«المثلية» جريمة إنسانية، واستهزاء بآيات الله ودينه!

20 مايو 2014 23:16
«المثلية» جريمة إنسانية، واستهزاء بآيات الله ودينه! (2)

«المثلية» جريمة إنسانية، واستهزاء بآيات الله ودينه!

عبد الرحمان سعيدي

هوية بريس – الثلاثاء 20 ماي 2014

إننا أمام واقع إنساني غريب، اختلطت فيه الأمور والتبس فيه الحق بالباطل، وقلبت فيه الحقائق، وشاعت فيه الرذيلة وقلت فيه الفضيلة، وديست فيه الكرامة، وغيرت فيه الفطرة.

فهل يا ترى فقدت البشرية رشدها، فأصبحنا لا نرى إلا عربدة السفهاء، ولا نسمع إلا خنا الجواري والولدان؟

أم هل يا ترى جن جنونها فلا نرى إلا أفعال المجانين؟ ولا نسمع إلا هذيان المخبولين؟

إن مما يشيب له الولدان ويقظ مضاجع العقلاء، ما يريد بعض السفهاء من الناس فرضه في الهيئات الدولية على العالمين تحت شعار الحرية وحقوق الإنسان، مما يسمى بالمثلية الجنسية، بذريعة كونها تدخل في الحرية التي يكفلها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وكونها تنسجم مع روحه وتقتضيها مبادئه.

فتحايلوا على الناس وغيروا أصل تسمية هذه الفاحشة ليكون ذلك داعيا إلى تقبلها وعدم رفضها، وأضفوا عليها صفة الإنسانية، فقدموها للناس على أنها من الحقوق التي يحق للإفراد أن يتمتعوا بها بكل حرية من غير تضييق ولا حرج.

أصل التسمية:

اللواط يعني إتيان الذكور، لم يكن معروفا في أمة من الأمم قبل قوم لوط عليه السلام، الذين كانوا يمارسون نوعاً من الشذوذ لم تعرفه البشرية قبلهم، فأرسل الله إليهم نبيه لوطا عليه السلام، فنصحهم بأن يقلعوا عن ممارسة هذا الشذوذ وأنذرهم بطش الله وعقابه، لكنهم كذبوه وأنكروا نبوته ورسالته، وتمادوا في شذوذهم وغيهم حتى وقع عليهم ما أنذرهم به من العذاب، فلم ينج منهم إلا لوط ومن آمن معه، وهم لا يتعدون عدد أفراد الأسرة الواحدة إلا أن امرأة لوط كانت الهالكين.

وقد جاء في العهد القديم أن المنطقة التي أقام فيها لوط عليه السلام هي سدوم في منطقة البحر الميت، وقد كشفت الأبحاث أن الدمار قد لحق بها تماماً كما جاء في القرآن الكريم.

قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى، أي على لسان لوط عليه السلام موبخا لهم: «ما سبقكم بها من أحد من العالمين»(سورة الأعراف:80) من لاستغراق الجنس، أي لم يكن اللواط في أمة قبل قوم لوط، والملحدون يزعمون أن ذلك كان قبلهم، والصدق ما ورد به القرآن.

قال: وحكى النقاش أن إبليس كان أصل عملهم بأن دعاهم إلى نفسه لعنه الله، فكان ينكح بعضهم بعضا.

 وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، باني جامع دمشق: لولا أن الله، عز وجل، قص علينا خبر لوط، ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا.

ولكونهم هم المبتدعين لها اشتق العرب لها اسما من لوط فقالوا لاط به لواطة(1).

اللواط من أقبح الجرائم وأفحشها:

وصف القرآن الكريم هذه الجريمة التي لم تعرف في العالمين من قبل قوم لوط، فذكرها باسم الفاحشة ليبين أنها زنى فقال تعالى على لسان لوط عليه السلام: «أتأتون الفاحشة» (سورة الأعراف:80)، كقول تعالى في الزنى : «ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة»(سورة الإسراء:32).

