أهمية التخطيط الاقتصادي للأمة الإسلامية

19 أغسطس 2013 18:03

فاطمة الزهراء سليماني

هوية بريس – الإثنين 19 غشت 2013م

لقد خلق الله عز وجل الأرض الإسلامية مليئة بالخيرات والبركات وسخر للإنسان الكون ومنح له الحق في الاستفادة منه، وكما قال الله تعالى في سورة لقمان: “ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات والأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة”، فمن هذه الآية نفهم أن الكون مسخر للإنسان، والذي بدوره يعتبر عاملا أساسيا في تسيير وإدارة خيرات الله.

والأمة الإسلامية مكلفة بالتسيير والتخطيط الاقتصادي على قدر الطاقة، ولو أحسن المسلمون التدبير لما احتاجوا للغرب ولاحتاج العالم بأسره إليهم، ولاستغنوا عنه؛ فالحالة العادية أن تكون الأمة الإسلامية في حالة استغناء عن غيرها؛ وكما أنه من الطبيعي ألا نعتمد على غيرنا في أي صناعة أو مورد وهذا منطق البداهة الذي يتحقق من خلاله الاقتصاد الكفائي الذي يتحقق بدوره  بوجود العامل البشري المختص والموارد المالية والتنظيم على أسس عادلة؛ مما يجعل الاقتصاد القائم اقتصادا إسلاميا يجعل في يد كل فرد مسلم مالا حلالا؛رغم الظروف والمشاكل التي نعيشها اليوم على رأسها: مشاكل الفقر والمجاعة، والتخلف وغلاء الأسعار، وتفشي القروض الربوية.. ولا نستغرب من هذه الأزمات فنحن في زمن العولمة والعلمانية.

لذلك؛ ما أحوجنا أن يبني اقتصادنا على ركائز تستمد دعمها من الإسلام ونصوصه وتطبيقها من خلال الاجتهاد المكافئ في إيجاد حل لهذه المشاكل وأشباهها مهما بلغت ذروة التعقيد.

تعاريف عامة للتخطيط الاقتصادي

التخطيط  لغة كلمة مشتقة من الخط، والخط هو الطريق المستطيل في الشيء، أو الطريق قسمه وهيأه للعمارة؛ السهل  الخفيف؛ وخطط المكان. ويقال فلان يخطط في الأرض أي يدبر فيها ويجعل لها خطوطا وحدودا.

وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلح الحديبية يقول: “..لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها..وإنه هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها}، أي أمرا واضحا في الهدي والاستقامة والتخطيط كالتسطير.

ومن هذا نستخلص أن المعاني اللغوية لها ارتباط وثيق بالمعنى الاصطلاحي للتخطيط الاقتصادي لأنه يحتاج إلى التدبير والتسيير لتحقيق النتائج المرجوة.

الاقتصاد لغة: التوفير والاعتدال، والقصد في الشيء: هو عدم الإفراط فيه، والقصد في المعيشة هو عدم الإسراف، والاقتصاد كلمة مشتقة من لفظ إغريقي قديم معناه: “تدبير شؤون البيت”، وهو علم يبحث في كل ما يتعلق بالثروة والمال والتكسب والإنفاق ومسائل الإنتاج والاستثمار والخدمات والتوفير والادخار والعرض والطلب.

وعرِّف التخطيط الاقتصادي بأنه تحديد الأهداف العامة في مجالات الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والاستثمار.

وعرِّف أيضا بأنه توجيه واعي واستخدام لموارد المجتمع لتحقيق الأهداف الاجتماعية.

تعريف التخطيط الاقتصادي في الاقتصاد الإسلامي

هو البحث عن أفضل الوسائل الممكنة لتحقيق هدف معين في مدة زمنية معينة في حدود الموارد والإمكانات المتاحة؛ كما عرف على أنه علم يقوم على وضع دراسات وخطط لاحتياجات الأمة من  حيث العمل والتنفيذ والتمويل  والمتابعة والتقييم والتعديل عند الحاجة، وبهذه الصفة يهدف للجهد العمل في مراحل متلاحقة، ويسهم في الكشف عن إمكانية الدولة في تنفيذ ومتابعة الخطط.

والمفهوم الذي يتلاءم مع الاقتصاد الإسلامي هو أن التخطيط الاقتصادي يعتبر اتخاذا للقرارات والسياسات التي تنبثق من الشريعة الإسلامية والنصوص القرآنية؛ بحيث يتم تنظيم وترتيب الإمكانيات المتاحة لتحقيق هدف معين وذلك حسب الأوضاع التي تمر بها الأمة وبقدر المستطاع استدلالا  بقوله تعالى: {..لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..}.

