مغرب الملائكة..! (برقية عاجلة إلى السيد وزير الأوقاف بعد توقيفه للشيخ يحيى المدغري)

04 فبراير 2016 11:13
مغرب الملائكة..! (برقية عاجلة إلى السيد وزير الأوقاف بعد توقيفه للشيخ يحيى المدغري)

د. عادل رفوش

هوية بريس – الخميس 04 فبراير 2016

أول ما يقرع سمعك وأنت تقرأ القصص القرآني -وهو القصص الحق-؛ قصة أول الخلق..

وأعني: قصة النبي الوالد آدم عليه السلام، وقصة الملائكة وهي تسأل ربّ العالمين عن حكمة هذا الخلق الجديد؛ ولا يجدون -وهم العباد المكرمون- ما يحتجون به إلا مزيد الوقار لمقام الربّ جل في علاه؛ لشدة غيرتهم أن يعصى، وشدة خوفهم أن يُفْعَلَ ما لا يرضى؛ إذ “لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ“، و”إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ“..

فقالوا على وِفْق ما علموا من عظمته سبحانه: “أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ“؟!

هكذا ربنا يُطلعنا على أول دروس الأزل، وأول دروس ما نزل؛ لنتخوف مما يخاف منه من جبلوا على الطاعات، ونتعظ اتعاظهم في اتقاء ما يدعو للسفك وللفساد وربطه بعبادة التسبيح والتحميد والتقديس؛ فأول رسائل القرآن:

– “أن الله أصلح الكون وأحكم صنعه”.

– و”أن اختلال نظامه لا يقع إلا بعصيان الرب”.

– و”أن فساد العلاقة بالرب فساد للعباد أنفسهم”.

– و”أن لا حماية من غضب الرب إلا بلزوم طاعته”.

هذه المُسلَّمة في العقائد وفي الشرائع وفي العقول وفي النوازع؛ لم نر من يخالف فيها إلا الوزير المغربي أحمد التوفيق الذي يفترض فيه أن يكون أكثر الناس هضماً لها؛ -لأنها من حيث العقيدة الأشعرية- فالله خالق كل شيء ولكن العبد مسئول عن كسبه ولا يقع عليه إلا عدل الله وفضله، وأن ربنا لو عذب الخلائق أجمعين لما كان ظالماً لهم…

– ومن حيث المستند الفقهي عند إمامنا مالك وعامة أصحابنا؛ فإنهم أجمعوا على ذلك ونصوا عليه في أبواب الاستسقاء وكتاب الزكاة وفي ثنايا الجوامع..

بل كان من حسنات مختصر خليل استفتاحه بقوله رحمه الله تعالى:

يقول العبد الفقير المضطر لرحمة ربه المنكسر خاطره لقلة العمل والتقوى…”.

– ومن حيث الجانب السلوكي الذي ورثناه عن أئمة طب النفوس كالجنيد والغزالي والشاذلي وابن عطاء الله السكندري رحمهم الله؛ الذين أسسوا فقه التزكية على ثلاثة أركان:

1- تعظيم علام الغيوب.

2- تمحيص خطرات القلوب.

3- تخويف سالك الدروب من الذنوب.

ويستطيع السيد الوزير أن ينظر في كلام سادات القوم -دون انتقاء- ليعلم كيف كانوا يحذرون غرور الطاعة وطَمَعَها؛ فضلاً عن غفلة المعصية وتسويف أمدِ آمالها التي يغرق فيها أمثالنا وكثير من مجتمعاتنا لولا سابغ حلم الله علينا ورحمته بِنَا؛ وأن لحوق الآفاتِ موذن بتفاقمِ الآفات “فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ”.

ورد على المغترين قولهم: “نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ“؛ بقوله سبحانه: “قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ“؛ فجعل الذنوب من موجبات العذاب المانعة من محبة ربّ الأرباب..

وقد أخذ الشيخ محمد الحراق من قوله تعالى: “نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ”.

معنى جليلاً يؤكد خطر المعاصي على مصلحة العبد في نفسه بحيث تضطرب كل نظم الحياة كسبيها وكونيها؛ فيسعى الناس لما فيه أذاهم فيخربون بيوتهم بأيديهم فقال رحمه الله في الرسالة الثانية عشرة (ص246): {بيان أن ما يصيب الناس من الفتن إنما هو بسبب غفلتهم عن ربهم والاستهانة بأمره}.

