عندما تصبح محاربة الدعارة «بدعة»

07 يونيو 2014 14:11
عندما تصبح محاربة الدعارة «بدعة»

عندما تصبح محاربة الدعارة «بدعة»

ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)

هوية بريس – السبت 07 يونيو 2014

يحلو لـ«فقهاء» الصحافة العلمانية أن يستعملوا في حربهم للدين والتدين مفاهيمَ مستمدة من قاموس الدين نفسه، مثل «البدعة»، «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وغيرهما من المصطلحات ذات الدلالات الدينية، وذلك جريا على عادتهم في تدنيس المقدس، وتتفيه المفاهيم الدينية، والسخرية من الشريعة الإسلامية.

لكن، هذه المرة لم تسعفهم الحيلة إذ اختاروا ميدان الحرب الخطأ: الدعارة والفساد الأخلاقي.

الدعارة والفساد، مشجوبان من طرف كل الشعب المغربي إلا أرباب المواخير والقذرين من الذكور الذين يتاجرون في أعراض البنات والنساء.

إحدى الجرائد اليومية، بدل أن تدافع عن المرأة، وتناضل من أجل محاربة انتهاك الذئاب البشرية لأعراض الفتيات والنساء، والمتاجرة في لحومهن، واستغلال ظروفهن الاجتماعية والمالية، فضلت كعادتها أن تشهر السلاح في وجه رجال الشرطة وأن تتصدى لمبادرة ولاية الأمن بمدينة مراكش، لا لشيء سوى لأن هذه الأخيرة خصصت فرقة نسائية من الشرطيات للحد من انتشار الدعارة، التي أصبحت علامة تجارية لعاصمة المرابطين، رمز التاريخ المغربي، وعبق الماضي التليد.

مدينة مراكش التي كان يَحكمُ المغربُ منها بلاد الإسبان، نراها اليوم تتهاوى من قلاع القوة والمنعة والهيبة، ومن مجالس العلم بالكتبية والمدارس ودُور القرآن، إلى وديان الفقر والجهل، ومهاوي الدعارة والفساد، في ظلمات الليالي الحمراء وسط العلب الليلية والفيلات المفروشة.

مدينة المنارة تنحدر من تاريخ حافل بالمكرمات والجهاد والفتوحات، إلى واقع الزنا والدعارة والشذوذ، حيث أصبح هذا الثلاثي رمزا للمدينة الحمراء، وعامل إغراء وجذب لكل فاسد من السياح، أو مستثمر قذر في أعراض البشر ولحومهم ذكورا وإناثا، أطفالا ويافعين.

فبدل أن تعمل تلك الأقلام على التوعية بمخاطر الدعارة والزنا والشذوذ على صحة الفرد والمجتمع، وتثمن مبادرة الأمن، وتطلب من وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الوطني تعميم المبادرة، آثرت أن تقف على النقيض من ذلك، في محاولة لتشويه هذا العمل، ووصفه بـ«البدعة»، التي «تشكل ضربة لحقوق الإنسان، والخطوات التي قطعتها المرأة في بلادنا» (حسب تعبير الصباح العدد:4388).

فهل يمكن أن تصبح محاربة الدعارة والفساد «بدعة»؟

ومتى يشكل الأمر بالمعروف تهديدا لحقوق الإنسان والحريات؟

نعم، قد تصبح محاربة الدعارة «بدعة»، لكن عندما يصير الفساد الأخلاقي دينا يُتقرب به إلى المعبود ومنهجا للحياة،  فقد قال الله سبحانه مخبرا عن قوم مضوا حاولوا إضفاء الشرعية على الفساد: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (سورة الأعراف)، والقسط هو العدل والاستقامة.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «كانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا اللّه فيها، وكانت قريش -وهم الحمس- يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوباً طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه، ثم يلقيه فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوباً جديداً ولا أعاره أحمسي ثوباً طاف عرياناً، وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر فتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله *** وما بدا منه فلا أحله

وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعلَ آبائهم مستندٌ إلى أمر من اللّه وشرع، فأنكر اللّه تعالى عليهم ذلك» تفسير القرآن العظيم.

 وقد يُشكِّل الأمر بالمعروف تهديدا للحريات، لكن فقط، حين يتخلف الإنسان فيرجع إلى مثل فهم العراة المذكورين للذنوب والمعاصي، فيتشوه تصورهم للقيم والعبادات، وينقلب المعروف نتيجة لذلك منكرا، والمنكر معروفا، فتصير محاربة العري والدعارة والزنا انتهاكا للحريات وهضما للحقوق، ولا غرو حينئذ أن تسمى بدعا ومحدثات.

فقد أوشك الناس أن يتخذوا الفحشاء عبادة، حيث صارت الفواحش من الحريات التي تحمى ومن الحقوق التي يمنع أن تصادر.

وربما سمعنا في زمننا مَن يجعل تلك الموبقات من الفروض التي يجب على الناس القيام بها للتعبير عن معتقداتهم وقناعاتهم، فقد بدؤوا منذ زمن في فلسفتها لتندرج ضمن السلوكيات المقبولة اجتماعيا، ومن ثَم، يصبح استنكارها من قبيل التشدد والغلو والبدع.

