لماذا يخشى «مرتزقة الحرية» من فتح نقاش حول موضوع معاناة المرأة العاملة؟

03 يوليو 2014 12:23
لماذا يخشى «مرتزقة الحرية» من فتح نقاش حول موضوع معاناة المرأة العاملة؟

لماذا يخشى «مرتزقة الحرية» من فتح نقاش حول موضوع معاناة المرأة العاملة؟

ذ. نبيل غزال

هوية بريس – الخميس 03 يوليوز 2014

الجميع اليوم يصيح: حرية.. حرية.. حرية..

شعارات كبيرة ترفع للمطالبة بالحرية..

ومعارك ضارية تقام من أجل إقرار الحرية..

فلا يدخل الإنسان على موقع أو يفتح قناة، ولا يقلب أوراق جريدة أو مجلة إلا وطالعته -ودون مبالغة- ولعشرات المرات كلمة: حرية.. حرية.. حرية..

بداية لا أحد يمكنه أن يرفض الحرية أو يقف في وجه من يطالب بها، فلا أجمل من أن يرى الإنسان من يدافع عن الحرية، ويسعى إلى إرساء مبادئها، وتشييد صرحها، وإيصال منافعها إلى الناس.

لكن يجب علينا ابتداء أن نحدد مفهوم الحرية التي ندافع عنها، أهي الحرية التي حدد مفهومها «برتراند راسل» حين عرفها بـ: «غياب العقبات في وجه إدراك الرغبات»، بمعنى أنها: منع المنع، وفتح الباب أمام الإنسان لتحديد رغباته وتحقيق شهواته، دون ضابط ديني أو أخلاقي أو قيمي؟

أم أنها حرية تضمن كرامة الفرد وتحفظ حقوقه وتفسح أمامه مجال الإبداع والانطلاق في شتى مجالات الحياة دون كبح أو إلجام، في إطار محكم يضمن حق الفرد دون إضرار بحق الجماعة؟!

فلا يكفي رفع شعار الحرية كي يقبل ما يضاف إليها من مطالب، فالحرية انضباط واحترام وممارسة لحق، وليست فوضى وتسيبا واستفزازا للمجتمع، ولا سلاحا يوظف ضد الخصوم الإيديولوجيين، يـَستغلُّ وسائلَ إعلامية ويحشد جمعيات حقوقية للضغط من أجل تطبيع مفهوم متطرف للحرية.

فلم يعد اليوم مجال للتحفظ على القول بأن هناك فعلا مرتزقة يستغلون الحرية؛ قد شوهوا هذا المفهوم؛ فصار لا يضاف عندهم إلى الردة واللواط والسحاق والزنا وشرب الخمر وكشف الجسد وتلويث الفطرة، ورغم ادعاء هؤلاء المرتزقة أنهم لا يصدرون إلا عن قناعاتهم وأنهم بعيدون عن التأثر بمؤثرات خارجية وإيديولوجية غربية؛ فالحقيقة تثبت أنهم أصحاب تبعية عمياء وتقليد جامد لمنظومة مادية وافدة تؤله الإنسان وتؤنسن الإله، وترفض ضمنا كل الأحكام والضوابط الشرعية المؤطرة لمجالات الحياة.

الظاهر اليوم أن أصحاب هذا التوجه -وهم قلة منظمة- لم يقتصر شرهم على أنفسهم فحسب؛ بل تعداهم إلى غيرهم، فأثروا -في ظل ضعف كبير لدور المدافعة والممانعة- على قطاعات حساسة من المجتمع، أهمها قطاع الشباب، فصار بعض الشباب المستلبين والمخدرين يكرر أفكارا دون أن يعي مضمونها، وبات يشك في دينه وقيمه وأخلاقه، ويطالب بالحق في تغيير عقيدته وبالحرية في معاقرة المخدرات والخمر والزنا واللواط..، وبتغيير كامل للمنظومة المؤطرة لمجتمعه؛ فاحتضنته جمعيات وأحزاب ترتزق بمفهوم منحرف للحرية، استغلت غفلته وشروده وضياعه، ووظفت طاقاته لتحقيق أهداف إيديولوجية وأطماع لائكية مقيتة.

فهذا الفصيل من الشباب نفسه الذي غيب وعيه وأعيد تشكيل عقله، ما إن يعود إلى حاضرة هويته، ويفهم لعبة استغلال الشعارات الجوفاء، ومشروع مرتزقة الحرية، حتى يُتهم هو الآخر بالعقلية النكوصية والرجعية والتطرف، ويدرج ضمن الأكثرية المتخلفة التي تؤمن بالغيبي، ويؤثر فيها الخطاب الشعبوي؛ ولا تعير اهتماما لصوت العقل المجرد!