إذا فما الذي يجعلنا نعيد على السيد الوزير هذا المعطى الشرعي القطعي المتواتر؛ لنعود به إلى صفوف المعلوم من الدين بالضرورة؛ لنبرر صواب ما وعظ به الخطيب الصالح الفقيه الجليل سيدي يحيى المدغري حفظه الله؛ إذ ذكر الناس كل الناس بما هو مستساغ حتى ولو كانوا ملائكة؛ وقد خاطب الله الأمة في شخص نبيها المعصوم صلى الله عليه وسلم فقال: “لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ”.

وخاطب الملائكة بقوله: “وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ”.

فهل السيد الوزير التبست عليه الفتاوى العلمانية حتى نسي الأبجديات الكُتَّابية؛ وهو الذي أُنيط به رعاية الحقل الديني وحماية الأمن الروحي؛ فكيف لنا أن نحاور سعادته في الدقائق الخفيات ونحن نقع معه في كل عام مرة أو مرتين في أزمة تكميم أو تحجيم؛ وهو الذي يفترض فيه أن يكون أبعد نظراً وأوفق شرعاً وأقرب رحما للعلماء وللخطباء؛ يدفع عنهم المظالم ويزيل غبش سوء الفهم؛ لا أن يرجح كفة المتحامل وجانب المتعالم؛ لأن المفترض فيه أن يستوعب السياق ويدرك الخطاب ويكون الناطق الرسمي عن مرامي المتشرعين..

فإذا حصل ما يستدعي الاستشكال كان مجاوِباً لا مُحارباً!

وكيف يكون محارباً للخطباء وهو حديث عهد بمؤتمر تعزيز السلم وحفظ حقوق الأقليات؛ فإذا بِنَا نراه يفقد كل مقوماته تلك وهو يخاطب الأكثرية الكاثرة من علماء وخطباء يجمعون على معنى ما وعلى صحته وسلامته مما يشينُه ثم هو يقضي بخلافه ويزيد في سَلَّة الاحتقانات التي تتوارد على استقرار بلدنا الآمن؛ فهل السيد الوزير يدرك خطورة هذا التعاطي؟؟

ومن جملة ما يؤخر القطر من السماء شاء أم أبى لأنه من الظلم الذي لا يرضاه ربنا ولأنه يَصب في مصلحة من يدعون لعلمانية المجتمع علمانية لم تأخذ من الحداثة إلا كسر حدود القيم ومعارضة الدين وتمييع الثوابت؛ لا لشيء سوى لكي تدعونا إلى دين جديد نكون فيه عَبَدَةً لفلسفات الغرب مقتدين بمذاهبهم في اللاهوت وفي الناسوت …

إنك أيها الوزير لم تعد مهيكلا للحقل الديني؛ بل إنك تسعى لهيكلة عقول العلماء والخطباء والتأثير على سلطتها العلمية التي تتخذ من الأهلية والخشية خير رقيب وشهيد؛ لا تحتاج معه إذ يدعو الداعي إلا لتناصح وتشاور؛ وأما في المسلمات كقضية الشيخ المدغري ومن سبقه فعليك أن تدرك خطأك وتصلح ما جنت يداك وأن لا تسمح لوزارة في حجم وزارتك أن تكون ألعوبةً في أيدي من لا يفقهون قولا فيؤثرون على نسيجها ويوجهون قراراتها؛ فنحن إذ نحب المساهمة في مشاريع وزارة الأوقاف البَنَّاءة علماً ودعوةً؛ فإننا نبرأ إلى الله من مثل هذه القرارات التي تضيف إلى تشويش المفاهيم وتكميم الأفواه ظُلْمَ الصالحين وزعزعة الأمن الروحي للمواطنين؛ إذ تصير مساجدهم بلا رسالة وتصير منابرهم بلا مهابة…

فلئن اتفق المغاربة جميعاً على أن بلدنا المبارك ليس مُثلَّث شياطين؛ فإنهم يتفقون على أنه ليس بيتَ الملائكة المعمور -ولا أحد يجادل في المُسَلَّمات-؛ فلا حرج على من غلب أحياناً إيقاظاً وترهيباً؛ لأن بساط خطاب أئمتنا يكاد يترهل رجاء وإرجاء؛ ويوشك أن يذبُلَ بمصالح مرسلة وبرخص التيسير والمقاصد!!

فالأولى بك أيها السيد الوزير أن تقيم الحِسبة على من يخرقون الحقل الديني بكل جرأة ووقاحة، وفي كل المجالات وفي شتى المناسبات؛ من تحكيم شرع ربّ العالمين إلى التسليم بإمارة المؤمنين؛ فهؤلاء هم أعداء الوطن حقيقة، وهم بالخرجات العنترية أحق..

