«الاغتصاب»: عنوان المشهد المصري

11 يونيو 2014 20:02
«الاغتصاب»: عنوان المشهد المصري

«الاغتصاب»: عنوان المشهد المصري

بدر الدين الخمالي

هوية بريس – الأربعاء 11 يونيو 2014

علي في البداية أن أعترف بأنني مصاب بحالة من الغثيان والقرف الشديد والاشمئزاز مما وصلت إليه الأوضاع في مصر ومما أصبحت عليه مصر من انحدار اخلاقي وانحطاط سياسي وانكسار شعبي وإسفاف معرفي لا نظير له… مصر التي كنا نتوسم في ثورتها أن تخرج لنا أجمل ما في بلاد النيل من جمال وبهاء وأجمل ما في بلاد النيل من طهر وعفاف وأروع ما في بلاد النيل من رقي ونقاء ومعرفة وأدب…

مصر تلك اختفت لتحل محلها مصر أخرى ترزح تحت الأغلال والقيود وتطوقها فوهات رشاشات العسكر الانقلابيون ودباباتهم ومدرعاتهم وتلطخ جدرانها وإسفلت شوارعها دماء الشباب والأطفال والشيوخ ممن قالوا لا للانقلاب وتمتلئ سجونها ومعتقلاتها بالشرفاء والانقياء من رجال وشباب وفتيات طاهرات.

وللأسف الشديد آلت الأمور والأحوال إلى ما لا يرضاه مخلوق سوي على سطح الكرة الأرضية… آلت الأمور إلى أسوء السيناريوهات الممكنة لما بعد ثورة يناير المجيدة… آلت الأمور إلى أبشع ما يمكن أن يتصوره عقل أو يتحمله ضمير أو أن يبرره عاقل بأي حال من الأحوال.

علي أن أعترف أنني لم أعد أطيق أن أسمع خبرا من مصر أو أن أعلق على موضوع يتناول الشأن المصري وإن فعلت ذلك فإني أفعله مرغما مجبرا لهول ما أرى وأسمع من مصائب تقشعر لها الأبدان وتشمئز لها النفوس وتختنق لها العبرات في الصدور وتعجز الألسنة عن التعبير عنها أو وصفها لهولها ولهول ما يكتنفها من كوارث سوداء ظلماء معتمة تكاد السموات تنفطر منها وتنشق لها الأرض فتبتلع من عليها.

هي كلمة الاغتصاب وحدها التي يمكن أن تجمع في ثناياها كل هذا الكم الهائل من الإجرام والبشاعة والدناءة والخسة والحيوانية التي أصبحت تحفل بها مصر اليوم في ظل عهد الانقلاب الدموي المجرم، اغتصاب للسلطة، اغتصاب للإرادة، الشعبية اغتصاب للقيم، اغتصاب للكرامة الإنسانية، اغتصاب للشرف والمروءة اغتصاب للنساء، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان والحريات وإعدامات بالجملة لكل من قال لا للانقلاب.

هكذا حول الانقلاب الدموي المجرم مصر إلى معتقل كبير لمعارضيه وإلى ماخور -كباريه كبير لمؤيديه من أجل الرقص والقتل والاغتصاب والتزوير والكذب المستمر والمتواصل على القنوات الإعلامية الشيطانية التي اصبحت شبيهة بدور دعارة حقيقية- بصريح العبارة ودون أدنى استعارة أو تكنية.

حالة الاشمئزاز تزيد وتختلط بمزيج من الغضب والحيرة والأسى كلما اطلعت بمواقع التواصل الاجتماعي أو بمواقع إخبارية على أراء من يؤيدون الانقلاب ويساندون الهمجية والقتل والانحطاط… أتساءل هل فعلا يوجد هذا النوع من الكائنات… هل فعلا يوجد هذا النوع من البشر…هل فعلا انعدام الأخلاق والوعي وصل إلى هذه الدرجة من الانحدار… هل فعلا الانحطاط والخسة والسفالة بلغت إلى هذا الحد في مصر… هل إلى هذه الدرجة يمكن لإنسان ما على سطح الأرض أن يصل في الإسفاف والخسة والدناءة… نعم يمكن وكيف لا والنماذج الحية لكبارهم ومعلميهم تغنينا عن أي تخمين أو مقارنات… (هما مش نور عينيهم ولا إيه).