والفاحشة في اللغة العربية: القبيح الشنيع من قولٍ أو فعل، قال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفواحشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (سورة الأعراف:33)، وقال عز وجل كذلك: «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم» (أل عمران:135)، وكل شيء جاوز حدّه فهو فَاحش.

وإذا كان الإسلام يعتبر هذه الجريمة فاحشة، فذلك لأنها من أشنع الأفعال التي يتورع عنها حتى الحيوان، إلا أخسها وهما الخنزير والحمار، قال القرطبي: قال محمد بن سيرين، أي من التابعين: ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار.

وتظهر شدة قبحه وفظاعته في عاقبة هؤلاء القوم الذين ابتدعوه، حيث خسف الله بهم الأرض، والخسف من أشد العذاب الذي يدل على عظم الذنب، بل عاقبهم بما لم يعاقب به أمة من الأمم، وجمع عليهم من أنواع العذاب ما لم يجمعه على غيرهم، لشدة قبحه وشناعته، فهو بهذا أفظع من الزنى.

قال الله تعالى في سورة الحجر: «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» (74-73).

وقد أورد الله تعالى قصتهم في عدة مواطن من كتابه العزيز لتكون عبرة يعتبر بها أصحاب النفوس الضعيفة تهويلا لهم، حتى يستشعروا قبح هذه الفاحشة فلا تسول لهم أنفسهم الوقوع فيها.

ومن هنا نعلم أن موقف الإسلام من هذه الجرم هو موقف صارم، فإن جرمه عند جميع أهل الإسلام أعظم من جرم الزنا، حيث يعتبرها من أعظم الفواحش وأقبحها، والتي لا تناسبها إلا أشد العقوبات، زجرا لمن يفكر فيها، وصيانة للمجتمع من آثارها وعواقبها الوخيمة التي تتمثل في الانحلال الأخلاقي الذي يؤدي إلى الهلاك والدمار.

روى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط».

علة فظاعتها وتحريمها والتحذير منها:

1- مخالفتها للفطرة التي خلق الله عليها الخلق:

حيث أن الخالق الحكيم جعل السنة في هذا الكون التناسل والتوالد والتكاثر، وخلق لذلك طريقا واحدا فطر عليه جميع المخلوقات، من الكائنات الحية في البر البحر، فجعل من كل الكائنات الذكر والأنثى لتحقيق هذا المقصد وتثبيت هذه السنة، من أجل البقاء وضمان استمرار جميع أنواع المخلوقات.

فالزوجية قاعدة كونية عامة، قال الله تعالى تأكيدا لها: «ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون» (سورة الذاريات:49).

فالمراد بالزوج: الذكر والأنثى، وتثنية زوج هنا؛ لأنه أريد به ما يزوج من ذكر وأنثى.

 فالله تبارك وتعالى، خلق لكل ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه، فكل واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين.

وفي هذ المعنى قال مجاهد في معنى “زوجين”: الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجن(2).

وهذا استدلال على الكافرين بعظمة الخالق وقدرته وتنبيه لهم ولغيرهم إلى حكمته وحسن تدبيره في الخلق، حيث استدل بذلك بخلق يشاهدون كيفياته وأطواره كلما لفتوا أبصارهم، وقدحوا أفكارهم، وهو خلق الذكر والأنثى ليكون منهما إنشاء خلق جديد يخالف ما سلفه(3)، لتتكاثر الأنواع ويستمر نسلها ولا ينقطع.

وقد وصف الحق سبحانه عمل قوم لوط بالإتيان كناية عن الاستمتاع الذي عهد بمقتضى الفطرة بين الزوجين والذي تدعو إليه الشهوة ويقصد به النسل في قوله تعالى: “إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء(سورة الأعراف:80)، لكنه علله هنا بالشهوة وتجنب النساء فبين بذلك خروجهم (اللوطيين) عن مقتضى الفطرة، وما اشتملت عليه هذه الغريزة من الحكمة التي يقصدها الإنسان العاقل والحيوان الأعجم.