والله المستعان على ما تصفون…

والحمد لله رب العالمين…

آخر اﻷخبار
7 تعليقات
  1. كان على وريز الأوقاف منع يحيى المدغري من أول يوم حينما تلفظ بالبهتان مع جلده ثمانين جلدة وهو حد القذف .والله أعلم

  2. بارك الله فيك يا شيخ.
    الزلازل و الإبتلاءات، شاء هذا الذي يجثم على تلك الوزارة أم أبى، تكون أحيانا عقابا من الله تعالى عندما تنتشر المعاصي ــ كما هو الحال في الأمة الآن مع خيرها و خيريتها ــ.
    و أظن أن على الناس عامة و بالخصوص الدعاة و الشيوخ و العلماء أن يقفوا وقفة قوية أقوى مما هو حاصل الآن، لكي يقولوا كفى قتلا للدين من طرف بعض الظلمة، و لو اقتضى الأمر إضرابات عن الطعام أو غيرها. و أي شيء عملي من العامة فيحتاج تأطير العلماء الحكماء. و الله أعلم

    أما المتتبع صاحب التعليق فأنا لازلت أفكر ماذا يتبع بالضبط

  3. جزى الله خيرا شيخنا سيدي عادل رفوش .وجعله دابا على دين الاسلام وبيضته وعلى أعراض العلماء ومكانتهم . ذاك المدعو توفيق لاوفقه الله في مايقوم به .منذ أن أدركت شيئا اسمه وزارة الاوقاف وانا أرى فيه حجاج القرن الواحد والعشرين في قمع من خالف رؤيته وتوجهه. علماني جلد يترأس وزارة الأوقاف. نسأل الله أن يريحنا منه فقد ذاق الدعاة الى الله منه كل مكروه. مثله مثل داعش خارج على اصول الاسلام وقواعده .

  4. لا شك ان العنوان فيه لبس على كثير من عامة القراء، بل طلبة العلم، إلا ان القول بأن فيه سوء ادب مع خير الخلق سوء ادب، وبعد فهم … ولا يخفى على صاحب المقال حفظه الله ما خطط قبل ولكن رام الالغاز الهادف والله اعلم وكان الأولى تركه لما سيسببه من لبس فمن شروط العنوان الوضوح وعدم اللبس والله الموفق

  5. بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده، بعد تقديم الشكر للعلامة الجليل أود فقط أن أشير بائيجاز شديد إلى أن السيد الوزير يعلم علم اليقين أن إجراء التوقيف هو إجراء سياسي و ليس ديني و يعلم أيضا أن المساجد طالما كانت منابر للجهاد كما كانت منابر للتوعية. منذ 1400 سنة و الناس يسمعون أيام الجمعة و غير أيام الجمعة خطبا على مقاس أولي الأمر حتى ليتمنى المرء أن تنتهي الخطبة ليذهب كل إلى حال سبيله, شاهدت في الأيام الأخيرة تسجيلا لأحدهم يسأل الناس في الشارع عن 5 أسماء من لاعبي البارسا فكان المستجوب يعطي 10 بدل 5، و لما سئلوا عن اذكر 5 من الصحابة بهت الذي كفر. معظم الناس لا يعرفون حتى أحكام الصلاة، فرائضها و سننها، و هذا ما يريدون منا أن نعرف و أن نسمع: زواج القاصرات. إرضاع الكبير، التبرك ببول النبي. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. و السلام على من اتبع الهدى.

  6. جزاك الله خيرا ونفع بك اخي عادل . وانا اسال السيد الوزير لماذا في صلاة الاستسقاء كنت تتقدم الصفوف اليس طلبا لرحمة الله بنزول الغيث . ام انك تعتقد ان الامر ليس له تعلق بنزول المطر كما يعتقد العلمانين الذين صرت لهم خادما ان نزول المطر تبخر ثم تكاثف……ثم مطر على ان الامر مسالة طبيعية ليس لها تعلق برحمة الله . فان كنت مع الامر الاول فمن الواضح الجلي ان انحباس المطر او زلزال او نحوه ان كان يدل على شيء فانما يدل غضب الله لهذا نلجئ الى الاستغفار و التوبة ونسال الله الرحمة واللطف . اذا فلماذا اوقفتم الشيخ المدغري الذي دعى الناس الى ترك المحرمات و طلب الاستغفار اتقاءا لغضب الله . وما اراك سيدي الوزير الا اذن صاغية وخادم للعلمانية بعيد عن فقه الشريعة الاسلامية لهذا فالسيد توفيق ليس له دور وهمة الا توقيف اهل الحق .اختم بقوله تعالى : (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ))

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M