وربما استدار الزمن مرة أخرى، في زماننا هذا، زمن هيمنة الفكر العلماني على مراكز إنتاج الخطاب الإعلامي والحقوقي، بل المهيمن على مؤسسات «تشريع» القوانين، فأصبح بعضُ مَن بيننا يؤمنون بأن «حقوق الإنسان» قد أحلَّت للمغاربة الدعارة والزنا والشذوذ وغيرها من الفواحش بعد أن حرمها الإسلام عليهم.

وهذا ليس من قبيل التهكم، فما داموا يعتقدون في المواثيق الدولية، خصوصا مواثيق حقوق الإنسان، ويتبنونها دون مراجعة أو تحفظ، ويؤمنون بها كما هي متعارف عليها في الغرب وليس «دوليا» -كما يكذب علينا علمانيونا- ويفرضون سموها على كل التشريعات والأعراف والثوابت الوطنية ولو كانت الشريعة الإسلامية، أو المذهب المالكي، فلا غرابة إذاً أن يرى العلمانيون في مبادرة أمن مراكش «بدعة»، لأنهم يعتبرون الزنا حرية شخصية ما دامت بالتراضي بين الطرفين، ويعتبرون المرأة حرة في جسدها، مسموح لها أن تبيعه لتقتات بـثدييها، المهم أن نقنن الحرفة ولا تفوت على الخزينة العامة مداخيل الضريبة على هذه التجارة كما هو العمل في الدول المتقدمة الأوربية والأمريكية.

فما هذا الانحدار؟

وما هذا التخلف؟

وما هذه العبثية؟

إنهم لا يخالفون القانون ولا ينتهكون الشريعة فقط، بل يناقضون حتى القواعد التي تعارف الناس عليها منذ القدم، بل منذ أن كانوا يطوفون عراة، ويعيشون في الصحاري والوديان والجبال، منها تلك القاعدة التي تلخص العلاقة بين الفقر والخضوع الجنسي، قاعدة كانت تجري على لسان الأحرار والحرائر: «الحرة إذا جاعت لا تأكل بثدييها».

ولنتأمل سمو الإسلام، فحتى الإماء اللاتي كن تحت رق العبودية، ولا يستطعن قول: لا، لأسيادهن الذين يتاجرون بلحومهن في دور البغاء،  فقد حرم الله استغلالهن وإكراههن على الدعارة، وذلك مقدمة لتحريم البغاء حيث كان من أنواع الأنكحة قبل التحريم، فقال سبحانه: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقد نزلت في رأس النفاق حيث كان يكره بعض إمائه على البغاء وهي مسلمة.

ونحن للأسف، حين فشا فينا الزنا، وأعلن الناس به، وتفاخروا بالفحشاء وتكاثروا بالخليلات، وأصبح أبناء الزنا فينا يعدون بمئات الآلاف، فطبيعي أن يصير فينا من يطالب من منطلق الحقوق والحريات برفع التجريم عن الزنا وإلغاء عقوبته، وتقنين الشذوذ لواطا وسحاقا، ويشجب محاربة الدعارة.

فبدل أن يقوم أولئك «الغيورون» جدا على حقوق الإنسان من الإعلاميين والحقوقيين، بالدفاع عن المرأة ضد الإهانات المتفننة في الحط بكرامتها، والاستغلال البشع الذي تتعرض له في الحانات والعلب الليلية والفنادق، نراهم يتصدون لكل مبادرة لحماية المرأة وعِرضها، بدعوى أنها انتهاك لحقوقها، في صورة ممجوجة لقلب الحقائق، على منهاج الفاسدين من قوم لوط حين قالوا في حق نبي الله ومن معه: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون} (سورة النمل).

ولنمعن التأملَ في المعنى التهكمي الساخر الذي شحنوا به معنى الطهارة في تعليلهم حكمَ الإخراج والطرد في حق نبي الله ومن معه، ثم لنقارنه بوصف جريدة «الصباح» الساخر والمتهكم من فرقة الأمن بـفرقة «الأمر بالمعروف».

ولندقق النظر، في تمثل قوم لوط لحقوق الشواذ وهم في معرض الدفاع عن حقهم في اللواط، وقول رئيس المكتب الجهوي للمركز المغربي لحقوق الإنسان حيث وصف إحداث فرقة شرطيات بزي مدني خاصة بالنساء بأنه: «ضرب لحقوق الإنسان بمراكش وإهدار لكرامة المرأة وحقوقها، وتكريس للفئوية والاعتداء على الحريات العامة» (الصباح العدد:4388).

تعودنا على افتعال هؤلاء لهذا التصادم بين حقوق الإنسان وقيم العفة، وعلى هذا التحريف لمفهوم الحرية ورفع حدوده بل نسفها حتى تشمل كل معاني التسيب والانحراف، لكن هذا الاصطدام المصطنع، وهذا التحريف المستهجن اتخذا شكل الابتزاز النذل والتحكم الإيديولوجي المنتفش بعبارات الحقوق والحريات، قصد توجيه عمل الشرطة التي يوكل لها القانون حماية الحقوق وضبط الحريات، وإجبار مصالح الأمن على خدمة المفاهيم العلمانية في دولة ينص دستورها على أن دينها الإسلام.

فهل ستخضع الشرطة لابتزاز مناهضي العفة والطهارة؟

هذا ما سنراه.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M