فهذه التهم تطال كل مخالف لمفهوم الحرية الذي يؤمن به المنتمون إلى هذا الفصيل المتطرف، حتى وإن كان رئيس الحكومة الذي من بين مهامه الإنصات إلى كل فصائل المجتمع، وأخذ متطلباتهم بعين الاعتبار، وتوفير حاجياتهم في ظل القانون.

فقد انهال مرتزقة الحرية على رئيس الحكومة لمجرد أنه كشف من خلال إشارة عابرة فقط عن جانب مظلم يعمد أولئك المرتزقة إلى إخفائه، وعن حق الطفل في الأمومة، وتبعات خروج المرأة إلى سوق العمل، ومعاناتها اليومية في هذا المجال.

وهو موضوع في غاية من الأهمية يجب أن يخرج من طابع التعتيم والسرية إلى الوضوح والعلنية، وطابو يجب كسره حتى نخرج من حالة التناقض وظاهرة النفاق المجتمعي الذي يكرسه بالإرهاب والقمع والاضطهاد مرتزقةُ الحرية.

الفراغ في البيت الذي أحدثه خروج المرأة إلى سوق العمل ليس تهريجا ولا ديماغوجية يمارسها بنكيران أو غيره، ولا قوالب نمطية سلبية، أو تقسيما اجتماعيا تمييزيا للمهام الأسرية، كما ادعت نسويات «التحالف المدني لتفعيل الفصل 19 من الدستور»، اللائي يسوَّقن -للأسف الشديد- إعلاميا أنهن يمثلن المرأة المغربية ويدافعن عن حقها؛ فالاختلال الذي وقع في البيت عقب خروج المرأة إلى سوق العمل يعد اليوم معضلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

معضلة يدركها طبعا كل من تخلى عن العصبية وواجه الأمور بواقعية؛ وعالج الموضوع من جميع جوانبه، أما أصحاب الغرف المكيفة والكراسي المريحة من «النسويات» و«النسويين»، فهؤلاء لا نملك لهن شيئا، لأنهم لا يريدون أن يروا الأمور كما هي على حقيقتها، وإنما كما يحبون هم أن يروها.

فالمرأة الموظفة مثلا تضطر إلى أن تستأنف عملها بعد ثلاثة أشهر من وضع مولودها؛ حتى إن كانت ولادتها قيصرية، فتخرج إلى العمل بعد أن تبحث عمن يرعى مولودها من أفراد الأسرة إن وجد، وإلا اضطرت إلى إدخاله دار الحضانة وتحمل أعباء مادية قد تفوق ما يسمح به دخلها، تاركة خلفها مولودها وهو في أشد الحاجة إلى ثدي أمه وحنانها ورعايتها.

 أما المرأة العاملة فتلك قضية أخرى، حيث أن بعض الجشعين في القطاع الخاص لا يسمحون لها بأكثر من شهر لتستأنف عملها، ولك أيها القارئ الكريم أن تتخيل الحالة النفسية والوضعية الصحية للمرأة بعد شهر من الوضع.

نعم المرأة لها أن تلج سوق الشغل وتشارك في التنمية لكن بما يوافق أنوثتها ووضعها وحالتها الاجتماعية، أما أن تهجر وظيفتها في البيت وتزاحم الرجل في سوق العمل وتنافسه لا لشيء إلا لتثبت أنها ند له، فهذا صراع وهمي يسعى إلى جرنا إليه فصيل متطرف لا ينظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة أنها تكاملية تراحمية وإنما هي تعاقدية مصلحية.

أظن أنه آن الأوان أن نضع جميعا النقاط على الحروف، ونفرق بين الحرية والفوضى، وبين الانضباط والتسيب، لقد صار للحرية اليوم مرتزقة يجنون من ورائها أرباحا طائلة، ويحققون من خلال الدعوة إلى الحرية الفردية «مآرب فردية» ومكاسب سياسية واجتماعية، نعم هنالك مخلصون وصادقون في مجال الدفاع عن الحرية، لكن عددا غير قليل ممن يرفع شعار الحرية يمارس من وراء هذا الشعار أبشع أنواع الاستغلال والاستبداد والديكتاتورية.

«فكم من مطالب بالحرية يتعاطى مع هذا الشعار بصورة إمبريالية، وكم من ساع إلى تحقيق العقلانية يجعلنا نترحم على السلفية» كما قال متحسرا ومعاتبا رفاقه العلماني المتطرف علي حرب في كتابه “أوهام النخبة” (ص:98-99).

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M