النماذج التي طفح بها المشهد السياسي والإعلامي المصري بعد انقلاب 3 يوليو 2013 تجسد أحط وأخبث ما يمكن تصوره في الإنسان من طبائع الكذب والنفاق والانحطاط الخلقي والمعرفي، طبائع جمعت حبل الود بين العسكر المجرمين سافكي الدماء ومؤيدوهم بين الراقصات والرقاصين والممثلين والممثلات والإعلاميين والإعلاميات أبواق الفتنة والفاسدين السابقين واللاحقين والبلطجية واللصوص وقطاع الطرق وفقهاء الموائد والصوفية والسلفيين والنصارى والقومجيين والليبراليين واليساريين والناصريين في خلطة هجينة التركيب عجيبة التصنيف والترتيب ومن ورائهم أمثالهم في العالم العربي ومن ورائهم الدويلات الرجعية البترولية الدولارية حلفاء الأمريكان والصهاينة.

حتى أصبح من قبيل المسلمة الرياضية أنه لا يدعم الانقلاب الهمجي اليوم إلا كل فاسد ولا يؤيده إلا كل منحط ولا يسانده إلا كل حاقد وحرم ذلك على الشرفاء والانقياء وكل من في قلبه ذرة إنسانية وكرامة وحرم ذلك على كل من يمتلك ذرة من عقل ووعي.

ما حدث بميدان التحرير من اغتصاب للفتيات يوم تنصيب السفاح لخص كل شيء لخص حقيقة مؤيدي الانقلاب وأخلاقهم الدنيئة ولخص المشهد المصري المأساوي كله في كلمة الاغتصاب… اغتصاب كرامة الإنسان وشرفه واغتصاب الإرادة الشعبية واغتصاب السلطة السياسية وإطلاق عملية تعهير كبيرة للمجتمع المصري عبر الغناء والرقص وتصدير النساء الراقصات في واجهة الدعاية الانقلابية والنفخ في السفاح وتصويره بمظهر المخلص ذكر البط… كأن الانقلاب بهذا النوع من التعهير لنساء مصر والإفساد الأخلاقي لشباب مصر والميتومانيا الإعلامية السوداء يمكنه أن يواجه الخطاب الديني الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين ويقضي عليهما… هيهات هيهات.

لقد سبق وأن قلت في أكثر من مقال بأن القضية في مصر ليست قضية جماعة الإخوان المسلمين أو التيار الإسلامي بل هي قضية شعب يتم الإجهاز عليه بشكل ممنهج وشق صفه وضرب قيمه وثوابته الدينية والهوياتية لفائدة حفنة من البلطجية العسكريين وفلول الفاسدين من نظام مبارك وخدمة لأجندات قوى دولية وأنظمة إقليمية رجعية لطالما رأت في نهضة مصر وعزتها تنكيس مخططاتها وفضح خطاباتها المزيفة وهذا ما حدث بالفعل بعد حادثة 3 يوليوز 2013 التي عمد فيها العسكر إلى الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي.

القضية في مصر هي قضية وطن تمت سرقته تحت تهديد السلاح العسكري وتم نهبه بشكل ممنهج وبيعه للعملاء بالتقسيط وبالجملة وإغراقه في الظلام والتخلف والبؤس حتى صار أبنائه يرجون اللقمة فلا يجدونها ويلتمسون العدالة الاجتماعية فلا يعثرون لها على أثر ويطلبون الحرية فلا يجدون سوى الرصاص والمعتقلات وأحكام الإعدام، في رسالة أخرى مبطنة لباقي الشعوب العربية كي تخرس وتبلع ألسنتها.

