حُماة الصناديق

10 يونيو 2014 12:08

سفيان الصوفي

هوية بريس – الثلاثاء 10 يونيو 2014

سوداء كانت هي العشرية التي تلت الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات الجزائرية سنة 1991، فبعد تراخي الرقيب العسكري عن التحكم في فتحة الصندوق الانتخابي ظنا منه بأنها إن لم تأتِ بمن يقبل “البيادة” فإنها ستأتي على الأقل بمن يلمعها، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فلقد غزت الجبهة الصناديق بعد أن فازت بثقة الناخبين.

لم تستسغ قيادات الجيش الجزائري ما أتى به الصندوق الانتخابي فقامت بالضغط على الرئيس الشاذلي من أجل إلغاء النتائج، لكن وعودا سبق وأن زفها للناخبين منعته من ذلك ليجبر على الاستقالة.

ظل المنصب شاغرا لوقت تمكن العسكر خلاله من لملمة أوراقهم وتحديد الدمية التي يمكنها ملؤه، فوقع الاختيار حينها على محمد بوضياف ليكون رئيسا للمجلس الأعلى للبلاد؛ مقدمات إنشائية تلك التي سردها الجيش حينها لتبرير تحركه هذا، وقد دعا إلى ضرورة الاصطفاف وراء الجيش لحماية البلاد من الأخطار الأمنية المحدقة بها. انقسم الشارع واغتصبت أرض المليون شهيد من أطراف كثيرة؛ دعم غربي متواصل للجيش لاستئصال الإسلاميين، مقاتلون من أفغانستان ومصر هبوا إلى الجزائر تحت يافطة “نصرة الأخ”.

لم تكد الجزائر تضمد جراحها بعد المصالحة الوطنية التي قادها عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999، حتى اهتزت أرض الكنانة على وقع انقلاب عسكري في الثالث من يوليوز الماضي؛ لقد أبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه. قد يكون هنالك إعادة توزيع للأدوار لكن القالب المسرحي الذي أصبح أكثر حبكة لم يتغير فيه شيء قط سوى ردة الفعل، من منفعل يده على مسدسه وعقله في سبابته، إلى مفكر عاقل مستبصر ابتغى السلمية سبيلا ما حاد عنها، وما ينبغي له أن يحيد عنها، هكذا هم الإخوان المسلمون.

مثلما كان الدعم غربيا للجنرال الجزائري لتكميم الأفواه، كان الدعم للمشير عربيا خليجيا من أنظمة ترتعد من استنشاق شعوبها أوكسجين الحياة، الحرية، ظنا منهم أن تكميم الأفواه يعني إسكات الصوت. لم يقتصر دعم بعض أنظمة الخليج العربي للمشير، ومِن ورائه جمهورية الضباط، على الدعم المالي المباشر وملاحقة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بتهم الإرهاب، وإنما تعداه ليصل إلى الضغط على لوبيات لهم داخل بعض الدول الأوربية كبريطانيا من أجل استصدار قرار باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ظنا منهم  بأنها زريبة يفعل فيها الحاكم ما يشاء بعيدا عن سلطة القانون وعدالة القضاء على مقاس بلدانهم، وكذا ملاحقة كل من يمكن أن يتحدث بسوء عن فرعون عصرنا هذا، وكان آخرها الضغط على الإعلامي باسم يوسف ترهيبا وترغيبا لوقف برنامجه الساخر “البرنامج”، وهو ما تم بالفعل.

إن غباء المشير السياسي، من الدبابة إلى كرسي الرئاسة، جعله يظن أن ردة فعل الإخوان سوف تكون على شاكلة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، فساق التهم قبل الفعل وهو لا يعلم بأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين. يحق لنا أن نصفها بالسابقة، قائد منظمة إرهابية، محمد بديع، يقبض عليه وهو لا يتوفر على طلقة خرطوش، قائد منظمة إرهابية يرى ابنه عمار يقتل وابنة عضو جماعته أسماء البلتاجي تقنص وآلاف من منتسبي جماعته يزج بهم في غياهب السجون ويخاطبنا من ميدان الحرية، رابعة العدوية، قائلا “ثورتنا سلمية وستظل سلمية، سلميتنا أقوى من الرصاص” يا له من إرهاب، إرهاب الكلمة والشارة.

في خضم حملة السيسي على الإخوان بمساعدة جيشه الإعلامي، وبتواطؤ غربي ودعم عربي معلن، كان قيصر من أرض المختار يتربص بالثورة الليبية؛ إنه حفتر، الرجل الذي يهوى الانقلابات. فبعد فشله في المحاولة الانقلابية على معمر القذافي سنة 1993، عاد إلى ليبيا سنة 2011 ليلبس عباءة الثورة. ظل ثائرا حتى أُسقِط معمر، لكنه لم يعلم حتى حين بأن الثورات تأتي بالعدالة لا السلطوية، حينها قرر أن يحذو حذو مثله الأعلى، المشير السيسي، فصاغ جملا إنشائية لم تختلف كثيرا عن تلك التي ساقها المشير، ولا حتى الجنرال الجزائري سنة 1991؛ إرهاب وجبت محاربته، وكأنها حظيرة يفعل بها ما يشاء. كانت ليبيا تحضر نفسها للدستور ثم الانتخابات، وكانت مشكلة آبار النفط على وشك الحل، ليأتي حفتر بالحل السحري، إنها الحرب على الإرهاب. تجاهل دولي وخاصة أمريكي للشأن الليبي والبلد على عتبة حرب أهلية يطرح علامات استفهام عدة. فهل تخلصت ليبيا من صنم لتنصب آخر؟

لن تخطئ عين أي مراقب للمنطقة الأيادي التي تعبث بشؤون الدول العربية، خاصة تلك التي تسبح في الذهب الأسود أو تلك التي يمر منها وتشهد حراكا شعبيا. إن السياسة الخارجية الغربية تجاه دول المنطقة كانت أكثر مرونة من الأنظمة العربية فيما يخص الاحتجاجات الشعبية الناقمة التي شهدتها. لم يتشبث الغرب بأي حاكم عربي كان زواله حتميا في هاته المرحلة، لكنه في المقابل صنع له بديلا ربما أفضل ممن تخلى عنه.

لكن هيهات هيهات لما يظنون؛ لقد وصلت الشعوب العربية لمرحلة اللاعودة، وهي تخط بدماء شهدائها مستقبلها المنير، وتلقن العملاء والمتخاذلين بصمودها دروسا لن يستوعبوها ربما إلا بعد مماتهم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M