إنها أيام فتن.. فقل خيرا أو اصمت

19 أغسطس 2013 11:19

إكرام الفاسي

هوية بريس – الإثنين 19 غشت 2013م

استوقفتني اليوم آية في كتاب الله، جعلتني أتأمل واقع الناس اليوم واستهانتهم بكلامهم، ما يوحي جهلهم بخطورة ما تتفوه به ألسنتهم وعواقب كلامهم. تأملت قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [إبراهيم: 24-26].

إن الناظر في حال الأمة، يجدها تعيش أزمات وصراعات تعددت أسبابها واختلفت تجلياتها ومظاهرها وتفاوتت خطورتها، لا يفقه حقيقتها إلا أهل العلم والاختصاص، ومن بين هذه الأسباب التعصب للأقوال والآراء والأشخاص.

ليس قصدي معالجة موضوع فرقة الأمة فقد ألفت فيه ألوف الكتب، وإنما التصدي لهذه الفرقة بدءا بأنفسنا.

الصراعات اليوم، صراعات بين الشعوب والحكومات، وبين الأحزاب،وبين الجماعات، وبين الدول بعضها البعض..، ونجد في حياتنا تجسيدا لكل تلك الصراعات في مجتمعنا، تصل إلى حد الشجار بين الأفراد والمسبات وتنتهي بالقطيعة.

كل يدعي التصور الصحيح لتلك الخلافات وتجده يقول أمورا دونما علم بها، التقطها من الإعلام المضلل وقد بنى عليها مواقف يصعب تخليه عنها. ففي كل مقهى محللون سياسيون وفي كل مسجد فقهاء، وفي التجمعات الأسرية وغيرها..، دون أن ننسى ابتداء صفحات “الفيسبوك” و”التويتر” التي تضج بالكتابات حول الأحداث العالمية.

أتساءل أي جامعات خرجت لنا هذا الجيل من العلماء الذين يفقهون كل أمور الدنيا والدين!

ما أسهل القول بغير علم وتسفيه العلماء والشماتة بالمسلمين وسب الصالحين والافتراء على الناس وتكفير المؤمنين، وتأييد القتلة والانتصار للظالمين.. كل ذلك قد يكون بقول باللسان أو بضغط على الأزرار. أمور يومية نقع فيها من حيث لا ندري ولا نعي خطورتها.

ليس غرضي الانتقاص من حرية الرأي، وإنما أدعو إلى وزن تلك الآراء بميزان الشرع والعقل، وإخضاعها للنقد والتمحيص، وقراءتها من زوايا مختلفة قبل التسرع بعرضها على الغير.

فالأمر أبعد من كونه قولا فحسب لا يترتب عليه عمل، وإنما القول بنفسه عمل يتحمل المرء مسؤوليته ووزره، فبالخوض في مسائل دون العلم بها، مساهمة في نشر الباطل وتزييف الحقائق وتلويث لعقول الآخرين. وتسفيه العوام للعلماء جهل منهم بقدرهم، إذ يجب توقير العلماء وحسن الظن بهم، لا ننكر أنهم غير معصومين من الخطأ، لذا وجب حمل أقوالهم على محمل حسن، مع حفظ حرمتهم والاعتراف بباقي فضائلهم وتجنب الخوض في أعراضهم.

 أما سبّ الناس والافتراء عليهم ففيه إيقاع للعداوة والبغضاء بين المسلمين ما ينافي القيم النبيلة،والشماتة ببعض الأفراد والجماعات الإسلامية لا يجر وراءه سوى مزيدا من الفرقة والشتات والتناحر وشماتة العالم بأمتنا، فلا يجوز للمسلم أن يفرح بقتل أخيه المسلم مهما اختلف معه وليعلم أن فرحه بقتله مشاركة للقاتل في الوزر ولا يجوز أن ينال من أعراض المدافعين عن الإسلام مهما كانت توجهاتهم ما داموا في خدمة الدين.

أما تكفير الأعيان وتفسيقهم وتبديعهم فلا يصح إلا من أهل العلم والاختصاص بضوابط، ولا ينبغي للإنسان أن يقحم نفسه في أمور خطيرة لا علم له بها، بناء على العاطفة والحماسة والانفعالات.

كما لا يجوز الطعن في النيات والتشكيك بها ولا حمل الأقوال على غير مراميها.

ولا ينبغي أيضا تبرير ما يحصل من أحداث وتحميل مسؤوليتها لجهة ما، ما دامت الصورة غير واضحة والأمور ملتبسة وليستشعر المرء أن كل أمر حاصل هو بقدر من الله.

نحن في زمن فتن اختلطت فيه الأمور، والتبس فيه الحق بالباطل فبدل الانشغال بالثرثرات اللامتناهية، ينبغي على العاقل ألا تشغله الأحداث عن العمل الصالح -وإن كان من أهل العلم وطلابه فلا بأس بنشر الوعي بين الأفراد- وينبغي أن يتبين ما يسمعه من أخبار قبل تداولها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].

كما على المرء وزن أقواله وتذكر حرمة عرض المسلم والتأني قبل إصدار الأحكام الجاهزة وحفظ اللسان من الإشاعات والأباطيل وأن لا يحدث بكل ما سمع، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (كفَى بالمرء إثمًا أن يُحدِّث بكلِّ ما سمع) رواه مسلم.

ويتذكر قول الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء: 53].

فينبغي حفظ اللسان عن ما لا تتحقق به مصلحة ولا يدفع شرا أو منكرا فضلا عن إمساكه عن كل باطل، فكم من كلمة جلبت لصاحبها الويلات؟

وكم من كلمة لا يلقى لها بال تحمل صاحبها الأوزار العظام؟

وكم كلمة خربت بيوتا ومجتمعات؟

وقس على ذلك…

وليضع كل فرد منا الحديث النبوي نصب عينيه: (من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ) رواه البخاري ومسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M