمر لهم الأبهة والقربى من ملكهم الفرعون.. فهم يستخدمون ما لديهم من علوم سحرية وتخييلية، لفائدة سياسية وايديولوجية تثبت عرش فئة معينة.. مستعينين في ذلك بالانبهار والجهل والضعف في عقول الجماهير والشعوب المتعطشة للمعارك الوهمية.. لكي تستروح عن نفسها بالمشاهدة والمتعة.. وتجد لها تبريرا في خضوعها وخنوعها للسحرة ولملكهم.. ولذا قالوا قبل أن يشاهدوا المعركة ومجرياتها بين نبي الله موسى سحرة فرعون: “لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين” فقد أباحوا وأعلنوا عن رغبتهم في العبودية.. فهل يا ترى يقبل شعب مصر هذه العبودية التي يخطط لها في السر والعلن.. أم سينقسم كما انقسم الشعب قديما مع موسى وفرعون.. ففاز من فاز وغرق من غرق.. علما أن هؤلاء السحرة، بصنفيهم القدماء والمحدثين، لا يغيرون ذات الأشياء ولا يبدلون جوهرها وذراتها، وإنما يلعبون ويسحرون أعين الناس وعقولهم بخفة اليد وسرعة الحركة.. ولذا قال تعالى: “فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى”،وقال” فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم”؛ فهم يكذبون ويتمادون في الكذب.. لعلمهم بسرعة النسيان والغفلة.. ولعلمهم بعاطفية الجماهير وانطباعيتها.. فينتهجون تقنيات التكرار والتعزيز والتدعيم السيكولوجية، لترسيخ تخيلات كاذبة أو لها جانب من الحقيقة، لكنه جانب مغلف بأكاذيب لا حصر لها، تفيد المعنى من السحر.. فليس لنا أمل والحال هذه، إلا قوله تعالى: “قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M