يقول الإمام ابن القيم الجوزية: “إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة”.

من هذا نفهم أن التخطيط الاقتصادي يدخل ضمن المصلحة الشرعية وحراسة الدين وسياسة الدنيا.

التخطيط الاقتصادي من منظور إسلامي  

أما من المنظور الإسلامي؛ فيعتبر التخطيط الاقتصادي هدفا من أهداف الحياة الاقتصادية الإسلامية من خلال نصوص نلمحها في الشريعة الإسلامية؛ وهذه الأهداف يلمحها الإنسان من خلال نصوص الشريعة ومن أحكامها وفروع هذه الأحكام.

وهذه الأهداف وإن كانت تتحقق تلقائيا إلا أن من واجبات الدولة أن تساعد في تحقيقها، لكون بعض الدول الإسلامية تتوفر على ثروات هائلة من الموارد النفيسة، لكن غفلتهم عن التخطيط الاقتصادي الصحيح في مجتمعاتهم أدى إلى تخلفهم اقتصاديا واعتمادهم على القروض المرهقة ومساعدات الغرب التي غالبا ما تسعى إلى عزل الدين عن المعاملات لاعتمادها أفكارا ومعتقدات لا تصلح للعمل بها في مجتمعاتنا الإسلامية.

ولقد وضع الإسلام التخطيط كأسلوب لاستخدام موارد الأمة واستغلالها وإدارتها وتنظيمها وحبك لهذا التخطيط أهدافا من أجل إنجاحه، للمواجهة بذلك كل تطورات ومستجدات الحياة، كإعداد للقوة ضد الأعداء  لقوله تعالى: {..وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..}.  

ويمكننا تلخيص الأهداف في ما يلي  :

 1ـ أن يكون اقتصاد الأمة الإسلامية اكتفائيا من خلال ترتيب الأمور على أساس الاكتفاء بالموجود ونهج سياسة الاستغناء عن الآخرين وتحرير أوضاعنا الاقتصادية من سيطرة الغرب والعلمانيين، وقد روي في هذا الصدد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة كانت السوق بيد اليهود فأنشأ الرسول للمسلمين سوقا أخرى. وهذا لا يعني تحريم الإسلام للتجارة والعلاقات الاقتصادية مع الآخرين فذلك شيء جائز؛ وإنما المقصود أن نكون مع هذه العلائق في حالة اكتفاء واستغناء.

2ـ أن تؤمن لكل مسلم بل لكل إنسان في الأرض الإسلامية حاجاته الأساسية، فالتخطيط الاقتصادي الإسلامي يهدف إلى توفير الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع في الدولة الإسلامية -بغض النظر عن الديانات- من مأكل ومشرب وملبس وعلاج إلى غير ذلك من الضروريات والحاجات الأساسية لما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: {كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته}.

وعلى هذا فإنه على إمام المسلمين أن يدرك حاجات الأمة في كل الجوانب ويسخر المال العام لسدها وإيجادها حتى لا تحس الجماعة بنقص أو حاجة لشيء ما.

 3 ـ تحقيق اقتصاد عادل لا ضرر فيه ولا ضرار: فتحقيق العدل أهم قضية في نظام الحكم الإسلامي، ومن أبرز صوره في الاقتصاد الإسلامي: توزيع الدخل بين أفراد الأمة المسلمة على أساس الأخوة الإسلامية، ويمكننا الذكر كجزء من العدل أن لا يكون هناك ضررولا ضرار.

كذلك نجد من أهداف التخطيط الاقتصادي في الإسلام وضع الرجل المناسب في المكان المناسب حتى يتم استغلال الموارد الاقتصادية على أفضل وأحسن وجه من أجل تنمية اقتصادية متزنة وذات إيجابية فعالة بنزاهة وبتطبيق للقواعد الإسلامية.

خلاصة

إن التخطيط الاقتصادي في الإسلام هو من صميم الشريعة الإسلامية، وتدل عليه نصوص الكتاب والسنة، وحكمه كثيرة؛ وهو واجب شرعي من أجل استثمار واستغلال ثروات الأمة الضائعة حاليا،  بسبب انتشار العلمانية وكذا غياب الوعي الإسلامي عند ولاة الأمور. 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M