حُبُّ تَازَةَ لاَ يَمْنَعُ مِنْ حُبِّ غَزَّةَ.. حب المغاربة لفلسطين وأهلها عبر التاريخ

18 يوليو 2014 17:20
حُبُّ

حُبُّ

عبد الكريم القلالي

هوية بريس – الجمعة 18 يوليوز 2014

بسم الله الرحمن الرحيم

تطاولت شرذمة من الدخلاء من أدعياء الانتساب للأمازيغ الأحرار  الشرفاء النبلاء الكرماء على إخواننا وأحبتنا في فلسطين وتكالبوا على لمز الفضلاء منهم بشنيع الألفاظ، ورفع شعارات من قبيل “تازة قبل غزة” مبتغين بذلك شق صف الشعب المغربي وإضعاف حبه لفلسطين وأهلها، وأنى لهم ذلك؛ فالشعب بفضل الله، على درجة من الوعي واليقظة بمكان، وقادر على إدراك الحقيقة بغض النظر عن أسماء ومسميات هذه الشرذمة التي عظمت جرائرها، وخبثت سرائرها، وعرف شومها، وبانت أهدافها ومقاصدها.

وكل مسلم مؤمن غيور لا يجد حرجا من الجمع بين حب تازة وغزة، فكلتاهما مدينتان تنتميان لدولتين مسلمتين، ساكنتهما مسلمون، نكن لهما الحب والتقدير والنصرة، دون أن تؤثر في ذلك الحب الحدود الجغرافية؛ فتازة لن تنسينا غزة، وغزة لن تنسينا تازة، وهذا هو الواقع والثابت الراسخ في القلوب، وكذلك كان الأمر في علاقة الشعبين الموغلة في القدم الضاربة الجذور في أعماق التاريخ، فحب أهل المغرب لإخوتهم في العقيدة والدين لا يحتاج إلى إثبات أو دليل؛ ومذ عرف المغاربة فلسطين وما ورد في بيت المقدس من آثار وفضائل، وما خصت به تلك البلاد من أحاديث نبوية شريفة تعلقت قلوبهم بها وأكنوا في أنفسهم ودا خالصا لها، وتقديرا لأهلها، فشدوا إليها الرحال فزاروا أماكنها، وجالسوا علماءها، وأفادوا واستفادوا من أهلها، وأوقفوا بها أوقافا شاهدة على ذلك إلى يومنا هذا، وبالمسجد الأقصى مصاحف تحمل أثر أهل المغرب، فقد كتب السلطان أبو الحسن علي بن عثمان المريني (ت752هـ) مصحفا بخطه، وأرسله إلى المسجد الأقصى. وهو أحد ثلاثة مصاحف كتبها وأرسلها إلى كل من المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال. ويذكر المقري أنه رأى هذا المصحف في القدس، وأعجب بربعته (أي ظرفه) التي هي في غاية الصنعة[1].

ولم تكن رحلاتهم مرور كرام بتلك الديار بل لقنوا فيها العلوم المعارف،  يقول  أحمد بن محمد المقري التلمساني (ت1041هـ) «وكان عودي من الحجة الخامسة بصفر سنة سبع وثلاثين وألف للهجرة، فتحركت همتي أوائل رجب هذه السنة للعود للبيت المقدس، وتجديد العهد بالمحل الذي هو على التقوى مؤسس، فوصلت أواسط رجب، وأقمت فيه نحو خمسة وعشرين يوما بدا لي فيها بفضل الله وجه الرشد وما احتجب، وألقيت عدة دروس بالأقصى والصخرة المنيفة، وزرت مقام الخليل ومن معه من الأنبياء ذوي المقامات الشريفة»[2].

وكانت لهم بها أوقاف وأحباس دلت على حبهم لتلك الديار وأهلها،  فهذا: أبو مدين شعيب بن المجاهد المغربي، حبس بعض الأماكن في القدس وخارجها على المغاربة المقيمين في القدس الشريف أو القادمين إليه. وأوقف الشيخ العابد المجاهد عمر المجرد بن عبد الله بن عبد النبي المغربي المصمودي (ت703هـ)، زاوية في القدس، أنشأها من ماله الخاص، في حارة يكثر فيها المغاربة، عرفت بحارة المغاربة.

وأشار ابن بطوطة أثناء زيارته لمدينة القدس إلى التقائه أحد المغاربة الذين كانوا يُدَرِّسون في المدرسة المالكية المنشأة سنة 741هـ، زمن الناصر محمد بن قلاوون، وهو: الشيخ أبو عبد الله محمد بن مثبت الغرناطي نزيل القدس[3].

والشيخ جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله البكري الشريشي (ت685هـ): رحل من الأندلس، فزار مصر والعراق والشام، وتولى مشيخة الصخرة في حرم القدس الشريف. وكان ذا خبرة بالتدريس، مارسه في المدرسة الفاضلية بالقاهرة، وفي مدارس القدس، وتولى مشيخة الرباط الناصري في الجبل بدمشق[4].

ومن مشايخ المغرب الذين درسوا بالمسجد الأقصى الشيخ الإمام شمس الدين عبد الواحد بن جبارة المغربي المالكي (ت826هـ): تصدر لتدريس النحو والحساب والفرائض وغيرها من العلوم في المسجد الأقصى[5].

ولم يقتصر الأمر على التدريس بل تولوا القيام ببعض الشعائر الدينية والمهام الوظيفية؛ فهذا  الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد المغربي الأصل، المالكي المذهب (ت874هـ): كان يشتغل بالأذان في المسجد الأقصى، ويدرس فيه في الوقت نفسه، وكان من العدول في القدس[6].

وهذا غيض من فيض مما كان بين أهل المغرب وفلسطين. وسيبقى هذا الود والصفاء ما بقي الليل والنهار لأن منبعه شريعة رب العالمين التي تجعل أخوة الدين والعقيدة أقوى وأبقى من أخوة الدم والنسب، مهما عبث العابثون وكاد الماكرون، والحمد لله الذي جعل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وله المنة والفضل على نعمة هذه الأخوة وكفى بها نعمة.



[1]أحمد بن المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج: 4، ص:400.

[2]أحمد بن المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج: 1، ص:57.

[3]ﺗﺤﻔﺔ اﻟﻨﻈﺎر ﻓﻲ ﻏﺮاﺋﺐ اﻷﻣﺼﺎر وﻋﺠﺎﺋﺐ اﻷﺳﻔﺎر، ص:46.

[4]نفح الطيب، ج: 3، ص:627.

[5]الأنس الجليل: ج: 3، ص:258.

[6]محمد إفرخاس، نادية صلاح محمد صديق، رحلات المغاربة إلى المشرق، ودورها في تعزيز ثقافة التواصل، ص:13.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M