الخط الإصلاحي المعتدل الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي آخر العوائق التي تمنع تفجير مصر بعد كل الظلم والجور والإجرام الذي ارتكبه العسكر بتأييد من حلفائهم الرجعيين والصهاينة ولولا ذلك الإصرار الغريب من جماعة الإخوان المسلمين” وشبابها على أن يستمر النضال ضد الانقلاب العسكري سلميا ومدنيا لكان الوضع اليوم في مصر أمر أخر ولكان لكل الأفاقين الذين تحالفوا مع العسكر أمر أخر غير الذي هو عليه اليوم.

جماعة الإخوان المسلمين التي يعمل الانقلابيون وأذنابهم في العالم العربي على شيطنتها ووصمها بالإرهاب تضرب اليوم أروع الأمثال في صدق دعواها ورسالتها الإصلاحية ومحافظتها على نهجها الذي رسمه لها مؤسسها الشيخ الشهيد حسن البنا ورجالها الأبرار الصامدين في المحن، وتضرب أروع الأمثلة في محافظتها على السلم الاجتماعي المصري والعربي كذلك برغم كل التجني والظلم والقتل والاعتقال الذي يلحق أعضائها وشبابها الذين هم من خيرة شباب مصر.

وللحصيف والمنصف ممن يتابع الأحداث أن يعقد المقارنات الآن بين خطها النضالي السلمي وخط تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ليرى الفرق بين المنهجين وبين الخيارين وليعلم الجميع كيف أن جماعة الإخوان المسلمين” برغم ما لحق بها لازالت متمسكة بخيار الحل السلمي والتعايش مع باقي المكونات المختلفة والمتعددة المشكلة للمجتمع المصري دون أن تجنح إلى الراديكالية كما كان يطمح أعداؤها الإيديولوجيون والسياسيون بعد مجزرتي رابعة والنهضة، الذين كانوا ينتظرون على أحر من الجمر أن تعلن الجماعة حمل السلاح لكي يتحقق لهم ما كانوا يطمحون إليه من إقصاء كلي للجماعة عن المجتمع، وضرب مشروعها المجتمعي التربوي الذي ما فتئت تشتغل عليه منذ سنوات عدة لكي تنهض بالمجتمع الإسلامي، ففشلت تنظيراتهم أيما فشل وباؤوا بالخسران وبالحسرة خاصة أولئك الذين جعلوا من عدائهم للخطاب الإسلامي ووصمه بالعنف والإرهاب كتابهم المقدس.

تمادي الانقلاب العسكري في إجرامه وإصراره الغريب كذلك على المضي قدما نحو الحائط بكل البشاعة والغباء الذي يكتنف مخططاته وأفعال مؤيديه يثير فعلا الفزع والخوف على المال الذي يمكن أن تؤول إليه مصر خاصة بعد تولي السفاح للرئاسة في مسرحية انتخابية مزورة يندى لها جبين العقلاء والأحرار في العالم خاصة بعد مقاطعة اغلب الشعب المصري لها ونأيه بنفسه عن المشاركة في تمثيليتها السخيفة.

سننتظر مرة أخرى تطور الأحداث دون أن ندخل في سياق التكهنات ورسم السيناريوهات لأن ما يقوم به الانقلابيون ومؤيدوهم تنبئ على أن القادم سيكون مختلفا تماما عن كل التجارب السابقة التي عرفتها دول المنطقة من حراك وثورات الربيع العربي الذي احترق في نصف المسافة ولازالت ناره مصطلمة تأكل في طريقها الأخضر واليابس.

ذلك لأن ثورة 25 يناير التي عرفت أوجها في جمعة الغضب التي انطلقت من مختلف مساجد مصر لا زالت تحتفظ بالكثير من مفاجآتها ولازالت تبشر بالكثير بعد أن ظهر الوجه القبيح السافر لعصابة العسكر الفاسدة التي سطت على الدولة المصرية في الخمسينات ولازال أذنابها اليوم يحاولون استعادتها بكل ما يمتلكون من إجرام وهمجية وبتحالف مع كل من باعوا الوطن واستحبوا العمالة للصهاينة وخدمة أهدافهم في المنطقة بعدما انتفضت الجماهير عليهم وعلى فاسديهم في نظام مبارك.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M