فسجل عليهم بابتغاء الشهوة وحدها أنهم أخس من العجماوات وأضل سبيلا، فإن ذكورها تطلب إناثها بسائق الشهوة لأجل النسل الذي يحفظ به نوع كل منها…

 1- وهؤلاء المجرمون لا غرض لهم إلا إرضاء حس الشهوة وقضاء وطر اللذة.

 في إنكار الله تعالى على قوم لوط إتيان الذكران، مخالفين جميع العالمين من الأنواع التي فيها ذكور وإناث حيث لا يوجد فيها ما يأتي الذكور، تنبيه على أن هذا الفعل الفظيع مخالف للفطرة لا يقع حتى من الحيوان الأعجم كما سبق.

2- من كيد الشيطان ومن أعظم الضلال والغي، وتبديل الدين.

لا شك أن هذا العمل عمل من كيد الشيطان وإفساده، لتغيير سنة الخلق والتكوين، قال تعالى حكاية عنه:

«وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» (سورة النساء:119).

قال ابن قيم الجوزية: «ومن أبلغ كيد الشيطان وسخريته بالمفتونين بالصور، انه يمني أحدهم أنه إنما يحب ذلك الأمرد، أو تلك المرأة الأجنبية لله تعالى، لا للفاحشة، ويأمره بمواخاته.

وهذا من جنس المخادنة، بل هو مخادنة باطنة،…، فيظهرون للناس أن محبتهم تلك الصورلله تعالى، ويبطنون اتخاذها أخدانا، يتلذذون بها فعلا، أو تقبيلا، أو تمتعا بمجرد النظر والمخادنة، والمعاشرة، واعتقادهم أن هذا لله، وأنه قربة وطاعة، وهذا من أعظم الضلال والغي، وتبديل الدين، حيث جعلوا ما كرهه الله سبحانه محبوبا له، وذلك نوع من الشرك، والمحبوب المتخذ من دون الله طاغوت،…

ثم قد يشتد بينهما الاتصال حتى يسمونه زواجا، ويقولون: تزوج فلان بفلان، كما يفعله المستهزئون بآيات الله تعالى ودينه من مجان الفسقة، ويقرهم الحاضرون على ذلك، ويضحكون منه، ويعجبهم مثل ذلك المزاح والنكاح، وربما يقول بعض زنادقة هؤلاء: الأمرد حبيب الله، والملتحي عدو الله، وربما اعتقد كثير من المردان أن هذا صحيح، وأنه المراد بقوله: «إذا أحب الله العبد نادى: يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه.. الحديث»، وأنه توضع له المحبة في الأرض، فيعجبه أن يحب، ويفتخر بذلك بين الناس، ويعجبه أن يقال: هو معشوق، أو حظوة البلد، وأن الناس يتغايرون على محبته، ونحو ذلك.

وقد آل الأمر بكثير من هؤلاء إلى ترجيح وطء المردان على نكاح النسوان، وقالوا: هو أسلم من الحبل والولادة ومؤنة النكاح، والشكوى إلى القاضي، وفرض النفقة، والحبس على الحقوق.

وربما قال بعضهم: إن جماع النساء يأخذ من القوة أكثر مما يأخذ جماع الصبيان، لأن الفرج يجذب من القوة والماء أكثر مما يجذب المحل الآخر بحكم الطبيعة(4).

3- عمل قوم لوط يجمع بين الإسراف والجهل والسفه والطيش وسوء الخلق وانعدام الحياء:

قال تعالى موبخا قوم لوط على لسان نبيه لوط عليه السلام (سورة الأعراف:81):

– (بل أنتم قوم مسرفون): أي لستم تأتون هذه الفاحشة المرة بعد المرة بعد ندم وتوبة عقب كل مرة، بل أنتم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم لا تقفون عند حد الاعتدال في عمل من الأعمال.

– وفي (سورة الشعراء:26): (بل أنتم قوم عادون): أي متجاوزون لحدود الفطرة وحدود الشريعة، فهو بمعنى الإسراف.

– وفي سورة النمل (55): (بل أنتم قوم تجهلون): وهو يشمل الجهل الذي هو ضد العلم، والجهل الذي هو بمعنى السفه والطيش.

 ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مرزئين (والرزيئة: المصيبة) بفساد العقل والنفس، بجمعهم بين الإسراف والعدوان والجهل، فلا هم يعقلون ضرر هذه الفاحشة في الجناية على النسل وعلى الصحة وعلى الفضيلة والآداب العامة ولا غيرها من منكراتهم – فيجتنبوها أو يجتنبوا الإسراف فيها – ولا هم على شيء من الحياء وحسن الخلق يصرفهم عن ذلك(1).

والله سبحانه وتعالى حذر من جميع هذه الصفات، وجعلها من صفات أعدائه، وأنه يبغضها ولا يحبها، فهي صفات توجب العذاب للمصر عليها، ما لم يتدارك الجهل بالعلم والسفه بالعفاف والحشمة والطهارة والأدب والرزانة والوقار، ويتدارك الطيش بالإدراك والتعقل، والعدوان بالتوبة والاستغفار.

“المثلية” تتنافى مع كرامة الإنسان:

إن اتصاف المثليين بهذه الصفات الجامعة لمعاني الخسة والدناءة، من جهل وإسراف وسفه وطيش وتعد لحدود الفطرة الكونية والإنسانية، إنما يدل على زيغهم عن الحق وسلوكهم سبيل الغواية والفساد، بعيدا عن الرشد والصلاح اللذان هما أساس بناء المجتمع وصلاحه.

فهذه الصفات تتنافى مع كرامة الإنسان التي تنشدها الأمم والتي أسسوا عليها ميثاق حقوق الإنسان، تلك الكرامة التي جعلوها سببا لتمتيع الإنسان بجميع الحقوق التي تتوافق مع إنسانيته، وتسمو به عن مرتبة البهائم التي لا تعقل ولا تميز إلى مرتبة الإنسان العاقل الراشد، ومن مذلة العبودية والاضطهاد إلى شرف الحرية والعزة والكرامة، تلك الكرامة التي تقتضي تشريف الإنسان وتنزيهه عن كل ما يخل بمروءته وينقص من قدره ويفقده شهامته وعزته ورزانته.

إن المثلية إذا إخلال بكرامة الإنسان وحط من إنسانيته وتقويض لأسس بناء المجتمع، فهي معول لهدم الأسرة التي هي نواة المجتمع، تلك الأسرة التي لا يمكن أن تتشكل إلا من ذكر وأنثى، وذلك المجتمع الذي لا يمكن أن يقوم ولا أن يبقى إلا بتلك الأسرة، المكونة من الرجل والمرأة.

“المثلية” جريمة في حق المجتمع الإنساني:

إن المثلية إذا جريمة في حق المجتمع الإنساني، وذلك على اعتبار أن مدار جميع الحقوق التي جاء الميثاق العالمي لحقوق الإنسان للمناداة بها هو تحقيق الكرامة الإنسانية، وعلى اعتبار أن المثلية إخلال بهذه الكرامة وتجريد للإنسان من فطرته الإنسانية وتقويض لمجتمعه البشري، وإخلال بقيمه ومبادئه وفضائله التي تضمن له السلامة والاستمرار.

والله المستعان على ما يصفون وهو ولي التوفيق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا بشيء من التصرف، في تفسير قوله تعالى: «ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين» (سورة الأعراف:80-81).

(2) “تفسير الطبري” بتصرف.

(3) “التحرير والتنوير” لمحمد الطاهر بن عاشور بتصرف.

(4) “إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان” لابن قيم الجوزية رحمه الله: (2-41-43) بشيء من التصرف.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M